|
اردوغان .. درس في الدهاء السياسي الغائب عن قادة العرب
محمود عبد الرحيم
الحوار المتمدن-العدد: 2553 - 2009 / 2 / 10 - 06:54
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
براجماتية تخلو من المبادئ الثورية قد يكون التصرف الذي قام به الزعيم التركي رجب طيب اردغان خلال احدى جلسات منتدى دافوس التي جمعته بالرئيس"الاسرائيلي" ذي التاريخ الدموي الحافل شيمون بيريز ، من الانتقاد اللاذع للسياسة "الاسرائيلية" وتوجهاتها النازية تجاه الشعب الفلسطيني ، ثم انسحابه بعد منعه من الاسترسال في الرد على بيريز قد اثار انبهار الكثيرين ، لكني ابدو متحفظا بعض الشئ في هذه المشاعر المبالغ فيها التي نغدقها على بعض الساسة أمثال اردوغان ، حيث أري المسألة من منظور اخر ، وهو "المهارة السياسية" ، وليست المواقف المبدئية ذات النهج الثوري .. مهارة جعلته يستغل منبرا مسلطة عليه كل اضواء العالم وظرف سياسي افرزه العدوان "الاسرائيلي" على غزة ، وسط تعاطف عربي واسلامي ودولي مع الشعب الفلسطيني وضد الكيان الصهيوني ومجازره ، ليسجل نقاطا تضاف لرصيده السياسي داخليا ، اذ اظهر هذا الموقف اردوغان وحزبه ذا التوجه الاسلامي ، بانه رجل قوي يستطيع اتخاذ مواقف حاسمة تنسجم مع المشاعر الشعبية المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني والمناهضة للتوجه العدواني الصهيوني التي عبرت عن نفسها في مظاهرات الاحتجاج العارمة والمتواصلة منذ بدء الحرب على غزة. ومثل هذه النقاط ستقوي بدرجة ما دعائم حكمه في وجه المعارضة العلمانية العنيدة له من ناحية ، ومن ناحية اخرىسيتم ترجمتها في اي انتخابات قادمة ، بلاشك ، بالايجاب. ويمثل خروج الجماهير لاستقبال زعيمهم المغادر على عجل من دافوس الى انقرة باعلام تركية وفلسطينية ، مؤشرا واضحا على المكاسب المنتظرة من وراء هذه الخطوة الذكية المحسوبة بدقة. و لاشك انه على المستوى العربي والاسلامي الذي يعاني فراغا في القيادة الناشئة عن الانصياع الكامل للسياسة الامريكية وما يستتبعه من صمت او تعاون مع المشروع الصهيوني بدرجة او باخرى ، فان مثل هذه المواقف تجد صدى واسعا و تغازل مشاعر الجماهير العربية والاسلامية المستاءة ، اصلا ، من سياسات حكامها وضعف ادائهم السياسي وعجزهم المفرط ، فضلا عن انها توفر ارضية لقبول دور اقليمي اوسع لانقرة ، يعطيها مكانة دولية ، وبالطبع ، مكاسب اقتصادية وسياسية موازية. ما يجب الانتباه له جيدا ان اردوغان او حكومته او حزبه ليسوا في موضع البطولة الحقيقية ، ولا يتصرفون وفق منطق المبادئ او الثورية ، وانما على ارضية سياسية براجماتية تجعلهم يوثقون العلاقات مع اسرائيل طالما انها تمنحهم دعما امريكيا واسعا يفتح امامهم بوابة النادي الاوروبي او تدعم ترسانتهم العسكرية او تساعدهم استخباراتيا في مواجهة نشاط حزب العمال الكردستاني او تغض الطرف عن انتماءاتهم الدينية التى تثير انزعاج الغرب في مواقع اخرى من العالم الاسلامي ، ثم ان التحول في المواقف الآن ، وتسجيل نقاط ضد الكيان الاسرائيلي يأتى من ذات النهج البراجماتي وتحركه دوافع سياسية مصلحية ، ولا يعبر بالضرورة عن عداء محتدم مع تل ابيب وساساتها ، والا لكانت انقرة قد قطعت علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية مع تل ابيب ، ولم تكتف فحسب بوقف وساطتها بين دمشق والكيان الصهيوني او امتصاص ثورة الغضب الشعبي بعبارات الشجب والادانة الكلامية. ان ما فعله اردوغان ولم يجرؤ عليه ساستنا العرب هو لعبة التوازنات بين متطلبات الداخل والخارج واستثمار الظرف السياسي الاقليمي احسن استغلال ، على النحو الذي يضيف اليه ولحكومته ولحزبه ولا يخصم منه. ولعل مكالمة بيريز الهاتفية لاردوغان التى حملت اعتذارا ورغبة في الحفاظ على العلاقات المتميزة بين البلدين نقطة اخرى لصالح الزعيم التركي تؤكد انه لاعب سياسي بارع يعرف متى يصافح ويعانق ومتي يكشر عن انيابه ويقول لا.. متى يكثف رحلاته المكوكية لتل ابيب ومتى يولي وجهه بعيدا عنها ، وفي كل الاحوال يحصد ويحقق مكاسب ملفتة ، جراء قوة الموقف وديناميكيته والخطاب الملائم في التوقيت الملائم. انه درس في الديبلوماسية والحنكة السياسية بامتياز ، يكشف ان ساستنا لا يملكون الحد الادنى من الذكاء السياسي ولا ابسط مهارات الديبلوماسية ، ما يجعلنا نخجل منهم ومن عجزهم الكامل وتدني مكانتهم داخليا وخارجيا ، ونأسف على غياب قادة المبادئ الثورية السابقين مثل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر او الحاليين من قبيل الزعيم الفنزويلي هوجو شافيز او حتى قادة الدهاء السياسي الحاليين مثل اردوغان ، رغم امتداد الخارطة العربية من المحيط الي الخليج. *كاتب صحفي مصري Email:[email protected]
#محمود_عبد_الرحيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-سنجدكم ونقتلكم-.. ترامب يأمر بشن غارات جوية ضد مقاتلي داعش
...
-
قتلى وإصابات في قصف مدفعي استهدف مدنيين في أم درمان، وقوات ا
...
-
إتمام رابع عملية تبادل بين حماس وإسرائيل
-
سوريا.. إعلان من إدارة الهجرة والجوازات بشأن خطوات ورسوم الح
...
-
ترامب سيفرض رسوما جمركية كبيرة على الواردات من الصين وكندا و
...
-
أزمة نقص مياه خانقة في أفغانستان وبعض مناطق كابل بلا مياه
-
تقرير: إيران تطور سرا صواريخ نووية قادرة على ضرب أوروبا
-
نتنياهو يعين الجنرال زامير رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي
-
نتنياهو: بدء محادثات المرحلة الثانية من الهدنة يوم الاثنين
-
عناكب المريخ.. ناسا ترصد ظاهرة غريبة
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|