|
ثورات الطالبيين ، ثورات من أجل العدالة الإجتماعية
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2561 - 2009 / 2 / 18 - 09:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لدينا في جعبتنا العربية الفصيحة و المصرية العامية مجموعة رائعة من الحكم و الأمثال التي تحارب الكذب ، و ذلك بتركيزها على محدوديته ، سواء بالزمن أو الإنتشار ، مثل : إنك تستطيع أن تكذب على كل الناس بعض الوقت ، أو بعض الناس كل الوقت ، إلى أخر الحكمة المعروفة ، و مثل الكذب حباله قصيرة . لا شك أن لتلك الأمثال و الحكم قيمتها الهامة ، و بخاصة في مجال تربية النشء أو في محاولة إستئصال ، أو على الأقل الحد من ، ظاهرة سلبية في المجتمعات الإنسانية ، و لكنها على قيمتها و بلاغتها لا تصدق دائماً ، فدائما هناك الإستثناء ، و لعل أفضل مثل على ذلك الإستثناء ، تلك الأكذوبة التي روجت و راجت في العصرين الأموي و العباسي بشأن آل أبي طالب ، و لازالت تحيا بيننا لليوم . أكذوبة أن ثورات آل أبي طالب لم تكن ألا لطلب الحكم ، و أن كل الدماء التي بذلها الطالبيون ، لم تكن إلا لرغبة في الإستئثار بالسلطان ، و ما يتبع السلطان من سيادة و أبهة و نعيم ، و أن الحجة التي كان يعتمد عليها الطالبيون للوصول السلطة و نعيمها ، هي النسب . لعل أجلى مثال على بقاء تلك الأكذوبة ، ما كتبه الراحل الأستاذ الدكتور فرج فودة ، في كتابه : الحقيقة الغائبة ، في معرض تعليقه الشخصي على المراسلات التي تبودلت بين أبو جعفر المنصور ، ثاني الخلفاء العباسيين ، و بين الإمام محمد النفس الزكية ، من نسل الحسن بن علي ، رضي الله عنهما ، عندما جعل فرج فودة الأول - أي المنصور - يدافع عن العجة التي إستطاب طعمها ، و ما ترمز له من نعيم السلطة ، و الثاني يدافع عن النسب . أن ما دعم تلك الفرية بحق آل أبي طالب ، و كتب لها البقاء لليوم ، فجعلها أكبر كذبة و أطولها عمرا بين المسلمين ، هي طبيعة التأريخ في العصور الوسطى ، فقلما كان يولي المؤرخون و الرحالة إنتباههم لنقل أحوال المجتمع الإنساني المغمور ، و طبيعة معيشة طبقات الشعب المهمشة ، و عدم إسهابهم في ذكر الأسباب الإجتماعية - الإقتصادية للثورات و حوادث العصيان . إننا لا نجد إلا شذرات متناثرة هنا و هناك عن الكفاح اليومي للمستضعفين ليستمروا على قيد الحياة . إذا أردنا أن نتحدث عن الأسباب الحقيقية لثورات آل أبي طالب ، فلعل أفضل مصدر ، ينال ثقة الجميع ، من طوائف إسلامية مختلفة و مؤرخين محايدين ، كتاب الأصفهاني ، مقاتل الطالبيين ، و هو كتاب صغير الحجم ، و للأسف لم يكن إلا سرد مختصر للغاية لمن مات مقتولاً من آل أبي طالب ، بدأ بجعفر بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، و حتى زمن المؤلف ، و هو بالطبع كتاب غير كامل ، و مؤلفه أقر بذلك . لعل أهم قيمة لذلك الكتاب - كما أرى من وجهة نظري - هي فقرة قصيرة وردت في الحديث عن ثورة الإمام محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم ، و الذي ثار بالكوفة بالعراق . كخلفية لتلك الفقرة أذكر للقارئ ، أن الإمام محمد بن إبراهيم ، عندما وصل للكوفة كان لازال يقلب فكرة الثورة في عقله ، و يتحسس أخبار الناس ، و يستكشف أمزجتهم ، و إستعدادهم للثورة ، و بينما كان لازال على تأرجحه بين فكرة الثورة أو الإنتظار ، يأتي الحدث الذي حسم الموقف لصالح خيار الثورة . لنقرأ الفقرة المعنية ، كما كتبها الأصفهاني عن الإمام محمد بن إبراهيم : فبينما هو في بعض الأيام يمشي في بعض طريق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب فتلقط ما يسقط منها فتجمعه في كساء عليها رث ، فسألها عما تصنع بذلك . فقالت : إني إمرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي و لي بنات لا يعدن على أنفسهن بشيء ، فأنا أتتبع هذا من الطريق و أتقوته أنا و ولدي، فبكى بكاء شديد ، و قال أنت و الله و أشباهك تخرجوني غداً حتى يسفك دمي . و نفذت بصيرته في الخروج . إنتهى الإقتباس . فقرة على قصرها ، هي أهم ما جاء في كل الكتاب . فقرة لا تدحض فقط أكذوبة أن ثورات آل أبي طالب ، ثورات من أجل السلطان ، و إنما أيضا تكذب إدعاء أخر بأنها ثورات دينية أو مذهبية ، فالإمام محمد بن إبراهيم ، لم يسأل المرأة العجوز عن معتقدها ، أكانت مسلمة أو غير مسلمة ، أكانت سنية أم شيعية أم خارجية أم معتزلية . لم يكن دافعه للثورة ليس إلا نصرة تلك المرأة و عيالها و أشباههم . الطالبيون ، كما هو واضح من التاريخ كانوا فوق التعصب الديني ، كما إنهم لا يجتمعون على فقه محدد ، فالإمام الحسين السبط الشهيد لم يكن من الذين فرقوا دينهم شيع و أحزاب ، و الإمام زيد بن علي لم يكن إلا أستاذ أبو حنيفة النعمان ، و أبو حنيفة بايع محمد النفس الزكية ، و الإمام محمد النقيب بن الحسن الداعي الذي قام في بلاد الديلم - التي تقع في شمال إيران اليوم - كان أفقه أهل عصره في فقه أبو حنيفة ، و الدولة الفاطمية كانت شيعية إسماعيلية و لكنها كانت مثال مضيء في التسامح الديني ، يحسده عليها أبناء العصر الحالي . لقد كان الدافع الثوري لدى آل أبي طالب دافع إجتماعي ، لا طائفي. نأتي لنقطة أخرى هامة ، و هي التطبيق ، فلنا أن نسأل : هل طبق آل أبي طالب العدالة ، عندما وصلوا للسلطة ؟؟؟ خير إجابة هي الدولة الفاطمية ، ذلك إنها كانت دولة بكل معنى الكلمة ، بمنطق العصور الوسطى و اليوم ، فقد عمرت قرنين تقريبا ، و حكمت مساحة كبيرة بمقاييس الماضي و الحاضر ، مساحة تغطي منطقة حضارية عريقة غير منعزلة ، و نعمت بالإستقرار ، بما يسمح بأن نقول بأنها عاشت حياة طبيعية كدولة . لن أحكم بما كُتب عنها في حياتها ، برغم كل الشهادات الطيبة التي ذكرت بحق الخلفاء الفاطميين خاصة عن عدالتهم و تسامحهم العقائدي ، من المؤرخين و الرحالة الذين عاصروها ، و لا من كتابات الذين نبغوا بعد رحيلها ، و لكن سأحكم عليها بما كان في ذاكرة الشعب المصري بشأنها و بعد سقوطها ، و بخاصة بين الطبقات المستضعفة ، فالشعب أفضل حكم ، و خير من أي مؤرخ مهما بلغت درجة نزاهته ، خاصة إنها شهادة شعبية صدرت بحقها في عصر كان التعاطف معها يعد جريرة كبرى . الحكم الأفضل هو الهتاف الذي كانت تطلقه الطبقات المستضعفة ، في العصر المملوكي ، في تظاهراتها ، في كل مرة يقع عليهم ظلم : يا آل علي . إنه هتاف الترحم على الماضي العادل الذي ولى ، و نداء الإستنجاد بهؤلاء الذين عرفوا بعدلهم و شجاعتهم للتغلب على ظلم الحاضر . الحكم إذا لم يكن لآل أبي طالب إلا وسيلة ، لا غاية . وسيلة لتطبيق العدالة على أوسع مدى ، بعيداً عن التعصب الديني ، لأنه كلما زادت مساحة السلطة المتاحة للشخص العادل ، كلما زادت معها الفرصة لوصول العدالة لأكبر عدد من البشر ، و إنصاف أكبر عدد من المظلومين ، إنها علاقة طردية بديهية ، أدركها الطالبيون .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لننفتح على العالم بإتقان العربية الفصحى و الإنجليزية ، و لا
...
-
البقاء فوق الخراب ليس إنتصار
-
الإضرابات يجب أن تستمر ، إنها حرب إستنزاف نفسية
-
سلاح مبارك لحماس ، سلاح لقتل الديمقراطية الإسلامية و الديمقر
...
-
نشر الديمقراطية ، كلمة حق لا يجب أن يخشى أوباما النطق بها
-
البقاء لمن يعرف متى و أين يقف ، على حماس أن تتنحى
-
أثر أحداث غزة على مصر ، الإخوان أكبر الفائزين و آل مبارك أكب
...
-
لماذا لا يتصالح اليساريون و الليبراليون العرب مع الدين ؟ لما
...
-
إلى غزة قدمنا العرض الأسخى ، و الأكثر واقعية و ديمومة
-
الإنقلاب الغيني بروفة للإنقلاب المصري ، و لكن أين نقف نحن ؟
-
آل مبارك الأسرة الثانية و الثلاثين الفرعونية ، بدعة المواطنة
...
-
الإمساك بالبرادع ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
اللوم في غير مكانه ، لن يأت بالحكم القوي لحكومة متمدنة
-
ذئابنا ليس بينهم ذئبة روميولوس
-
شريحة ضخمة من صغار المستثمرين ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
شريحة ضخمة من صغار أصحاب الأعمال ستأتي بالرفاهية ثم الحرية
-
القفز فوق المرحلة القبطية ، فصام في الشخصية المصرية
-
ماذا سيتبقى لنا من القرآن على زمن آل مبارك ؟
-
إلى المضطهدين : تذكروا أن الذي نجح هو أوباما المندمج ، و ليس
...
-
الجمالة و العمال المصريين ، ظلموا مرتين ، قصة المعهد التذكار
...
المزيد.....
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
-
“فرح أطفالك طول اليوم” استقبل حالا تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس.. الأجراس ستقرع من جديد
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|