أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟















المزيد.....

سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 785 - 2004 / 3 / 26 - 10:23
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كتب هذا المقال تحت تأثير تجربة توقيف قصيرة يوم 8 اذار 2004. لكن لم تمض أيام قليلة حتى وقع حدث قدر له أن يطلق مسلسلا من العنف والتخريب دام أياما. وإذ يبدو اليوم أن الطور الحاد من أزمة 12 آذار قد انتهى على أرجح تقدير، فإن عقابيل الأزمة وأطوارها اللاحقة والحلول السليمة لها ستأخذ وقتا أطول.
لقد أبقيت على الصيغة الأولى للمقال دون تعديل يذكر رغم التغير العاصف للحساسيات ودواعي القلق خلال بضع الأيام الأخيرة، ورغم ما سيبدو لكثيرين، ولي أيضا، من تقادم سريع لنبرة وتحليل النص. فإذا كانت بؤرة القلق قبل 12 آذار هي "الفراغ القمعي" غير المعاوض، فإن احتمال "انتفاضة قمعية" منفلتة هو الذي يشغل البال أكثر من غيره بعد 12 آذار. لكني أشعر أن ما يبدو متقادما اليوم لن يلبث أن يبدو أقل تقادما بعد أيام أو أسابيع (وإنما بالأيام والأسابيع يقاس زمن الراهن السوري). أيا يكن، نرجح أن انفجار القامشلي وامتداداته إلى غير منطقة في البلاد قد آذن بانتهاء حالة الشلل والجمود التي طبعت السياسة الداخلية السورية منذ ثلاثة سنوات. وأمام هذا المنعطف المتوقع والمفاجئ في آن معا، سمة الحدث التاريخي دائما، لا يبدو أن الخيارات سهلة أمام أي من الفاعلين السوريين، رسميين ومدنيين، عربا وأكرادا. لكن إذا كان من غير الواقعي أن نأمل بحصول الأحسن، فإن من الممكن ومن اللازم أن نعمل على منع وقوع الأسوأ.

فراغ قمعي؟!
طوال بضع الشهور الأخيرة كان في وسع المراقب للشأن الداخلي السوري أن يرصد نسقا ثابتا في تعامل السلطات السورية مع حركات مستقلة أو معارضة تحاول إثبات حضورها علنا في الميدان العام. يسير هذا النسق على الشكل التالي: اندفاع قوي نحو القمع يتلوه انكفاء سريع و"لفلفة" للمشكلة. على هذا الغرار تراجعت المحكمة العسكرية في حلب في نهاية الشهر الأول عن قرارها بإصدار الأحكام على أظناء قضية الأربعة عشر في حلب (وهم يحاكمون طلقاء) دون سماع شهود الدفاع أو إتاحة الفرصة للمحامين لتقديم دفوعهم. وكما سرّعت المحكمة فجأة من إجراءاتها وأجرت ثلاثة جلسات خلال أسبوع واحد بعد أن كان تواتر الجلسات واحدة شهريا تقريبا، فقد انعطفت فجأة وبزاوية حادة لتعود إلى قبول ما رفضته قبلا وإلى تواتر الجلسات السابق. وفي 25 شباط الماضي هوجم طلاب معتصمون في جامعة حلب احتجاجا على المرسوم الرئاسي رقم 6 الذي يلغي التوظيف الآلي للمهندسين في قطاع الدولة. وبعد ضرب الطلاب وإهانتهم من قبل البعثيين في شعبة الحزب في الجامعة سيقوا إلى مخفر شرطة قريب حيث أحسنت معاملتهم وأفرج عنهم. ولم يحد التعامل مع اعتصام جرى في دمشق في 8 آذار احتجاجا على استمرار حالة الطوارئ عن النسق ذاته. فقد اندفعت الآلة القمعية إلى اعتقال عشرات المعتصمين دون أن توفر بعض عابري السبيل ودبلوماسي أجنبي وصحفيين عرب وأجانب، وبعد ساعات فقط أفرج عن الجميع دون اتخاذ أي إجراء ضدهم. وقبل بضعة شهور أوقف كاتب هذه السطور لوقت وجيز لانه كتب مقالا "يهاجم فيه الحكومة القديمة[ ميرو] والجديدة [عطري]" و"ينتهك الخطوط الحمر" وفقا لما قاله ضابط في جهاز الأمن، لكن المشكلة لم تلبث أن طويت مع رغبة صريحة باعتبار "كأن شيئا لم يكن".
كنت كذلك بين موقوفي يوم 8 آذار. وبينما كان بعضنا يتصلون بهواتفهم الخليوية بفضائيات وصحف واصدقاء ناقلين أخبار توقيفهم، كان الشعور الذي تملكني أثناء ساعات التوقيف الأربعة هو القلق، القلق من ضعف السلطات لا من قوتها. إنه كذلك قلق من أن التوقيف ليس توقيفا، من إمعان الأسماء في الانفصال عن المسميات، من حالة اللانظام أو الفوضى المادية والدلالية "المؤذنة بخراب العمران". وبينما قد تكون قوة الحاكمين، غير المقيدة بخاصة، خطرا على المحكومين، فإن ضعفهم غير المعاوض خطر على الكيان السياسي برمته قبل أن يكون خطرا على الحاكمين أنفسهم. ولا يمكن حتى للمعارض الذي خبر القوة القمعية العمياء أن لا يخشى من تراجع "وازع السلطان" دون حلول "وازع القرآن" أو ما يعادله محله. ويكون الضعف القمعي أسوأ، بعد، حين يكون عنصرا في ضعف عام متعدد المستويات، أشبه ما يكون بالشلل. والأخطر بإطلاق أن يكون ثمة نظام قمعي وعاجز عن القمع في آن معا. فحين يكون بنيان السلطة وركائز الاستقرار الداخلي مؤسسة على القمع، وفي الوقت نفسه القبضة القمعية واهنة، فإن هذه إجازة أكيدة للفوضى. وإذا كان من المبكر القول إن القمعية، التي كانت الركن الركين لقوة النظام هنا، قد تحولت إلى عبء ثقيل عليه، فإن القول إننا سائرون بخط مستقيم نحو تحولها إلى مصدر ضعف مناسب وفي وقته.
يمكن القول أيضا إننا إزاء حالة فراغ قمعي. وليس ثمة ما يشير إلى أن هذا الفراغ المتولد عن العجز مرشح للامتلاء بسلطة قضائية مهابة أو نظم قانونية فعالة أو حوار سياسي نشط بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين السوريين. والمشكلة أن الأسباب ذاتها التي أفضت إلى حالة الضعف والفراغ، أعني مزيج الضغط الخارجي والعجز عن معالجة المشكلات الداخلية، تستوجب القدرة والحكمة. ولعله لم يمر على سوريا، منذ عقود، ظرف تحتاج فيه إلى كل قوتها وكل وحدتها أكثر من الظرف الحالي؛ ولعله منذ عقود، بالمقابل، لم تظهر سورية الرسمية درجة من شلل الإرادة وبلبلة الإدراك أكثر من هذا الظرف. كل ذلك خطير ومشؤوم.
لا ترتد قوة أي نظام إلى قدرته على القمع بالطبع، لكن عجز أي نظام عن القمع مؤشر أكيد على ضعفه. فالقمع وظيفة أساسية من وظائف الدولة وجهاز أساسي من أجهزتها. وتبديداً لأي سوء فهم محتمل فإننا لا نعني أن النظام لا يملك القوة المادية على الضرب والإكراه وتحطيم أية قوة داخلية قد تتحداه؛ ما نعنيه بالأحرى هو انخذال إرادة القمع والتحطيم تحت وطأة انكشاف القمعية السورية، بل الهزيمة الأخلاقية لنظام الحزب الواحد على العموم. وقد تفاعلت الهزيمة هذه مع كل من صعود المطالب الديمقراطية المحلية خلال بضع السنوات الأخيرة، والضغط الأميركي المباشر بعد احتلال العراق وما واكبه وتلاه من نشر وتعميم السجل الشنيع للبعثية العراقية، ومع فشل السلطات السورية في توسيع قاعدة ارتكازها الاجتماعية، لتقود إلى انثلام السلاح القمعي السوري.
لذلك من غير المحتمل أن يستطيع النظام تنشيط وظيفته القمعية الشرعية إلا بقدر ما تكون هذه بندا في خطة إصلاحية متكاملة تنفتح على شرعية جديدة: شرعية ما بعد نظام الحزب الواحد. إن العجز عن القمع اليوم عنصر في عجز أشمل، وهو بمعنى ما ثمن العجز عن الإصلاح.

تجديد القمعية السورية
أصل الضعف السوري الراهن هو تثبت نخبة السلطة على مفهوم القوة/ القمع (بالتوازي مع غياب مفهوم الدولة في وعيها) الذي أثبت نجوعه المحلي والإقليمي منذ النصف الثاني من السبعينات وصولا إلى نهاية القرن العشرين. ما يغفله هذا التصور هو الشروط الدولية والإقليمية التي حفت بسياسة القوة السورية الناجحة: الحرب الباردة، التقاطع السوري الأميركي حول لبنان، المشاركة في الحرب الدولية ضد العراق ثم في مؤتمر مدريد في تسعينات القرن المنقضي. وفي المجمل ساعدت هذه الشروط على وضع المجتمع السوري بين قوسين، واختزاله إلى مجرد ركيزة لسياسة قوة محولة أو غير ذاتية.
بعد أن كانت هذه السياسة سيئة من وجهة نظر المصالح الوطنية السورية أضحت اليوم غير ممكنة: لم يعد ثمة تحويلات قوة، وتقاطع الأمس تحول، بعد 11 أيلول ثم بعد 9 نيسان 2003، إلى تعارض يتحكم الطرف الأميركي وحده بقرار وتوقيت التصعيد أو التهدئة فيه.
بعد تبدل بيئة القوة الدولية والإقليمية دخلت صيغة القوة/ القمع طور أفولها، وأخذ ينقلب عليها من أتاحوا بقاءها في الماضي، سواء الخارجيين الذين قدموا الغطاء لها أو منحوا تحويلات قوة مباشرة، أو بعض الداخليين الذين راكموا الثروات في ظلها وأضحوا يريدون تحديثها لأسباب اقتصادية واستثمارية. ويعني هذا الشرط أن الوظيفة القمعية باتت تحتاج إلى تأسيس جديد، سياسي ومعنوي وجهازي، كي تستعيد فاعليتها واعتبارها. فمهما بدا وقع ذلك غريبا على أسماعنا الديمقراطية فإن ما تمس الحاجة إليه في سوريا هو تجديد الوظيفة القمعية الضروري وليس إلغاءها الضار والمستحيل. ذلك أن نظاما قمعيا عاجزاً عن القمع قد يكون أسوأ وأخطر من نظام قمعي نشط. ثم إننا نميل إلى أن الحاجة إلى القمع ستزيد في الفترة القادمة بالتناسب مع دخول البلاد في مرحلة انتقالية جديدة غير واضحة الملامح. لقد انتهى القمع القديم العدواني، غير العاقل، المضاد للقانون والسياسة والمنفصل عن العدالة، عند تقاطع نضوب تحويلات القوة المغذية له مع انكشافه الأخلاقي. وإن لم تنفتح النهاية على نوع من القمع العاقل، المتجرد، المحكوم بالقانون، فإن السبيل الآخر هو الفوضى، أي تناثر العنف في المجتمع وخصخصته.
الديمقراطيون السوريون مطالبون بإدراك أن الخيار الأرجح أمامنا ليس وجود القمع أم زواله بل احتكار القمع أم تفشيه. وبينما قد يتعارض القمع المحتكر مع الشرعية، فإن القمع المتفشي على شكل عنف منتشر لا يمكن أن يكون شرعيا بالضرورة. ولا نظن أحدا يجادل في الظروف الحالية في احتمال أن يكون العنف المنتشر تغييريا ومؤقتا ومؤسسا لشرعية جديدة، بينما من الوارد جدا أن يكون تدميريا ومديدا وعدميا. وليس من المستبعد أن ينتحل تفشي العنف قناعا إنقاذيا لأول وهلة ليبدو ردا على العجز القمعي ومنعا للأمور من الانفلات، لكنه قد لا يفضي في شروط الضعف العام الحالية إلا إلى حريق عام منتشر. هذه احتمالات واردة، وقد يفيد أن نعتبرها مسلمات ينطلق منها العمل السياسي المعارض والرسمي، بينما يضر بالتأكيد ان نتجاهلها.
على أن السؤال الصحيح، في الواقع، ليس ما إذا كانت القمعية السورية بحاجة إلى مراجعة وإصلاح، بل ما إذا كان من الممكن إصلاحها بمعزل عن عملية إصلاحية كبرى تعيد تأسيس السلطة والحياة السياسية السورية على قواعد دستورية وتمثيلية جديدة. ونميل إلى أن ضيق الوقت المتاح أمام جميع الفاعلين السياسيين المحليين الضعفاء يرجح إصلاحات إسعافية وجزئية، ويمنح دورا حاسماً للمسؤولين المباشرين وميزاتهم الشخصية، ويتطلب غير قليل من التوفيق والحظ.

الشلل المقعد
المشكلة البنيوية الأخطرسورياً هي تماهي السلطة والدولة، ما يرهن مصير الثانية بتقلبات حظوظ الأولى، وما يجعل التغيير السياسي الحيوي محفوفا بمخاطر تداعي النظام العام. وفي منعرج الضعف العام الذي قاد إليه الجوار الأميركي الضاغط والعجز عن استنفار الحيوية الداخلية (بسبب حالة الطوارئ المديدة وليس رغما عنها) اضحى مسار التماهي المذكور انحداريا بصورة مقلقة.
لم يتفرع هذا المسار من مجرد تمكن الأميركيين من احتلال العراق بسهولة وإسقاط نظام صدام البعثي، وبالتالي تحطيم أسطورة نظام الحزب الواحد، القائد، الصامد؛ لقد نشأ بالأحرى من التفاعل السلبي للنظام مع سقوط نظيره العراقي وإيهام النفس بأن أسطورته هو لم تمس. فبعد قرابة عام من سقوط نظام بغداد لا يبدو أن نخبة السلطة السورية قد حاولت، أو حتى فكرت، في تطوير استراتيجية وطنية سورية للتعامل مع واقع جديد يطرح تحديات استراتيجية وسياسية وإيديولوجية واقتصادية، أو في توسيع القاعدة الاجتماعية السياسية لتحمل أعباء ومخاطر هذه المرحلة الحرجة فعلا. ويفسر تقرير صدر مؤخرا عن "المجموعة الدولية لمقاربة الأزمات" بعنوان "سوريا في ظل بشار" هذا الشلل بخشية النخبة من أن أي تعديل على بنية النظام قد يفضي إلى تقويضه كله. وإذا صح أنها تصدر عن مخاوف كهذه فإن نخبة السلطة تكون قد حشرت نفسها في وضع مستحيل: لا تستطيع أن تتقدم ولا أن تتراجع، أو تتقدم فترا لتتراجع عنه بعد قليل. وهذا وضع بالغ الخطورة وهو، وليس محاولة الإصلاح، الذي قد يتسبب في انهيار عام.

إنقاذ وطني!
تعاني سورية من حالة ضعف عامة تتعدى نظامها السياسي لتشمل مجتمعها المدني وقواها السياسية ونخبها المثقفة. إن انغلاق النظام السياسي طوال أربع عقود والافتقار إلى آليات تصحيح وتجديد ذاتية هو السبب الأهم في الضعف العام الذي أخذ يرتد في السنوات الأخيرة على النظام نفسه. مضى وقت كان يمكن ان نجد نظاما أقوى من بلده؛ اليوم وبعد التحول الامبراطوري للولايات المتحدة صار من الوارد جدا أن نجد، في "الشرق الأوسط" على الخصوص، نظما أضعف من بلدانها. وفي كل الأحوال باتت قوة النظم وضعفها تابعة لموقعها في النظام الامبراطوري للشرق الأوسط. ففرص الالتكيف الإيجابي في ظل الامبراطورية محدودة ومرهونة بمستوى التماسك الداخلي واتساع قاعدة ارتكاز النظم السياسية. سورية في موقع قلق ضمن الترتيب الامبراطوري الجديد. وفي بنيانها الحالي لا تستطيع الرد على ما يطرحه من تحديات، بل إن افتقار هذا البنيان للمرونة في سياق تغيرات كبيرة وعاصفة ينعكس تراكما للضعف.
إذا صح هذا التحليل فإنه يقتضي أن يفكر الفاعلون العامون، معارضون وغير معارضين، بالتحول نحو منطق الإنقاذ الوطني. العمل المطلوب من المعارضة بمختلف مكوناتها وتياراتها أكبر بكثير من مواجهة السلطة، وأهم بكثير من مسألة السلطة أصلا؛ إنه بالأحرى مواجهة الرأي العام بخطورة الأوضاع في البلاد وحولها، وبضرورة الخروج من هذا المأزق بأعلى درجة من التماسك الوطني وبأقل قدر من الخسائر.
لتقاسم أعباء التعامل مع مرحلة الهجوم الأميركي، سورية محتاجة إلى طي صفحة نظام الحزب الواحد وبناء تحالف وطني عريض. الفشل في ذلك يهدد وحدة البلاد ويهدر عقودا واجيالا إضافية.

استطراد حول أزمة 12 آذار
بصرف النظر عن أي تحليل لأسباب أزمة 12 آذار، وأي تقييم لأداء الأطراف المختلفة أثناءها، وأي احتمالات مستقبلية لتفاعلها، وأية عقابيل ستخلفها، فإن ما لا جدال فيه أنها ذات بعد سيادي يمس كيان البلاد ووحدتها، ولا يقتصر على اعتراضات مشروعة أو مشروعة جدا على حرمانات سياسية متنوعة. ولذلك بالذات قد تكون الأزمة منطلقا لتدشين "انتفاضة قمعية" تفك طوق الحصار الأخلاقي عن نظام الحزب الواحد، وتمكنه من الانتقال إلى مواقع الهجوم ومحاصرة المطالب الديمقراطية والتغييرية بذريعة انها تعرض استقرار البلاد ووحدتها للخطر. وأهم من ذلك أن ألزمة قد تكون فرصة لتجديد القمعية السورية على أسس شرعية دون أن تكون عنصرا في عملية إصلاحية سياسية ومعنوية وجهازية وفقا لما تصور النص فوق، بل ومع اتخاذها منطلقا لدفن أية بقية باقية من نيات إصلاحية. في تاريخ سورية الحديث بمجمله قامت الأخطار السيادية بمد حبل الخلاص لنخبة القرار من تحمل مسؤولية أخطائها السياسية، وأزمة 12 آذار قد لا تشذ عن هذا الدور "الإنقاذي" لصيغة القوة/ القمع، وقد تخدم كجرعة مقوية لتجديد شباب حالة الطوارئ المكتهلة.
لكن إن كتب لانتفاضة قمعية غير مقيدة أن تهب في وجه ما تعرض له نظام الحزب الواحد من انكشاف أخلاقي خلال العام الأخير فستحمل من المخاطر ما يفوق مخاطر الأزمة التي ولدت منها. ذلك أن القمع لا يمكن أن يكون غير علاج إسعافي في أحسن الأحوال. إنه وسيلة لإلحاق الهزيمة بخصم لا لتحقيق النصر الذي لا يمكن إلا أن يكون سياسيا.
بالمقابل يمكن لأزمة 12 آذار أن تكون منطلقا لانتفاضة إصلاحية يكون تجديد وإصلاح القمعية السورية عنصرا فيها، والتصدي للمشكلات الحقوقية والسياسية والثقافية الكامنة خلف تفجر الأزمة عنصرا آخر، وإعادة بناء الوطنية السورية على أسس دستورية وتمثيلية جديدة إطارها العام.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني
- طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
- في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له ...
- صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
- سوريون ضد حالة الطوارئ!
- هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا ...
- سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
- نقاش حول الدفاع الوطني
- بلاد الموت السيء
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - سوريا أمام المنعطف مــن هنا إلى أيــــن؟