|
طراطيش حول الشراكة الأوروبية السورية
منذر مصري
الحوار المتمدن-العدد: 786 - 2004 / 3 / 27 - 10:40
المحور:
الادارة و الاقتصاد
اقتصادي ولكن : ــــــــ أحسبه واحداً من القرارات الخاطئة الكبيرة التي اتخذتها في حياتي، بل ربما أشدها خطأً، دراستي الاقتصاد من كلية العلوم الاقتصادية في جامعة حلب. تبعه خطأٌ مصيري آخر هو عملي لمدة 30 سنة في مديرية تخطيط اللاذقية. وقد نجحت هذه الدراسة وهذه السنين الثلاثون، بجعلي أعاف كل ما له علاقة بالاقتصاد والتخطيط، ولا أعطي أي اهتمام، كثر أم قل، بالشؤون الاقتصادية، عالمية كانت أم محلية أم... شخصية، فلا يهمني صعود أو هبوط الدولار ولا سعر برميل النفط الخام ولا مؤشر داوجونز ولا سير الأعمال في آسيا. كما لم أكلف نفسي بالإطلاع على قانون الاستثمار رقم /10/ ولا بتعديلاته ولا بنتائجه، ولا أقرأ جريدة ( الاقتصادية ) التي يحرص زميلي في الغرفة، المنكب على التحضير لرسالة دكتوراه في التخطيط البيئي، على شرائها ووضع أكثر من عدد منها على مكتبه. كما لا أبالي بما يتحدثون عنه من إصلاح اقتصادي ولا أصدِّقه. ولا أدري معنى أن أذكر لكم، أنه عندما أرسلت ببعثة لمدة ستة أشهر إلى معهد الإسكيبيس الذي أسسه الاقتصادي السياسي البولوني أوسكار لانجه في وارسو، لاتباع دورة في التخطيط الاقليمي، وذلك على حساب الأمم المتحدة أو ربما تطبيقاً لاتفاقية كانت قائمة آنذاك ما بين سوريا وبولونيا، كان عنوان رسالة تخرجي ( بعض الانطباعات عن الحياة الاجتماعية في وارسو ) وفيها هاتين الصفتين غير الحميدتين بي، الأولى: إني لا أتكلم إلاَّ عمّا عرفت وخبرت، أي عن نفسي وما يحصل معي وعمن حولي وما يحصل معهم . والصفة الثانية، هي أني لا أطيق الدراسات الاقتصادية والاحصائية قراءةً وكتابةً. وقد نلت علي هذه الرسالة، إضافةً للتقدير العالي الذي أبداه الأساتذة لأسلوبها الأدبي مع أني كتبتها باللغة الإنكليزية، علامة مرتفعة، ساعدت في رفع معدل نجاحي إلى الجيد بعد أن كان قريباُ من الضعيف في التسع المواد المقررة الباقية. غير أن اللجنة وجدت من الأفضل لهم وللجميع، أن يعيدوا لي الخمس نسخ التي قدمتها كاملة ولا يحتفظوا لمكتبة وأرشيف المعهد بأيٍّ نسخة منها، في حين أنهم، لم يعطوا أي من أصدقائي سوى نسخة واحدة من رسالته، واحتفظوا بالنسخ الأربع الباقية! وكان هذا شتاء 1978-1979.* ـــــــ الشراكة السورية - الأوروبية : ــــــــــــــ إلا أني، ومنذ فترة غير بعيدة، اهتممت، مشكوراً، باتفاقية الشراكة السورية الأوروبية التي كانت سوريا تتباحث بها مع الاتحاد الأوروبي. أقول اهتممت، لكني لم أهتم كفاية لأن أقوم بمتابعة حثيثة لكل لما كان ينشر حول الموضوع. فقط كنت أقراُ عناوين ما يطلع لي في الانترنيت، وأعطي سمعي، للأخبار التي كانت تتسرب إلى مسامعي ، من الراديو والتلفزيون والأصدقاء، عن اجتماعات الطرفين السوري والأوروبي، والتطورات التي تحصل في مسار اتفاق الشراكة.وعن أنهم يتقدمون خطوةً خطوة، حيث بدا وكأن كل شيء بات على وشك النهاية السعيدة والطرفين يتهيئان للتواقيع الأخيرة. الأمر الذي دفع بعض رجال الأعمال السوريين، الذين يتردد أحياناً أسماؤهم، ولكني لم أستطع حفظ اسم واحدٍ منهم، للاحتجاج بأدب على التعتيم الذي يحيط بمجريات هذه المباحثات ونتائجها، وكأن الشراكة واقعةٌ بين يوم وليلة. فقد راحت تتناقل، مواعيد محددة لتوقيع الاتفاقية وبداية دخول سوريا المتدرج في الشراكة. آخرها كان 25/1/2004 عندما انتشر خبر توقيعها فعلاً، وخاصة بين وكلاء وأصحاب مكاتب السيارات وأصحاب السيارات أنفسهم. إلا أن جمارك السيارات لم تخفض كما كان يأمل من لم يشتر سيارة بعد، لا بل ازدادت أسعارها جنوناً بسبب السياسة المالية الأمريكية الجديدة، المسماة ( الدولار الضعيف ) التي أدت إلى ارتفاع اليورو !! وفي الحقيقة كنت أهتم وأتتبع... عن بعد، كيف تسير الأمور، لا لشيء سوى لرغبة مني في أن أرى أي نوع من أنواع التغيير في بلدي. رغبة التغيير التي يشاركني بها، كل من عاش في سوريا منذ ثلاثين سنة لليوم، جيداً كان أم سيئاً، أقول سيئاً واسمحوا لي أن أفسر، فقد تناهى لي أيضاً أن سوريا كاقتصاد ضعيف وكشعب يَحيا بغالبيته على حدِّ الفقر، ستقع تحت تأثيرات سلبية كثيرة تفرضها هذه الشراكة، نبه إليها الدكتور عصام الزعيم حين كان على رأس المكلفين بالعمل والتباحث مع لجان الاتحاد الأوروبي بصفته آخر وزير دولة لشؤون التخطيط في سوريا. كما أن بعض الخبراء الاقتصاديين العرب ومنهم المصريين قد حذروا المسؤولين السوريين من عواقبها على قطاع الصناعة الناشىء والاقتصاد الوطني عامة. وكنت، غير مبال بكل هذا، آمل انتهاء المباحثات سريعاً وتوقيع عقد الشراكة والبدء في تطبيقها. لكن شعوراً في داخلي كان يمنعني من تصديق أن شيئاً من هذا سيحصل. مع أن جميع ما كان يحدث وما كان يتناقل كان يدل على أن الشراكة مهما تعثرت ومهما صعبت شروطها على سوريا، فإنها ستتم ! حتى أن سوريا بدت وكأنها تستعجلها، فأقرت نظام الخمسة أيام عمل والعطلة يومين، أسوة بالدول الأوروبية، وباشرت بتبديل بطاقات الهوية السورية القديمة بنماذج جديدة مطابقة للمواصفات الأوروبية، هكذا نقل لي. ثم قرأت عرضاً في أحد المقالات، أن المباحثات بيننا وبينهم متوقفة منذ شهرين. كما قرأت تعليقاً، صدر ربما عن الفرنسيين، في أن الاتحاد الأوروبي لم يضع شروطاً جديدة متعلقة بأسلحة الدمار الشامل كشرط لدخول سوريا في الشراكة معه، وإنه ليس صحيحاً بأن بريطانيا وألمانيا، أو بريطانيا وهولندا، هما الدولتان اللتان زجَّتا بهذا الشرط الجديد بين شروط الاتفاق، بل هو، في الأساس، أحد الشروط الثابتة المتفق عليها بين جميع دول الاتحاد لدخول أي دولة في الشراكة الأوروبية منذ زمن! الأمر الذي يفهم من خلاصته، أن الأوروبيين تخلوا عن تفكيرهم في مساعدة سوريا لتخطي حالتها العامة الراهنة، وما كان يردد بأنهم بسبب تحسبهم للمشاكل التي يمكن أن تسببها أنظمة وشعوب دول قريبة جداً منهم، وسوريا واحدة منها. إلا أنها دون غيرها من دول الشرق الأوسط، ستصبح، إذا ما تكللت بالنجاح محاولات جارتها تركيا للدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي، تماماً على حدودهم. فإن من الخير لهم، أن يبذلوا بعض الجهد لمساعدتها في تحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فيها. وهو ما يعبر عنه بلغة الدوبلماسية السورية : ( رغبة الدول الأوروبية تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط) وهذه الرغبة، لا تختلف ظاهرياً عن الرغبة الأمريكية، المرفوضة والمشكوك بنواياها من قبل الأنظمة والشعوب العربية على السواء، في إصلاح دول الشرق الأوسط وفرض الديموقراطية عليها. إلا أنها مقبولة أو شبه مقبولة إذا جاءت من الأوروبيين ! لذا فإن زميلي في الغرفة، وهو يقلب صفحات ذلك العدد من جريدة الاقتصادية وقد نشر به النص الكامل لبنود اتفاق الشراكة،أشار إلى غياب شرط حقوق الإنسان. الشرط الذي تردد، بل أُكِّدَ، على أنه من أوائل بنود الاتفاق، وأنه ايضاً قد تم الاتفاق عليه. والحقيقة أستغرب نباهتي في أن حتى هذا التضارب في المعلومات، واهتمامي الشخصي بهذا البند دون سواه ، لم يدفعني لمجرد إلقاء نظرة على هذه البنود! وأحسب أن عدم فضولي هذا يعود، كما ذكرت سابقأً، لشعورٍ كامن في داخلي، بأني لن أحيا كفاية لأرى حدوث وتطبيق هذه الشراكة. آخر الأخبار: تعثر توقيع المعاهدة بسبب بند أسلحة الدمار الشامل : ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ منذ اسبوع أو أسبوعين، تناقلت مصادر الأخبار بأنواعها، أن معاون وزير الخارجية السوري السيد "وليد المعلم" أثناء زيارته للندن، قد أجاب في حديث مع وكالة "يونايتد برس انترناشونال" رداً على سؤال بشأن حقيقة ما تردد بأن الاتحاد الأوروبي اشترط على دمشق تخليها عن أسلحة الدمار الشامل قبل توقيع اتفاق الشراكة السوري الأوروبي: "إن هذا التوصيف غير دقيق، وبأن هناك بند في اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي يتحدث عن أسلحة الدمار الشامل، تم الاتفاق النهائي عليه. وأُعلن في مؤتمر صحفي مشترك عقد في دمشق بتاريخ التاسع من كانون الأول الماضي عن توصل الطرفين إلى اتفاق شامل للشراكة وأصبحت اتفاقية الشراكة جاهزة للتوقيع. وبأننا في سورية قد فوجئنا وللأسف بالمفوضية الأوروبية تعلمنا أن بعض الأعضاء في الاتحاد الأوروبي يريدون إدخال تعديلات على البند المتعلق بأسلحة الدمار الشامل". وأضاف: "من جهتنا، أبلغنا المفوضية الأوروبية ان الاتفاق تم إنجازه ونحن غير جاهزين لإعادة التفاوض حول ما تم الاتفاق عليه، وما زال هذا هو موقفنا بغض النظر عن اعتراضات بعض الأعضاء". وأعرب عن اعتقاده بأن ما توصلت إليه سورية مع المفوضية الأوروبية هو اتفاق متكامل ومتوازن يحقق مصالح الطرفين. والحقيقة أن المهتم بهذا الموضوع لا بد وأن يتساءل ما هو بند أسلحة الدمار الشامل الوارد في بنود الشراكة وما هي تفاصيله، وكيف تم الاتفاق النهائي عليه كما ذكر السيد المعلم، ثم من أين يأتي عدم الدقة التي يصف بها اشتراط الاتحاد الأوروبي تخلي سوريا عن هذه الأسلحة ! وإنه إذا قبل المرء بما يسوقه السيد المعلم من معلومات، فإنه لا ريب يصل إلى ذلك الاستنتاج الذي ذكرت سابقاً وهو أن الاتحاد الأوروبي يضع شروطاً تعجيزية أمام السوريين لعدم رغبته في إقامة هذه الشراكة بعد كل تلك المباحثات والاجتماعات ! وبعد هذا يأتي استنتاج آخر في أن هذه الدول التي لم توافق على ما اتفق عليه بخصوص هذا البند وحددت بأنها لا ترضي لا أكثر ولا أقل من أن تتخلى سوريا عن هذه الأسلحة، قد فعلت هذا بتوجيهات من الولايات المتحدة الأمريكية، أو كما هو أميل للاعتقاد، بضغوط مباشرة منها. وخاصة وإن الاتفاق كان قد وصل لمرحلته الأخيرة، والسوريين ينتظرون التصديق عليه من جانب الأطراف المعنية. هل الولايات المتحدة الأمريكية طرف ثالث في كل علاقة في العالم : ـــــــــــــــــــــــــــــ من هنا نستطيع أن ندخل إلى الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة، بشكل مباشر وغير مباشر، في اتفاقية الشراكة الأوروبية مع سوريا. ذلك أن أحد التفسيرات التي راجت مؤخراً لقبول سوريا في دخول الشراكة رغم المسالب المتوقعة، هو أنها بهذه الشراكة تستطيع مجابهة قانون محاسبة سوريا الذي أقر من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي وتم توقيعه من قبل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش كما أنه أعطي الحق بتطبيقه حسب مجريات الأمور وتبعاً لما تبديه سوريا من تعاون وخضوع للمطالب الأمريكية. وأنه في حال دخول سوريا هذه الشراكة، فإنها ستساعد على كسر طوق العزلة الدولية التي تحاول الولايات المتحدة وضع سوريا فيها، الأمر الذي كان النظام السوري متنبهاً له، حتى وقبل صدور القانون، مما استدعى أن يقوم الرئيس بشار الأسد بزيارات غير مسبوقة لاسبانيا وانكلترا وأخيراً والأشد أهمية زيارته للجارة القريبة البعيدة تركيا. أي أن السوريين مقابل الضغوط الأمريكية المتنوعة والتي بلغت أوجها بعدم إظهار أي اعتراض حقيقي على غارة عين الصاحب من قبل إسرائيل، بل العكس، فإن ما أبدته الإدارة الأمريكية وقتها كان أقرب إلى التبرير والقبول، وبعدها صدور هذا القانون، الذي بقدر ما يقلل السوريون من نتائجه على المستوى الاقتصادي بقدر ما يتحسبون لأبعاده السياسية وتأثيره على عدد لا يحصى من الدول الأوروبية، والأسيوية الهامة التابعة للسياسة الأمريكية، وربما على بعض الدول العربية أيضاً.. حيث أنه عند وضع سوريا في كفة والولايات المتحدة الأمريكية في كفة، فإنه في كافة المكاييل، الاقتصادية والسياسية، وبالنسبة ل 90% من دول العالم، ستكون كفة أمريكا هي الراجحة. إلا إذا ظهر على الوجود منظمة دولية جديدة، على غرار منظمة الحياد الايجابي، تضم الدول التي أصدرت الولايات المتحدة قوانين عقوبات عليها، أو التي تعتبرها دولاً مارقة، مثل إيران و كوريا ولا أدري إذا كانت كوبا والسودان في ذات الوضع، أما ليبيا فإنها عقلت وتوكلت. وهكذا، وفي عالم القطب الواحد، فإن للولايات المتحدة طاولة محجوزة في كل وليمة، وقرص في كل عرس. فلا اتفاقية اقتصادية، صناعية أم زراعية أم تجارية، ولا معاهدة عسكرية ( وخاصة عسكرية ) ولا بيع قمح أو قطن أو معدات الكترونية أو صفقة أسلحة ( وخاصة صفقات الأسلحة ) إلا ويجب أن تمر تحت عين الولايات المتحدة وتمهر عليها بخاتمها، فهي إما لا مانع لديها فتتم الصفقة، وإما غير موافقة لهذا السبب أو ذاك فلا بيع ولا شراء، ولا حق الدفاع المشروع لكل دولة، ولا توازن استراتيجي ولا أي شيء سوى أن تكون الدولة التي تريد شراء الأسلحة من الدول العاقلة المرضى عنها، التي روضت ولم تجد سوى حضن الولايات المتحدة الشائك مكاناً لتلقي بنفسها فيه. ـــ النتيجة: نفق بدون فتحة تهوية : ـــــــــــــ تزداد عزلة سورية، وتزداد الضغوطات. وتزداد لعبة شد الحبل المنهِكة حيث وكأنه لا عمل للولايات المتحدة إلا تهديد سوريا بالبدء بتطبيق العقوبات حيناً وبتأجيل المباشرة بها حيناً. وتسارع انكلترا الأمريكية أكثر من أمريكا بإغلاق سفارتها في دمشق، إلا في حال أخذ موعد! ويشترط الاتحاد الأوروبي تخلي سوريا عن أسلحة الدمار الشامل، وكأنه متأكد بأنها تمتلك مثل هذه الأسلحة، وكل ما يريد منها هو الاعتراف بامتلاكها لها، وبالتالي فتح البلاد للجان التفتيش للبحث عنها فوق الأرض وتحتها وفي أدراج المكاتب وخزن غرف نوم العلماء ( هل لدينا منهم ) ومن ثم تصوير أعضاء هذه اللجان وهم يقومون بغاراتهم على مقرات الوزارات والمصانع وأهمها مصانع الحلاوة السكرية برأيي. يتبع ذلك تصوير بعض الرؤوس الفارغة لصواريخ وقنابل وطائرات بلاستيكة على أنهم للآن لم يجدوا أي شيء! غاضاً النظر عما تمتلكه دولة معادية على حدودها وتحتل جزءاً من أرضها وتعلن الحرب وتشن الغارات عليها وعلى قواتها، ليس من أسلحة كيماوية أو جرثومية أو فيروسية فحسب بل عن ترسانة نووية محترمة تزيد عن 200 رأس نووي. وهذا الاتحاد الأوروبي، رغم كل ما لديه من قوة متعددة الأشكال والمستويات، وما يؤمل منه في مواجهة تفرد الولايات المتحدة بالعالم، وما يدعيه من حيادية وعدل، يتخلى عن رغبته في إقامة الشراكة مع سورية، رغم كل ما سيعود هذا عليه من فوائد، استراتيجية واقتصادية. ثم تأتي المشكلة الكردية، لتبدو للبعض وكأنها أم المشاكل، لأنه، هكذا، في هكذا بلاد، بدل أن تعالج المشاكل والصعوبات، فإنها تزداد وتتراكم. وكل خلاف، كل تباين، بين الأفراد والجماعات، مهما كان نوعه ومهما كان منشؤه ومهما كان مقداره، يتحول إلى أزمة وطنية، ودعوة للتفرقة، ومصدر قلق للبلد بأجمعه. لأن كل ما يقوم به النظام، هو معاملة المشاكل كما أصحابها، أي وضعها في الزنزانات، لسنين وعقود، لظنه أنها مثلهم، تشيخ وتعجز وتموت، أو تصبيرها وهي حية، وبمخيلته الأحادية الاقصائية الفردية المستريبة لا يجد طريقة للتعامل معها سوى بالحلول الأمنية التي لا يعرف سواها، والتي برهنت، لا في سوريا فحسب بل في العالم أجمع على أنها لا يمكن أن تحل أي مشكلة، فما بالك عندما يعتمد عليه لحل مشاكل الاقتصاد والادارة والتربية والقضاء! وفي المقابل لا يقدم النظام أي تنازلات داخلية مهما صغرت، ولا يمد يداً للمصالحة أو حتى للمصافحة، ولا يقوم بأي تقرب، ومع من ؟ ولمن ؟ يسأل! هو الذي لا يرى في الساحة السورية أي قوى سياسية أو اجتماعية سواه، لأنه ربما بمجرد اعترافه بوجود هذه القوى يشعر وكأنه يعترف بهزيمته! ألم يعمل طوال هذه السنين والعقود كلها على تقزيمها وتمزيقها ومحوها من الوجود؟ ألم يعمل طوال هذه السنين ليكون هو وحده كل القوى السياسية والاجتماعية في البلد؟ وهو لهذا لا يرى في المعارضين السياسيين السوريين على مختلف ضروبهم ونوازعهم، ولا في المثقفين الذين لا غاية لهم سوى أن يزيحوا عن أنفسهم شبهة الجبن والشيطان الأخرس، في ما لا يبغون به سوى مصلحة وطنهم وأهلهم وأبنائهم ، وهم لأجل هذا وحده خرجوا من كتبهم ووجاؤوا إلى الاهتمام بالشأن العام، أقول أن النظام لا يرى في كل هؤلاء من يستحق أن أن يمد لهم يداً ، أو يعطيه طرف أذن.. سوى ذلك التربيت الخفيف على الخد.. والحق أن النظام غير غائب عن كل هذا، وهو إن كان يشك بعضنا بقدرته على فهم وتحليل واستخلاص نتائج واتخاذ قرارات بما يخص بأي من هذه المشاكل، فإنه بالتأكيد يشعر بها ويتوجس من تفاقمها وتحولها إلى أزمات حادة تؤثر على بقائه واستمراره، ولكنه أيضاً يعلم أن قبوله بعرض المصالحة الذي تقدمه هذه القوى، وقبوله بالحلول التي تعرضها لمواجهة هذه الأزمات، لن يساعده كثيراً بمواجهة العامل الخارجي الضاغط والمطالب بما لا يستطيع أن السير في طريق تلبيته إلى ما لا يعلم أين يصل في آخره. أي أنه بمفهومه سيخسر من الجانبين...وذلك لأنه دائماً يضع في اعتباره، ليس أولاً ولا ثانياً، بل على الدوام وللنهاية، مصلحته وحده كنظام وسلطة، لاصقاً على مصلحته هذه، بكل بجاحة، مصلحة ومصير الوطن والشعب. هكذا يتبين عدم قدرة سوريا، بنظامها السياسي الحالي، وقد يذهب البعض إلى القول، عدم قدرة سوريا بكل قواها السياسية الراهنة، القيام بأي شيء يساعدها على الخروج من النفق الطويل المظلم، الذي حفره لها نظامها الحاكم وأدخلها فيه، والذي يبدو وكأنه ليس على أحد جانببه ولا في آخره باب خروج، بل أيضاً ليس فيه، فتحة تهوية. ــــــــــــــــــــــــــــــ اللاذقية 21/3/20045 * - سأقوم بترجمتها ونشرها قريباً .
#منذر_مصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنا وهمنجويه ودانتي والمِقص
-
قَصيدةٌ واحِدَةٌ كَتَبها محَمَّد سَيدِة عنِّي مُقابل10قَصائد
...
-
مَاذا جِئتَ تَأخُذ ؟
-
مكانة الشعر العربي الحديث والنموذج والانقراض
-
القَصيدةُ المَجنونة ( 3 من 3) : المقاطع -11 إلى الأخير
-
القَصيدَةُ المَجنونَة ( 2من 3) : الفِهرِس والمقاطِع ( 1إلى 1
...
-
القَصيدة المَجنونة (1 من 3) المقدمة
-
خبر عاجل... شعبان عبود : أنا خائف
-
زجاجات... لا أحد غير الله يعلم ماذا تحتوي!! بو علي ياسين – ا
...
-
عراقي 6 من 5 منذر مصري : أخي كريم عبد... ابق أنت... وأنا أعو
...
-
عراقي - 5 من 5 الحرب: ابق حياً- ليس سهلا إسقاط التمثال-احتفا
...
-
عراقي - 4من 5- رسالة شاكر لعيبي
-
عراقي 3من 5- المنفى والأرض والموت وقصيدة النثر العراقية
-
عراقي 2من 5- الشعر: سعدي يوسف- مهدي محمد علي
-
عراقي - 1من 5- المحتوى- المقدمة- نداء
-
معادلة الاستبداد ونظرية الضحية - في الذكرى الثالثة عشر لوفاة
...
-
محمود درويش : أيُّ يأسٍ وأيُّ أملٍ ممزوجين معاً في كأسٍِ واح
...
-
عادل محمود لَم يخلق ليكون شاعراً !
-
علي الجندي قمر يجلس قبالتك على المائدة
-
أي نقدٍ هذا ؟
المزيد.....
-
سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
...
-
ارتفاع أسعار النفط والذهب بعد تحذيرات بوتين
-
سعر الذهب اليوم الجمعة 22 نوفمبر 2024
-
تقرير: ترامب يدرس تكليف وارش بوزارة الخزانة
-
سعر غير مسبوق.. -البتكوين- تسجل رقما قياسيا جديدا
-
“لحظة بلحظة الآن”.. انخفاض سعر الذهب اليوم في مصر الجمعة 22
...
-
-البتكوين- تسجل رقما قياسيا جديدا
-
بمواصفات منافسة.. Oppo تطلق حاسبها الجديد
-
كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق الجمعة 2
...
-
بعد اجتماع البنك المركزي بتثبيت سعر الفائدة .. سعر الدولار ا
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|