تشير التطورات الاخيرة الى نزعة ثابتة لدى اليمين الاسرائيلي لتحويل العنصرية الى ايديولوجية النظام الرسمية في اسرائيل. فمنذ صعود نتنياهو الى سدة الحكم تحولت هذه النزعة الى حالة منهجية منظمة ترمي الى ابقاء اليمين في السلطة عبر نزع الشرعية عن الصوت العربي وعن المشاركة السياسية العربية. ولكن منذ تشرين الاول 2000 تحولت اوساط في حزب العمل بقيادة ايهود باراك الى تبني هذا التوجه محاولة التحرر من "النفوذ العربي"، والسلوك السياسي العربي "غير الممكن التنبؤ به او حسابه"، خاصة وأن منافسة قوية انطلقت في الشارع العربي على تبني المواقف الوطنية المؤدية الى استقلال عن اعتبارات حزب العمل. كما اندفعت هذه الأوساط نحو حكومة الوحدة الوطنية بعد بداية الإنتفاضة بعيدا عن الأصوات العربية وتأثيرها، وبعيدا عن حسم التسوية مع الفلسطينيين ضد اليمين الاسرائيلي.
لا تكفي هذه الخلفيات السياسية لشرح ما يجري اليوم في المجتمع الاسرائيلي من شرعنة الخطاب العنصري وتحوله الى ثقافة سياسية شارعية ورسمية في آن معا. فالبرلمان الاسرائيلي يشرع قوانين تنضح بالتمييز العنصري ضد العرب، من نوع تخفيض مخصصات "التأمين الوطني" لابناء من لم يخدموا في الجيش الاسرائيلي، على خلفية التصريح الصريح انهم سيجدون الطرق لتعويض المتدينين المتضررين عن هذا التخفيض. هذا اضافة الى القوانين التي تمس بالتمثيل السياسي والحقوق السياسية العربية والتي تضع شروطا سياسية اضافية لتأهيل القائمة الحزبية لخوض الانتخابات البرلمانية. ومؤخرا رفضت الكنيست اقتراحا عاديا طرح على جدول اعمالها من قبل بنيامين ايلون تحت عنوان "الترانسفير طريق السلام"، والمهم هنا ان رئاسة الكنيست وافقت على ادراج هذا الاقتراح قبل ان يرفض في النقاش.
تسمح الاجواء العنصرية حادة المزاج السائدة حاليا في المجتمع والدولة ان يقف مسؤول اسرائيلي على منصة البرلمان وان لا يحاول تفسير التمييز القائم في هذه القوانين بل ينتقل فورا الى التبرير، باعتبار التمييز بين من يخدم في الجيش ومن لا يخدم مبررا من الناحية المبدئية، بل ومطلوبا. لم يعد التمييز ينكر او يغطى او يفسر، بل بات يبرر. هذا هو ملخص الوضع الجديد بالنسبة للمواطنين العرب في هذه البلاد.
ولا بد ان يتخذ التبرير شكل تشكيك، بتكرار واجترار مقولات الطابور الخامس، والتحريض ضد العرب في الداخل بعد كل عملية، باعتبار ان "قوات الأمن تشك ان العملية تمت بمساعدة من مواطنين عرب". وفي بعض الاحيان تختلط الايديولوجيا مع اعتبارات رجال الامن الاسرائيليين الذين يريدون التغطية على فشلهم بمنع العمليات بوجود دور للداخل.
ولكن الانكى انه في بعض الحالات يفترض المذيع الاسرائيلي افتراضاً كهذا ويحاول تذكير رجل الامن بدور ممكن للمواطنين العرب. هذه اجواء عنصرية تميز حالة الحرب، ولكنها تميز ايضا حالة الانغلاق العنصري التي تميز نظام الابارتهايد، الذي لا يفصل في الحالة الصهيونية بين الاسرائيليين والفلسطينيين وانما بين العرب واليهود. هذا على الاقل ما تحاول العناصر اليمينية فرضه. وهكذا يتحول الفصل الديموغرافي بين اسرائيل والفلسطينيين في الضفة والقطاع من ابداعات حزب العمل الى فصل بين العرب واليهود في الفكر العنصري المنتشر في مراحل التوتر.
و بقدر ما تحاول قوى سياسية منظمة المساهمة في توجيه الاجواء السائدة فإنه يقصد منها تحقيق انجازين لليمين الاسرائيلي: 1- تخويف العرب في الداخل من الموقف السياسي الوطني وتحقيق تراجعات على مستوى الوعي الوطني نتيجة للخوف، 2- استغلال الفرصة للمس بحقوق المواطنين العرب على المستويين السياسي والحياتي. ولا شك ان هذا المس ليس ضروريا للاقتصاد الاسرائيلي، فتخفيض مخصصات التأمين الوطني للأطفال العرب لن ينجح بانقاذ الاقتصاد الاسرائيلي الذي يئن تحت وطأة اوضاع اسرائيل السياسية وثمنها الاقتصادي. بل يعتبر هذا المس بنظر اليمين الاسرائيلي موقفا ايديولوجيا، تكريسا ليهودية الدولة، واستباقا لتطورات ديموغرافية مقبلة، او تطبيقا لسناريوهات تستبق التطورات المقبلة. واسرائيل في هذا السياق تواجه بشكل واع الكم والكيف العربيين. وتتجه السياسات الاسرائيلية الحالية بشكل مخطط لاجهاض الكم اذا كان كيفا.
فالمطلوب ليس ضرب التمثيل السياسي للعرب الا اذا كان وطنيا. والمطلوب ان يتقبل العرب ان هذه الدولة لليهود فإما ان يخدموا في جيشها موالاة لوطنية اسرائيلية تنشأ بحكم المصلحة وإما ان يقبلوا حالة التمييز.
ولذلك يتم التأكيد بشكل غير مسبوق على يهودية الدولة باعتباره تعبيراً وتعريفاً يبرر التمييز. هنالك حاجة ازاء هذا التشخيص لبلورة استراتيجية عمل لمواجهة ما نعتبره اكثر من مجرد مزاج سياسي موتور يسود الحياة السياسية الاسرائيلية الداخلية. يختلط المزاج السياسي السائد بالتخطيط الاستراتيجي الاسرائيلي فيما يتعلق بوزن العرب في الداخل ودورهم. وأقل وآخر ما يحتاجه العرب في هذه المرحلة هو الخوف والتراجع من ناحية، والاستعراضية السياسية الفارغة من ناحية اخرى. والأسوأ من هذا كله الاستعراضية السياسية الاعلامية التي تخفي تراجعا في المواقف وتعوض عنه بالمظهر الصاخب والذي تدرك اسرائيل انه مظهر فحسب، واذا لم تدرك يجري تفهيمها.
تبرز ازاء هذه الاوضاع حاجة ماسة لبلورة استراتيجية شاملة لمواجهتها، اي تشمل غالبية الاقلية القومية. ولكن وفي كافة الحالات يجب ان تتوفر استراتيجية لدى الحركة الوطنية، فمن أخطر ما يمكن ان تواجهه الحركة الوطنية حاليا هوانتظار ان يتم تبني وجهة نظرها من كافة القضايا، هنالك حاجة لاستراتيجية حد ادنى مع كافة القوى الاساسية التي تمثل العرب في هذه البلاد، وهنالك حاجة ان تطور الحركة الوطنية ايضا خطة عمل لمنع السلطة الاسرائيلية من الاستفراد بها، ولمنع اية محاولة للمس بمنجزاتها ومنجزات الجماهير العربية. والمطلوب حاليا اشعار المواطن العربي بالقوة. قوة النضال السياسي في حالتنا نابعة من أمرين: 1- اننا سكان البلاد الاصليون، 2- اننا مواطنون.
هنالك حاجة للتأكيد على إطار المواطنة، فرغم كل الهيجان اليميني القائم ما زال التناقض بين المواطنة والصهيونية يشكل مصدر قوة لنا وضعف لاسرائيل، محليا وعالميا. كما ان نضالنا في إطار المواطنة وضمن القانون ما زال يشكل حتى الآن مصدر قوة. وهذا يفسر أيضا رغبة اسرائيل الشديدة لإخراجنا من هذه السياقات الى سياق آخر يحرر ايديها من كوابح المواطنة. ما زالت هنالك ادوات عديدة بأيدينا، ولا تراجع عن المواقف السياسية المبدئية. وعلى اية حال فإن أي تراجع سياسي لا يؤدي الى مكاسب مدنية بل الى تراجع على مستوى الحقوق المدنية أيضا كما تثبت التجربة الغنية.
*عضو البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي- الناصرة.