جوان آشتي
الحوار المتمدن-العدد: 783 - 2004 / 3 / 24 - 07:22
المحور:
القضية الكردية
نعم إن شهوة القتل التي مارست بها السلطات السورية قمعها ضد الشعب الكردي الأعزل, تعبّر عن سطوة الغل الشوفيني الأعمى على العقلية القومجية لهذه السلطات نتيجة التحريض المستديم, على مدى عقود من الزمن, ضد الشعب الكردي وتصويره, زوراً, ليس كجسم غريب عن النسيج المجتمعي السوري فحسب, بل وكمصدر خطر محتمل يهدّد وحدة البلاد, وذلك دون أن تصغي إلى كل الأصوات والمواقف الكردية ـ التي يجمع الشعب الكردي وحركته الوطنية عليها ـ النافية والمدحضة لهذا الزور, ودون التّحسب لمخاطر هذا التحريض وعواقبه المهدّدة فعلاً لهذة الوحدة التي يحرص الشعب الكردي عليها.
ولكن شهوة القتل هذه هي أيضاً ابنة إرث من القمع والاستبداد الممارسين على مساحة الوطن السوري في استرخاص لحياة المواطن واستسهال لانتهاك حرمة كرامته.
ولكن أَلن يكون ضرباً من التّساذج أن نُركن الأمر إلى شهوة القتل هذه وحسب دون البحث في ما هو أبعد منها؟
بداية لابدّ من الإجابة على السؤال الملتبس وـ غير البريء ـ أحياناً الذي يُطرح من قبل الإعلام : لماذا تحرّك الأكراد في سوريا الآن ؟
فهذا السؤال يضمر إجابة ظنونية تنبع من هيمنة الرؤية المؤامراتية على مناهج التفكير بشكل واسع, ولذلك ينبغي الرد على هذا السؤال الملتبس والإجابة المضمرة بوضوح كاف.
فالواقع لم يأت التحرك الكردي تناغماً مع أجندات دولية أو إقليمية أو استغلالاً للوضع الدولي الضاغط على سوريا والمحرج لموقفها, والتدليل على ما نقوله بسيط وسهل؛ إذ ليس الشعب الكردي هو من بدأ بالتحرّك وإنّما جاء موقفه كرد فعل على الممارسة القمعية التي استرخصت دم أبنائه واستفزّت مشاعره, ليتحول رفض هذه الممارسة القمعية إلى رفض جماعي من قبل الشعب الكردي لكامل السياسة الشوفينية الممنهجة للسلطة التي تمارس منذ عقود ضدّه والقائمة على انكار لوجوده وتنكّر لحقوقه ومشاريع عنصرية تستهدف وجوده وحملات تعريبه وتبعيثه وتجويعه واذلاله.
فالكل يعلم بأن قضية الشعب الكردي ليست بنداً في جدول المحاسبة الذي يقدّم إلى سوريا, والكل يعلم بأنّ الشعب الكردي وحركته الوطنية يأبيان أن توضع دماء أبنائه في رصيد أية جهة كانت, ويرفضان الارتهان لإرادات الخارج, ولذلك فإن الإساءة للعلم الوطني السوري ورفع العلم الأمريكي تصرفات مدانة تلتقي في نتائجها مع ما تسعى إليه السلطة من رمي الشبهة على الحركة الوطنية الكردية وتصويرنضالها على غير حقيقته الناصعة كجزء من النضال الديمقراطي السلمي الحضاري في سبيل الديمقراطية والحقوق القومية المشروعة لشعبنا. إذ ينبغي التمييز بين السعي المشروع إلى تأمين الدعم والتأييد من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته ومنظماته لنضال شعبنا في سبيل حلّ قضيته العادلة ـ وهذا ما نحن مقصرون فيه ـ والتّمسح المبتذل والموهوم بدولة بعينها. وعلينا عدم الانزياح عن مسارنا في التمسك والتشديد على وحدة الشعب السوري بكل مكوناته ورفض محاولات السلطة الإيحاء بصراع كردي ـ عربي, والتركيز على تصعيد نضالنا الديمقراطي في سبيل حقوق شعبنا وقضيته العادلة.
إذاً سيكون من الصواب عكس السؤال الذي يُطرح : لماذا تحرّكت السلطة ضد الأكراد الآن؟
خاصة إذا ما أخذنا حراجة الموقف السوري والظروف المحيطة به, هل يحقُّ لنا نتساءل فيما إن كان ما يجري هو جزءٌ من محاولة للتسلل من بعض هذا الحرج عبر المنفذ التركي؟
أم أن السلطة السورية, وبعد أن نفضت يدها ـ ومعها بقية دول الجوار العراقي ذات الوجود الكردي فيها ـ من إمكانية التأثير ليس في الملف الكردي في العراق فحسب بل ومستقبل الملف العراقي بشكل عام, وذلك بعد إقرار الدستور العراقي المؤقت الذي تبنى الديمقراطية والفيدرالية المرعبتين للدول اللاديمقراطية والممركزة المحيطة بالعراق يقيناً منها بأنّهما معديتين, تتّجه نحو تصعيد سياستها ضد الشعب الكردي في سوريا اعتقاداً منها بأنّها ستحقّق بعض الأغراض منها :
ـ توجيه ضربة استباقية للشعب الكردي في سوريا تهدف إلى ثنيه عن تصعيد نضاله في سبيل حقوقه وتقطع الطريق على إمكانية أن تعمل مفاعيل الفيدرالية المجاورة أثرها الإيجابي في الروح المعنوية المحفّزة له.
ـ السعي إلى تسعير الموقف الإقليمي المعادي للفيدرالية عبر الإيحاء بانعكاساتها المباشرة على الأوضاع الداخلية للدول المجاورة للعراق والمقتسمة لكردستان, ودفع هذه الدول إلى بذل كل ما بوسعها لعرقلة المشروع الفيدرالي.
ـ تحريض الطرف العربي في العراق ضد المشروع الفيدرالي الذي يؤمن الطموحات الكردية من خلال الإيحاء بوجود اقتتال كردي ـ عربي, هذا من جهة , ومن جهة ثانية تحريض الطرف العربي السوري ضد الأكراد السوريين وحقوقهم من خلال الإيحاء بأنّهم يسعون إلى استجلاب النموذج العراقي الفيدرالي إلى سوريا.
ـ كما يمكن أن السلطة السورية بافتعالها التصعيد ضد الشعب الكردي تسعى إلى تأمين دعم عربي لموقفها المحرج دولياً من خلال اللعب بالورقة القومية ومحاولة إظهار نفسها بمظهر المجابه للخطر الكردي المزعوم, وذلك بعد هزيمة " حارس البوابات ".
والحال أن الجدل الذي كان يدور بين من كان يعتقد بأنّ التطورات الدولية والإقليمية والداخلية في سوريا ستدفع بالسلطة السورية إلى درجة من الانفتاح على المطالب الكردية والتعامل معها بجدية ومسؤلية أكبر, ومن كان يعتقد بأنّ تلك التطورات ـ وبحكم تصلب العقلية السلطوية في سوريا ـ ستدفع السلطة إلى التشدّد حيال تلك المطالب بخطاب قوموي صدء, يتّجه, وفق معطيات الأحداث الأخيرة, نحو الحسم لصالح الرؤية الأخيرة, إذ يتبيّن من الأحداث الأخيرة بأنّ السلطة ليست مهتمة بتأمين الاستقرار الأمني, الأمر الذي يتحقق من خلال معالجة الأسباب السياسية التي أدّت إلى تلك الأحداث, وإنّما مهتمة بالحضور الأمني المكثّف بهدف التّهرب من تلك المعالجة, بل والتمهيد لتصعيد سياسة المشاريع العنصرية ضد الشعب الكردي الأمر الذي ينبغي علينا التّنبه إليه وعدم السماح بتمريره. ولكن شدّة ردّ الفعل الكردي الجماعي على القمع السلطوي تنبئ بصعوبة الخيار الذي يبدو أن السلطة تميل إليه, ولذلك تبقى الآن الكرة في ملعبها, فإمّا أن تثبت صدق إدّعاءاتها بأنّها ستحمي أكرادها وتساويهم بغيرهم من المواطنين ـ وهي مساواة في الحرمان بمعظمها ـ مما يتطلّب منها الكف عن انكار وجود قضية كردية في سوريا وانّما الشروع في البحث عن حلّ لها, بأقلّ الكلف, مع ممثلي الشعب الكردي في حركته, وإمّا الاستمرار في عنادها وانكارها للقضية الكردية, فينتقل المزيد من " معتدلي" الحركة الكردية إلى صفوف "متشدّديها". وقد يخسر المرء أيّ قضية إلّا قضية شعب.
ـ جوان آشتي ـ كاتب كردي ـ سوريا
#جوان_آشتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟