|
جور اجتماعي كرّسه المخزن ( النظام المغربي)
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 2554 - 2009 / 2 / 11 - 09:31
المحور:
حقوق الانسان
جور اجتماعي كرّسه المخزن ( النظام المغربي) النساء مقصيات ظلما وعدوانا من حقهن في أراضي "الجموع" (إراضي في ملكية القبيلة)
لازالت النساء "السلاليات" مقصيات، ظلما وعدوانا، من القسمة الخاصة بالأراضي الجماعية لمجرد أنهن وُلدن نساءا وليس ذكورا، وذلك رغم أن هذا الجور، الاقتصادي والاجتماعي والإنساني أيضا، يخالف المنظور الإسلامي في الإرث ويعاكس جميع القوانين الجاري بها العمل، بل يضرب عرض الحائط بجميع مقتضيات مدوّنة الأسرة التي تفتخر بها بلادنا بين الدول. وإذا كان لا يحق امتلاك أو تفويت أراضي الجموع بين الأشخاص، ماعدا لكبار المنعشين العقاريين الكبار، كما هو حاصل حاليا، فإنه من غير المقبول إطلاقا أن حق الانتفاع من هذه الأراضي يظل حكرا على الذكور دون النساء، بل ويُغتال هذا الحق مع وفاة الزوج أو الأب، إذ لا حق للزوجة فيه كيفما كانت وضعيتها الاجتماعية، سواء كانت أرملة أو مطلقة حاضنة لأطفال إناث مهما كان عددهن. وبذلك حرمت آلاف النساء على امتداد رقعة "المغرب السعيد" من الوسيلة الوحيدة المدرة لدخل الكثير من العائلات. وقد نتج عن هذا الجور الاجتماعي والإنساني البيّن مآسي أسرية لا يرضاها ذو حس وطني لمواطنات وأبنائهن، كما لا يقرّ بهذا الجور القانون الوضعي ولا التعاليم الإسلامية. ظلت الوضعية على هذا الحال منذ الحصول على الاستقلال بدعم وتكريس من طرف وزارة الداخلية، الوصية على الجماعات السلالية، دون أن تحرك ساكنا. كما اقتصرت فعاليات المجتمع المدني على دور المتفرج و إصدار بعض التوصيات المحتشمة من حين لآخر. غير أنه عزمت مؤخرا مجموعة من الفعاليات النسائية على إيلاء هذا الجور اهتماما خاصا للقضاء عليه بمختلف الوسائل الممكنة، وقد انطلقت حركة مناهضة هذا الظلم الاجتماعي والاقتصادي من مدينة القنيطرة بفضل النساء السلاليات اللواتي وحدن صفوفهن، لبداية نضالهن بتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، يوم الخميس 27 دجنبر 2008 تحت إمرة الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب. وحسب ثلة من مناضلات الحركة النسوية، لم يبدأ الاهتمام بهذا الأمر فعلا إلا عندما اعتبرت بعض النساء الواعيات والمثقفات المعنيات بالأمر أن حرمانهن من حق الانتفاع من أراضي الجموع، هو بمثابة جور وظلم سافرين طالهن كما طال أبناءهن، لاسيما الإناث،ومن ثم شرعت بعض فعاليات الحركة النسائية المغربية في إيلاء الأهمية اللازمة لهذه القضية بضرورة النضال بعد قدوم الدولة على تفويت آلاف الهكتارات إلى منعشين عقاريين عمالقة بأثمنة زهيدة، الشيء الذي قلص كثيرا مساحة الأراضي الجماعية التي كانت تنتفع منها العديد من العائلات من محدودي أو منعدمي الدخل، والتي لم يعد أمامها إلا الالتحاق بأحياء الصفيح التي يُقال إن الدولة عازمة على القضاء عليها عبر مشاريع السكن الاجتماعي والاقتصادي والتي غالبا ما تقام على أراضي الجموع المفوتة بأبخس الأثمان للمستثمرين الخواص والعموميين. وإذا كان هذا التفويت يساهم في توفير السكن الاجتماعي والاقتصادي لبعض الفئات المحدودة، علما أن المنعشين غالبا ما يخصصون الأراضي المفوتة لمشاريع تستجيب لحاجيات ذوي الدخل العالي أو لمشاريع سياحية وإقامات فاخرة لا علاقة لها بحل أزمة السكن أو القضاء على السكن غير اللائق كما يدعي الخطاب الرسمي. وهذا ما كشفته الحرب الضروس بين أكبر المنعشين العقاريين حاليا بخصوص الأراضي الجماعية الكائنة بين بوقنادل والمهدية وبين القنيطرة وشاطئ مولاي بوسلهام. ومن المعلوم أن أراضي الجموع مازالت تدار اعتمادا على أعراف تتغير حسب الهوى، مناهضة كليا لمقتضيات مدونة الأسرة والتعاليم الإسلامية، كتابا وسنة. ولم يسبق للدولة أن فكرت في التصدي لهذا الجور الاجتماعي، الذي أضحى الآن بمثابة "جريمة اقتصادية جسيمة"، مكرسة حاليا بدعم وتزكية من طرف القائمين على الأمور. فمازالت أعراف "الجاهلية" تقرّ بحق الأزواج في الانتفاع من أراضي الجموع دون النساء، هذا رغم أن تفويت آلاف الهكتارات من هذه الأراضي للمنعشين العقاريين، ذوي الحظوة والمقربين من دوائر صناعة القرار، حرم عائلات كثيرة من مصدر رزقها، لذلك أضحت النساء "السلاليات" لا يقتصرن على المطالبة بحقهن في هذه الأراضي وإنما ينددن بتفويتها بأثمنة بخسة، اعتبارا لما ينتجه ذلك من مآسي اجتماعية وأسرية. وفي هذا الإطار تُعد بعض الجمعيات النسائية حاليا، ملفات لمتابعة الإدارة الوصية على أراضي الجموع (وزارة الداخلية) أمام المحاكم الإدارية، ضمن خطة تسعى إلى رفع الجور والظلم الذي يلحق بالمرأة منذ أن وضع ظهير 1919 تحت وصاية هذه الوزارة التي ظلت تسهر على تدبيرها وتقسيمها والضغط أحيانا كثيرا لتفويتها بأبخس الأثمان (حتى بالدرهم الرمزي للمقربين)، كما أنها تصادق على اختيار "نواب" الجماعات بقرار وزاري موقع من طرف وزير الداخلية، الشيء الذي يمكنها من اختيار الطائعين الخاضعين لرجال السلطة، من عمال وولاة. لازالت لحد الساعة الأراضي الجماعية تدار اعتمادا على أعراف عتيقة، لا تعترف بالمرأة كإنسان، ومناهضة كليا لمقتضيات الدستور ومدونة الأسرة، ضاربة عرض الحائط بكل مقتضيات معاهدات واتفاقيات حقوق الإنسان المصادق عليها من طرف المغرب، ولازال هذا الجور والظلم يكرسان تحت وصاية وزارة الداخلية.
أراضي الجموع
هي أراضي كانت تملكها الجماعات السلالية (الاثنية)، تقوم باستغلالها وتسييرها حسب الأعراف السائدة لدى كل جماعة، علما أنه كان من المفروض أن تستغل بشكل جماعي يضمن تكافل سكان القبيلة أو المدشر. لكن مع مرور الوقت أصبحت تلك الأراضي الجماعية تُقتسم، وقد تطورت عملية التقسيم بشكل تدريجي استنادا إلى معايير متغيرة حسب المكان والزمان وأحيانا حسب الهوى. ففي البداية تم الاعتماد على "الخيمة" ("الزربية") ثم "الزوجة" (معدات حرث الأرض وخدمتها)، وفي آخر المطاف أعتمد معيار "ذوي الحقوق" المقتصر على الذكور فقط. إن "الأراضي الجماعية" نظام عقاري عتيق وُجد قبل وصول الإسلام إلى المغرب، وظل نهج تدبيرها وتسييرها يستند إلى أعراف "جاهلية" تناهض ما جاء في الكتاب والسنة. وقد طرأت على عملية تقسيم الأراضي الجماعية تحولات كثيرة، حيث تم اعتماد تقسيم سنوي تناوبي، لتمكين ذوي الحقوق الذكور من التناوب على القطع الأرضية، خصوصا في المناطق التي تتباين فيها جودة التربة، وذلك لضمان نوع من العدالة الاجتماعية بين المستغلين، غير أنه تبيّن أن هذه الطريقة لا تسمح للمستفيد استثمار هذه الأرض واقتناء التجهيزات (بئر، زراعة الأشجار المثمرة..)، لهذا تم الإقرار بفترة استغلال تمتد بين سنتين وست سنوات، في حين اعتمدت بعض المناطق تقسيما نهائيا (الأطلس المتوسط) وأصبحت القطعة الأرضية بمثابة ملك خالص لذوي الحقوق الذكور فقط. لكن ماذا نعني بذوي الحقوق؟ إنهم الذكور المتزوجون أو الأرامل الحاضنات لأطفال ضمنهم ذكر على الأقل، واليوم أضحى "ذوو الحقوق" لايعني سوى الذكور البالغين 16 سنة. وهو ما يبيّن بجلاء أن العرف العتيق ظل يتطور حسب رغبة القائمين على الجماعة تحت وصاية وزارة الداخلية، وبالتالي لا وجود لأي مانع من أجل تغييره لرفع الجور والظلم اللذان طالا العديد من النساء، سيما وأن آباءهن وأجدادهن ذوو حق أكيد في الأراضي الجماعية والتي تباع حاليا لكبار المنعشين العقاريين، علما أن الكثير من النساء اضطررن للسكن في أحياء الصفيح بعد تفويت أراضي الجموع المحيطة بالمدن الكبرى. وتقدر مساحة أراضي الجموع بالمغرب بحوالي 12 مليون هكتار يسكنها أكثر من 9 ملايين نسمة، وقد تعرض جزء كبير منها للنهب من طرف وزراء سابقين وضباط كبار في الجيش ورجال أمن وموظفين سامين، فيما بدأ الآن تفويت الأجزاء المتبقية منها لعمالقة المنعشين العقاريين بأثمنة بخسة لا تعكس حقيقة الأثمان المتداولة بالسوق العقارية.
"سلالية" من "الحدادة" (القنيطرة مدينة بالشمال الغربي للمغرب) الوزارة الوصية مصرة على استمرار الجور
صرحت لنا إحدى "سلاليات" جماعة "الحدادة" (القنيطرة) أنها حصلت على موافقة نواب الجماعة وأعيان القبيلة لكي تستفيد من حق والدها المتوفى نظرا لاحتياجاتها الخاصة، غير أن الوزارة الوصية لازالت تتلكأ مختبئة وراء العرف الجائر القائم، وهذا أمر لم تستسغه، إذ لم تفهم لماذا واجهتها الوزارة في عهد محمد السادس وفي مغرب الحداثة، بواسطة عرف يتناقض مع الدستور ومدونة الأسرة وجميع معاهدات حقوق الانسان، علاوة على أنه يعاكس شريعة الله وسنة نبيه.
شهادة متضررة عزمنا على الصمود إلى آخر رمق
"نحن نساء "سلاليات" لا نستفيد من حق الاستنفاع من الأراضي الجماعية، والآن بعد أن طال هذا الظلم، نطالب بحقنا في هذه الأراضي إسوة بالرجال لأنه لا وجود لقانون يقر باغتصاب هذا الحق، كل ما في الأمر أن هناك بعض الأعراف العتيقة، أكل الدهر عليها وشرب، تُطبّق بالقوة على الإناث المهضومات الحقوق. وقد عزمنا على الصمود في نضالنا ضد هذا الجور إلى آخر رمق لانتزاع حقوقنا. لقد قررنا عدم قبول أن يقال لنا لا حق لكنّ، أنتن مجرد نساء".
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الملك الحسن الثاني عاش مخدوعا
-
-الميزانية الملكيةّ بالمغرب
-
سباق التسلح بين المغرب والجزائر لماذا وإلى أين؟
-
الهرولة نحو التسلح هدفها أن كل بلد يحاول إركاع الآخر
-
الحرب بين الجارتين ستطيح بالنظام الجزائري وتعصف بالبوليساريو
-
أخطر يوم في حياة الحسن الثاني
-
المسكوت عنه في انقلاب الصخيرات
-
أسوأ أيام الملك الحسن الثاني
-
ياسين المنصوري سحب الدعوة القضائية ضد البوليساريو
-
حين فكر الملك الحسن الثاني التخلي عن العرش
-
مسار حقوقنا ما زال معوقا
-
ماذا جرى بعد استقلال المغرب؟
-
آخر صيحات -الإعدام العملي-
-
تعرضت لعنف كلامي وتهديد من المخابرات المغربية
-
لعبة -البوكر-
-
المغرب على العتبة الأوروبية
-
الاستعداد لحلقة أخرى من مسلسل -الخوصصة-
-
انعكاسات الأزمة العالمية على المغرب
-
هكذا انتشرت ظاهرة بيع الجسد بالمغرب
-
مشروع قانون المالية 2009
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|