|
سيطرة اليمين في اسرائيل و تاثيراتها على علاقاتها في المنطقة
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2579 - 2009 / 3 / 8 - 09:42
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
لم تكن احداث غزة الا مفتاح تغيير شامل في السياسات العامة و العلاقات الدبلوماسية بين دول المنطقة ، و احدثت رجة للواحة الراكدة لحد ما من توازن القوى المترسخة منذ فترة في المنطقة . ولم تكن نتائج الانتخابات الاسرائيلية الا ضربة قاضمة و حاسمة لمستقبل عملية السلام في المنطقة و التي قسمت الفلسطينيين و خفف من تاثيراته البعيدة المدى و القوية على خطوات و خطط اسرائيل الاستراتيجية ، و سيطرة اليمين الاسرائيلي على دفة الحكم تاتي بعد ازدياد شعبيته ، و ستخلق عائقا امام سياسة اوباما في بناء جسور التفاهم بين الجهات ، و اتباع الاعتدال في التحكيم و التوسيط كما وعد . و لم تكن التلاسن و التجاذبات بين اردوغان و بيريس وليدة الساعة في دافوس ، الا ان الخلافات نشات فور عودة اولمرت من تركيا و بدا الهجوم على غزة بعد تمطير اسرائيل بالصواريخ الحمساوية ، و ربما كان لاسرائيل نية مخفية تجاه حليفتها تركيا لتتفهم متطلباتها و اهدافها ، الا ان تركيا استغلت الفرصة و التفتت نحو الماضي لاظهار نفسها كقوة كبرى و قطب في المنطقة يمكنها ان تجاري ايران التي برزت سطوتها بعد حرب حزب الله ، و لا يمكن الاستخفاف بها ، و انها حقا حنت الى الامبراطورية العثمانية . بعد الاحداث الاربعة ، حرب غزة و انتخاب اوباما وانتخاب اليمين الاسرائيلي و تلاسنات دافوس، ظهرت ملامح توازن القوى الجديدة في المنطقة ، و بانت للجميع على ماذا يعتمد اي طرف و ما الاوراق التي يستعملها لتحقيق تكتيكه و استراتيجيته . بدات انطلاقة جديدة في الصراعات المستحدثة بين القوى المؤثرة ، و ربما تكون بخطوات ، و بانت مؤشراتها من تصريحات حول مجزرة ارمن و المسالة الكورية و قبرص من قبل المسؤولين الاسرائيليين في هذه الفترة . من المعلوم ان لاسرائيل مجموعة ضغط كبيرة و مؤثرة على سياسات البلدان القوية ، و لا يمكن لتركيا ان تتغفل ما هي عليه وضعها و مطالبتها الدخول الى الاتحاد الاوربي باصرار ، و لم تكن تصرفات اردوغان الا تهريجات اعلامية رغم التخطيط المسبق لها و الالحاح على ادائها بشكل تمثيلي ناجح ، و التوتر الحاصل في العلاقات بين البلدين ليست الا غيمة صيف و تنقشع امام مصالح الطرفين ، و ربما تتطور بشكل ملحوظ لفترة معينة ، و لكن ليس من المعقول ان تودي بالعلاقات في النهاية ، و هذا ليس من مصلحتهما ، ولذلك سيعرضان حركاتهما البهلوانية دون اللجوء الى الانقطاع و التواجه . و ثقل كفة ميزان تركيا يعود بالمنفعة الى اسرائيل في المدى البعيد و كما ذكرت في عدة مقالات من قبل ، لان وجود ايران كقطب قوي منازع للعرب من دون سلاح نووي ، و وجود تركيا كقطب ثاني مناويء لايران ، و وجود عرب المنطقة بثرواتهم وحكامهم كما هو الحال في تشتت واضح و باعتدال ، و هو المطلوب ، سيسهل لعب اسرائيل على الاوتار العديدة ، و سيزيد من مساحة ملعب اسرائيل في المناورات و السيطرة باتجاهات عدة رغم المناوشات في العلاقات الدبلوماسية هنا و هناك بين فترة و اخرى . و ان كانت تركيا تملا فراغا حدثت في المنطقة بعد حرب اسقاط الدكتاتور العراقي، وتحاول اعادة ترتيب المعادلات بحيث تثقل بذات الكفة القوة لصالحها ، و على الرغم من كل ذلك ، فان اسرائيل و بدعم امريكا ستقطف ثمرة تشتت مواقف العرب في المنطقة و لن تتضرر من بروز تركيا كقطب قوي في حالة توسع تشتت وضع البلدان العربية باستمرار. و بعد سيطرة اليمين الاسرائيلي و فوزه في الانتخابات الاخيرة ، ستتغير تعاملات كل دولة و ستشهد المنطقة انكماشات ، و عمليات السلم لم تسير في مجاريها و على الاقل لفترة معينة ، ان وقفت الحكومة الاسرائيلية على ارجلها و قاومت الخلافات بين اطرافها ، ولكن ليس لليمين من جهة اخرى طريق غير الاعتماد على التواصل مع الدول المعتدلة ، والاعتماد على امريكا و الغرب من اجل ازدياد ميلان ثقل كفة ميزان القوى الاقليمية لصالح اسرائيل ، من اجل فرض الشروط التي تعتقد انها من حقها عقيديا و ايديولوجيا ، ولم يُحسم الامر الا بتشنجات متزايدة ، و حتما ستتخللها احترابات و استعمال للقوة لحسم الامور الاستراتيجية الخاصة باسرائيل و مستقبلها . و اذا ما تشكلت الحكومة الاسرائيلية كما هي عليها من المؤشرات التي تدلنا على سيطرة اليمين المطلق على الحكم ، فان الاحزاب الفائزة ستتنافس و تتصارع على مستوى تشددهم امام الخصم و ليس على تقاربهم و تحقيقهم للسلام و تطبيق بنود الاتفاقيات ،و يعملون وفق توجهات الناخب الاسرائيلي التشددي . و ما يعقٌد مهام اسرائيل المستقبلية و كيفية تعاملها مع الوضع القائم ، هو تقاطع تطلعاتها الخاصة مع ما يعمل اوباما عليه من تحسن وجه امريكا و صورتها امام العالم بعد اتهامها بالتدخل و الانحياز الكبير لاسرائيل في مواقفها و عدم تعاملها مع قضية السلام كوسيط عادل . غير ان اراء و مواقف الرئيس الديموقراطي الامريكي الجديد لا توحي بان يتخلى بسهولة عن دعم اسرائيل المطلق ، و ستبقى مدللة جراء فضل مجموعة الضغط اليهودي في امريكا على فوز اوباما في الانتخابات ، و هذا ما لمسناه في حملات الترويج الانتخابية له. و كل المؤشرات تدلنا على بقاء الوضع على ما هو عليه دون تغيير يذكر ، و ستكون الفترة الحالية طويلة على ما اعتقد، محتوية على محاولات اصلاح و تقارب بين المتخاصمين من دون حسم نهائي ، ان لم تحدث مفاجئات في اركان و اقطاب ميزان القوى في المنطقة . فيما يخص اسرائيل براس يميني ، من المتوقع التقوقع و الاعتماد علىالغرب و عدم الخوض في المصالحات ، و العائق الكبير امام تقدم عمليات السلام المطروحة هو عدم مساومة اليمين مهما بلغ الامر من تراجع الوضع ، و هذا ما يجبر عدة قوى من التقارب و التحالف لمواجهة اليمين الاسرائيلي سوى كانت فلسطينيا او عربيا او اقليميا لحين تشهد المنطقة تغييرا في الوضع و تبدلا في ما موجود على الارض من كافة الجهات ، و اللاعبون الاساسيون هم ايرانيون و امامهم الانتخابات الرئاسية و تركيا و سيطرة الحزب الاسلامي و الانتخابات المقبلة ، و الدول العربية والتوجهين المترسخين بعد حرب غزة من الاعتدال و الممناعة . و من ثم تتفاعل مصالح الاتجاهات الثلاث في خضم الصراعات ، ومن المعتقد عدم نضوج العمليات الضرورية في السلام و العلاقات الدبلوماسية و التعاون بين اركان المنطقة .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التراجع في تطبيق ديموقراطية اقليم كوردستان
-
ترسيخ الفلسفة و النهج التربوي التقدمي اولى مهامات الدولة الح
...
-
اهمية الاصلاح داخل الاحزاب و تاثيراته على الوضع العام في الع
...
-
هل سيشهد اقليم كوردستان فوضا خلاقة و تغييرا جذريا
-
النهضة بحاجة الى العقلية التقدمية المنفتحة
-
كيف نسد الطريق امام محاولات تفريغ الديموقراطية من مضمونها
-
بعد انتخابات مجالس المحافظات.. الوضع العراقي الى اين ؟
-
استمرارية الاصلاحات دليل تطور و تقدم اي بلد
-
اوجه التغييرات المحتملة بعد انتخابات برلمان كوردستان المرتقب
...
-
اوجه التغييرات المحتملة بعد انتخابات برلمان اقليم كوردستان ا
...
-
الدور التركي بعد حرب غزة و تلاسنات دافوس
-
دور النقد البناء في بناء الاحترام المتبادل بين السلطة و المو
...
-
مكامن عمليات اعداد القرارات السياسية و امرارها في العراق
-
تعتمد التحالفات السياسية على ظروف المرحلة و الوضع السياسي ال
...
-
من هم المعارضة و ما هي واجباتهم ؟
-
اوضاع العراق بعد تنفيذ اجندة الادارة الامريكية الجديدة
-
الاليات المناسبة لمشاركة الشباب في اداء الواجبات العامة
-
الفضائيات وسيلة عصرية لتمدن الشعوب
-
المحافظة على سلامة عقلية الاجيال القادمة من واجبات المخلصين
...
-
تقديس القائد من الخصائص السلبية التي يتصف بها الشرق الاوسط
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|