|
حساب الربح والخسارة في حرب غزة
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 2557 - 2009 / 2 / 14 - 09:35
المحور:
القضية الفلسطينية
انقسمت آراء المتتبعين لحرب غزة بين إسرائيل وحماس إلى معسكرين، المعسكر الأول صور تلك الحرب انتصاراً لحماس، فيما صور المعسكر الثاني أن إسرائيل هي التي انتصرت في تلك الحرب، ولكل من الجانبين تحليلاته وتبريراته التي تدعم وجهة نظره. لكن واقع الأمر يشير كما اعتقد إلى أن كلا الجانبين قد خرجا من تلك الحرب خاسرين، كون تلك الحرب لم تحقق الأهداف التي من أجلها أشعلت، فلا إسرائيل استطاعت أن تسقط حكم حماس على الرغم من القصف الجوي الإسرائيلي الوحشي الإجرامي، ولا استطاعت حماس تحقيق نصر حقيقي على إسرائيل على الرغم من مئات الصورايخ التي قصفت بها العديد من المدن الإسرائيلية، ولا استطاعت أن تنزل خسائر كبيرة بالقوات الإسرائيلية الغازية. ما هي إذاً مبررات الحرب لدي الطرفين ؟ ومن المسؤول عن اندلاعها؟ وما هي النتائج التي أفرزتها الحرب على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي؟ وللإجابة على هذه الأسئلة استطيع القول: 1 ـ على الجانب الفلسطيني كانت الصورايخ التي أطلقتها حركتي حماس والجهاد بدافع الضغط على حكام إسرائيل لرفع الحصار المفروض على قطاع غزة براً وبحراً وجوا، وفتح جميع المعابر لانتقال السلع والمواد الغذائية والإنشائية الضرورية، وتخفيف المعانات القاسية عن الشعب الفلسطيني الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر، هذه الصواريخ لم تسبب سوى خسائر مادية وبشرية طفيفة للجانب الإسرائيلي، في حين استغلتها حكومة إسرائيل العنصرية لشن تلك الحرب الإجرامية غير المتكافئة ضد الشعب الفلسطيني المغلوب على أمره، مما تسبب في مقتل أكثر من 1300 مواطن فلسطيني بينهم المئات من الأطفال والنساء والشيوخ، وإصابة أكثر من 5000 آخرين بعضهم جراحهم بليغة، هذا بالإضافة إلى تهديم آلاف من المنازل وتشريد سكانها، ناهيكم عن التأثير الخطير لذلك الهجوم الجوي الوحشي الذي استمر أكثر من 20 يوماً على أطفال غزة بسبب تلك الأيام المرعبة، وما زالت لغاية اليوم جميع المعابر مغلقة، وما زال شعب غزة يعاني الأمرين من الحصار، ومن فقدان مساكنهم المدمرة، والفقر والجوع والأمراض التي تفتك بالمواطنين الذين باتوا في سجن كبير محاصر براً وبحراً وجواً.
لكن الأمر الأخطر لنتائج هذه الحرب هو انتصار أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات البرلمانية التي جرت هذا الأسبوع، والذي سيعقد بكل تأكيد المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيلين الجارية منذ سنوات حول إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وربما عادت المفاوضات إلى نقطة الصفر من جديد. ما كان لحركة حماس أن تقدم على تنفيذ انقلابها في غزة أولا، وما كان لها أن تتخذ لها من إيران عمقاً استراتيجيا بدلا من عالمها العربي، هذا التوجه الذي أثار حفيظة حكام إسرائيل وشكوكهم في نوايا حماس، ولاسيما التنسيق الجاري مع حزب الله في لبنان، وتكديس السلاح القادم من إيران مما اشعر حكام إسرائيل بأن كماشة إيرانية طرفاها حزب الله في الشمال وحماس والجهاد في الجنوب تشكل خطراً على إسرائيل، وهو السبب الرئيسي في اعتقادي في لجوء حكام إسرائيل إلى غلق المعابر التي كانت مفتوحة قبل الانقلاب الذي قادته حماس ضد السلطة الفلسطينية، وبالتالي لجوء حماس إلى إلغاء التهدئة بين الجانبين، وإطلاق الصواريخ على المدن الإسرائيلية، والذي اتخذه حكام إسرائيل ذريعة لشن الحرب على غزة، وفي نيتهم إسقاط حكم حماس الذي لم يتحقق على ارض الواقع.
فالقص الجوي لا يمكن أن يسقط نظاما مهما كانت بشاعته ووحشيته، بل يتطلب إسقاط نظام حماس احتلال غزة من جديد، وهذا ما لم تستطع إسرائيل تحقيقه على الرغم من تغلل قواتها المدرعة في غزة، فقد كان حكام إسرائيل يدركون أن حرب العصابات التي خاضتها حماس يمكن أن تكلفهم خسائر بشرية في صفوف جنودهم لا يستطيعون تحملها، وأمام الاستنكار العالمي الواسع شعوباً وحكومات للجرائم الوحشية التي اقترفها الجيش الإسرائيلي، اضطرت إسرائيل أخيراً إلى وقف قصفها الجوي على غزة، وسحب قواتها المدرعة تجر أذيال الخيبة لعدم تمكنها من إسقاط نظام حماس.
2 ـ أما على الجانب الإسرائيلي فإن حكام إسرائيل كما أسلفنا رغم شدة الهجمة الوحشية بالطائرات والمدفعية والدبابات، فقد فشلت في تحقيق النصر على حماس في تلك الحرب التي كلفتها غاليا جداً في المعدات والعتاد إضافة إلى مقتل العشرات من جنودها وجرح المئات منهم .
لكن الخسارة الكبرى التي لحقت بإسرائيل كانت في ذلك الغضب الدولي العارم والاستنكار للوحشية الإسرائيلية ليس في العالم العربي فحسب بل في العالم أجمع، وقد وصل الأمر حتى إلى اقرب حلفاء إسرائيل الأوربيين وبلدان أمريكا اللاتينية والدول الآسيوية والأفريقية كافة، وفي مقدمتهم تركيا حليفتهم الاستراتيجية.
لقد بلغت سمعة دولة إسرائيل الحضيض في العالم أجمع كدولة عنصرية استيطانية اغتصبت وطناً للفلسطينيين وشردتهم في مختلف البلدان العربية والأجنبية، في حين استقدمت اليهود من شتى بقاع العالم لدولتهم اللاشرعية في الأساس. لقد جاءت الانتخابات الإسرائيلية باليمين المتطرف إلى الحكم، وهذه النتيجة بالتأكيد ليس في صالح حماس ولا في صالح السلطة الفلسطينية التي يقودها محمود عباس، لكنه في المقابل لن تكون في صالح إسرائيل كذلك، لقد صوت الإسرائيليون للأحزاب اليمينية المتطرفة بسبب صورايخ حماس التي لم تنفعها شيئا، وبسبب ارتباطاتها بإيران وحزب الله في لبنان الذي اقلق الإسرائيليين أشد القلق، ورغم كل المجازر والبشاعة التي ارتكبتها الحكومة الإسرائيلية في غزة إلا أن إجراءاتها تلك لم ترضِ المجتمع الإسرائيلي، المتجه صوب اليمين، والذي يطالب بإسقاط حكومة حماس، وتحقيق الأمن للمدن الإسرائيلية.
لكني اعتقد أن وجود حكومة يمين متطرف في إسرائيل لن يحمي سكانها طالما بقي الاحتلال، وطالما تماطل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لا فرق بين يمينها ويسارها فهم في واقع الحال كلهم حكومات يمينية بنسب متفاوتة، وغير جادة في الوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية المستعصية، و ستكون الحكومة اليمينية المتطرفة بزعامة نتنياهو مشروع حروب جديدة قادمة يمكن أن يمتد لهيبها إذا ما اندلعت لتشمل منطقة الشرق الأوسط برمتها، وعند ذلك سيندم الإسرائيليون على ما فعلوا.
كما أن الإدارة الأمريكية ستكون محرجة أمام شعوب العالم إذا ما فشلت في كبح جماح صقور اليمين المتطرف، وفشلت في إقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة، وانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967، وستتصاعد المخاطر المحدقة بإسرائيل من حرب الصواريخ إذا ما نشبت حرب جديدة في الشرق الأوسط مما لا تستطيع إسرائيل بعمقها الضيق تحمله، فهل يتورط اليمين الإسرائيلي المتطرف بحرب جديدة ستعود بالكوارث على الجميع إن وقعت؟ أم أن الإدارة الأمريكية ستمارس الضغط الشديد على حكام إسرائيل للوصول إلى حل يرضي الجانب الفلسطيني، والولايات المتحدة قادرة بلا شك إن هي أرادت ذلك، فما دولة إسرائيل سوى قاعدة حربية متقدمة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، وسيفها المسلط على رقاب العرب.
إن على قادة حماس أن يدركوا أن إزالة دولة إسرائيل قد فات أوانها، وقد كان بالإمكان الحيلولة دون قيامها عام 1948، لكن المواقف الخيانية للحكام العرب المرتبطين بوشائج محكمة بالامبريالية الأمريكية والبريطانية آنذاك، هي التي أدت إلى قيام دولة إسرائيل، فلم تكن الحرب العربية ضد المنظمات الصهيونية عام 1948 سوى مسرحية أخرجتها الامبريالية الأنكلو أمريكية ونفذها الحكام العرب . لق باتت إسرائيل دولة عسكرية مسلحة بأحدث ما انتجته المصانع الأمريكية والغربية، وأضافت لها السلاح النووي ليكون منقذها في الحالات الحرجة ، وسوف لا تتورع إسرائيل إذا ما وجدت أن كيانها يجابه خطرا حقيقياً عن استخدام سلاحها النووي ليكون عليها وعلى أعدائها. أن على قيادة حماس أن تبعد نفسها عن التأثيرات الدولية وخصوصاً من جانب إبران وتعيد النظر في حساباتها، وتعود عن انقلابها ضد السلطة، وتجنح للمصالحة معها بكل جدية وصدقية، وإعادة النظر في تركيبة منظمة التحرير الفلسطينية بما يحقق وحدة الفصائل الفلسطينية كافة كي تدخل في مفاوضات جادة مع الجانب الإسرائيلي بصف موحد، مدعومة من قبل الدول العربية والعديد من دول العالم وشعوبها للوصول إلى اقامة دولة فلسطينية موحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة على اسس ديمقراطية، مع انسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من حزيران 1967، بما في ذلك كافة المستعمرات، وتحقيق حل عادل لقضية اللاجئين في الشتات، وإن سلوك أي طريق آخر لا يعني سوى المزيد من الحروب والدماء والخراب والدمار والويلات والمصائب للشعب الفلسطيني، فقد كفاه ما عاني منذ الاحتلال البريطاني لفلسطين ابان الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا.
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب مفتوح للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي
-
هكذا نجح انقلاب 8 شباط الفاشي
-
ما قبل وبعد العاصفة، كتاب جديد للباحث حامد الحمداني
-
من أجل إعادة كامل حقوق الأكراد الفيليين وتعويضهم، وإنزال الع
...
-
من أجل انتخاب رئيس للبرلمان بعيداً عن المحاصصة الطائفية البغ
...
-
الفيدراليون ورئيس الوزراء المالكي والدستور العتيد!
-
المجتمع العراقي تحت وطأة الاحتلال والواقع البائس للمرأة!
-
من أجل تفعيل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
-
الحوار المتمدن مشعل يضئ الطريق نحو عالم أفضل
-
من يتحمل مسؤولية انتشار الإرهاب على المستوى العالمي؟
-
واقع الديمقراطية في العالم العربي
-
الانتخابات المقبلة والمسؤولية التاريخية لقوى اليسار والديمقر
...
-
ماذا ينتظر العالم من انتخاب أوباما؟
-
المعاهدة الأمريكية العراقية ومحنة العراقيين
-
الأزمة الاقتصادية الراهنة ذات أبعاد خطيرة على مستقبل الرأسما
...
-
الأوضاع الخطيرة في الموصل تتطلب أجراءات جذرية عاجلة
-
ينبغي وضع حد للجرائم التي يتعرض لها المسيحيون في الموصل
-
حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية في ذكراها الخامسة والثلاثين
-
البرلمان العراقي وديمقراطية آخر زمان حيث القوي يسلب حقوق الض
...
-
العلة في الدستور
المزيد.....
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|