أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني















المزيد.....

اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 784 - 2004 / 3 / 25 - 09:22
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يصعب على أي كان وضع تقدير، ولو تقريبي، لعدد معتصمي الذكرى الحادية والأربعين لفرض حالة الطوارئ في سورية، وهي الذكرى التوأم لاستيلاء حزب البعث على السلطة في سورية. التقدير صعب لأن موقع الاعتصام الكائن قبالة "مجلس الشعب" مزدحم عادة بالمارة، لكن كذلك لأن عناصر الأمن وحفظ النظام كانوا بلا شك المجموعة الأكثر عددا. يضاف إلى ذلك أنه لم يتسن للمعتصمين أن يتجمعوا أصلا قبل ان تبدأ عناصر حفظ النظام بمحاصرتهم وتفريقهم. ورغم علم السلطات المسبق بموعد وموقع الاعتصام (وقد كان علنيا شيمة الأنشطة المعارضة كافة خلال بضعة الأعوام الأخيرة)، فقد امتنعت عن اتباع منهج وقائي أقرب إلى ذهنيتها المعتادة، أعني اعتقال بعض الناشطين المبادرين ووأد المبادرة في مهدها. عوضا عن ذلك، يبدو أنها قررت العمل على خطين: الأول هو تفتيش الحافلات القادمة إلى دمشق لمنع من يشتبه بمجيئهم للمشاركة في الاعتصام. والثاني هو تفريق المعتصمين ومنع انبثاق "الرسالة" الاحتجاجية التي يرغبون بتوصيلها إلى عموم مواطنيهم.
ليس من الواضح أية أسس اعتمدتها السلطات لفرز المشتبه بهم من القادمين إلى دمشق للمشاركة في الاعتصام، لكن أجهزتها أحرزت صيدا موفقا في حالة واحدة على الأقل. فقد عثرت على لافتات معدة لترفع في الاعتصام بحوزة قادم من بلدة السلمية. وقد أوقف الرجل، وأخذ إلى مقر كتيبة حفظ النظام في بلدة حرستا قرب دمشق.
بالمقابل كان واضحا أن لدى عناصر الأمن وحفظ النظام قرارا بتفريق التجمع، لكن دون التورط في أفعال قمعية عنيفة. فقد حثوا المعتصمين على التفرق متذرعين بأن التجمعات ممنوعة حسب القانون. كان من الواضح أيضا أن هناك طرفان مترددان أمام مقر السلطة التشريعية السورية ظهر يوم الثامن من آذار: عناصر الأمن والشرطة من جهة وجمهرة المعتصمين الصغيرة من جهة ثانية. ومن غير المستبعد أنه كانت لدى الأولين أوامر بعدم إراقة دماء أو استخدام "قوة مفرطة"، وهو ما لم يعتادوا على غيره. فيما توجس الأخيرون طيلة وقت تجمعهم الوجيز مما هو أسوأ. كان التردد ظاهرا حين خاطب عميد في الشرطة أكثم نعيسة، رئيس "لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان"، أنه سيتم توقيف من يثابرون على الاعتصام. فقد رفع نعيسة يديه إلى أعلى وطالب المعتصمين الآخرين بأن يحذو حذوه وتقدم نحو وسط الشارع. في لحظات كهذه يستحيل تقدير ما سيجري بعد ثوان أو ما يفكر فيه المشاركون. لم يجر شيء، ولوهلة عاد رافعو الأيدي إلى مواقعهم على الرصيف. لكن بعد وهلة أخرى، أو ربما في اللحظة نفسها لكن على رقعة اخرى من مسرح الاعتصام، بدأ التوقيف. فقد كان المسرح مجزءا تحتل عناصر الأمن والشرطة معظم مساحته، فيما شكل المعتصمون جزرا صغيرة ومبعثرة فيه.
حين أبرز بعض المتجمهرين لافتات تطالب بإلغاء حالة الطوارئ انتزعها الشرطة من أيديهم ومزقوها فورا. وأخذوا يطوقون بأعداد كبيرة أفراداً أو مجموعات صغيرة من المعتصمين ثم يودعونهم في "ميكروباصات" من النوع الذي يستخدم للنقل الداخلي في دمشق، مرفقين بعدد من عناصر حفظ النظام.
يبدو أن القمع فعل معدٍ وفاتح للشهية معا. فما أن أوقف أول الأشخاص حتى انتشرت العدوى لتشمل معتصمين وغير معتصمين، وأخذت آلة الاعتقال تشتغل من جراء ذاتها، غريزيا إن صح التعبير. ووجدنا أنفسنا نجتذب إلى داخل الدوامة بطريقة ربما كان يمكن تجنبها لو كانت قوة حفظ النظام مدربة على تدخل مرن في فض التجمعات؛ ولعل مثل هذا ينطبق على معظم المتجمعين. وقد نكون اعتقلنا بسبب حيرة عناصر الأجهزة وافتقارهم إلى المرونة واتخاذ القرارات في مسرح الحدث، وليس بسبب عزم أكيد من جهتهم على تلقيننا درسا. ببساطة لقد فعلوا الشيء الوحيد الذي يعرفونه، والذي لم يدربوا على الحيدان عنه.
وإذ انفتحت شهيتهم اقتحموا مقهى الروضة القريب الذي يرتاده المثقفون الدمشقيون، واعتقلوا اشخاصا بينهم سعيد البرغوثي الناقد الفلسطيني الذي لم يكن مشاركا في الاعتصام، وعضوا في جمعية حقوق الإنسان اختاروه لأن وجهه مألوف لهم في منتدى الأتاسي، فيما تركوا المخرج السينمائي أسامة محمد بعد أخذ اسمه.
لكن رغم نقص مرونة لدى قادة قوة حفظ النظام فإن فض التجمع سار بصورة معقولة: دون قطرة دم واحدة. بل ودون إذلال وفقا للمعايير السورية للكرامة التي تميزت في العهد البعثي بارتفاع عتبة الشعور بالذل. ولم يذكر أي من المعتقلين أنه وجهت له كلمات قذرة في مقر كتيبة حفظ النظام. وحين خاطبني أحد العناصر بنبرة آمرة رد عليه أكثم نعيسة بنبرة غاضبة، وانتهى الأمر بعد "منابرة" استغرقت أقل من دقيقة واحدة. كما لم يتعرض أحد منا للضرب في مقر الكتيبة. بل لم يجر أي نوع من التحقيق. اكتفوا بأخذ معلومات شخصية عنا، وأضافوا لها سؤالا عن مكان التوقيف أو عن سبب التواجد في ذلك المكان. وأرجح أنه كانت لديهم رغبة في أن يجيب الموقوفون بأنهم كانوا هناك صدفة، ولم يقصدوا المكان بغرض المشاركة في الاعتصام. لكن عددا لا بأس به منهم قالوا إنهم جاؤوا للمشاركة بالفعل.
كان بيننا عدد من الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالاعتصام ولا بمقهى الروضة: رجل أتى من المالكية في أقصى شرق سورية ليحجز موعداً مع طبيب صدف أن عيادته قريبة؛ شخص آخر، خمسيني، كان يهدد بأن من أوقفوه سيلقون جزاءهم لأنه على علاقة قوية ب"الدولة"؛‍ وشخص ثالث غامض لم يتحدث مع أحد، لكنه بدا لا مباليا مع ذلك. يضاف إلى هؤلاء ماثيو ليرفلد، السكرتير الثالث في السفارة الأميركية في دمشق، الذي اطلق سراحه بعد قرابة ساعة. وقيل أيضا أن نيل ماكفركوار، مدير مكتب الشرق الأوسط لصحيفة نيويورك تايمز، كان بين الموقوفين.
كان عدد الموقوفين بين أربعين وخمسين، ذكرت مواقع إلكترونية سورية أسماء 34 منهم. وقد أفرج عن النساء الستة بعد قرابة ساعتين، فيما أفرج عن الباقين تدريجيا خلال ساعتين أخريين أو أزيد قليلا.

ما الذي يمكن أن يستخلصه المهتم بالشأن العام السورري من وقائع الرد على الاعتصام، وهي لا تقل دلالة عن الاعتصام ذاته؟
من الواضح بداية أن السطات السورية لا تريد ممارسة قمع مكشوف وواسع النطاق، وبالخصوص امام وسائل الإعلام. هل السبب عجز عن القمع أم قرار بعدم القمع أم تضارب في الأوامر والتوجيهات؟ هذا أمر يخرج عن نطاق هذه المقال. لكن يمكن القول منذ الآن أن ما جرى يوم ذكرى إعلان حالة الطوارئ يسير على نسق بات مالوفا في تعامل السلطات مع أنشطة مستقلة ومعارضة: اندفاع نحو القمع يتلوه تراجع سريع (وسنخصص له تناولا مستقلا).
في المقام الثاني تلفت النظر تغطية إعلامية مدهشة في سرعتها وفوريتها. والشيء الأكثر سوريالية، حين نضع في بالنا تاريخ القمعية السورية الفظيع والمكتوم في آن معا، هو قيام الموقوفين أنفسهم ببث حي ومباشر لأخبارهم توقيفهم إلى صحف وفضائيات وصحفيين وأصدقاء عبر اجهزة الهاتف الخليوي التي أعيدت لحائزيها بعد قرابة ساعة من مصادرتها منهم. بالمقابل كان هناك تناسب عكسي بين سرعة وفورية نقل الأخبار وبين دقتها. بعض التغطية لرد السلطات على الاعتصام يشبه إلى حد بعيد كلام الإعلام السوري: المبالغة التي تصل حد التهويل، حذف الطابع المتردد و"التجريبي"، وبالطبع غير الملحمي، للاعتصام والمشاركة فيه لمصلحة خطاب قاطع وبطولي. وفي هجسها بالأكبر والأضخم، وبمراكمة رأسمال رمزي سريع، تغفل ممارسة من هذا النوع أن خطاب التهويل يسيء إلى النشاط نفسه، وإلى الحركة الديمقراطية بصورة عامة: فأحسن مئة مرة أن يكون عدد المعتصمين 100 أو 150 (وهو التقدير الذي أرجحه) وتستنفر "الدولة" كلها ضدهم، من أن يكون 400 أو 600، اي ما لا يزيد كثيرا على 100 أو 150، وبخاصة إن قوبل بسكان دمشق الذين يزيدون على 4 ملايين أو ب"المسيرات الشعبية" البعثية، المليونية دائما. إن 100 أكثر بكثير من 600 في "جبر الديمقراطية"، تماما كما أن نسبة 51% اكبر بكثير من 99,99%. أحسن كذلك أن يعتقل أربعون أو خمسون شخصا (بعضهم ليسوا "أعضاء أو أصدقاء أو مؤيدين" لأي كان، إن حاكينا لغة أحد التصريحات) من أن يعتقل 98 أو 104!
من جهته قرر رئيس تحرير صحيفة "البعث"، وفقا للمنطق نفسه وإن اختلف الموقع، أن عدد المتجمعين لم يزد على ثلاثين شخصا بينهم دبلوماسي أجنبي وعدد من الصحافيين، دون أن يفوت على نفسه فرصة التمتع بطرح سؤال معبر عن الاستخفاف: "ماذا بقي؟". وسيكون من باب طلب المحال أن نتوقع من رئيس تحرير الصحيفة المذكورة أن يأتي بنفسه إلى موقع الاعتصام أو أن يوفد من يغطي الحدث. على كل حال تفسر ممارسة إعلامية من هذا النوع سبب توزيع "البعث" بين 3000 و5000 نسخة يوميا، اي ما بين 1/500 و1/300 من عدد أعضاء حزب البعث.
اليوم الإعلام ميدان فسيح للمعركة الديمقراطية وسلاح فتاك فيها في الوقت نفسه. فقد نال توقيف عشرات من الأشخاص لمدة أقل من خمس ساعات تغطية إعلامية غير مسبوقة تفوق ما حظيت به جملة وقائع "سنوات الموت" السورية التي امتدت عقدين من السنين وراح ضحيتها عشرات الألوف. هذا تطور مهم، لكنه يمكن ان يكون بالغ الخطورة. فكما "احترق" الإعلام العربي في الستينات بحطب أكاذيبه، وكما أفضى "احتراق" إعلامنا إلى لجوء مواطنينا إلى التماس أخبار بلدهم من كل مكان عدا أجهزة الإعلام المحلية، فإن ممارسة إعلامية لا تحترم المعلومة الموثقة تجازف بخسران احترام الناس لها. ونفترض ان الحركة الديمقراطية السورية لا تريد أن تضيف إلى ضعفها ارتيابا في قدرتها على قول الحقيقة.
دمشق 10/3/2004



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طبائع العمران وصناعة الواقع في الدولة الحزبية
- في السنة الحادية والأربعين فصل حزب البعث عن الدولة ضمانة له ...
- صـــراخ فـي لـيــل عــراقــي
- سوريون ضد حالة الطوارئ!
- هل سيكون 2004 عام التحول في سورية؟ عرض تقرير -التحديات السيا ...
- سورية والتحديات الخارجية عرض لتقرير -مجموعة الأزمات الدولية-
- نقاش حول الدفاع الوطني
- بلاد الموت السيء
- نحو مؤتمر تأسيسي لحزب ديمقراطي يساري - مناقشة عامة لمشروع مو ...
- وقــائــع ثــلاثــة أشـــهـر زلـزلـت ســـوريــا
- من الحزب الشيوعي إلى اليسار الديمقراطي
- لم ننجح في حل المسألة السياسية، فنجحت المسألة السياسية في حل ...
- الآثار السياسية للعولمة واستراتيجية التعامل معها
- بداية العولمة ونهاية إيديولوجيتها1 من 2
- المثقف المستشار والرائي الأميركي
- تغيير الأنظمة وإعادة تشكيل المجال الشرق أوسطي
- المثقفون والأزمة العراقية ردود قلقة على واقع مأزوم
- فوق العالم وفوق التاريخ التحول الامبراطوري للولايات المتحدة
- الوطنية الاستبدادية والديمقراطية المطلقة
- نزع الديمقراطية من الملكية الأميركية


المزيد.....




- معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
- ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
- المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد ...
- -كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر ...
- نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
- التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
- كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - اعتصام دمشق فاعلون مترددون وإعلام يقيني