أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مروان محمد عبد الهادي - الجزية والحقيقة القرآنية - قرآءة مُتأنية في مضامين الاية















المزيد.....


الجزية والحقيقة القرآنية - قرآءة مُتأنية في مضامين الاية


مروان محمد عبد الهادي

الحوار المتمدن-العدد: 2556 - 2009 / 2 / 13 - 07:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بسم الله الرحمن الرحيم
نقف خاشعين أمام قول الحق سبُحانه وتعالى:

قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ - التوبة 29

يسأل أحدهم:- أثار المستشرقون شبهات كثيرة حول الإسلام وكانت شبهة الجزية من أشهرها فكيف نرد عليهم؟

قبل ألإجابة نقول: هبَ (البعض) من السادة الفقهاء.. سلفاً وخلفاً، للدفاع والرد على هذه الشبهة ، قليلون منهم من جانب الصواب ولكن ليس كل الصواب.. فبقيت هذه الشبهة مُسلطة على رقاب المسلمين حتى يومنا هذا.! إن سوء معاملة (البعض) من المسلمين لأهل الكتاب وتفسير الآية الكريمة تفسيراً تراثياً أسوداً.. غُلف بتبريرات وأعذار واهية، أثار هذه الشبهة لدى المستشرقين ، فزرع في قلوبهم حقداً على الإسلام وأتباعه، وكأن المراد في هذه ألآية الكريمة هو تحقير (أهل ألكتاب) مما لا ينسجم قطعاً وروح تعاليم الدين القيم – ألإسلام

يقول إبن حزم في مراتب ألإجماع (1) إن الشروط ألمشترطة على أهل ألذمة في عقد الجزية هي:-

"عليهم أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري وصرف كل دينار اثنا عشر درهما ، وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ، ولا يجددوا ما خرب منها ، ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم ، وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين ، ويُضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة ، وأن لا يأووا جاسوسا ، ولا يكتموا غشا للمسلمين ، ولا يعلموا أولادهم القرآن ، ولا يمنعوا أحدا منهم الدخول في الإسلام ، ويوقروا المسلمين ويقوموا لهم من المجالس ، ولا يتشبهوا بهم في شيء من لباسهم ولا فرق شعرهم ، ولا يتكلمون بكلامهم ولا يتكنوا بكناهم ، ولا يركبوا على السروج ، ولا يتقلدوا شيئا من السلاح ولا يحملوه مع أنفسهم ولا يتخذوه ، ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية ، ولا يبيعوا الخمر من مسلم ، ويجزوا مقادم رءوسهم ، ويشدوا الزنانير، ولا يظهروا الصليب ، ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ، ولا يطرحوا في طريق المسلمين نجاسة ، ويخفوا النواقيس وأصواتهم ، ولا يظهروا شيئا من شعائرهم ، ولا يتخذوا من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين ، ويرشدوا المسلمين ولا يطلعوا عليهم عدوا ، ولا يضربوا مسلما ولا يسبوه ولا يستخدموه ، ولا يسمعوا مسلما شيئا من كفرهم ، ولا يسبوا أحدا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ولا يظهروا خمرا ولا نكاح ذات محرم ، وأن يسكنوا المسلمين بينهم، فمتى أخلَوا بواحدة من هذه الشروط،، اخُتلف في نقض عهدهم .. (قتلهم وسبيهم وأخذ أموالهم..!!") أهـ

ويقول إبن سعد في الطبقات عن عمر: “ وضع الخراج علي الاراضين ، والجزية علي جماجم اهل الذمة فيما فتح من البلدان ، ووضع علي الغني ثمانية واربعين درهما ، وعلي الوسط اربعة وعشرين درهما ، وعلي الفقير اثني عشر درهما ، وقال : لا يعوز " أي لا يرهق" رجل منهم " أي الفقراء" درهم في الشهر" (إنتهى) الطبقات الكبرى لابن سعد (2)

لربما يتهمنا ألبعض جزافاً ، في أننا ننقل أقوال ألمستشرقين وشبهاتهم ، ونحن بدورنا نرد هذه التهمة التي تخالف روح البحث المقتضب الذي بين أيدينا على أصحابها ، ونسأل هل "أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم" (ألاندلسي) المولود في قرطبة عام 384 هجري وألمتوفى عام 456 هجري ، وإبن أبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع" المولود سنة (168هـ = 784م من ألمستشرقين؟ ولكننا نسأل بدورنا السادة ألعلماء.. ألم يحن ألوقت للدفاع عن هذا الدين القيم ، بدلاً من الدفاع المميت العقيم عن الذين أساءوا لدين الله من علماء وولاة وحكام؟ والذين لم يتدبروا قول الحق سبحانه وتعالى:

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (ألممتحنة 8)

“إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ" (الممتحنة 9)

لقد تعددت مفاهيم الجزية لدى علماء الدين.. ووضع (بعضهم) لها أحكاماً جائرة تحت مسميات مختلفة ما أنزل الله بها من سلطان ، وقلَت إجتهادت (بعضهم) القرآنية وكثرت أراءهم الشخصية.. وتباينت فيما بينهم ، وكل أدلى بدلوه ، فجعلوا من الجزية التي فرضها المولى سبحانه وتعالى عقوبة على المقاتلين المعتدين من أهل الكتاب ، آتاوة على جميع أهل الكتاب بدون وجه حق!! تارة تحت مسمى حماية (أهل الذمة) وتارة تحت مسمى الصدقة!! وتارة أخرى بدلاً.. عن فريضتين فرضتا على المؤمنين ، فريضة الجهاد وفريضة ألزكاة!! وأجحفها ، تحت إسم (عقد الجزية) وتحت مسميات عديدة، لا يتسع المقام لذكرها جميعاً. وعليه ، فقد وقع الولاة والحكام في خطأ تطبيقي ناتج عن سوء فهم النص القرآني (حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) من جهة ، وعدم الإلمام بالمقاصد العامة للشريعة المبنية على التسامح ، وقبول الآخر من جهة أخرى.

لا يختلف إثنان بإن ألاقتتال بين مخلوقات الله تعالى نوعان لا ثالث لهما، عدوان أو دفاع عن النفس ، وقد حدد الله تعالى القتال المشروع في الإسلام بالدفاع عن النفس فقط ، ونهى عن العدوان ، مصداقاً لقوله سبحانه وتعالى في هذه ألآيات ألكريمة:

"وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (البقرة19)

وقوله تعالى أيضاً: الَّذِينَ (هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ) مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ -آل عمران 195

وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ) وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (التوبة 12)

إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ (وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً) وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (التوبة 36)


فإن سألني سائل عن الآلية التي تم بها الأعتداء على المسلمين ، نُجيب بالقول: بأن الدعوة إلى دين الله تعالى في نشأتها كانت سلمية ، وأن المسلمين الأوائل دخلوا في دين الله عن قناعة وبرهان وإنصياع لحجة. لقد إضطهدوا في ذواتهم ، وإضطهدوا في أموالهم ، وإضطهدوا في أهلهم ، وإضطهدوا في إوطانهم ، وكانوا قلة وأذلة، عاجزون عن الدفاع عن أنفسهم أمام كُتل الطُغيان التي كانت تُحارب الإسلام والمُسلمين. هذه إحدى الآليات التي تم بها الإعتداء عليهم. وبعيداً عن الأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) نوكد على حقيقة لا تشوبها شائبة ، هي أن الرسول الكريم (ص) لم يحمل قط السيف لإجبار الناس على الإسلام أو الإيمان ، بينما الكُفار والمًشركين والذين ظاهروهم من الذين أُتوا الكتاب، هم الذين حملوا السيوف ليفرضوا على الناس سماع كلمة الباطل ومنعهم من سماع كلمة الحق ، ولكن ، لكي تصل كلمة الحق إلى الناس وتكون الفرص مُتساوية ، حمل النبي (ص) السيف دفاعاً عن النفس أولاً ، وليمنع المُعوقات التي تعوق كلمة الحق التي تصل إلى القلوب، فيسمع الناس حجة هولاء .. وهؤلاء.. وبعد ذلك يختارون ما يختارون ، بإرادة حره ، لا يفرض فيها السيف رأياً ، وقطعاً لا يفرض فيها عقيدة وديناً.

لقد طبق رسول الله (ص) ما تنزل على قلبه نصاً وروحاً، ولم ينسى أو يتناسى ولو للحظة واحدة قول الله تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ -يونس99 وقوله سُبحانه:

لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - البقرة256

لقد فهم رسول الله (ص) قوله تعالى ، وأدرك بأن الإسلام لا يريد قوالب تخضع.. ولكنه يريد قلوباً تخشع.. وأن العقيدة هي الشيئ الذي لا يمُكن الإكراه عليه ، ولهذا لا يعقل أبداً، أن يحمل رسول الله (ص) السيف مُخالفاً أمراً قد نهى الله عنه. أما سيف رسول الله (ص) فقد وجد ليُدافع عن الإرادة الحرة للإنسان وليمنع إكراه الناس على الباطل ، وليُعطي الناس الفرصة للإختيار بدون إكراه أو ضغط أو إرهاب ، فتكون كلمة الله هي العُليا ، بعكس ما فعله الولاة والحكام ومُداهنة رجال الدين لهم.. الذين إتخذوا من الدعوة إلى دين الله ذريعة لغزواتهم، وجعلوا من الجزية وسيلة ضغط وإرهاب ، وسيفاً مُسلطاً على رقاب أهل الكتاب ، والله يقول:

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ - النحل125


ولنا أن نستنكر وبشدة ما ذهب إليه الفقهاء وأصحاب التراث الذين لم يكتفوا بتحويل الجهاد إلى قتال ، والجهاد إلى غزو والقتال إلى قتل.. يقول الإمام الشوكاني: "أما غزو الكُفار ومُناجزة أهل الكفر، لحملهم على الإسلام أو تسليم الجزية أو القتل، فهو معلوم من الضرورة الدينية، وأدلة الكتاب والسُنة في هذا لا يتسع لها المقام ولا لبعضها.!!! أما ورد في موادعتهم وفي تركهم إذا تركوا المُقاتلة فذلك منسوخ بإتفاق المُسلمين!!!!!؟ بما ورد من إستحباب مُقاتلتهم على كل حال، وقصدهن في ديارهم، في حال القدرة عليهم والتمكن من حربهم.." أهـ (3)

يقول الإمام الشافعي في كتابه الأم: الجهاد فريضة يجب القيام به سواء أحصل من الكُفار إعتداء أم لم يحصل!!!!؟ أهـ . أو ما قاله القسطلاني في شرح صحيح البُخاري: الجهاد في الإصطلاح يعني قتال الكُفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله!؟ أهـ. . والله تعالى يقول عكس ذلك تماماً:

وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ - العنكبوت8

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ - لقمان15
كيف لنا أن نوفق بين بر الوالدين وطاعتهما والإحسان إليهما كما صرح الله سُبحانه وتعالى في هذه الآيات الواضحات ، وبين جهاد الوالدين قتالا!؟ بل يستحيل عند العُقلاء أن يكون جهاد الوالدين قتالاً.

ويحق لنا أيضاً أن نسأل رجال الدين.. كيف تحولت الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، إلى حملات عزو مُسلحة لسلب ألأموال ، ونهب المُمتلكات ، وهتك أعراض الآمنين من غير المسلمين وقتلهم؟؟ نحن مأمورون بالجهاد والقتال في سبيل الله، ولكننا قطعاً غير مأمورين بالقتل والتخريب والسلب وإكراه الناس بأسم الله!! والبون كبير بين التعريفين. إن التطرق إلى موضوع الجهاد يُعتبر وبحق ، من الأمور الشائكة في الثقافة الإسلامية ، بعد أن تم خلط مفاهيم الجهاد والقتال والقتل ، والحرب والغزو – حينا بسبب الفهم المغلوط للجهاد والقتال الذي أخذ حيزاً كبيراً في كتب الفقه التراثية.. وأستندت إليه الغزوات التوسعية تحت شعار (لا إله إلا الله والله أكبر) وهو ما نُطلق عليه اليوم جزافاً - الفتوحات الإسلامية ، وحينا آخر بسبب الجهل أو التقليد ألاعمى ، وإستحتدِاث علوم الناسخ والمنسوخ، والقرآءات المُتعددة المُختلفة ، والقول بالترادف في كتاب الله تعالى. أهـ

لقد أختلف المفسرون في تعريف ألجزية فما هو ألمعنى ألحقيقي لهذه الكلمة؟

تعريف مصطح الجزية في معاجم أللغة: خَرَاجُ الأرض.-: ما يُؤْخَذُ من المعاهدين من أهل الكتاب ج جِزىَّ وجِزْيٌ وجِزاءٌ
ج: جِزَاءٌ. [ج ز ي] "فَرَضَ عَلَى الذِّمِّيِّ دَفْعَ الجِزْيَةِ" : الْخرَاجُ، أَيْ مَا يَدْفَعُهُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ (أَهْلُ الذِّمَّةِ) فِي أَرْضِ الإِسْلاَمِ مِنْ ضَرِيبَةٍ. ."اِنْتَشَرَ الجُبَاةُ يَجْمَعُونَ الجِزْيَةَ مِنَ الأَقَالِيمِ" : خَرَاجُ الأَرْضِ.

الجزاء : هو ألتعريف ألقرآني الصحيح لإنسجامه مع آلآيات ألقرآنية العديدة ، وما عداه من تعريفات بشرية فليس عندنا بشيء.. فقد جاءت هذه ألتعريفات (كتحصيل حاصل) بعد فرض الخراج وألضرائب على جميع أهل الكتاب بدون وجه حق! فمصطلح ألجزاء لا يمكن تحديده بالخراج أو ألضريبة.. وإلاَ كيف نفسر قوله تعالى:

”وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (آلمائدة 38)

وقوله أيضاً: “فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ" (آلمائدة 85)

لا نجد في كتاب الله العزيز آية واحدة تجيز ألإعتداء على أحد، وفي هذه ألآية تحديداً (ألتوبة 29) اُمرنا بالقتال المشروع ، وهو الدفاع عن ألنفس والدين. لقد جاء ألامر بقتال ألذين أعتدوا من أهل ألكتاب الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله (ص) ولا يدينون بدين الحق حصراً ، وليس أهل ألكتاب كافَة ، ووقف القتال لا يتم إلاَ بعد إستسلامهم وإذلالهم (ألمحاربون) من أهل الكتاب وقهرهم ، وإعترافهم بإن أيد ألمسلمين فوق أيديهم ، وأن يعطوا ألجزية (ألجزاء ألمفروض عليهم) (وهم صاغرون) أي أذلاء ومقهورون. فقول الله تعالى: (حتى) يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (حتى) تُفيد بأن القتال لن يتوقف ولن يُعصم دم المُعتدين إلا بعد إعطاء الجزية وهم صاغرون. بإختصار شديد، على المعتدين من أهل الكتاب أن يختاروا بين الموت في المعركة أو إعطاء الجزية (الجزاء) وهم صاغرون ، ولا يجوز ابداً تخيير أهل الكتاب بالدخول في الإسلام أو دفع الجزية. لقد حسم الله سُبحانه وتعالى قضية الإيمان والكفر بقوله:

وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ – الكهف 29

وإذا كنا لا نعحب من السادة العُلماء.. الذين ضلوا وأضلوا ، ووضعوا أهل الكتاب أمام خيارين ، أحلاهما علقم .. "الإسلام وهم كارهون أو دفع الجزية وهم صاغرون!؟" والكره كما جاء في قوله تعالى ، هو النفور والمشقة. أين هم هؤلاء العُلماء.. من قول الله تعالى:

قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ - هود28

وَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً - الأحقاف 15

إن تخيير أهل الكتاب ما بين الإسلام أو دفع الجزية وهم كارهون ، هو إكراه وتكريه بدين الله تعالى ، ولا وجود له في التنزيل الحكيم ولا في سُنة الرسول (ص) ولا عند العُقلاء الذين يذكرون الله قياماً وقعودا ، بل هي مسألة منهيٌ عنها بلفظٍ صريح لا يقبل التأويل لقوله تعالى:

لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ - البقرة 256

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ - يونس 99- 100

أما أهل ألكتاب من غير المقاتلين ألذين لم يشتركوا في القتال ولم يخرجوا المسلمين من ديارهم ولم يظاهروا على إخراجهم، فعلى المسلمين أن يقوموا بِبرهم وأن يُقسطوا إليهم إمتثالاً لقول الله تعالى:

“لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" (ألممتحنة 8)

“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (ألمآئدة 8)

وكيف يكون إكراه أهل الكتاب بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله مقبولاً عند الأئمة والمُفسرين الذين ضلَوا وأضلَوا، وعقود البيع والشراء باطلة مع الإكراه ، وعقود النِكاح باطلة مع الإرغام والقسر؟!

أما القول بأن الذمي هو الذي يعيش في بلاد المسلمين.. بشكل دائم فهو قول مغلوط ، وفيه ظلم وتبرير لإحتلال بلاد غير المسلمين. فالذمي ، وهو مًصطلح دخيل ، لا نجد له ذكراً في كتاب الله، هو أبن البلد ألاصلي ، ولد وترعرع في بلده وكان آمنا مُطمئنا. ولو فعلاً كما يزعم رجال الدين.. بأن فتح هذه الدولة أو تلك، كان للدعوة إلى الله سُبحانه وتعالى ونشر الإسلام، لماذا إذن الإستقرار فيها؟؟ وعلى حين غرة يُصبح وبدون وجة حق إبن البلد ألاصلي ، مواطنا من الدرجة العاشرة؟؟ الرجاء قرآءة الشروط ألمشترطة على (أهل الكتاب) في عقد الجزية الذي تفتقت به عقول الظالمين من عُلماء السُلطان والسوء، الذين آثروا الحياة الدنيا على دار السلام، وتناسوا قول الله تعالى:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ - هود18

كذلك ألاسباب السخيفة التي يسوقها لنا رجال الدين.. بأن الجزية تدفع مُقابل حمايته والدفاع عنه وإعفاءه من الخدمة العسكرية ، مرفوضة للأسباب التالية:

الدولة المُسلمة العادلة مسؤولة أمام الله تعالى والمُجتمع بحماية الجميع وبدون إستثناء ، والدفاع عن الارض وممتلكات الجميع؟! لماذا تُجبى الضرائب من المواطنين إذن؟ ثم لماذا يتوقع المسلمون من المواطنين، اصحاب البلاد (أهل الكتاب) الذين يرضخون تحت نير الإحتلال العسكري، وفي ظل الشروط الظالمة التي وضعها الغازون ، بالدخول في حروب لصالح من يحتل أرضهمم ويفرض عليهم آتاوةً؟؟ وماذا لو فرض الصهاينة الجزية على الفلسطِنيين تحت مُسمى حماية (أهل فلسطين وأهل العراق..) تحت باب الإنفاق عليهم من صندوق الشؤون الإجتماعية.. أوعوضاً عن فريضة الخدمة العسكرية!؟..

إن ألسؤال ألمحوري والجوهري الذي يجب أن يتردد في خلد كل مسلم ، انه كيف كان لنا أن نتوقع من أهل ألكتاب الدخول في دين ألله أفواجاً أو حتى فُرادى..؟ ونحن نأمرهم بأن لا يعلَموا أولادهم ألقرآن! ونفرض عليهم أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري ، وأن ويجزَوا مقادم رءوسهم ، ويشدَوا الزنانير ، وأن ولا يركبوا على السروج ، وأن نضع الخراج علي الاراضين ، والجزية علي جماجم اهل الذمة فيما فتح من البلدان! أفلم يسمع المسلمون حينها بقول الحق سبحانه وتعالى:

“ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (ألنحل 125)

إن ألإجابه ألمثلى على هذه ألشبهات هو نقد الذات أولاً ، وألاعتراف بأن الولاة والحكام وقعوا في خطأ تطبيقي ناتج عن سوء فهم للنص القرآني. وإننا لا نجد حرجاً ولا نرى ضيراً بسرد هذه ألوقائع المشينة.. التي لا تشين ألاسلام بشيئ ، ولكنها تشين ألذين مارسوها من ألولاة والحكام (والبعض) من علماء الدين.. ألذين داهنواهم بشكل عام في عصرهم ، كذلك بعض المُقلدين من السادة الفقهاء المُعاصرون.. الذين ما زالوا بعلمٍ أو بغير علمٍ يدافعون عن تلك ألافعال!

قد يسأل سائل: هل الخروج لحصار القرى الآمنة المُسالمة وقتل أهلها بحجة نشر الإسلام والدعوة إليه ، هو جهاد وشهادة في سبيل الله؟ أم عُدوان يبتغي عرض الحياة الدنيا ، ولا عُلاقة له بالجهاد والشهادة؟ الإجابة تجدها في المقولة الشهيرة للخليفة العباسي الخامس ، هارون الرشيد ، الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً!! ووقف أمام السحاب ذات يوم وقال لها إمطري، حيثما شئت فسوف يأتيني خراجك..

1- أبو محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم (ألاندلسي) المولود في قرطبة عام 384 هجري و توفي عام 456 هجري

2- أبي عبد الله محمد بن سعد بن منيع" سنة (168هـ = 784م (في ألطبقات ألكبرى لإبن سعد

3- تجفيف منابع الأرهاب - الدكتور محمد شحرور



#مروان_محمد_عبد_الهادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرآءة مُعاصرة في خصائص السُنة النبوية


المزيد.....




- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...
- مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مروان محمد عبد الهادي - الجزية والحقيقة القرآنية - قرآءة مُتأنية في مضامين الاية