أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - لماذا لا يستقيل أحد في مصر؟















المزيد.....

لماذا لا يستقيل أحد في مصر؟


طارق حجي
(Tarek Heggy)


الحوار المتمدن-العدد: 2562 - 2009 / 2 / 19 - 08:27
المحور: المجتمع المدني
    



المراقب للحياة العامة في البلدان العريقة في الديموقراطية وللحياة العامة في مصر لا يسعه إلا أن يلاحظ أن مصر بلد لا يستقيل فيه أحد من الناس، لا سيما من شاغلي الوظائف الكبرى كرؤساء الوزراء ورؤساء اللجان المختلفة بالمجالس العليا ورؤساء الهيئات والمؤسسات العامة ورؤساء المرافق العامة والشركات فما معنى هذه الظاهرة؟ وما هو سببها؟



لعل أروع تحليل وتأصيل لظاهرة عدم إستقالة الكبراء في مصر هو ما كتبه عباس العقاد، في كتابه عن "سعد زغلول" والتي أصدرها في سنة (1936) وذلك خلال حديثه عن إستقالة سعد زغلول من الوزارة (كوزير للحقانية) في وزارة محمد سعيد باشا في سنة 1912 والتي كانت بمثابة حادث عجيب في نظر المصريين الذين لم يعتد أحد منهم أن يرى الكبراء والوزراء يستقيلون.



يقول العقاد وهو يتحدث عن الأوضاع في مصر سنة 1912: "في البلاد الدستورية يخرج الوزير من ديوان الحكم ويعود إليه مرات في مدى حياته السياسية. وقد يخرج منه ويعود إليه أكثر من مرة واحدة في السنة الواحدة تبعاً لإختلاف الآراء العامة وإختلاف مواقف الأحزاب بين الصداقة والخصومة والتألب والتفرق في المناوشات البرلمانية، وقد يكون نفوذه وهو معارض أكبر من نفوذه وهو في ديوانه، مقيد بقيود الوظيفة، مطالب برعاية المراسم الوزارية. فإذا إعتزل المنصب فترة من الزمن لم يزل مرجواً مخشياً محسوباً له حسابه، ولم ييأس منه أصدقاؤه أو يستخف أعداؤه بشأنه لأنه يظل حيث كان قادراً على عمل متأهباً لعودة قريبة إلى الحكم، مرجحاً لهذا الجانب أو لذاك في مواقف الأمة ومواقف النواب".



"أما الوزير في مصر قبل خمس وعشرين سنة فقد كان بين حالتين ليس بينهما حالة وسطى فهو إما (وزير) أو (لا شيء) فإذا خرج من الحكم فلا رجاء فيه ولا ضرر منه، ولا أمل في عودته إلى الحكومة أو مشاركته في الحياة السياسية، لأنه كان يرتقي الوزارة بعد أن يتقلب في الوظائف الحكومية من أصغرها إلى أكبرها".



"ويستغرق في خلال ذلك ما يستغرق من وقت لا يقل عن أربعين أو ثلاثين سنة فمن معاون مأمور إلى وكيل مديرية إلى مدير من الدرجة الثالثة فالثانية فالأولى، إلى وكيل وزارة أو وزير يبلغ من العمر الخامسة والخمسين أو الستين لا يطلب منه عمل ولا يعتمد عليه في سياسة عامة...."



"يقضي الوزير ما يشاء له الحظ في منصبه ثم يخرج منه إلى داره وهو شيخ قد جاوز الستين وخطا إلى السبعين، فماذا يصنع في الأيام المعدودات الباقيات له من الحياة؟ … إنه لو كان شاباً لما إستطاع أن يعمل شيئاً لأنه لم يخلق ليكون من أصحاب الأعمال؛ فإذا كان في تلك الشيخوخة الفانية فهو من باب أولى لا يقوى على عمل ولا يفكر فيه، ولا يبقى منه ما يرجوه راج أو يخافه خائف. إن هو إلا خارج من سجل الأحياء في الحقيقة لا من سجل الحياة الوزارية وحسب، فهما لفظان مترادفان".



"من هنا نستطيع أن نعلم أن المجازفة بالإستقالة أمر ليس بالهين في عرف الوزراء المصريين".



هذا ما كتبه "عباس العقاد" منذ سبعين سنة وهو يتحدث عن الوزراء والكبراء في مصر وأسباب عجزهم عن الإستقالة من مناصبهم أياً كانت الأمور التي تلحق بهم، فهل لا يصدق تشخيص العقاد هذا اليوم على جل شاغلي الوظائف العليا وشخصيات الحياة العامة في مصر-وهي حياة وظيفية حكومية في الأغلب الأعم؟؟..



فنظراً لعدم وجود حياة سياسية وحزبية مستقرة منذ أجيال من جهة أولى، ونظراً لإرتباط أرزاق ومزايا ومنافع شاغلي الوظائف العامة العليا ببقائهم وإستمرارهم في تلك الوظائف؛ فإن الإقدام على الإستقالة عند إستحالة تمسك رجل الحياة العامة أو الوظائف العليا الكبير بموقفه أو مبدئه أو عند تعرضه لما يخدش الكرامة والإباء.. سوف يبقى بعيداً كل البعد عن التحقق مع وجود إستثناءات نادرة بين الحين والآخر.



والذي يساعد المصري اليوم في المناصب الكبرى على التمسك بها رغم وجود العديد من الأسباب التي تدعوه لتركها في حالات كثيرة، أن الصبر على الضيم كان ولا يزال معلماً رئيسياً من معالم الشخصية المصرية، وكما قال العقاد في نفس المؤلف عن سعد زغلول فإن المثل الشعبي "أصبر على جار السوء، فإما أن يرحل وإما أن تحل به داهية" هو حقيقة من حقائق السلوك الحياتي لمعظم المصريين بسبب ضيق الرزق ووجوده دائماً في يد الحكام على خلاف المجتمعات الديموقراطية الغربية والتي لا ترتبط أرزاق ومصالح الناس فيها بالحكام وإلا طارت مقاعد الحكم من تحتهم.



ومن الأمور الثابتة، أنه كلما نمت الديموقراطية وإستقرت إعتاد الناس أن يروا الوزراء وغيرهم من شاغلي المناصب العامة الكبرى يستقيلون من مناصبهم، إذا خولفت آراؤهم مخالفة لا يكون بوسعهم بعدها الإستمرار في الحكم أو إذا تصادموا مع رئاساتهم أو إذا وجه إليهم نقد يأبون البقاء بعده في مناصبهم أو إذا مست كرامتهم.



والمراقب للحياة السياسية في مصر لا يسعه أن ينكر المناخ السياسي في مصر بعد تشكيل أو لوزارة شعبية في تاريخ مصر الحديث (وزارة سعد زغلول في أوائل سنة 1924) وإن كانت قد شابها دوماً ما يجعلها إما ديموقراطية ناقصة (في حالات الوزارات الوفدية) أو أدنى للعدم (في حالات وزارات المستقلين وأحزاب الأقلية من توابع القصر وسلطات الإحتلال كالأحرار الدستوريين وحزب الشعب وحزب الإتحاد والسعديين وحزب الكتلة الوفدية).. قد أتاح لسجلات التاريخ أن تحتفظ لنا بمجموعة من الإستقالات الشهيرة التي كانت أعظمها إستقالة وزارة سعد زغلول في شهر نوفمبر 1924 بعد مقتل السردار البريطاني لي ستاك ومطالب بريطانيا والتي رفضها سعد زغلول في كتاب مشهور له يومذاك.



ويعتقد كاتب هذه السطور أن بوسع مؤرخين متخصصين في تاريخ مصر المعاصرة إتحاف القراء بفصول أعمق وأشمل عن أشهر الإستقالات في تاريخ مصر الحديث. وقد سمعت بعض تفاصيل الإستقالات الشهيرة فى تاريخنا المعاصر من صديقين عزيزين راحلين هما الدكتور عبد العظيم رمضان منذ أكثر من ثلاثين سنة عندما تزاملنا كعضوي هيئة تدريس جامعة قسنطينة بالجزائر، حيث كان أستاذاً لكرسي التاريخ الحديث بها وكان كاتب هذه السطور مدرساً مساعداً بكلية الحقوق بنفس الجامعة، وكذلك عندما سعدت بزمالة المؤرخ الكبير (الراحل) الدكتور يونان لبيب رزق صاحب أشمل دراسة موسوعية عن تاريخ الوزارات في مصر في جامعة فاس بالمغرب منذ أكثر من ربع قرن حيث كان المؤرخ المرموق أستاذاً لكرسي التاريخ الحديث بها وكان كاتب هذه السطور مدرساً بكلية العلوم القانونية والإقتصادية والسياسية بنفس الجامعة.



#طارق_حجي (هاشتاغ)       Tarek_Heggy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العربي النبطي ... فى الشعر العربي
- حوارات مع صديقي نصف العاقل
- العقل العربي .. -مخدراً-.
- بين -القبيلة- و-الدولة-.
- مساران تاريخيان - الكوريتان كمرآة لعواقب الخيارين
- إستراحة مع الشعر.
- حول التغيير المنشود.
- من عبد الناصر لأردوغان ... عزف رديء من مقام كاريزما الكبير
- الإدارة: بين -الموهبة- و-العلم-
- ما العمل ؟
- عن - كافور الإخشيدي - و كرومويل الإبن والإبن ....
- عن - الهوية - أتحدث ...
- .دراما الإسلام السياسي
- -التعليم الديني-... في الميزان .
- روح النهضة
- أين لطفي السيد عصرنا؟
- الصراع العربي الإسرائيلي .. نظرة مغايرة للذائع من الآراء
- مشتكون .. ومشخصون .. ومعالجون
- التطرف : بين الفكر والظروف .
- يا عقلاء السعودية : إتحدوا !!


المزيد.....




- بيان مشترك بين الإمارات ودول أخرى حول خطر المجاعة في السودان ...
- اعتقال رئيس الاتحاد الكولومبي لكرة القدم وابنه بعد نهائي كوب ...
- شهادات مروعة عن تعذيب أسرى غزة في سجون إسرائيل
- صحيفة: العنصرية في تركيا لا تقل خطورة عن محاولة الانقلاب
- منتدى حقوقي بالدوحة يبحث أوضاع المهاجرين في دول مجلس التعاون ...
- استمرار توافد النازحين إلى القضارف جراء الحرب بالسودان
- الثاني بتاريخ الفورمولا 1.. رالف شوماخر يعلن هويته المثلية
- مفوض أممي: تحول مقر الأونروا الرئيسي في غزة لساحة حرب أمر مر ...
- ألمانيا - اعتقال شخص يشتبه بانتمائه لحزب الله وعمله على شراء ...
- جدل بعد إيقاف الكويت جوازات سفر البدون


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - طارق حجي - لماذا لا يستقيل أحد في مصر؟