أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شذى توما مرقوس - كُرة تتقاذَفُها كُلّ الأَطْراف ........















المزيد.....


كُرة تتقاذَفُها كُلّ الأَطْراف ........


شذى توما مرقوس

الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 09:15
المحور: حقوق الانسان
    


......... في عام 2007 قامَت الدُّنْيا وما قعُدَت في المانيا على أَثْرِ خَبَرِ اعْتِقال الطالب الالماني ماركو فايس القاصِر البالِغ من العُمْرِ سبعة عشر عاماً في انتاليا ــ تركيا حَيْثُ كان برِفْقَةِ والديه يَقْضِي عُطْلَتهُ الخَرِيفيَّة ووُجِّهت لهُ تُهمَة التَّحَرُّش بالفتاةِ القاصِر شارلوت ذات الثلاثة عشر عاماً فأُودِعَ السِّجْن في الثاني عشر من نيسان عام ألفين وسبعة ، كافَحَت المانيا إلى جانِبِ والديّ الشابّ لاسْتِعادةِ مُواطنها بكُلِّ الوَسائِل المُتاحة وعلى أَصْعِدة مُخْتَلِفَة وتمَّ فَتْح حِساب بنكي للتبرُّعِ للوالدين في هذهِ المِحْنَة وتَخْفيف أَعْباءِ التَّكالِيف الماديَّة عنهما فانْهالَت التبرُّعات من الشَّعْبِ الالماني إلى جَانِبِ أعداد لاحَصْر لها من رسائل المُساندة والمُعاضدة للوالدينِ ( الشَّعْب الالماني الذي غالِباً ما يُتَّهَم بكونِهِ صُوْرَة مُتآخية مع بُرُودِ العاطِفة والتَفَكُّك العائلي وفُقدان أَواصِر الحَمِيميَّة في العَلاقَات والشُعُور بالآخر ) ....... أخيراً وبَعْدَ جُهودٍ حَثِيثة أُطلِق سَراح الشابّ فأُعِيد إلى حِضْنِ وَطَنِهِ الأُمّ المانيا وإلى حِضْن والدتهِ مارتينا فايس ....... قَعَدَتْ المانيا سَعِيدة مُسْتَرِيحة بَعْدَ أن أدَّت واجِبَ الدِّفاعِ والحِمايَة عن ابْنِها ماركو ........ وأيضاً في المانيا ناضَلَت أُمُّ الشابّ الالماني ( مُراد كورناس ) المُنْحَدِر من أَصلٍ تُركي والمَوْلُود في مَدِينةِ بريمن الالمانية من أَجْلِ اسْتِعادة ابْنها الذي أُودِع مُعْتَقَل غوانتانمو وكان يَبْلُغ من العُمْرِ حِيْنَها الخامسة والعشرين ....... المانيا حثَّت الخُطى إلى جانِبِ والدتهِ حتَّى تمَّ إِعادَتهِ إلى حِضْنِ بِلادهِ ، ورَغْمَ كُل الانْتِقادات التي وُجِّهت للحُكومَةِ وبالغ الإِشْكالات التي لفَّت القَضيَّة ، المانيا حرَّكَتْ سَاكِناً ولم تَحْتَرِف الصَّمْت لها مَوْقِفاً من قَضايا تَخصُّ مُواطنيها ومَصِيرهم ولم تَقِفْ مُتَفَرِّجة مَكْتُوفة اليدين ....... العِبرة المُسْتَخْلَصة من مَواقِفِ المانيا اتجاه مواطنيها إن حَياتهم ذات قِيمة كَبِيرة وتَعْنِي لها الكَثِير وعمُوماً حَياة الإِنْسان ذات قِيمة في المانيا والوَطَن يَحْمِي أَبْناءه ، ولو أَلقينا نَظْرَة على حالِ العراقيين في الداخِلِ والخارِج أَدركنا النَّقِيض تَماماً في مَواقِفِ العراق من أَبْنائهِ فلاقِيمة للإِنْسان ولا لحَياتِهِ ، بلْ إن قِيمة العراقيين اسْتُهلِكت حتَّى غَدا كُلُّ العَالم يَنْظُر باحْتِقار أو شَفَقة إليهم ويَسْتَرخِص أَرْواحهم ، يَفْتَقِدُ العراقيون وبشِدَّة رِعايَة وحِمايَة وَطَنهم لهم ، فما الذي قَدَّمَهُ العراق كوَطَن لأَبْنائهِ من حِمايَةٍ وهُنا يَعْنِينا الوَطَن بصِفتهِ الرَّسْميَّة والمَواقِف المُنْبَثِقة عن هذهِ الصِفة وهي وَجْه العراق كبَلَد بَيْن بَقِيَّةِ بُلْدانِ العَالم لهُ واجِب حِمايَة ثَرْوَته البَشَريَّة والَّذِين هم المواطنين العراقيين أَيْنَما كانوا وحَيْثُما حَلُّوا ......... هل اهْتَزَّ ـــ كبَلَدٍ يَحْمِي أَبْناءه ــ لأَجْلِ ما أَصابَ تلك الأُمّ العراقية في الدانمارك حَيْنَ انْتَزعَت دائِرة رِعايَة القاصِرين منها ولديها التوأمين وأَدخلَتهما إصلاحية للأَحْداث ...... هل حرَّكَ أُصْبُعاً من أَجْلِ آلاف اللاَّجِئين المُتواجدين في دُول الجِوار أو الدُول الأوربية الأُخرى والَّذِين يُعانون العَذَاب وعَدَمِ الاسْتِقرار بسَبَبِ قوانين اللُجُوء الصَّعْبَة وما يترَتَّب عليها من طَرْدٍ وتَّرْحيل وإِقامة مُؤَقَّتة وغَيْرها ...... وحِيْن فكَّرَ أن يُحرِّك أُصْبُعاً حرَّكه باتجاه مُغاير ، فكان التحرَّك الرَّسْمي بزِيارَةِ البُلْدان الغَرْبيَّة ( كالمانيا وايطاليا والسويد ) المُضَيِّفة للاَّجِئين العراقيين وبثِّ التَوْصيَات لحُكومَاتِ هذهِ الدُول بعَدَمِ تَيْسِيرِ قُبولهم أو مَنحِهم الإِقامات ، إِذْ لايَكفِي مايَعِيشهُ الأَفْراد العراقيون من أَذىٍّ حَيْثُ يكونون فيُطَارَدُون ويُلاحقون أيضاً في بُلْدانِ اللُجُوء وكأنَّهُ لايَلِيق بالعراقيين الْتِماس بَعْضاً من الطُّمَأْنينَة أو طيّ جِراحهم ولو طَيَّة واحِدة وكأنّ رَاحة العراقي تُغيظ من تُغيظ حتَّى غَدَتْ أيّة زِيارَة رَسْميَّة تُشكِّلُ كابُوساً للمُقيمين في دُولِ اللُجُوء ولَسْعَة تَظْهَرُ آثارها المُؤْذِية عاجِلاً وتَمْتَدُّ إلى أجلٍ غَيْرِ مُسَمَّى وغَيْر مَعْرُوف ....... فما كان من المُستشارة الألمانية ميركل إلا وأن صَرَّحَتْ عِبر قنوات الصحافة السَمْعيَّة والبَصَرِيَّة والمقْرُوءة بتأْييدِها لرَغْبةِ العراق في تَشجِيعِ عَوْدَة اللاَّجِئين العراقيين إلى بِلادِهم وإنّها ستُعِدُ برنامجاً لعَوْدَةِ اللاَّجِئين خِلال الشَهْرين المُقبلين ، ثُم أدلى السيّد شويبلة ببَعْضِ التَّوضِيحات الهامّة للصُحفيين عن ذلك
.......... ما أَشْبَهَها بدَعْوَة لمُحاصَرَة العراقي أَيْنَما كان وسَدِّ كُلَّ الأَبواب أَمامه ....... هكذا يَهْربُ العراقي باتجاه المَجْهُول بَعِيداً عن وَطَنٍ غَدا مَصْدَر انكِسارِهِ وعَذَاباته وخَيْباتهِ ، وفي غيابِ ثِقَةِ المُواطِن بوَطَنِهِ وعَدَم إِيمانهِ بقُدْرَة هذا الوَطَن على حِمايَتِهِ ورِعايِتِهِ يكون حاصِل التَّحْصِيل رَفْضِ الكَثِيرين للعَوْدَةِ واخْتِيَارِ البَقاءِ في الغُرْبة رَغْمَ النَّزِيْف النَّفْسيّ اليَّوْميّ والتَّقَصُّف في المَشاعِرِ وكُلِّ الإِرهاقات ..... وكل الدَّعْوَات التي دَعَتْ ( أو لازالَتْ تَدْعُو ) إلى الصمُود والتَّشَبُّث والبَقاء إنَّما هي دَعْوَات بَعِيدة عن مَنْطِقِ العَدْلِ والإِنْصاف والواقع المُعاش ولها دَوافِع وحَيثِيات تتَنَوَّع وتتَعدَّد بتَنَوُّعِ وتَعدُّدِ مُطلقيها وخصُوصاً تلك الدَّعْوَات الصَادِرة عن أَشْخاص أو جِهات لايُقِيمُون في الوَطَنِ ويَعِيشُون في بُلْدان أُخرى لاتَكْتَوِي بتلك النَّار الكَرِيهَة نَار الحَرْب ويُطالِعونها فَقَطْ من خِلالِ شاشات التلفاز والفضائيات بَيْنَما في الوَقْتِ ذاته يُطالِبُون ويحثُّون من يَعِيشُون في الوَطَنِ وتَحْتَ رَحْمة أَلّة التَطاحُن الطائفي والمليشيات وغَيْرَهم التَّشَبُّث والبَقاء والمُقاومة ، فكَيْفَ يُمكِن للعُزَّل أن يُقاوموا ويُحافِظُوا على حَياتِهم وأُسرِهم إزاء من يَمْتَلِكُون الأَسْلِحة والقنابِل والرَّشاشات والمُفخخات ، وإن حافَظُوا على حَياتِهم وحَياةِ أُسرهم مرَّة فهل لهم عَيْنُ النَّصِيب في مرَّة قادِمة ....... أن طَرْفِيّ المُعادلة لايتكافأن البتَّة وعلى جِهتيّ نَقِيضٍ تامّ ........ إِرادة البَقاء والتَّشَبُّث يَجِبُ أن تكون مُناطة بالشَخْصِ المَعْنِيّ بالأَمْرِ وحِيْنها يكون القَرار لاغُبار عليهِ أما مُطالبة الآخرين بذلك فهو من الإِجْحاف لأنّ المَوْت ليس أَمْراً يُسْتَخَفُّ به فنتائجه وعواقِبهُ أَكْبَر بكَثِير من سُوءٍ وأَلمٍ وأَذى يُحْكى عنه والحدِيثُ عن هذا طَويل ويَحْتَاجُ إلى مَقَالَة خاصَّة ........ إن بِنَاء شُعُور الارْتِباط العَمِيق بالوَطَنِ داخِل الأَفْراد مسؤولية الوَطَن تجاه أَبْنائِهِ من خِلالِ حِمايتِهِ لهم واعتِزازه بهم وعَضْدهم ومُحاولة تَسْهِيلِ أمُورِهم وتَذْليلِ العَقَبات التي تُؤَرِّقهم وتَرْكِ انْطِباع المحبَّة لهم في قلُوبِهم فُيساعدُ في خَلْقِ أَفْراد صَالحين قادرِين على البِنَاءِ والمُشاركة في رُكبِ التطور الإِنْساني أَيْنَما كانوا ، فهل قَدَّمَ العراق الحِمايَة الكافية والاعتِزاز الكافِي بأَبْنائهِ ، فكما على الفَرْدِ العراقي واجِبات هكذا لهُ حُقوق يَجِبُ أن تُصان وأَوَّل هذهِ الحُقوق عَضْده وحِمايَتِهِ .........
للمَغْرِبِ رعايا كُثْر في المانيا لكِنّها كبَلَدٍ أُمّ لم تُفكِّر يَوْماً في عَرْقَلَةِ وجُودهم في البَلَدِ المُضَيِّف ولم تَعْمَل لأَجْلِ ذلك ، بلْ على العَكْسِ سَعَتْ دَوْماً لجَعْلِ مُواطنيها جسُوراً للتَّواصُلِ بَيْن المانيا وبَيْنَها وأيضاً مَصْدَراً قَيِّماً لاسْتِقدامِ العُملة الالمانية وزِيادتها في السُّوقِ المَغْرِبيَّة بمايُقْوِي اقتِصادها ويَعْضِده ايجابياً وخَطَتْ خَطَوات أَكْثَر ايجابية لحِمايَةِ مُواطنيها فعقدَتْ اتفاقيات مع المانيا بشَأْنِ تَسْوِيَة مشاكِل المَغْرِبيين المُعَلَّقة في المانيا كالأَحْوالِ الشَّخْصيَّة من طَلاقٍ وزواجٍ ووِلادَات ..... إلخ من أمُورٍ حَياتية مَعْرُوفة ، مُحاذَاةٍ لتجارُب أُخرى مُتَنَوِّعة على نِطاقٍ مُعيّن وقابلة للتطوير ، من بَيْنِها على سبيل المِثالِ لا الحَصْر : قُبول المَغْرِب لتَعاوُنٍ الماني ــ مَغْرِبيّ يتمُّ بموجبِهِ اسْتِقبال بَعْض العائلات المَغْرِبيَّة لطَلَبَة أو طالِبات المان واسْتِضافتهم عِنْدَهم لفَتْرَةٍ زَمْنيَّة مُحدَّدة بقَصْدِ المُعايشة والتَعرُّف على ثَقافَةِ البَلَدين وتُراثهما وتَقْوِية أَواصِر التعايُش السِلْمي بَيْن الشَّعْبين وأَيضاً فَتْح إِمْكانيات جَدِيدة وفُرْص مُسْتَقْبَليَّة أمام الشَرِيحَة الشَّبابيَّة الالمانية وأهداف مُفِيدة أُخرى تَصُبُّ في صَالحِ بِنَاء مُجْتَمَعٍ إنْساني سَلِيم ومُنْفَتِح على الآخر أيَّاً كان ، وهو نِظام تنتَهِجهُ المانيا مع دُولِ مُخْتَلِفَة في العَالم ، هذا ناهِيكَ عن الاسْتِعْدادات الكَبِيرة التي تَقُوم بها المَغْرِب في كُلِّ مَوْسِمٍ صَيْفِيّ لاسْتِقبالِ المَغارِبة القادِمين من بُلْدانِ المَهجَّر لقَضاءِ عُطْلَتهم الصَّيْفِيَّة في وَطَنِهم الأُمّ المَغْرِب ..... الوَطَن يَحْتَضِنُ أَبْناءه ويُرَحِّبُ بهم حتَّى وإن بعدوا عنهُ واختاروا لأَنْفُسِهم نَهْجاً حَياتياً مُخْتَلِفَاً في غَيْرِ أَرْضِهِ ....... الوَطَن لايَنْبُذُ أَبْناءه بل يَشدَّهم إليهِ بحَنان من خِلالِ إظْهار اهتِمامهِ بهم حتَّى وإن أقامُوا على الطَرْفِ الآخر من الُكرةِ الأَرْضيَّة ....... الوَطَن يَحْتَفِي بأَبْنائِهِ ولو سَكَنُوا أقاصي الأَرْض ........ الوَطَن لايَضْطرُّ أَبْناءه لعَوْدَةٍ قسرية دُوْنَ أيِّ اعْتِبار لمُتطلباتهم وحاجاتهم ورَأْيهم في ذلك كقَطِيعٍ مَسْلُوب الإِرادة والرَّأْي ، فالعَوْدَة وتَغْيِير نَمَط الحَياة من شَكْلٍ لآخر ليس بالأَمْر السَّهْل ولايُمْكِن تَحقِيقه بضَغْطةِ زِرّ على أَلّة أو تَوْقيع على اتِّفاقية عَوْدَة قسرية ....... كَيْفَ يَأْمل الفَرْد العراقي في حِمايَةِ بُلْدان أُخرى لهُ وكَرامَته وإنْسانيته غَيْر مُقَدَّرة من وَطَنِهِ وهل يَحِقُّ للعراقي أن يَنْتَقِدَ البُلْدان الأُخرى حِيْن تَدوسُ على حُقوقِهِ أو تَنْظُر إليهِ بعَيْنِ الاسْتِهجان وحالهُ هكذا مع وَطَنِهِ ........ حِيْنَ يَقعُ العراقي في مِحْنَة يَقِفُ وَحِيداً لاوَطَن يَحْمِيهِ أو يُدافِع عنه وإنّ جرّبَ الاسْتِغاثة وطَلبَ العَوْن من إيّةِ جِهَةٍ رَسْميَّة تُمثِّل بَلَده في غُرْبتِهِ فلا يُلاقِي منها الدَعْم الذي يَحْتَاجه أو يَصْطَدِم بالرَّفْض أو التَّجاهُل ....... يَقِفُ يَتِيماً من وَطَنِهِ فلاغرابة أن تتقاذَفهُ كُل البُلْدان وتَمُطُّ حُقوقَه أو تَضْغَطها أو تَقْتَصُّ منها كما شاءت وأرادت فليس لهُ من يَحْمِيه ويَدْرأُ عنه الأَذى والخَطَر ...... ولاعَجب أن فاجأتنا الأَيَّام بأَخْبَارِ الكَثِير من العراقيين المَجْهُولي المَصِير في شَتَّى بقاعِ الأَرْض ولم نكُنْ نَسْمَع بهم أو نَعْرِف بوجُودِهم أصلاً أو الظُّروف التي تَعَرَّضُوا إليها وأَيضاً وَطَنهم لا يَعْرِفُ ذلك كأُمٍّ مسؤولة عن أَبْنائها ، ولن تَأْخُذنا الدَّهشَة إن عَرَفْنا عن الكُتّاب والمُبدعين الَّذِين ماتوا في الغُرْبة أو في الوَطَنِ دُوْنَ أن تَمْتَدَّ الأيادي لانْتِشالِهم من سُوءِ ظُروفِهم الصحيَّة أوالمَعاشيَّة ، هذهِ الطاقات الأدبيَّة والفكريَّة من شُعَراء وكُتّاب ومُفكِّرِين والَّذِين ساهمُوا في خَلقِ الغِنى الفكِريّ والوَعْي بأَشْكال مُتَعدِّدة وبمقادير مُخْتَلِفَة .......
قَبْلَ سِنين طَوِيلة قَصَدَ أَحدُ الباحثين الالمان إحدى المُقاطعات الأمريكية بغَرضِ مُواصَلةِ دِرَاستِهِ وأبحاثهِ فيها على الجينات والكروموسومات فاسْتَقَرَّ بهِ الحال هُناك واسْتَطاعَ أن يَبْنِي لنَفْسهِ مُخْتَبَرِه الخاصّ ....... لم تَجْبُره الحُكومَة الالمانية على العَوْدَة بلْ هي تَجْتَهِد من أَجْلِ اسْتِعادته من خِلالِ العرُوض المُثْمِرَة ....... المانيا تَعْرِفُ قِيمة الرؤوس العامِرة بالعِلْمِ ..... أما العُلماء العراقيين فيُقْتَلون ويُختطفون ويُساومُ على رؤوسِهم بفديةٍ ماليَّة ضخِمة حتَّى يتوبوا عن عِلْمهم في ظِلِّ غياب الحِمايَةِ والرِّعايَةِ اللازِمة أو يَضْطَرُّون للهَربِ إلى البُلْدانِ الأُخرى ، وحال حَمَلة الشَّهادات العُليا ليس بأَفْضَل فإِن نَجوا من المَوْتِ وأقاموا في بُلْدانِ المَهجَّر وبالذات الأوربية لاتتُاح لهم إِمْكانية العَمَل في اخْتِصاصاتهم ووَفْق شَهاداتهم التي تَغَوَّطَت فَوْقها الغُرْبة حتَّى فاحَت الرَّائِحَة فأَغْضَبَتْ البَعْض وأَضْحَكَتْ البَعْض وضاعَتْ كُلَّ الجُهود التي بَذَلُوها من أَجْلِ تَحْصِيلهم العِلْميّ العَالِي وهذا حال الأَغْلَبية الغالِبة ...... ولقد ذكرَت العَدِيد من الصُحُف والمواقع عن تقاريرِ أمريكية تُشير إلى أن عَدَد العُلماء الذي قُتِلوا بَيْنَ عام 2003 ــ 2006 في العراق بَلَغَ 550 عالِم وأُسْتاذ جامعي ، 350 منهم عالِماً نووياً عراقياً وأكثر من 200 أُسْتاذ جامعي في المَعارِفِ العِلْميَّة المُخْتَلِفَة من طُبّ ، علوم ، هندسة ، تاريخ ، جغرافية ، علُوم دينية ولُغات ..........
يُعَدُّ العراق كواحِد من بَيْنِ البُلْدان ذات الخِبْرَةِ الطُّبيَّة الجَيِّدة والعُقول العِلْميَّة المُتميَّزة ، ما الذي تَبَقَّى من كُلِّ هذهِ الثَرْوَة ؟ ......... أَيْنَ قِيمة الفَرْد العراقي كإنْسان ....... أم أن التَفاخُر بتاريخٍ مَضَى وحَضَارَة قَدِيمة وبُكاء على الأَطلالِ سيَبْقَى ديدناً تُغَطَّى بهِ كُلَّ الفُتُوق رَغْمَ عَدمِ جَدْوَى ذلك في زَمْنٍ اتَّسَعَت فيهِ الجِراح وطَفَحَت .......... مَتَى يكون تَضْمِيدها ولَمِّها أم إنّها ستَبْقَى مَفْتُوحة تَنْزِفُ حتَّى يُصِيبها العَفن وتتَقَيَّح فلايَنْفَع العِلاج ........ حتَّى يُطالَب العراقي بشُعُورٍ عَمِيق في الانتِماءِ إلى وَطَنِهِ لهُ حَقّ حِمايَةِ حُقوقِهِ كفَرْد في أيَّةِ بُقْعة كانت من هذهِ الأَرْض ، وحِيْنَ يَشْعُر العراقي بأنّهُ مَحْمِي وعَزِيزٌ على وَطَنِهِ يتنامى شُعُوره وبمسؤولية عَمِيقة في انتِمائِهِ إِليهِ ........
احْتَرقَ مَبْنَى سكنِّي جُلَّ قاطنيه من الأتراك في إحدى المُقاطعات الالمانية ، وعلى إثْرِ هذا الحادِث قامَ مسؤول تركي رفِيع المُسْتَوَى في الحُكومَةِ التركية بزِيارَةِ مكان الحادِث وتَفَقُّد الضَحايا وأَهالِيهم وأيضاً الالتِقاء بالجالِيَةِ التركية المُقيمة في المانيا ، ولم تتوقَّف مُعْظَم القنوات التلفزيونية والفضائيات عن مُتابعة الخَبَر والاهتِمام بهِ حتَّى وازى هذا الاهتِمام في حَجْمِهِ أَخْبَارِ تصاعُد وَتِيرَة التَّصْرِيحات بَيْنَ امريكا وايران بشَأْنِ الملفّ النووي ....... المَغْزَى أَظْهَرَت تُركيا كدَوْلَة وعلى الصَّعيدِ الرَّسْمِي اهتِمامها الكَبِير برعاياها في مَهجَّرهم وشاركتهم أَوْقاتهم الصَّعْبَة كأُمٍّ رؤوم وقالت لهم من خِلالِ اهتِمامها هذا إنّها معهم تَعْضِدهم ولن تتَخلَّى عنهم كأَبْناءٍ لها ولن تَتَردَّد عن حِمايَتِهم ، وفي الوَقْتِ عَيْنه مرَّرَتْ خِطاباً غَيْر مُباشر لكِنّهُ واضِحُ المَعْنى للجانِبِ الالماني بضَرُورة التعامل بعِنايَة وتَقْديرٍ أَكْبر مع المُهاجر التركي رَغْمَ إنّه يَتَمَتَّع بذلك كِفايَةً ودُوْنَ تَوْصيَات ، هل حَظَى وجُود المُعْتَقَلين العراقيين في السجُونِ السعودية والأَحْكام الصادِرة بحَقِّهم من قَطْعٍ للرؤوس بالسُّيوفِ والتَّعْذِيب والإذلال والإهانات بنَفْسِ الاهتِمام في الفضائيات والأَخْبَار العَالميَّة وهل بَذَلَ وَطَنهم جهُوداً واضِحة في سبيلِ حِمايَةِ حُقوقِهم كمواطنيين يَنْتَمون إليهِ ويَحْمِلون هويته ؟ يَوْميَّاً يُقْتَل العراقيين بالمئات وآخرون يُهجَّرون وغَيْرهم يَهْربُون إلى البُلدان الأُخرى طَلَباً للنَجاةِ بأَرْواحِهم وسَعْياً للعَيْشِ بأَمان وكَثِيرون في ظرُوفٍ أُخرى تَدعُو للأَلم ...... إلخ من شَتَّى الأحْوال وأَخْبَارهم تَمُرُّ أَمام أَنْظار العَالمِ مُروراً خاطِفاً لايَلْحَقهُ ايّ اهتِمام ولاغرابة إن كان وَطَنهم نَفْسه لايَعْبَأُ بذلك أو لايُبْدِي ذلك الاهتِمام المَطْلُوب والضَّرُوري ........
تَرُوم السويد إِعادة مجاميع من اللاَّجِئين العراقيين إلى العراق تَرْحيلاً قسرياً ، هل اهْتَمَّ الجانِب العراقي بشَأْنِهم وطالبَ بحُقوقِهم ، على العَكْسِ جاءَ قرار التَّرْحيل الذي اعْتَمَدَته السويد بِنَاءً على الأتِّفاقية التي وَقَّعَها الطَرْف العراقي مع نَظِيرِه السويدي في تشرين الثاني من عام 2008 والتي يتعيَّن بمَوْجِبِها اسْتِقبال العراق اللاَّجِئين المَرْفُوضة طلباتِ لُجُوئهم من قِبَلِ دائِرة الهِجْرَة ومَحكَمتِها وعليهم مُغَادَرة السويد ..........
أَيْنَ قِيمة العراقي من كُلِّ مايَجْرِي ؟ أَيْنَ حَقُّ صَونِ كَرامَته ؟ أَيْنَ حُقوقه في إِنْسانيتهِ ؟ ......... إنّما غَدا الفَرْد العراقي كُرة تتقاذَفها كُلُّ الأَطْراف بَعِيداً عن أَيِّ تَحَفُّظ وحَرَج ........
اهْتَزَّ العَالم كُلّه من أَجْلِ الجنود الأمريكيين الَّذين قُتلوا في العراق وعلى شاشة التلفاز كانوا يَحْكُون عن ذلك بأَلَمٍ بالِغ وأَسَف مَرِير ، كم شَخْصاً في العَالمِ اهْتَزَّ لمَقْتَلِ العراقيين يَوْميَّاً بالمئات ...... للوَطَنِ دِوْرٌ فاعِل في رَسْمِ قِيمة ثَمينة لأَبْنائِهِ في وَجْهِ العَالم باعتِزازهِ وحِمايَتِهِ لثَرْوَتِهِ البَشَريَّة ...... تَماماً كالآباء حِيْنَ يَرْفَعُون من شَأْنِ أَبْنائِهم أو يُنْقصُون فلا نلْبَث أن نَرى هذهِ النَّظْرَة وقد تَبَنَّاها المُحِيطون بهم من الأَقْاربِ والمَعارِف والجِيران ويتعاملون مع هؤلاء الأبْناء انْطِلاقاً منها واسْتِناداً إليها ..... والصِفة الرَّسْميَّة الغالِبة للعراق كوَطَن هي الصَّمْت عن أَحْوالِ العراقيين وعَدَمِ تَحرِّيك ساكِن لأَجْلِهم في أَيِّ بُقْعة كانوا من الأَرْض وهذا الصَّمْت لازمَ الماضِي وبرزَ في الحاضِر وقد يَمتَدُّ على طولِ المُسْتَقْبَل الآتي حتَّى يُوحِي الحال للنَّاظِر إليه إنّها صِفة مُلازِمة لافِكاك منها ، فالعراقي لم يذقْ يَوْماً طَعْم هذهِ الرِّعايَة والحِمايَة اللَّذِيذَة .......
في حَمْلةِ جَمْعِ التواقِيع لنُصْرةِ أُمّ التوأمين في الدانمارك كَتَبَ أَحد المُوقِّعين في عَمُود المِهْنَة عِبارة ـــ المِهْنَة /البُكاء على العراقيين ــ وفي عَمُود البَلَد ــ العراق بَلَد المَظْلُومين ــ هي عِبارات مُخْتَصَرة لكِن لها دلالة عَمِيقة على ماوَصلَ إليهِ حال العراقيين من أَلَمٍ ومُعاناة ، فالإِناءُ قاربَ النضُوب وساحَ مافيهِ إلى مشارِب أُخرى بَعِيدَة ......
هل ستُجلبُ الشمس معها ذات مرَّة اليَوْم الذي يَلْمُس فيهِ العراقي الحِمايَة والرِّعايَة المَنْشُودتين ؟ على حفِيفِ أَمْلٍ قد يَأْتِي أو لا يَأْتِي ( والأمْل هو أَوَّلُ وآخر القُلاع الصامِدة في وَجْهِ كُلِّ الانْكِسْارات البَشَريَّة وهو الحِصْن المنِيع للإِنْسان في بِنَاءِ المُسْتَقْبَل ) يُخْتَمُ المَقال .......


17 ــ 1 ــ 2009

هوامش : ــ

* جاءَ في مَوْضُوع ــ أوربا تتَخلَّى عن قُبولِ لاجِئين عراقيين بَعْدَ تَصْرِيحات للمالكي عن مُساعدتِهم ــ في ميدل أيست أونلاين والمنشور في موقع عنكاوا كوم في زاوية أَخْبار شَعْبنا ، المُقتطفات التَّالية : ــ
1 ــ وتقومُ المانيا بحَمْلةٍ في الأتحادِ الأوربي لتَسْهيلِ هِجْرَة اللاَّجِئين العراقيين وخصُوصاً المسيحيين لكِن بَعْدَ زِيارَة المالكي إلى برلين خِلال الأسْبُوع الجارِي أَعْلَنَتْ المُستشارة الألمانية انجيلا ميركل تأْييدها رَغْبة العراق في تَشجِيعِ عَوْدَة اللاَّجِئين العراقيين إلى بِلادِهم وإن الحُكومَة العراقية بررت ذلك بتَحسُنِ الأوضاع الأَمْنيَّة وإنّها ستُعِدُ برنامجاً لعَوْدَةِ اللاَّجِئين خِلال الشَهْرين المُقبلين ) .......

2 ــ قال السيد شويبلة : ( إنّها الحُكومَة العراقية تَسْعَى لَدَينا في الأتحاد الأوربي كي لانُقْدِم على اتِّخاذِ مُبادرات أُخرى قد تكون لها نتائج مُناوِئة لجهُودِها ) وقال أيضاً للصُحفِيين إن المالكي خِلال زِيارَتِهِ لبرلين في وَقْتٍ سابق هذا الأَسْبوع دعا المانيا إلى التَّخَلَّي عن مُبادرتها بتَسْهيلِ هِجْرَة اللاَّجِئين العراقيين في الأتحادِ الأوربي ) .........



#شذى_توما_مرقوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُسَمَّيات وصِفات ..........
- صُوَرٌ مُتلاحِقة
- صَفاءً ..... انْهَمِرُ إِليك
- طبق الحُمص
- دمعة في عذبِ الفُرات
- بحثاً عن أمل ......
- دمعة في عذب الفُرات
- أيضاً كالآخرين ( أو ) تحفر وتطمُر
- الأمانة في نقل النصوص
- منقوووووول .........
- تساقطوا ...... عني
- عواصف الغُربة .......
- الماضي ..... ماضياً
- مُنحنية
- خائِفة .......
- بجميلِ ضحكاتِها ........
- إِرثٌ لي .....
- الآ ....... فأنظُرْ
- رُبّما
- فوق كُرسيهِ المُريح .....


المزيد.....




- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...
- إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا ...
- إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد ...
- مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
- مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك ...
- اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - شذى توما مرقوس - كُرة تتقاذَفُها كُلّ الأَطْراف ........