|
الاعلام الغربي وحروب الابادة
كاظم محمد
الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 09:17
المحور:
الصحافة والاعلام
أصبح الاعلام بادواته المختلفة ، وسيلة اساسية في تشكيل وتوجيه الرأي العام وتدجيين الوعي لمصلحة من يمتلك راس المال والسلطة وسياساتها، وهذا ما ينطبق على اغلب بلدان المعمورة . وبقدر ما ادركت الفعاليات الصهيونية المؤثرة في بلدان الغرب خاصة حساسية الاعلام في التاثير ، بقدر ما استحوذت اذرعها المالية ومنظماتها الممولة جيدا على الكثير من المؤسسات الاعلامية والدعائية وتوجيهها لصالح سياسات دولة اسرائيل ومطامعها التوسعية ، وبالضد من قضية الشعب الفلسطيني وكل ما ينتمي للعروبة والاسلام . لم يمضي وقت طويل على الغزو والاحتلال الامريكي للعراق ، ولازالت الذاكرة طرية بكيفية تصوير الاعلام لنظام الرئيس السابق صدام حسين وكيفية حياكة الاكاذيب الكبيرة ، من قضية اسلحة الدمار الشامل الى قضية الصواريخ التي يمكن ان تضرب لندن في 45 دقيقة ، حيث هيأة ماكنة الاعلام الغربي والامريكي خاصة والمرتبطة بدوائر صنع القرار والممولة بالمساعدات الحكومية الخاصة ، هيأة المواطن الغربي عامة لتقبل فكرة الحرب ، عبر صياغة ودبلجة الخبر والمعلومة بالشكل الذي هيأ ذهن القارئ والمستمع والمشاهد للكذب والتدليس الاعلامي المستند الى (معلومات استخبارية) حول الخطر الذي يهدد العالم المتحضر ، من قبل انظمة او منظمات او عقائد فكرية ودينية . كان احتلال العراق اكبرعملية سطو في التاريخ ، والذي لعب فيها الاعلام الغربي دورا اساسيا في التبرير والتغطية على الاهداف الحقيقية للغزو، وصمت على طبيعة الجرائم التي ارتكبها المحتل الامريكي والبريطاني ضد العراق وشعبه ، وصور المقاومة والمناهضة للاحتلال الى انه ارهابآ يقتضي التعامل معه من قبل القوات (المحرِرة) بيد من حديد حتى لو اقتضى ذلك تدمير المدن على سكانها ، ونجح هذا الاعلام في تحييد الملايين من العقول والعيون المتابعة ، اذا لم نقل كسب سكوتها ورضاها . لقد اصبحت كذبة الحرب على الارهاب هي العنوان الرئيسي لنهج الادارة الامريكية ، واصبحت معها صناعة الاعلام الامبريالي المرتبط براس المال المالي وبالصهيونية العالمية وبنزعة الليبراليين الجدد ، الرديف الطبيعي لهذا النهج في تكييف المنتوج الاعلامي المرئي والمسموع والمقروء لمقتضيات واجندة واهداف سياسات هذا النهج الاقتصادية والعسكرية ، ومعها اصبح التوسع والتكثيف لسلاح الاعلام من المهمات السياسية والثقافية الكبرى المدرجة على جدول النشاط السنوي للدوائر العسكرية والاستخبارية الامريكية . ان المراقب للاعلام الغربي عامة يلاحظ الفرق بين المؤسسات الاعلامية التي تديرها عناصر وهيئات مرتبطة وممولة من شركات غربية وصهيونية ، او مملوكة لشركات لا تخفي تعاطفها الكامل مع السياسات الامريكية والاسرائيلية ، وهي بالمرصاد بالكلمة والصوت والصورة والتحليل والدعاية ، لكل من يحاول النيل من نهج الادارة الامريكية او اداتها في المنطقة العربية اسرائيل . وهي لا تفعل ذلك بالمباشرة الساذجة المكشوفة ، بل بمهنية عالية متسلحة بمهارات اكاديمية وتقنية ، تحاول من خلالها توفيرمتطلبات صناعة القناعة الفردية والجمعية والتاثير من خلالها على المتلقي والمتلقين بصياغة وحياكة محاوروخيوط للوصول الى عقلية ووعي المواطن ، وهذا ما يدركه المرء مباشرة من طبيعة التغطية ليوميات الحروب الامريكية التي شنت على العراق وافغانستان وكذلك الحروب الاسرائيلية واخرها ، المحرقة الصهيونية في غزة . اما المؤسسات الاعلامية الاخرى ، والمفترض لها استقلاليتها وحياديتها ، والتي تنشط فيها عناصر من مختلف الاتجاهات وتساهم الدولة في تمويل جزء من ميزانيتها ، فهي لازالت في تناولها لقضايا الشرق الاوسط اسيرةً لأجواء سياسة الحرب على الارهاب ومعاداة المسلمين وعقدة الشعور بالذنب تجاه اليهود وما عانوا منه في اوربا . ورغم ذلك فان حتى خروجها عن المألوف في تناول هذه القضايا او تغطية احداث المنطقة ، يحصل بشكل خجول وبصياغات مدروسة وبصورٍ مختارة وبكلمات منمقة ، خوفا من مجهول اوتجاوزآ لحرية الرأي والتعبير وللامانة الاعلامية ! . لقد تجرأ بعض كتاب الأعمدة في بعض الصحف الغربية ومنها السويدية والالمانية والنرويجية ، في الكتابة حول مصداقية الاعلام في تناول احداث ويوميات الحرب على العراق سابقا وكذلك في تغطية الحرب الاخيرة وما جرى بها من ذبح يومي لشعب غزة كما وصفه احدهم ، ووجه بعضهم نقدا شديدا للانحياز العام لوسائل الاعلام في تناولها لهذه المذابح ، وكذلك المواطنيين العاديين الذين يحتجون برسائلهم الاليكترونية لمحطات التلفزة والصحف اليومية وعبر البرامج الاذاعية ، والتي اصبحت تهمل مداخلات الكثيرين الذين ينتقدون الاعلام الاوربي ويدلون بدلوهم حول ما يجري في غزة . اصبح واضحآ لمستمعي البرامج الاذاعية كيفية الحذر والانحياز في احيان كثيرة في تناول القضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية ، ففي البرنامج الصباحي الذي تبثه الاذاعة السويدية والذي يدعى (اتصل ) ، عبر احد المواطنيين عن ما يجري في غزة بمقارنته بمذابح النازيين في المانيا ، فما كان من مقدم البرنامج الا ان يقاطع المتحدث بان لا يجوز مقارنة ما تقوم به اسرائيل بمحارق النازية ، ولم يكتفي بذلك بل اصبح مدافعا بشكل غير مباشر عن افعال اسرائيل عبر اسئلة يوجهها الى المتحدث . اما الصحف اليومية فاقتصرت في اغلبها على تناول اخبار الحرب على غزة ، ضمن صفحاتها الداخلية وبعناوين مختارة وبصور مفروزة مسبقا ، فلقد كانت العناوين الرئيسية والفرعية تتجنب في مضمونها اسم اسرائيل ، مع الاشار الى حرب قائمة وقصف يجري على مناطق يقول (جيش الدفاع) ان مسلحين فيها يطلقون الصواريخ على المدنيين الاسرائيلين ، ومدنيون يقتلون نتيجة انهيار منازلهم ، واطفال يلقون حتفهم نتيجة لذلك . (حرب في غزة ) وليس على غزة ،(هجوم جوي مضاد على غزة) ، (اطلاق النار لازال مستمرا بين مسلحي حماس وجيش الدفاع الاسرائيلي) ، (مدنيون محاصرون بسبب اطلاق النار المتبادل) ، هذه نماذج من العناوين الرئيسية والفرعية لتغطية بعض الصحف الاوربية للحرب على غزة والتي تعكس صياغاتها الصورة المطلوب تقديمها ، وبأي اتجاه ، حيث ان الهجمات التدميرية لسلاح الجو الاسرائيلي ، هو للرد على صواريخ حماس ، وكذلك فان المدنيون الفلسطينون والاطفال يقتلون بسبب تبادل اطلاق النار من مناطق مدنية تستخدمها حماس ، وبسبب انهيار المنازل وليس بسبب التدمير المنهجي لغارات جوية منظمة ولمناطق سكنية بكاملها . لقد خصصت احد الصحف الصادرة في السويد صفحة كاملة مرفقة بالصور التي تستعطف القارئ ، لرجل يهودي عاش في مستوطنات غزة قبل تفكيكها ، وانتقل الى العيش في احدى المستوطنات التي تقع في مرمى صوارخ المقاومة ، حيث عكس اللقاء معاناة هذا الرجل وهو في احد الملاجئ التي يتوفر فيها كل شيئ ، وكيف يقضي يوميا حوالي الساعتين في الملجأ وابنته توقفت عن الذهاب الى المدرسة ، وهو يعتبر نفسه لاجئآ في هذه المستوطنة ويتحرق للعودة لغزة (لموطنه) بعد ان يقضي جيش الدفاع على الارهابيين ومن يحتضنهم . ان هذا التحقيق الصحفي للحياة في ظل الحرب في احدى المستوطنات ، لا ينم فقط عن الخبث وخداع المتلقي والقارئ ، ولا يقفزفقط على الواقع والحقيقة ، وانما يمثل التدني الاخلاقي في نقل طبيعة الصراع وخلفياته ، والتعتيم المطلوب على المحرقة التي اقامتها دولة الصهاينة للشعب الفلسطيني في غزة ، ومحاولة خلق نوع من التوازن في ذهن القارئ في حكمه على ما يجري ، وحثه على عدم الانحياز الانساني ولا نقل السياسي لشعب فلسطين . اما المحطات التلفزيونية والتي يمول جزء كبير من ميزانيتها من دافعي الضرائب الاوربيين فلم تخرج عن هذا الاطار الا ماندر ، رغم ان بعضها اجبر على نقل صورة اخرى مخالفة للصورة التي ينقلها مراسليهم المتواجدين في اسرائيل او عمان عبر عرض صور الدمار منقولة عن قنوات اخرى ومنها الجزيرة ، اضافة الى استضافة خجولة بأسلتها لبعض المحللين المناوئين لاسرائيل . ورغم هذه الجو الاعلامي شبه المنحاز ، فان الاعلام الاليكتروني لعب دورا متميزا في نقل اجواء حرب التدمير الاسرائيلية ، وبرزت في هذا المجال مواقع التنظيمات اليسارية وبعض منظمات المجتمع المدني ، التي ساهمت في اعادة نشر المقالات لعدد من الكتاب المعروفين ، مثل بير جارتون و يان ميردال والذي نشر مقالا في الجريدة المسائية واسعة الانتشار في السويد ، يحذر فيه قادة اسرائيل بزوال دولتهم ، وكذلك فأن بير جارتون استنكر في مقال له بنفس الصحيفة ، الشراكة الاسرائيلية الاوربية ، ودعا الى مقاطعة اسرائيل وتقديم قادتها الى محكمة العدل الدولية . أما وقد توقفت حرب التدمير الاسرائيلية ، فان مهمة الكثير من وسائل الاعلام اصبحت ، وعلى نفس منوال بعض الفضائيات العربية ، في تبييض الوجه الصهيوني القبيح ، والتركيزعلى حاجة الامن لمواطني دولة اسرائيل ، والدور الايراني المتزايد في المنطقة ، كونه خطرا استراتيجي يهدد الكيان الاسرئيلي ، خاصه بدعمه لحماس من جهة وسعيه للحصول على السلاح النووي من جهة اخرى ، والذي يشكل مهمة اوربية للتعامل معه . لقد اصبح التركيز على تهريب السلاح ، وانفاق غزة ، والجندي الاسرئيلي الاسير المواضيع الاساسية التي تغطي فيها بعض وسائل الاعلام على حجم الدمار والمعاناة البشرية لاهل غزة وحجم الضحايا من المدنيين الذين قتلتهم الة الحرب الاسرائيلية ، واختصرت قضية الشعب الفلسطيني بالحاجة الى فتح المعابر وتوفير الغذاء والمستلزمات الحياتية ، وان ما يعيق ذلك هو صعوبة التوصل الى تفاهم مع حركة حماس المتشددة كما تشير احدى افتتاحيات الصحف النرويجية . ان الاعلام الغربي عامة ، ورغم انحيازه الى اسرائيل ومحاولة تغطيته على حروب الابادة الامبريالية والصهيونية ، لكنه لم يستطع حجب الحقيقة ، ولم ينجح بالكامل في تحييد الراي العام مما يجري من حروب الابادة ، حيث لا يمكن مع طبيعة ثورة الاتصالات حجب الشمس بغربال الاعلام المنحاز .
#كاظم_محمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محطة الحرب الاخيرة !
-
غزة والنظام الرسمي العربي
-
اليسار الوطني واقعه وافاقه !
-
موضوعة ازدواجية احتلال العراق مدخل لتشويش الرؤية الوطنية وضي
...
-
وقاحة ديمقراطي !
-
مظلة بوش السياسية!
-
اتفاق المبادئ والانتداب القادم !
-
الفراغ الرئاسي والأغتيال السياسي !
-
ما بعد المأساة ! يوشكا فيشر / وزير خارجية المانية السابق
-
لبنان وانابوليس
-
اقطاعيات العراق وكانتونات بغداد / ايها الوطنيون احذرو التقسي
...
-
الحوار غير المتكافئ
-
النكبة الشاملة
-
المتغيرات الدولية والسيادة الوطنية
-
البريق الروسي الجديد !
-
حصاد القمة !
-
! المؤتمر الدولي حول العراق ) حركة التفافية فاشلة )
-
لعبة القط والفأر .. ألى اين ؟
-
الفتنة الشرق اوسطية ! ايها الوطنيون كفوا عن النفخ في بوق الط
...
-
أفغانستان في ظلال العراق
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|