|
حوار مع العقل - نهايتة توحي بأن -الصورة أصدق أنباء ٍ من الكلمة
محمد عابدين
الحوار المتمدن-العدد: 2567 - 2009 / 2 / 24 - 10:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يلة أمس بعد أن ُفجعت لسماع ومشاهدة خبر حدوث إنفجار بميدان مسجد الحسين بمدينة القاهرة ووقوع عدد ليس بقليل من الضحايا نتيجة هذا الإنفجار ومن بينه جثة لفتاة فرنسية لم تبلغ السابعة عشر من عمرها ، كما وُجرحَ طفل مصري أثناء هذه المهزلة اللا أخلاقيه .. قررت لحظتها إغلاق التلفاز ، وتوجهت لحجرتي ينتابني حزن شديد على حال وأحوال تلك الأمة المصابة .. ولعلي أجد في النوم راحة تجبر عقلي على السكوت عن التفكير في مستدعيات ذلك الهجوم اللامبرر أخلاقيا ً أو دينيا ً ، وتمنيت أن أخلد إلى النوم ، وإذا بي وأثناء لحظة غفلت فيها عيني بعدما هيئت نفسي لليأس من محاولات الإصلاح ، ُهيئ لي وكأنه وقد إنسلخ عقلي مني وتجسد في صورة هلامية شبه إنسانية ليواجهني وجها ً لوجه وبدأ الحوار بيني وبينه يأخذ شكل الإستجوابات من محقق لمتهم إستمر الحوار على نفس الوتيرة لمدة طويلة قد تكون أخذت الليل بطوله ، لست أدري ، دون أن يسمح لي حتى بغفوة أخرى أرتاح فيها أو ألتقط أنفاسي من كثرة وصعوبة أسئلته وجدالاته وبدأ يسألني .. وأجيبه ، وأصدقكم القول بأنه دائما ما كنت أعجز عن الإجابة على أسئلته أو الرد المقنع عليه فهل هناك أيا ً منكم يا سادة من يستطيع الإجابة على عقلي ويرفع عن كاهلي هذا العناء المشهد الأول / ليل داخلي إضاءة خافتة تصدر عن فتيل داخل قنديل ملقى على مائدة صغيرة بإحدى جوانب الغرفة يصل ضوءه طرف السرير الممد عليه جسدي عقلي : ألست أنت الذي كنت تتساءل بالأمس عن لماذا تتحول ظاهرة الحماس الشبابي إلى تطرف خصوصا ً في مجتمعاتنا الشرقية العربية ؟؟ أنا : نعم أنا وكتبت مقال بهذا الخصوص تساءلت فيه عن ما الذي يجب أن نقدمه لأولادنا من فكر خصوصا ً في مرحلة العمر الشبابية عقلي : بصيغة إستفهامية تهجمية .. وأنا الآن أسألك بدوري ، لماذا ، أكنت متوقع لما سوف يحدث ؟؟ أنا : بصوت ينم عن ثقة تامة ..طبعا ، وبل أنا كنت متوقع ما هو أسواء لذا حذرت ، كما وسبق أن تعددت تحذيراتي ، لكن للأسف لازالت بيننا عقول جامدة وقلوب متحجرة . عقلي : بصيغة إستفزازية يتكلم .. وطالما تعرف تأكيدا ً أن بينكم عقول جامدة وقلوب متحجرة لماذا تتكلم .. أليستمعوا إليك أم ليهاجموك ، أم لينفضوا من حولك ؟؟ أنا : متعجبا ً .. أعتقد ليستمعوا إلى ، على الأقل رأفة بأولادنا وفلذات أكبادنا ، ورحمة بغيرنا ، لعل وعسى تكون لكلماتي تأثير . عقلي : وهل كانت لكلماتك تأثير يذكر ؟؟ حتى تجبرني على الإنشغال بأراءك وتطلعاتك ولم تمهلني حتى دقائق معدودة أتخذ فيها مجالا ً للراحة ؟؟ أنا متعجبا ً مستفسرا ً : أنا ؟ كلا .. أنت الذي تصر على أن تنشغل بأحوال الناس متأثرا ً بما تراه وتسمعه !! عقلي غاضبا ً : أنا لا أنشغل من تلقاء نفسي .. أنت الذي تأمرني فأنشغل .. وبموجب رغبتك أتحرك وأستدعي ما بداخلي من ذاكرة تتلمس عناصر الموضوع .. فمن المتحكم إذن ؟؟ أنا بصيغة إستفسارية : أنا المتحكم أم أنت ؟! عقلي : أنت المتحكم .. فلماذا تشغلني بأمور أنت نفسك يائس من إصلاحها ؟؟ أنا في ذهول : يشملني إيمان عميق بإمكانية إصلاح الحال عقلي : ُترى أيمكن إصلاح الحال والمستنقع الذي تتوالد فيه يرقات الإرهاب لا زال موجودا ً .. أليست هذه كلماتك ؟؟ أنا : نعم كثيرا ً ما قلت ذلك ، بل أكثر لأن الحقائق العلمية تقول بأن الإرهابي يمتلك صفات التزاوج والتوالد فالفرد منهم يتكاثر إما بالتوالد أو المشاركة ليصبح إثنين والإثنين يصيروا أربعة و الأربعة يمسوا ستة عشر في متوالية عددية لا نهائية . عقلي .. بإسلوب إستهزائي : تعترف الآن بأنه لا مجال لما تقول وسط هذا الكم الهائل من التراث الفكري المعنعن .. فلماذا كل هذه الإنفعالات التي تجبرني عليها .. وما ذنبي أنا لأجُهد مع مثل تلك العقول المغيُبة ؟؟ أنا : حالة من الصمت تمتطي لساني ولم أتمكن من الإجابة عقلي بإستهزاء : أتصمت .. لم تدري الإجابة بعد أم وجدت إنني على صواب ؟؟ أنا منكسرا ً محاولا ً مداراة هذا الإنكسار : أبدا ً لكني أبحث عنك لأجيبك عقلانيا ً فلم أجدك بداخلي عقلي : أتستطيع أن تقول لي الآن تحديدا ً ما الذي إستفاده هذا الجاهل الجهول من فعلته ليلة أمس وإذاء الناس أهل وضيوف في ميدان عام ؟؟ أنا لازلت في حالة الصمت المطبق لا أعرف بماذا أجيب عقلي مستفزا ً : إنطق .. تكلم .. قولي مبرر واحد حتى أتمكن من الرجوع لمكاني مستسلما لما ترضاه لي ؟؟ أنا بصيغة الرجاء : لست أدري بما أجيبك .. فقط عد لمكانك حتي أستطيع الإجابة عقلي : كلا لن أعود قبل أن أطمئن إنك لن تستغلني ثانية ً دون مبالاة لإجهادي في أمور مستحيلة ؟؟ أنا : وما وجه إستحالاتها .. إنها أمور فكرية فحسب . عقلي : يا سيدي لو إنها أمور فكرية فحسب كما تقول .. كان لايمكن أن يكون لها ردود أفعال واقعية ومؤثرة خصوصا ً في الحياة البشرية ناهيك عن الأضرار الملاحقة سواء كانت إقتصادية أو إجتماعية أو حتى سياسية كالتي تحدث على الساحة الآن .. لا تغشني وتخدع نفسك .. إنها أمور مرتبطة إرتباط وثيق بتعاليم دينية تكاد تكون مقدسة لديكم وُتنزل منزلة الواجبات .. أليس كذلك .. ثم هل سألت نفسك يوما ً أيقبل الله عز وجل ما يحدث من إزهاق أرواح بريئة دون أدنى جرم إرتكبوه لمجرد إعتناق فكر مقدم على إنه شرع الله ؟؟ أنا مشمولا ً كلامي بنبرة إنهزام أمام عقلي : إنك تردد ما سبق وأن قلته أنا من قبل عقلي : حسنا ً دلني أين الرحمة في قلوبهم إذن ، وبعد كل هذا الإيمان هل إنعدمت ؟؟ أم إنه إيمان ظاهري !! أنا : لست أدري لعلها توارت خلف ما يظنون !! عقلي : وترى ما يظنون أيها الخبيث ؟؟ أنا : الظنون كثيرة تبدأ بنزعة للموت إستشهادا ً ، وصولا ً لنعيم الجنة ورضوان الخالق ، مرورا ً بالحور العين والولدان المخلدون وإنهار من خمر لذة للشاربين .. هكذا صورا لهم هدايا الخالق كنتيجة حتمية لأفعالهم . عقلي : هكذا بكل بساطة ، تحاول أن تقنعني بأن هؤلاء البشر أدوا ما فرض عليهم من فكر دون تحكيم عقولهم لمجرد أقاويل نقلت عبر عنعنات لإناس ممكن أن يخطئوا وممكن أن يصيبوا ؟؟ أنا : نعم .. هذا بالقطع ما هم عليه وإلا لتراجعوا عن فعلتهم لو كانوا حكموا عقولهم وأدركوا تبدل الزمان والمكان والأحوال والظروف . عقلي : إذن فلتخبرني .. من وراء تغييب عقولهم . أنا : أعتقد بأن هناك إناس أيضا ً سبق وأن غيبت عقولهم من قبل كانوا من وراء تلقين هؤلاء هذا الفكر . عقلي مستنكرا ً : ومن كان من وراء تغيب عقول هؤلاء الناس المعلمين ؟؟ أنا متململا ً : سندخل في متاهة لا حصر لها .. يا سيدي الموضوع أساسه فهم خاطئ ومكونات شخصية وبيئة وزمن ومكان وسلوكيات و .. و .. لما لا ندع كل ذلك جانبا ً وتعود لمكانك وتنهي هذا الإستجواب ؟؟ عقلي : سبق وأن قلت لك لن أعود قبل أن أطمئن .. ولم أطمئن حتى هذه اللحظة .. لإنك ... ولم يكمل أنا : فلتخبرني إذن بما يطمئنك حتى ُأأديه وتطمئن وتعود عقلي : قلت لك من قبل أن ما يطمئنني هو أن لا تشغلني فيما بعد بهؤلاء القوم الطالحين أنا : لن أوعدك بذلك ، فهناك ضحايا كثر يصعب علي أن لا أتذكرهم وتراهم عيناي رقادا ً وتطالبني بالسكوت .. كييف بالله عليك كما وتطلبني بألا أبحث فيما هو لصالحهم وحماية الباقين .. أي عقل أنت ! عقلي : إذن إنه الفراق بيني وبينك حتى تتعهد بعدم الخوض في مثل تلك الأمور .. أنت كما أنت لم ولن تتعلم .. إنهم قوم إتخذوا ما قد عهدوا أبائهم عليه .. وراجع تاريخك .. ستجد إنني على صواب أنا : أرجوك عد وساعدني عل وعسى نجد مخرجا من هذا المأذق وتستجيب تلك العقول لما نقول . عقلي راحلا ً أستودعك الله وإبحث عن عقل سواي وكفاني ما نلته منك أنا مترجيا ً أرجوك عد وكن شجاع وصبور عقلي ملوحا ً من بعيد : أستودعك الله سأترك لك الشجاعة والصبر لتستمر فيما أنت عليه من مطاردة يرقات الإرهاب تاركا ً المستنقع دون ردم يذكر ولو حتى من حوافه المشهد الثاني / نهار داخلي لم أدري سوى بصوت المؤذن ينادي لصلاة الفجر ، فإرتديت ملابسي وتوجهت خارجا ً لأداء الصلاة المشهد الثالث / نهار خارجي المكان ميدان مسجد الحسين بالقاهرة أخذتني قدماي لهذا المكان الشاهد على فعل هؤلاء الإجراميين .. لأرى أن الحياة قد عادت لطبيعتها عدا نفوس الناس وما أصابها من قلق وحيرة وحزن ، ولكن من المؤكد أن بقيت الأحزان والأهوال في قلوب أهالي المصابين المشهد الرابع / نهار داخلي لم أدري وإلا وأنا جالس أمام الكمبيوتر أقلب صفحات المواقع الإخبارية التي تتكلم عن هذا الحدث البشع ، ولم أشعر إلا وأنا أضغط Enter على مفتاح لتسجيل وإرسال ما حدث المشهد الخامس / نهار داخلي تجولت في جميع أنحاء المكان الذي أعيش فيه مناديا ً بأعلى صوتي عله يسمعني .. أنا مستكشفا ً : عقلي أين أنت .. أين ذهبت ؟؟ لامجيب أنا مترجيا ً : عد أعدك بأني لن أتدخل في هذا الموضوع عقلي يأتيني صوته من بعيد : كاذب إنك توا ً تارك ما قد كتبت ليأخذ دورته المعتادة أنا : عد وأعدك لن أتكلم فيما بعد صوت الباب الخارجي للمنزل يفتح ويغلق أنا مهرولا ً تجاه الباب مناديا ً : عد يا أغلى ما عندي .. عد يا من كرمني الله بك .. عد من فضلك وأعدك المشهد السادس / نهار خارجي أغلقت باب المنزل خلفي وتوجهت منطلقا ً خلف عقلي فإذا به يجلس جانبا ً يبكي أنا : لماذا تركتني وحدي .. وتجلس هنا تبكي عقلي : أبكي فراقك رغم ما تفعله بي .. أبكي حظي العاثر الذي جعلني عقلك .. لا تخف سأعود فأنت قدري وأنا منك وأنت لن تهدأ حتى تفيض روحك لبارئها أعلم ذلك جيدا ً .. لذا فإني سأعود أنا : أهلا ً بك يا غالي المشهد السابع / نهار داخلي أمام الكمبيوتر جلست مرة أخرى ولكن هذه المرة كان معي عقلي لأضيف لمقالي تلك الكلمات لن تستطيعوا منع الإرهاب طالما هناك لازال قائما ً على أرض الواقع هذا المستنقع الذي تتوالد فيه يرقات الإرهاب والتطرف وتقبول مواساتي محمد عابدين
#محمد_عابدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قيم الغرب الكافر
-
شاركنا رأيك .. تكلم .. إسأل .. حاور .. ناقش .. وافق .. إرفض
-
جنرالات على الورق
-
ثلاثة ألاف وخمسمائة قتيل على الأرض وتحت الأنقاض ينتظرون أن ت
...
-
غزة .. لمن بعد أن ُيفنى كل الغزاويين
-
غزة ..القبر الكبير الذي فتحه الفكر المتطرف
-
الحياة أبدا ً لا تستقم .. والإنسان يعاني أكثر مما يستطيع
-
أبرياء .. ولكن
-
-تشنجات الدين في المجتمع المصري وملامحه -.
-
لماذا تعتبر المرأة ناشزا ً لو كان أمر الزوج الموجب للطاعة مخ
...
-
هل من حق الزوج إكراه زوجته على المعاشرة الجنسية دون رضاها ؟؟
-
هل الحجاب هو تكليف اسلامي من قبل الله سبحانة و تعالى على كل
...
-
هل الحجاب هو تكليف اسلامي من قبل الله سبحانة و تعالى على كل
...
-
سبع شمعات مضيئة في حياة أجيالنا
-
متى نحكم قبضتنا على الإرهاب ؟؟
-
جريمة إغتيال عقولنا على من تقع ؟؟ الراوي أم المروية أم المرد
...
-
لماذا تستهوينا المرويات أكثر من الآيات ؟؟ الجزء الثاني
-
هل يعتبر الإيمان إسلاما أم الإسلام إيمانا ً ؟؟
-
كيف نكون مجتمع سوي .. ونصف تعدادنا تقريبا ً ناقص عقل ودين ؟؟
-
النقاب ما هو إلا تلميح جرئ بعدم كفاية الوارد في النصوص الثاب
...
المزيد.....
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
-
ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|