أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم علاء الدين - سألته .. كيف أصبحت يساريا ..؟؟















المزيد.....

سألته .. كيف أصبحت يساريا ..؟؟


ابراهيم علاء الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2563 - 2009 / 2 / 20 - 09:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في أسرة محافظة متوسطة الحال نشأ ، حظي بحب جدته من بين جيش من الاطفال صبيان وبنات، وخصته بالنوم في حضنها، فكان اكثر حنانا من حضن كل الامهات، واعطاه تميزا فهو حبيب الام الكبيرة سيدة المنزل، يرافقها اينما ذهبت، تخاف عليه من نسمة الهواء، واذا مرض او اشتكى من أي الم .. دعائها ويدها الكريمة تمررها برفق على راسه هي الشفاء، واذا لم تنفع دعواتها وصلاتها فالدكتور داوود ميخائيل جاهز وحاضر ومستعد، وبعيدا عن اعين الاطفال تمده بانواع الحلويات وكل ما يبهج الطفل ويجعله سعيدا.
جدته كانت متدينة جدا .. كان يزروها الرسول "ص" في المنام عدة مرات في الاسبوع وكانت تحدثه ويحدثها وتساله فيجيب، وتقص على حفيدها ما تراه في منامها، وتكرر ما دار بينها وبين الرسول عدة مرات في اليوم، حتى يعرف كل سكان الحي عن الزيارة، لكن عمه الذي كان يدرس الحقوق في دمشق كان لا ينصت لها وهي تتحدث بما رأت، بل كان يصدها احيانا ويطلب منها السكوت، واحيانا كان يقول لها يكفي خرافات.
الجدة بهية زارت بيت الله وقبر رسول الله ، واتمت اركان الاسلام الخمسة، وكانوا بالحارة يسمونها الحاجة المباركة، فيأتون لها باطفالهم تقرأ عليهم القران عندما تعتل صحتهم، وهي ايضا خبيرة في صناعة افخر الاطعمة، تستعين بها سيدات الحارة تعلمهم وتساعدهم في اعداد بعض الماكولات، وكانت زوجات ابنائها الخمسة ومعهن زوجات ابناء اشقاء زوجها وما اكثرهن يعاملنها معاملة خاصة باعتبارها كبيرة نساء العائلة وزوجة واحد من اهم كبار العائلة، وكانت محدثة بارعة تتقن فن اجبار المستمعين على الاصغاء والتأثر بحديثها، الذي كان في معظمه نوعا من الوعظ والارشاد والتربية الدينية.
كان للحجة بهية التي مات زوجها وهي في عز شبابها كما كانوا يقولون ، فهي الزوجة رقم 3 وهي التي تحملت عبء تربية ابنائها وبناتها الذين تزوجوا كلهم سوى شابان احدهما في المرحلة الجامعية والاصغر في المرحلة الثانوية.
جدته تكذب
وفي يوم من الايام اكتشف الطفل الذي لم يبلغ سنه الخامسة ان جدته تكذب، حين طلبت منه ان ينادي لها عمه الاصغر فابلغها انه ذهب للمقهى، وعندما استفسرت عن كيف عرف ذلك، قال انه سمعه يقول لصديقه سالقاك في المقهى بعد قليل.
وفي اليوم التالي لدى حضور عمه من المدرسة وتناوله غداؤه وبدأ يهم بالخروج قالت له هل تعلم يا سامي انني حلمت ليلة امس حلما زارني فيه رسول الله وابلغني انك تقوم باعمال لا يرضاها الله ورسوله، وكان الطفل يستمع باهتمام لجدته كالعادة، وواصلت حديثها ردا على استفسار عمه، ان الرسول قال لها انه يذهب الى مكان موبوء، وغير ملائم، وعندما جادلها بدت عليها بعض العصبية وقالت رأيت الرسول في المنام وقال انك تذهب للمقهى....!!!
وقعت كلمات الجدة كالصاعقة في اذن الطفل الصغير، ماذا تقول جدتي .. انها تكذب .. انا الذي قلت لها ذلك .. لكنه لم يقل شيئا وانفضت الجلسة وخرج عمه بعد ان قال لها طيب ها انا ذاهب الى المقهى ..
ولم يتذكر الطفل الحادثة الا بعد ثلاثة ايام عندما كانت جدته تتحدث وزوجات ابنائها حولها وتقول "امبارح زارني رسول الله كله ابيض في ابيض، ووجهه ما شاء الله كانه البدر منور ووو "، وراحت تصف بهاء وجلال طلعة رسول الله، بينما الطفل الذي كان يأسره حديث جدته لم يتأثر كثيرا وانتظر ليسمع باقي القصة فربما قال لها شيئا عن واحدة من زوجات اعمامه .. لكنه لم يفهم المغزى من رؤيتها رسول الله في ذاك اليوم، ولكن مع الوقت صار ينتبه اكثر على رؤى جدته واكتشف ان كثيرا منها له علاقة بأحداث تحدث في البيت.
وفي مرة قرر ان يكذب على جدته ويرى ان كان الرسول سيقول لها شيئا عن الكذبة، فقال لها ان زوجة عمه فلانه قالت عنها كلاما سيئا .
وفي اليوم التالي كانت تحدث زوجة عمه وتقول لها ان الرسول زارني في المنام وبعد ان وصفت لها بهائه وجلاله قالت انه اخبرها بانها قالت كلاما سيئا بحقها، فانكرت زوجة عمه وكانت صادقة، وعرف الطفل حينها ان هناك اكثر من رسول يزور جدته هو احدهم، وان هناك من الاطفال من يخبرها عن بعض الاحداث وليس وحده، فقرر ان يمتنع تماما عن ذكر أي شيء امام جدته، والغريب ان الرسول كان يزورها ليليا عندما يكون هناك توتر في المنزل، وفي حالة الصفاء تخف زياراته.
عمه والقرآن
كما ذكرت ان العائلة محافظة ومتدينة وجميع افراد العائلة لا يتركوا فرضا ويصوموا رمضان وكثير منهم أدى فريضة الحج، ولا اعرف اذا كانوا ملتزمين بالزكاة ام لا، لكن جميع مظاهر التمسك بالدين لا تخفى على العين.
في ليلة من ليالي الشتاء، والنوم يكون مبكرا صحا الطفل من نومه على صوت صراخ بين جدته وعمه ابو محمد الذي يسكن في منزل مستقل، ولم يفهم الطفل سبب الخلاف لانه لم يستمع لبدايته، لكنه سمع جدته تقول لابنها انت تكذب .. انت قلت كذا وكذا... وهو ينفي فتكرر اتهامه وهو يكرر نفيه، فتناولت المصحف من تحت المخدة وقالت له "احلف على المصحف اذا كنت صادقا" فسحب عمه المصحف من يدها والقاه بعيدا بغضب وهو يشتم ويسب ثم غادر غاضبا.
الطفل لم يغمض له جفن طيلة الليل وهو يفكر كيف بعمه يرمي القرآن بهذه الطريقة، اليس من يرمي القران تصاب يده بالشلل او يسقط ميتا او "ينعقد لسانه" هذا ما كانت تقوله جدته، وهو كلام لا جدال فيه ويقر به الجميع دون استثناء.
لكن عمه ها هو فعل ما فعل وخرج من الغرفة دون ان يمسه شيء .. اذا في الامر سر .. ما هو يا ترى ..؟؟
الطفل يفقد قلمه
كبر الطفل ودخل المدرسة واصبح في الصف الثاني الابتدائي وفي احد الايام فقد قلمه، وكان النظام المتبع ان أي شيء يفقد يسلم لادارة المدرسة، وفي اليوم التالي وقبل الدخول الى الصفوف يعرض احد المدرسين المفقودات فكل من فقد شيئا بخرج يبحث عما فقده، فخرج الطفل ولم يجد قلمه بين المفقودات، لكنه فعلا فقد قلمه، فكر قليلا ثم قرر ان يأخذ واحدا من الاقلام الموجودة ضمن المفقودات.
وكانت الحصة الاخيرة في ذاك اليوم حصة دين، ولم يترك الاستاذ ابو بكر شاردة او وارده حول من ياخذ شيئا ليس من حقه الا وذكره، واخذ يعرض بصورة مسرحية كيف سيكون مصيره في جهنم والنار تكويه من كل جانب وهو يتقلب على الجمر، فاصابته قشعريرة من الخوف، ولولا انه قدر ان عقوبة الاستاذ ربما تكون اكبر من عقوبة جهنم لاعترف له بفعلته "الاجرامية".
وعندما عاد الى المنزل وهو في حالة سيئة تبدو عليه علامات الاعياء ، سألته والدته عن حاله فقال لها ما فعل وسألها هل الله "راح يحطني في النار" فردت والدته قائلة " خوفتني يا شيخ روح روح لا في جنة ولا نار"...!!!
الله اكبر ماذا تقول والدته ...!! وبسرعة جاءت صورة جدته وهي تحكي عن زيارة الرسول لها في المنام ، وليلة ان رمى عمه المصحف ...، اذن المسالة اكبر مما كان يظن ..!!
الطفل يسرق
بعد ذلك بسنة او اثنتين في عطلة الصيف حيث تكثر شقاوة الاطفال قام ومعه ابن عمه بسرقة لعبة ابن عمتهما وذهبا بسرعة الى البيت واخفياها ، فاذ عمتهم تأتي خلفهم مباشرة وتقول لأخيها الذي يدرس في دمشق وكان في اجازة، ان الطفل وابن عمه سرقا اللعبة، فناداهما عمهما وسأل بصوت فيه الكثير من الردع والتهديد عن اللعبة فأنكرا معرفتهما بالموضوع، وفيما عمتمها تؤكد رؤيتهما عندما اخذا اللعبة فقد راحا يحلفان ايمان بعد ايمان بان لا علاقة لهما بالموضوع، فقالت عمته "طيب لحظة اجيب المصحف احلفا عليه".. وجاءت بالمصحف ومدته للطفل ارتعش قليلا وداهمه الخوف .. لكنه تذكر عمه وما فعل بتلك الليلة فاقسم على المصحف كذبا ولم تنشل يده او ينعقد لسانه ، فتيقن آنذاك ان الكثير مما يقال ليس الا لتهديد الاطفال وتخويفهم .. وان كل الصلاة والصيام والحج وكل مظاهر التدين لم تمنع من الكذب واهانة المصحف والقسم به كذبا والله اعلم ماذا يحدث غير ذلك.
الليلة الحاسمة
الطفل يكبر وعقله مليء بكل انواع الشكوك السياسية والفكرية والاجتماعية والشكوك التي تصاحب المراهق حول المستقبل وبنت الجيران والبنت التي يراها في الطريق الى المدرسة، وادعاءات البطولة في مختلف الميادين، وفي قلب كل هذا كان هناك فضول غير عادي يرغب بمعرفة كل شيء "من كيف تعمل ماكينة الخياطة الى كيف تشتغل السيارة الى كيف تعمل الة التسجيل والتلفزيون" وهل صحيح ان السماء معلقة بلا اعمدة، وان الجبال هي التي تمسك الارض، وان كل البشر حقيقي ان اباهم واحد وامهم واحدة .. طيب ليه في واحد ابيض وواحد اسود وواحد اصفر ..؟؟ وكل شيء كل شيء.
في احدى الليالي داهمه الأرق وشعر بضيق بل باختناق ولا يدري ماذا يفعل فخرج الى الصالون فوجد كتابا على احدى الكنبات، يبدو ان عمه كان يقرأ به تركه وذهب لينام.
حمل الكتاب فاذ به رواية اسمها الام .. المؤلف مكسيم غوركي .. جلس واخذ يقرأ الرواية اندمج بها اندماجا هائلا.. وتماهى في تفاصيلها ولم يتركها حتى غلبه النعاس، وفي اليوم التالي استأذن عمه ليكمل الرواية، ورغم ان عمه قال له "اقرأ كتبك أحسن"، الا ان اصراره جعل عمه يسمح له باكمال قراءة الرواية.
ومن يومها ورغم ان الطفل شارف على الخمسين وهو يحاول ان يتحدث كما تحدث بول لأمه "بكل ايمان الشباب وحرارة التلميذ الفخور بمعرفته الحقيقة".



#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسي الفقيه والماركسي العملي
- على اليسار الفلسطيني ان يصعد الصراع الفكري مع حركات الاسلام ...
- الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رفض المسلمون دفنه في مقابرهم
- الايديولجية الدينية تغذي التطرف اليميني الاسرائيلي والفلسطين ...
- مشهد من حياة الخليفة في الدولة الاسلامية
- اخوان سوريا تغيير التكتيك واستغلال الضحية الفلسطينية
- كيف نهزم قوى الاسلام السياسي
- حرية الصحافة غير محترمة في بلاد قناة الجزيرة
- العنف والفقر متلازمان
- مشعل : اما السيطرة على المنظمة او استبدالها
- لصوص حماس ووزيرها الكذاب
- لا نريد خلافة عثمانية ولا صفوية
- اعتقال ام المؤمنين .. والارهاب الاسلاموي
- المثقفون الراقصون على ايقاعات الخداع
- العراق يهزم الارهاب
- العميل نصر الله .. ومسرحيات اردوغان .. والجبهة الشعبية الضحي ...
- الصراع بين المشروع الاسلاموي الاخواني والمشروع الوطني
- اذا كانت ارادة الله فلماذا الاحتجاج ..؟؟؟
- جماعة الاخوان المصرية تواجه مأزقا .. ولن تنقذها حماس
- بعض كتاب اليسار الفلسطيني مصابون بالحول السياسي والفكري


المزيد.....




- مستوطنون محتلون يقتحمون باحات المسجد الأقصى المبارك
- بابا جابلي بلون.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات الم ...
- باقري كني يؤكد على ضرورة وجود دور فاعل ومبتكر لمجموعة الدول ...
- روسيا: مقتل 15 شرطيا وكاهن إثر هجمات على كنائس أرثوذكسية وكن ...
- فيديو يرصد اللحظات الأولى لهجمات دامية على كنيس يهودي وكنيسة ...
- هجمات دامية تستهدف معابد يهودية وكنائس.. ماذا حدث في داغستا ...
- هوجم كنسيهم.. ماذا تعرف عن يهود داغستان؟
- داغستان الروسية تعلن حصيلة جديدة لضحايا هجمات إرهابية طالت ك ...
- إطلاق نار في داغستان ومهاجمة معبد يهودي وكنيستين
- فيديو يوثق الهجوم على كنيس يهودي في جمهورية داغستان الروسية ...


المزيد.....

- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم علاء الدين - سألته .. كيف أصبحت يساريا ..؟؟