أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال القصاب - دعه في النار وأنا في الدار














المزيد.....


دعه في النار وأنا في الدار


جلال القصاب

الحوار المتمدن-العدد: 2553 - 2009 / 2 / 10 - 07:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حُكي أنّ رجلاً مات وكان عليه ديْنٌ كثير، فقيل لولده: هلاّ بعتَ الدار ووفّيت بها ديْنَ أبيك. فقال: إذا بعتُ الدار وقضيت بها ديْنَ أبي فهل يدخل الجنة؟ قالوا: لا. قال الولد: فدعْهُ في النار وأنا في الدار.

كثيرون لا يفكّرون إلا في أنفسهم وبطنهم ودونه، لا يهمّهم قضاء حقوق الآخرين، وليذهبْ حتّى أقرب الناس لُحمةً وجواراً إلى الجحيم..
"دعهُ في النار وأنا في الدار" شعار كلّ الأنانيين مِن عُبّاد الكراسي الوثيرة، (الذين هم يُراءون ويمنعون الماعون)، الذين يُغلقون معابر الإغاثة عن أيدي الخير أن تصل، وعن مؤسّسات العون والنجدة، إلى الذين يمنعون الشعوب من أن تنفّس وتتنفّس، إلى الذين يحفظون نصوص الدين كلّها كالكاسيت ويُفتون بحرمة التظاهر للنصرة ووجوب طاعة أسيادهم المتكرّشين، إلى الذين يترفّهون ويتلذّذون بكلّ "زحرة تزحرهم" ولا "يمنحون" فلساً في سبيل الله لاستنقاذ إنسانيتهم الضامرة، إلى مومياءات الثوار الكذَبة/الكسَبة المفرّطين في حقوق الأمة، وباعةِ الكلام، والحناجر والأقلام المدفوعة الثمن، الذين سكنوا القصور وانتفخوا مِن الحرام ومن الاستئكال بالقضية كممثّل شرعي ووحيد! ونراهم على منابر الفضائيات كالغربان ينهشون الثائرين الحقيقيين الفاضحين زيفهم، ويُحمّلون المقاومين مسؤولية الكوارث الإنسانية والمادية التي لحقت بغزّة، ويسلقونهم بألسنةٍ حِدادٍ بدلاً من تسليط سلاطتهم على الصهاينة!

سفنٌ تذهب محمّلةً بالمعونات فتُمنع من تفريغ حمولتها، قوافلُ إغاثة تُصدّ وتُردّ، حمولاتُ أغذية تفسد لطول انتظار، أطبّاء ومهندسون من أقطارنا يتقاطرون هناك لأداء واجبهم الإنساني بالنصرة، فيُكدّسون على المعابر، ولا يُسمح لهم بالجواز إلى غزّة، إنفاذاً لمراسيم أنظمة الاستبداد.

ما الأنظمة؟ هي في النهاية أناسٌ متشابكة، وتحت مجهر التحليل: الأنظمة، الشركات، التحالفات، المنظّمات.. هم أفراد، يخضعون للمقياس البسيط الذي يقيس إنسانية الإنسان مهما تغلّف بتشكّل سياسي أم ديني، حكمهم واحد؛ رحماء أم شياطين، مانعون أم مانحون.
وما الدين؟ إلاّ رحمة الإنسان (أرأيتَ الذي يُكذّب بالدين؟ فذلك الذي يدعّ اليتيم، ولا يحضّ على طعام المسكين)، إلا التضحية لتخفيف معاناة إنسان بلا طلب عِوض أجر.

كلّ الذين تنغّصت مواجدُهم، أو شخصوا من بلدانهم، لتخفيف معاناة بني جلدتهم، فهم دينيّون ورحمانيّون مهما كانت عقائدهم، "الدين تضحية" هكذا فسّره الحسين (ع)، وقد دعا حفيدُه الصادق (ع) لكلّ المضحّين الذين أزعجهم القعود فخرجوا بالتلبيات للتعاهد على الإباء ونصرة المظلوم: (اللهمّ فارحم تلك الوجوه التي غيّرتها الشمس، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا، وارحم تلك الدموع التي جرت رحمة لنا)، هذا دعاء يعمّ أولئك الذين تعطّلوا في المعابر، والذين ضحّوا بما يملكون لتصل أيدي معوناتهم لإخوتهم المنكوبين، دعاء يشمل الأطباء بغزّة الذين وصفهم طبيبٌ نرويجي بأنّهم (أصبحت وجوههم شاحبة من قلة النوم، ومن صدمة ما يرونه من بشاعة الإصابات التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا، كانوا يعالجون يوميا 100 حالة خطيرة مع انعدام الأدوية، ويقومون أيضا بإجراء 14 عملية جراحية بنفس الوقت، مع انعدام الأجواء الصحية لإتمام هذا العمل الشاق جدّا).

كثيرةٌ هي النصوص التهذيبية السماوية التي تحثّ على التضحية بالعطاء، وتجعلها أدلّ ميزة لإنسانية الإنسان، وعلامة الإيمان بيوم آخر يُجزى فيه المحسنون بإحسانهم، وبرهانًا على تصديقهم العميق بجميل ما يدّخره الله للمضحّين بأموالهم وأنفسهم، لا يريدون قبالَه جزاءً ولا شكورا..

لقد تكشّفت الكارثة الإنسانية بغزّة عن فريقين: مانعين، ومانحين (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى، فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى، وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، هذا الآية تُفصح عن لعناتٍ كونيّة تترى من كلّ ذي روح على مَن يُعسِّر ويمنع، وترحمّات تترى على كلّ من يُيسّر ويمنح..

المانعونَ المعونة.. وذكَرْْنا بعضهم مِن أنظمةٍ وأفراد، أمّا المانحون.. فأولئك هم عِزُّ الأمّة وعنفوان مجدها، وسبب رحمتها، هم أصحاب الدين والإيمان ولو جهلوا كلّ نصوص الدين، مثل "أردوغان" الذي يُضحّي بعلاقة بلده الأثيرة مع إسرائيل وأوروبا وينتصر لدماء الأطفال فيجهر بكلمة حقّ في سلطان "دافوس" الجائر، مثل الذين ضحّوا براحاتهم الشخصية، وخرجوا بمسيرات التأييد والنصرة، والذين تبرّعوا بما وجدوا، والذين انضووا بأعمال خيرية وتضحوية، فنية، ثقافية، إعلاميّة.. وغيرها.

الدول تتبرّع بالمليارات والتجار بالملايين، هذا طبيعي ولا غرابة، لكن أن يتدافع الفقراء والأناس العاديون والطلاّب والأطفال ليعطوا حيلتهم، بعضهم يهبُ مدّخراته، آخرون يمنحون فائض ثيابهم، بعضهم تبرّع بإحدى كليتيه وبدمه، وبعضٌ غصّ بدمعته لعجزه أن يجد ما يُعطي أكثر، حركةٌ إنسانيةٌ رائعة أكّّد عليها الدين ورسم أروع مشاهدها بنصوصه: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ)، هذا الآية تراءت لي وأنا أشاهد دموع المستضاف المسيحي جورج الصافي على قناة الجزيرة (الفاخورة) التي جمعت فوق 400 مليون ريال لأطفال غزّة، حين تفاجأ بسماعه عن تبرّع المواطن السعودي (راشد) بإحدى عينيْه للطفل الفلسطيني (لؤي) الذي فقد عينيه من قصف الصهاينة وجيء به إلى الرياض لعلاجه، وبتبرّع (أم علاء) التونسية بإحدى عينيها له أيضاً.

سيفرح "لؤي" أكثر، لو تبرّع المانحُ "راشد" بضميره الفائض، لزراعته في جوف بعض الزعامات "المانعة" للمعابر وللمعونات.



#جلال_القصاب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الحجاب- وشرعية فرضه أو منعه
- شهرزاد.. هل شيءٌ زاد؟!
- بومبو وتوكتو وبدرو
- الحكم لله أم لشريعة المتعاقدين-1؟
- أفغانستان وجورجيا وترقّبنا المهديّ


المزيد.....




- شركة أسترالية تطرح أول حاسوب مصنوع بخلايا بشرية للبيع..لكنه ...
- دين الرئيس واسم الدولة وصلاحيات الشرع والمدة الانتقالية.. أب ...
- إسرائيل ترسل 10 آلاف طرد من المساعدات الغذائية للدروز في سور ...
- عشرة نصائح للتعامل مع أعراض الحساسية الموسمية
- الرئيس الألماني يزور أقدم مسجد بالبلاد ويشارك في إفطار رمضان ...
- ترامب يثير الجدل بعد استخدامه مصطلح -فلسطيني- كإهانة لشومر
- العماد رودولف هيكل قائدا للجيش..الحكومة اللبنانية تقر سلسلة ...
- اكتشاف أقدم أحفورة لوجه بشري في أوروبا الغربية
- آبل تطلق تحديثا طارئا لحماية هواتفها من ثغرة خطيرة
- إسرائيل ترسل 10 آلاف سلة من المساعدات الإنسانية للدروز السور ...


المزيد.....

- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم
- إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي- ... / محمد حسن خليل
- المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024 / غازي الصوراني
- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلال القصاب - دعه في النار وأنا في الدار