محمد قاسم الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 2564 - 2009 / 2 / 21 - 09:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لايزال الخلط قائما بين مفهومي القيادة والإدارة نظرا للتشابك والتداخل ووحدة الهدف. فقد وجدت القيادة منذ القدم وكذلك الإدارة بجانبها الوظيفي قد نشأت مع نشوء المجتمعات المنظمة مع إختلاف مستويات تطبيقها بين عصر وآخر بدليل الإنجازات الشاخصة للحضارات القديمة, إلا إن الإدارة كعلم بدا منهجيا مستقلا ومؤطرا بشكل أكبر في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر حيث وضع بمجيئه حدا فاصلا بين الإثنين أصبحت فيه الإدارة علم عام يتضمن التخطيط والتقييم والتنفيذ والرقابة والتنسيق بين الموارد وقيادة الجزئيات, مما حدا بمفهوم القيادة في المجتمعات الغربية أن يأخذ طابعا مؤسسيا يتلخص دوره في وضع الخطط الإستراتيجية وتحشيد موارد المجتمع. وقد بقي مفهوم القيادة .. بشكل عام .. في الفكر والتطبيق الشرقي ملتصقا بالإرث الديني والحضاري, يغلب عليه الطابع الفردي يتجسد في صفات شخصية تصنعها عوامل ذاتية موروثة وأخرى موضوعية تصقلها الخبرات المكتسبة و تغذيها الآيديولوجيات المختلفة, وقد أدى الوضع السياسي المتذبذب وكبت الحريات وعدم مواكبة التطور التكنولوجي الى ضعف وجمود النظام الإداري لذلك لم ينضج شكل العلاقة التكاملية بين القيادة والإدارة في مجتمعاتنا كما هو الحال في المجتمعات الأخرى. حيث لم تعد الدول المتقدمة تعاني من ذلك فقد حسمت الأخيرة أمرها بالتسليم المطلق لحكم المؤسسات الإقتصادية الكبرى وجماعات الضغط ومراكز الدراسات كقوى رئيسية تساهم في رسم وتوجيه خططها الإستراتيجية, فيما تفرغت مؤسساتها الأخرى العلمية والحكومية ومؤسسات التدريب لتسيير الشؤون الإدارية, ولايعني بالضرورة غياب الفكر الآيديولوجي عن الحياة العملية للقوى القيادية لهذه الدول ولكنه ينحجب خلف الأطار الزمني للتخطيط بعيد الأمد وينساب في التكتيك المرحلي بشكل فني غير ملفت للنظر في السياسات الداخلية لكي لايسبب ثلما في التنوع الوطني ولايصطدم بصخرة التشريعات الدستورية, فيما يفصح التوجه الآيديولوجي خارجيا عن نفسه بوضوح تام وبذلك حصرت الدول المتقدمة مفهوم القيادة بسياساتها الخارجية وأولت للإدارة تسيير موارد المجتمع وترتيب إحتياجاته التنموية.
في مجتمعنا العراقي لازال الخلط قائما بين المفهومين كما أشرت سلفا وقد يعزى ذلك بالتحديد الى حداثة تجربة الإصلاح السياسي والإقتصادي, وعدم نضوج اللوائح والقوانين كما وتلعب العوامل الخارجية دورا سلبيا يتمثل في خلق فجوة بين القيادة والإدارة وبما يؤدي الى إعاقة التكامل والتفاعل بين الطرفين. بشكل عام ينحصر فهمنا لوظائف القيادة في قدرتها على تحريك وتحشيد الناس نحو الهدف الأعلى المتمثل في إرساء العدالة الإجتماعية والإصلاح الشامل ومعالجة المفاهيم الإنسانية, أي قيادة المجتمع وإختيار إتجاهات الخطط التنموية, من جانب آخر يناط بالإدارة دور التوظيف لموارد المجتمع والتنسيق فيما بينها بما يحقق الإستخدام الأمثل لهذه الموارد, لذلك فإن تغييب الأسس التي تحكم العلاقة بين القيادة والإدارة وتشتت الرؤى وعدم إستنهاض الأرضية المشتركة فيما بين القادة أنفسهم وعدم نضوج التشريعات التي تمنح الإدارة القدرة على الربط بين المتغيرات وتحديد الطريقة الصحيحة للعمل ناهيك عن دخول أعداد كبيرة من الطارئين غير المؤهلين في عالم الإدارة قد أدى بالنتيجة الى الخلط في المفاهيم وخلق فجوة بين مهام ووظائف كل منهما الأمر الذي قد يترك آثاره السلبية ويقف حائلا دون تحقق التنمية المنشودة.
التنمية في إطارها الشمولي الذي لايقتصر على تحقيق النمو في الناتج القومي هي .." إرادة تغيير وإدارة تغيير ".. هنا تبرز الحاجة الى القيادة التي يفرزها المجتمع وتنبثق عنها إرادة التغيير ومن ثم تبرز الحاجة للظهير الكفؤ القادر على إدارة هذا التغيير, فإذا ماإستثنينا الموارد الإقتصادية التي قد تصنف على أساسها الدول بالفقيرة أو الغنية فإن مسؤولية النهوض بالأبعاد الأخرى لعملية التنمية الشاملة تقع بالدرجة الأساس على القوى القيادية والكفاءات الإدارية ومدى تفاعل بعضهما البعض, فيأتي دورالقيادة كمظلة لتحريك البعد السياسي والإجتماعي وحث الناس على المشاركة والتفاعل وفقا لإستراتيجيات إرادة التغيير والحث على التشريعات الدستورية والقانونية الممهدة لهذه الإرادة ومن ثم تقوم الإدارة في إطارها الشامل كوعاء لتجميع عوامل التغيير والتأليف بينها من أجل إستغلالها بفعالية للوصول الى الهدف في إطار الربط المستمر بين الرؤية والواقع.
إن القيادة والإدارة هما حجر الزاوية في نهوض الأمم والثراء وحده لايصنع المستقبل لأي بلد مهما إمتلك من الثروات الطبيعية إذا ماأراد خلق نوع من التوازن مابين الإنجازات المادية وغير المادية . ولهذا تصبح الحاجة لتنمية وبناء القدرات القيادية والإدارية في المجتمع مطلبا تفرضه حتمية حفاظ الأمة الناهضة على هويتها الحضارية. فقد تكون الملكات الفيزيولوجية المولودة مع المرء هي الأساس في تشكل الصفات القيادية في شخص ما قد يفتقر إليها غيره ولكن للعوامل الموضوعية أيضا دور كبير في بناء أساس معرفي يضاف الى الميول القيادية الموروثة أصلا, فالقائد دون جيل قيادي يسانده ويؤازره لايمكنه النهوض بأعباء مسؤولية القيادة بمفرده, وفي ذات الوقت فالإدارة ووسائل تطويرها بما فيها رسم ستراتيجية تتوافق فيها مخرجات الجامعات والمعاهد مع الإحتياجات الفعلية لعملية التنمية لخلق التوازن المطلوب بين سياسات القبول وسياسات التوظيف كي لايحل إختصاصا محل آخر نتيجة الندرة أو الفائض في تلك الإختصاصات, كما إن البرامج التدريبية الدورية للكوادر الإدارية سوف ترتقي بالنوعية وتقلص الفجوة مابين أنظمة التعليم والواقع العملي فالهياكل الوظيفية غير القادرة على التخطيط والتنظيم والتنسيق الأنسب ستؤدي بالنتيجة الى هدر الموارد وسوء إستثمارها وإستشراء الفساد الإداري وتقويض دور القيادة التي قد تبدو في نظر عامة الناس عاجزة عن رسم إتجاهات تحقق الإصلاح والعدالة الإجتماعية ولو بمستوياتها الدنيا وبالتالي ستكون الإدارة الفاشلة عبئا على القيادة الفاعلة مثلما تكون القيادة الخاملة عائقا أمام الأدارة الكفوءة ويتعذر مع أي من الحالتين النهوض والإرتقاء كون رأس المال البشري هو الثروة الحقيقية والمحرك الأساسي في عملية تنمية المجتمعات.
لايتأكد أي مفهوم موضوعي للإستقلال بكافة أشكاله دون دوران عجلة التنمية الشاملة ولا للتنمية ذاتها بدون تكامل أدوار القيادة والإدارة وتفاعلهما : القيادة بما تحمل من رؤى مرنة وتوجهات إستراتيجية وقدرة على حشد الموارد وتحديد الإتجاه الصحيح للتخطيط ومهارة الرصد الدوري للمتغيرات , والإدارة بما تحمل من براعة في الأداء ودقة في التخطيط ونزاهة في العمل وواقعية في التقييم. فإن القيادة الفاعلة بدون إدارة كفوءة تبدو كالدولاب تدور في دوامة الشعارات وبما يجعل منها حبيسة إطار الصورة الشاملة بعيدة عن التفاصيل وبمعزل عن الإنجازات المادية كما إن الإدارة الكفوءة مع قيادة خاملة هو إغراق للمجتمع في زحمة الإنجازات بعيدا عن القوى الكامنة والعلاقات الإنسانية وإستشراف المستقبل, الانجازات التي قد تنحى بالمجتمع نحو الإنسلاخ عن هويته الحضارية وإلتحاف القيم المستوردة. فالتلازم الموضوعي والوظيفي مابين القيادة والإدارة هو ضرورة تفرضها حتمية النهوض المعنوي والمادي بالمجتمعات عندما تقترن إرادة التغيير بإدارة كفوءة قادرة على خلق إنجازات ملموسة على أرض الواقع.
#محمد_قاسم_الصالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟