ابراهيم البهرزي
الحوار المتمدن-العدد: 2553 - 2009 / 2 / 10 - 09:06
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
نشر في عدد الحوار المتمدن 2552 في 9/2/2009 تصريح للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي حول النتائج الأولية لانتخابات مجالس المحافظات.
ونحن إذ نقدم قراءة –نظنها موضوعية –لهذا التصريح فإننا لا ننطلق إلا من دواعي الأسى على نسب النتائج المتحققة للحزب الشيوعي العراقي, وكذلك من دواعي الطموح إلى نداء المراجعة المستفيضة والإصغاء إلى آراء المختلفين مع الاتجاهات العامة لقيادة المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي دون التبرم أو التخوين أو إطلاق سهام طائشة تتشبث بصفات لا أساس لها من المنطق غير غياب المنطق.
مثل توصيف المختلفين بصفات سمجة (القومجية ,الارهابية , الصدامية ) وبشكل هستيري لا أساس له من المرجعية الواقعية مما يجعله يرتد على مطلقي هذه الصفات حين مطابقة واقع حال وتاريخ هؤلاء المنتقدين مع واقع حال وتاريخ مطلقي هذه الصفات..
ولا نريد أن نجعل من هذا الموضوع الحيوي والخطير مدار جدل بيزنطي مله الجميع حول التخوين والتامين ( إلا الذين لم يعد لهم مكان في الحياة غير التلاغي والملاسنات لإثبات الوجود)...
ما يلاحظ على ديباجة التصريح ومقدمته .سلاسة الأسلوب المتفائل من حيث نايه المطلق عن تأشير السلبيات التي سجلتها اغلب القوى المشاركة في الانتخابات (بما في ذلك القائمة الأوفر فوزا بعموم المحافظات-قائمة ائتلاف دولة القانون التي طعنت بنتائج الانتخابات في محافظة بابل –حتى وان كانت مسقط رأس رئيس القائمة !-)
وهذا ما يضيف على الديباجة روح السماحة الكاثوليكية السياسية المزمنة والتغاضي عن التأشير على مواضع الجراح والصمت والنسيان التي كانت جزءا من خسارات الحركة الشيوعية العراقية لحشد غير قليل من عناصرها ومناصريها ..
وهي إذ تشير أيضا إلى أن (نتائج الانتخابات تعبر عن رغبة بعدم التجديد لمن لم يفوا بوعودهم وخيبوا آمال الناخبين ) وتشير نتائج الانتخابات (على العموم, إلى الضعف الذي أصاب صوت التعصب والتشدد الديني والطائفي لمصلحة بناء الدولة المدنية ومؤسساتها التي تحتكم إلى سلطة القانون والدستور ومبادئ الديمقراطية !!!).....
وهي إذ (تشيد بهذه السمات التي طبعت العملية الانتخابية ) فإنها تغلّس بشكل واضح على خسرانها باعتبار أن القوى التي حققت قصب السبق هي قوى ديمقراطية علمانية !!!
وهذا –عذر للخسارة - أقبح من ذنبها .....
فقراءة بسيطة لنتائج الانتخابات- لو غضضنا البصر عن احتمالات التزوير التي لايمكن استبعادها- تشير الى :
1-استمرار هيمنة التيار الديني بشكل مطلق على المناطق انحدارا من جنوب بغداد حتى تخوم البصرة (باستثناء كربلاء التي حازت بها شخصية مستقلة نسبة من الأصوات لم تنلها الاحزاب العريقة موالية او معارضة ) ولهذا السبق اسباب شتى , قد يكون من بينها الحنين الى الماضي !!!
بحكم كون السيد يوسف الحبوبي كان مسؤلا اداريا ابان العهد السابق , او :
الرفض المطلق لمنهج الاحزاب الدينية في الحكومة المحلية وفساد ممثليها الاداري والمالي بشكل يتجاوز حرمة الايمان حتى بالدين !!
علما ان هذه الشخصية وبحساب النسب ستنكص مضطرة للتحالف مع احدى التيارات الدينية (خوجة علي ....ملا علي .)
2- عزوف الناخبين في بغداد والانبار , وهي لأسباب متباينة تماما لم يفلح تقرير المكتب السياسي المذكور في تشخيصها بدقة :
فعلى الرغم من طبيعة المجتمع البغدادي المدنية والتي كان من المفترض منطقيا أن تصوت لقائمة مدنية مثل قائمة مدنيون (والتي حرصت على طرح نفسها كقائمة حضارية متشاركة وطنية-قومية –ديمقراطية...وذاك بحسب المكونات المؤسسة لها) إلا أنها تأخرت عن قائمة السيد مثال الالوسي المنفردة بالرغم من الدعاية المضادة لها بسبب زيارة سابقة قام بها رئيس القائمة –الحزب.. لاسرائيل واثارت لغطا ومزايدات سياسية يبدو ان الشارع الشعبي كان اوفر ذكاءا من مروجيها بدلالة نتائج الانتخابات التي حصلت عليها هذه القائمة متقدمة على ثلاثة أحزاب عريقة !!
لم يشر التقرير الى سبب هذا التدني في مستوى المشاركة في انتخابات بغداد بشكل دقيق :
متناسيا ان هذه المدينة هي بؤرة الطبقات الوسطى صانعة الساسة ومفقس رجالات الحكم عبر العراق الحديث, هذه الطبقات التي هجرت وهاجرت بسبب زحف ثروات الغوغاء على مصادر ومصائر وطبيعة حياتها المتمدنة ..
وهو ما يؤكد تشخصينا حول (غربة ) كتاب التصريح عن طبيعة التحولات التي طرأت على المجتمع العراقي ....
كذلك لم يأخذ التصريح بالحسبان الدوافع التي قلصت من أعداد المصوتين في محافظة الانبار (لأسباب اغتراب معد التصريح التي ذكرناها آنفا)
فهو لم يشر للدوافع العصبية العشائرية التي تتحكم بالتكوين الاجتماعي لنسيج محافظة الانبار باعتبارها محافظة محصنة مطواعة لنفوذ قادة القبائل المتمكنين منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة –وربما قبلها – والتي لم تفلح حتى الدكتاتوريات المجانسة لها قبليا وطائفيا في ترويضها حسب المشيئة , وقد اعلنت العصيان غير مرة على مختلف العهود المتعاقبة على حكم العراق....
لقد خلط المكتب السياسي (بسبب اغتراب مكوناته عن الواقع الاجتماعي ) أسباب العزوف عن المشاركة الكثيفة في كلتا المحافظتين المتناقضتين تقليدا وطبائع وتكوينات ....
3- يصف تقرير المكتب السياسي للجنة المركزية بان النتائج (جاءت في عدد من المحافظات مخالفة للتوقعات !) ورغم حديث المصرح باسم المكتب السياسي عن تقديم الطعونات ,فان المنطق ومعاينة الواقع والجدل مع الناخبين تؤيد ولأسباب واقعية عدم مخالفة هذه التوقعات التي كان البعض من (الملعونين والمخوَنين) يتوقعونها بدقة شديدة لم يصخ السمع لها قادة متنفذين في الحزب الشيوعي العراقي من افراد كانوا ضمن قواعد هذا الحزب وغادروه لاسباب شتى
-كان ابرز هذه الاسباب هو (غربة ) القيادة الشيوعية الجديدة عن(المتغيرات شديدة التعقيد ) لطبيعة المجتمع العراقي ما بين اعوام الحربين والحصار (1981-2003)
وبسبب نفاق بعض بعض القواعد المسقطة الجاهلة (او المراوغة ) والتي عاودت الارتباط بالحزب بعد 9-4-2003 والتي قدمت ,ولغايات وصولية او تبريرية تطهيرية انطباعات ومعطيات غير دقيقة للقيادة (المغتربة ) عن واقع الحال السياسي المنصرم ,والذي اضطر هذه القيادة تحت وطاة الحاجة لملا الفراغ التنظيمي ا لاستجابة (لمشورتها !!)..
الأمر الذي دفع العديد من العناصر التي تحمل توجهات صادقة لادانة وتصحيح السلبيات وردم الهوة بين (المناضل المنفي ) و( المواطن المخفي ) إلى الانسحاب من معاودة العمل التنظيمي ..وبالتالي تاطير الحزب ببيروقراطية جديدة من خاسري الآمال القديمة البالية .
4-فيما يخص الفقرة (3) من تصريح المكتب السياسي للجنة المركزية بخصوص عدم عدالة نظام توزيع المقاعد المتبقية , وبالنسب التي تم ذكرها , فيجب التنويه بلا مجاملة بان ممثلي الحزب الشيوعي العراقي في البرلمان قد صوتا لصالح قانون انتخابات مجالس المحافظات والمتضمن لهذه الثغرة القاتلة,وقد كان بالإمكان تسجيل وتوثيق الاعتراض على الفقرة المذكورة
غير أن الحسابات الأنانية المرتبطة بنوايا التحالفات قد أسكتتهم عن ذلك , وحين حلَت الخسارة لانتفاء –او انتقاء – التحالفات المستحدثة , فقد تم طرحها في التصريح المذكور بشكل انتهازي مثير للسخرية ....
5-أكد تصريح المكتب السياسي للجنة المركزية (بوجود خرق واضح للقانون ,جرى توظيف واسع لموارد الدولة وإمكاناتها ومؤسساتها الإعلامية من قبل بعض القوائم والشخصيات )..
وبهذا الصدد كان من الاشرف والانبل لقائمة الحزب الشيوعي الانسحاب من الانتخابات وتأشير ذلك بوضوح واعتباره دافعا ( او حجة لابد منها )لانسحاب قوائم أخرى ..او –على الأقل التلويح بذلك لرتق هذا الخرق-
طالما ان النتائج كما تم طرح ذلك مسبقا غير مشجعة للنجاح ,وهي حجة منطقية لحفظ ماء الوجه وتفادي الفشل !!!
.....................................................................................................
(استنادا ) للمبررات أعلاه فان تصريح المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي يبرر عدم حصول الحزب (وحلفاءه!!!!!) في الكيان على النتائج المرجوة..
لا نريد أن نترك خلف منازلنا طعاما عفنا تتنابح عليه الكلاب .
ولكننا نريد أن نقول إن تصريح المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لا يصح عليه غير المثل العراقي الدارج بأنه (يثرد بصف اللكن !)
واللكن ) بتعجيم الكاف هو صحن الثريد ......
فالحقائق التي ازورت عنها البصائر اقلها ما يلي :
ا-إن تصريح المكتب السياسي لل...الخ , لم يشر إلى اغتراب القيادة السياسية عن طبيعة المجتمع العراقي طوال ربع قرن من الحروب والجوع
ب-كما انه لم يشر إلى انقطاع التواصل مع عوائل شهداء الحزب أو مع المقصيين عمليا من المجتمع العراقي بسبب صلاتهم السابقة بالحزب ..
ج-كما انه لم يشر إلى أن إعلام الحزب يكاد يتمركز كليا خارج البلاد في الحين الذي عادت فيه أقوى ( وأغنى ) مصادر إعلام اليمين إلى داخل البلاد مما جعلها تحقق تواصلا او سع مع شرائح المجتمع المختلفة ..
د- كما انه لم يشر الى تمادي القيادة الحزبية وتوجيهاتها للقواعد بالتصدي بأشد أساليب الجدل بذاءة لمن ينتقد المسار التاريخي للحزب ,وهو حق مشروع ضمن مناهج إعادة تفكيك التاريخ ..
ه – كما انه لم يشر إلى خطيئة تمحور الحزب حول نخب ثقافية مريضة انتهازية طاردة للطبقات المسحوقة وساخرة منها ...
و- كما انه لم يقم بادانة أخطاءه منذ عام 1963 حتى عام 2003 وربما ما تلى هذا العام والاعتذار لعوائل شهداء الحزب عن خطايا القيادات المتتالية منذ ذلك التاريخ ....
الخ....
الخ...
الخ ..........
......................................................................................................
أرجو أن لا يكون هذا الاستقراء لتقرير المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي دافعا لرجم الجمرات وتوسيع التشظي بقدر ماهو دافع لإعادة النظر في مسار الخطأ والخطيئة الذي اختطته –للأسف , ولازالت – الحركة اليسارية في العراق لدوافع أنانية لاتصب في مصلحة الإنسان الذي يشكل مصدر الثروات الفكرية لليسار ..
مع الأمل بدعوة لتوحيد قوى اليسار العراقي بعيدا عن منزلقات التاريخ المريبة وانطلاقا من بداية تستلهم دروس الخسران مرجعا للتجاوز والانطلاق
فليس للخطا والخطيئة من جحيم مبين ....طالما هنالك الغفران
#ابراهيم_البهرزي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟