جمال المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 2562 - 2009 / 2 / 19 - 04:34
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
اصدر الكاتب عبد الهادي فنجان الساعدي كتابه الجديد ( كيس من الفوضى في زريبة ) والذي جمع فيه مقالاته النقدية حول السينما والمسرح والفن التشكيلي .
يقع الكتاب في (218) صفحة من القطع المتوسط، واحتوى على ستة فصول , الفصل الأول تناول فيه النقد السينمائي، اما الفصل الثاني فتناول النقد المسرحي، والفصل الثالث فتح فيه دفاتر الأدب الروسي، وتابع نقد الكتب في الفصل الرابع، كما ناقش ما جرى للأدب الكردي في فصله الخامس، اما الفصل السادس فقد تضمن دراسات عن جمالية قصيدة النثر وفن الترجمة والفرسان الثلاثة، والمنهجية العلمية في التثقيف الذاتي .
يقول الكاتب في عرضه للسينما العربية ان تاريخها يشبه تاريخ العالم العربي المليء بالمآسي لأسباب خارجية وأخرى ذاتية , فمن حيث الشق الأول فقد كان لسياسة التجهيل التي اتبعها العثمانيون في تعاملهم مع العرب الأثر الكبير في قتل روح الإبداع , وان التزاوج مابين السذاجة والاستغفال حدد التوجه البورجوازي للسينما العرابية , وكان دور النقاد محددا بسبب محدودية دور وسائل النشر فضلا عن السياسات العبثية التي كانت توجه تيارات النقد الأدبي الثقافية بشكل عام، ولذلك يجب التركيز على أهمية النقد لأنه العنصر الأساس الذي يؤدي دور المراقب الموجه لكل التيارات الفنية لان النقد إذا فقد صوته فقد المنجز الثقافي وظيفته , ويرى المؤلف ان دراسة تجارب السينما العربي من خلال العقود الماضية قد يعطي السينمائيين الشباب الفرصة للخوض في تجاربهم الخاصة بوعي وشجاعة بالرغم من اننا نتطلع في كثير من الأحيان على تجارب شبابية تتجاوز (المفروض ) (والمستحيل ) وتنتقل إلى الضفة الأخرى بكل جرأة وشجاعة، وهي تتسلح بثقافة سينمائية عالمية، وحس فني مرهف يتجاوز كل التصورات .
وحول متطلبات النهوض بالسينما الشرقية يرى الكاتب انه يتوجب ان تسود النظرية العلمية التحليلية في هذه السينما الفقيرة، وان يكون همها الأول هو الإنسان المسحوق من حيث أهمية التفكير العلمي .
ان السينما المناضلة هي السينما البسيطة التي تعكس صورة الإنسان الشرقي البسيط لكل أصالته وكل تراثياته فضلا عن صلابته في المواقف .
اما الفصل الثاني من كتابه والمعنون (في النقد المسرحي ) يرى ان المسرح له طقوسه الخاصة وكأنه معبد , فلا تدخين ولا كلام، ولا أي شيء، مما يعكر سير الحياة في هذه البقعة التي تسمى المسرح , ويؤكد الكاتب ان المسرح لا يذكر إلا ويذكر شكسبير، ويذكر هاملت ، والسير وراء هاملت كالسير وراء تاريخ الإنسان، وما يشمل من أحاسيس ومشاعر وانفعالات وطغيان وظلم وثورة وكفاح وفكر أنساني , اما في المسرح العربي فيقف أمامنا هاملت مصريا او عربيا ليذكرنا بالجدل الذي بقي قائما لمدة عام كامل لاختيار من يمثل هاملت وكان على رأس المرشحين الممثل العربي الفذ عبد الله غيث والممثل المبدع كرم مطاوع وناهيك عن كثير من الممثلين الأفذاذ , وعندما نعود إلى المسرح العراقي مسرح القمة , مسرح الجوائز والمهرجانات الكبيرة نجد ان سامي عبد الحميد الأستاذ المتمرس يقف شامخا ويجسد هاملت عربيا فلا نجد بداً من التصفيق الحار على مدى المسرحية, ثم نجد(تموز يقرع الناقوس) التي حصدت كثيرا من جوائز المهرجانات العربية الكبرى ونترك هذا الكم الهائل من البطولات والنضال المسرحي المضني لنتجه إلى المسرح الشعبي الذي كان يقسم المسرحية بين الضحك والبكاء , إذ يبدأ المسرح بالانحدار ليقف على حافة (بيت وسبع بيبان) لنشاهد الضحك فقط , وهذا الانحدار شمل التأليف والإخراج والتمثيل، وأصبح الإنتاج أوسع أبواب الثراء وترك الباب أمام الطفيليين ليدخلوا عالم الإنتاج الفني وليزاحموا (أهل الصنعة ) , وقد نمى ما يسمى بالمسرح التجاري كنمو الطفيليات وبقيت شماعة الحصار جاهزة لتعليق أعذار القتل الجماعي ، لقتل الوعي الجماهيري والرصد الجماهيري والتأهب لتآمر الأعداء، وكان من الصعب الوقوف أمام هذه الكتل الكبيرة من المخربين لذوق وثقافة ومسيرة الناس والمسرح ..
ويشير المؤلف إلى ان هناك مذهبين فنيين على الأقل يتجاذبان النتاجات الفنية بحجمها، وهما (مذهب الفن من اجل الفن) و (الفن من اجل الجماهير) وهذان المذهبان لم يولدا صدفة، وإنما هما انعكاس لفلسفات ومبادئ سياسية، فالفن من اجل الفن هو وليد الفلسفات الرأسمالية التي بدورها ولدت مجتمعات رأسمالية , اما مذهب الفن من اجل الجماهير، فهو المذهب الذي ترعرع في أحضان أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي السابق ومعظم الدول التي تبنت الاشتراكية شكلا ومضمونا ..
ويشير المؤلف ان هناك في العراق حلقة مفقودة بين الإنسان العراقي والمسرح، وهي ان هذا المسرح في العهد السابق لم يعد يعكس صورة الإنسان بشكل واضح وحقيقي سواء أكان كوميديا أم تراجيديا , كما ان هذا الإنسان قد أوغل في الابتعاد كثيرا في تجارب بعيدة جدا عن الفكر والثقافة , تجارب مسرحية اما من ذوات العرض لمرة، واما تجارب مسرحية مهينة هي اقرب للتفاهة منها للمسرح ..
اما في الفصل الثالث فتناول المؤلف الأدب الروسي، وتطرق إلى تجارب المخرج السينمائي ايزنشتين والشاعر الروسي مايكوفسكي وتولستوي, فيما توغل في نقد الكتب والإصدارات القصصية والروائية كرواية (عندما خرجت من الحلم ) للكاتب البصري علي عباس خليف , وكتاب (هكذا بنوا الدولة العراقية .... لطفي علي مثالا) ورواية (جسر الخر) للروائي صباح رحيمة , (الطريق إلى الحرية ) وهي العقبة الكاملة لعملية شق نفق في سجن الحلة المركزي، وهرب السجناء السياسيون من ذلك السجن عام 1967 والتي تعد اكبر عملية هروب في تاريخ السجون العراقية , كما تناول المؤلف رواية (الأشجار واغتيال مرزوق) للروائي الكبير عبد الرحمن منيف .
الفصل الخامس بحث المؤلف الأدب الكردي والصراع بين الإنسان والطبيعة عند بشار كمال .
اما الفصل السادس فشمل لى دراسات عدة كان من أهمها جمالية قصيدة النثر، والتي يشير المؤلف إلى ان قصيدة النثر ولدت بعد مخاضات كثيرة وتجارب مرة استمرت عشرات السنوات حيث وضع الشعراء في العراق أسس الشعر الحر ضمن سياقاته العالمية وأضافوا له كثيرا من رموز المنطقة، ومن تجارب فاقت الوصف, فلقد تعرض شعراء الشعر الحر والأوائل إلى الآم كثيرة، ولكنها كانت طبيعية لكل عمل ثوري يخرج على الأنماط القديمة الأصلية والتقليدية . ويضيف المؤلف : ان قصيدة النثر تمتاز بالإيجاز والوحدة العضوية والاستقلالية في تكوين عالم قائم بنفسه وصارت بهذه الصفات نوعا أدبيا متميزا اسمه قصيدة النثر .
كما تطرق المؤلف إلى فن الترجمة والفرسان الثلاثة، وهذا العنوان هو ما اختارته الدكتورة حياة شرارة لترجمة كتاب (فن الترجمة ) اما المضمون فكان ثلاث مقالات لثلاثة كتب ومترجمين أفذاذ هم : الارمني ك .سورينان والكاتب البلغاري فلورين والكاتب السوفيتي روسيلس. وقد أضيف للعنوان كلمة الفرسان الثلاثة لما لهؤلاء الكتاب الثلاثة من قوة تأثير، ولما تركوه من آثار متميزة في مقالاتهم وآثارهم الثقافية .
وختم المؤلف كتابه بـ(المنهجية العلمية في التثقيف الذاتي ) والذي يقول فيه ان القراءة المنهجية اختزال للوقت والجهد والمال , كما يساعد على تكوين مجموعة متفاقمة من المثقفين ثقافة موسوعية على جانب كبير من الإحاطة بحقائق العصر , اما التثقيف العشوائي، فيتيح اللياقة في الحديث، فيوحي للمتلقي الاعتيادي ان هذا المثقف على جانب كبير من الثقافة الموسوعية غير ان الضرر الناجم عن هذا النوع من الثقافة يدركه المثقف بعد فوات الأوان وتمضي سنين حياته، فيدرك أخيرا انه لم يبتدع نظرية معينة او فلسفة متميزة او إنتاج ثقافي مرموق يعبر عن روح العصر او طموحات الأمة .
حقيقة استمتعت من خلال قراءة هذا الكتاب، ووجدت انه موسوعة كاملة تبحث في الفنون المسرحية والتراجم والخوض في تاريخ السينما العراقية والعربية والعالمية، ويستحق الوقوف عند هذا المنجز المهم.
#جمال_المظفر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟