تثير الفيدرالية جدلا واسعا بين الاوساط القانونية والسياسية في العراق وايضا بين عموم الناس . فهناك المؤيد لهذه الفكرة و المعارض لها وهناك من يقف مترددا بين هذا وذاك اما لعدم تفهمه لمضمونها بصورة صحيحة او لتشككه و تخوفه مما قد ينتج عنها من اثار مستقبلية خاصة وان الفيدرالية وان كانت معروفة من قبل العديد من دول العالم منذ عقود الا انها تعتبر من التجارب الجديدة على منطقتنا المبتلية بانظمة الحكم الشمولي التي تعتبر الديمقراطية من الد اعدائها .
فالفيدرالية Federalism وكما هومعلوم هي نظام حكم دستوري وقانوني يقوم على اساس توزيع السلطات والاختصاصات بين سلطة المركز والحكومات المحلية في الدولة الواحدة وتوسيع مشاركة الاحزاب والحركات والمؤسسات الدستورية وبعبارة اخرى هي تفتيت للسلطة المركزية وترسيخ للامركزية الادارية والسياسية .
وقد اخذت الدولة العراقية كغيرها من دول المنطقة ومنذ تاسيسها عام 1921 شكلهاالسياسي والاداري البسيط والموحد القائم على الحكم المركزي في العهدين الملكي والجمهوري وهذا النوع من انظمة الحكم ثبت عدم فاعليته, وفشله في ادارة البلاد وفي حل المشاكل داخليا وخارجيا, وعدم نجاحه في تعزيز الوحدة الوطنية بسبب تجاهله للخصوصية التي يتمتع بها العراق الا وهي وجود التعددية القومية و الدينية و الطائفية فيه مما افرز العديد من المشكلات المتلاحقة.
ولعل من اهم هذه المشاكل هي المشكلة الكردية التي بدأت اصلا قبل تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 بشكل مطالبة الكرد بدولتهم المستقلة , وأستمرت فيما بعد بسبب السياسات القمعية ضدهم متخذة شكل حركة تحررية وطنية وشعارها هو حق تقرير المصير للكرد في صورة الحكم الذاتي , واستمر هذا المطلب الى عام 1991 حيث وقعت حرب تحريرالكويت وحصلت الظروف الاستثنائية المعروفة للجميع والتي كانت من نتائجها خروج المنطقة الكردية من سيطرة الحكومة المركزية وخضوع الجزء الاكبر منها الى سلطة الكرد وادارتها بانفسهم حيث صار الوضع مواتيا للتمتع بهذه الادارة وفي ظل حماية دولية .
ومنذ ذلك الوقت وحتى الان يحكم الكرد منطقتهم ويديرونها وفقا لمؤسساتهم الحكومية المتنوعة , وهذه التجربة اثبتت نجاحها و صارت نموذجا يحتذى به من حيث الديمقراطية ورسم اسس التعددية وحكم القانون في المنطقة بالرغم مما تعانيه من مشكلات حيوية ما تزال تحتاج الى ايجاد الحلول لها ومنها المشكلات الاقتصادية , وضرورة اجراء الاصلاحات اللازمة على التشريعات والقوانين المطبقة لتنسجم مع الواقع الجديد , ومشكلة تواجد الجماعت الاسلامية المتطرفة فيها وظهور ما يسمى بظاهرة الاسلام السياسي المتمثلة بجند الاسلام ومن ثم جماعة انصار الاسلام التي تعيث فسادا بين الحين والاخر في بعض مناطق كردستان العراق .
ولما كانت هذه التجربة الديمقراطية هي التي تلبي طموح الشعب الكردي في نمط الحكم الذي يتمناه فانه طالب بالفيدرالية منذ ذلك الحين وجعلها هي القضية الاساسية التي يسعى لترسيخها واسباغ الشرعية المطلوبة عليها . وقد شعرت الكثير من الاحزاب السياسية وقوى المعارضة الوطنية المنصفة اهمية احترام خيار الشعب الكردي في الحكم الفيدرالى لكونه النمط الامثل لتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة الكردية وما يحققه ذلك من انعكاس ايجابي على العراق وعلى عموم المنطقة , حيث اثبتت التجارب الماساوية السابقة ان اي محاولة للتغيير او لبناء عراق قوي وموحد وأمن لا يمكن ان تنجح دون حل لهذه المشكلة حلا عادلا وبالشكل الذي يحقق طموحات الشعب الكردي في ممارسة حقه المشروع في تقرير مصيره وان اي محاولة لتجاهل هذه الطموحات من قبل اي نظام حكم مستقبلي تعتبر مغامرة غير مدروسة العواقب سترجع العراق الى نقطة البداية وستدخله مرة ثانية في دوامات الصراعات والحروب التي لم يعد الشعب العراقي يتحملها .
ومما يعزز مطالبة الكرد بالحكم الفيدرالي هو وجود اساسين رئيسين يمكن الارتكاز عليهما وهما الاساس التاريخي اولا والاساس القانوني ثانيا
اولا : الاساس التاريخي لخيار الكرد في الفيدرالية
لفهم الاساس التارخي لحق الكرد في الفيدرالية لابد لنا ان نستعرض سريعا تاريخ الكرد وكردستان والظروف التي مرت بها خلال تاريخها الطويل ليتسنى لنا معرفة اهم الاحداث التي تسببت فيما حصل لهذه الامة من غبن وتقسيم وتطهير عرقي .
ان تاريخ الكرد قديم جدا وهذا ما اثبتته الاثار التارخية القديمة التي وجدت في بلاد الكرد وكهوفها والتى عثر فيها على ادوات مختلفة كانت تستخدم في الزراعة والقنص وذلك قبل اكثر من 12 الف عام . والشعب الكردي كان من اوائل الشعوب الذي طور الزراعة والصناعة وترك العيش في الكهوف وسكن المنازل واستعمل الادوات المنزلية وذلك في الفترة ما بين القرن العاشر ق . م والقرن الثالثٌ ق.م .
والكرد هم احفاد الميديين الذين سكنوا المنطقة منذ عهود سحيقة والذين انتصروا على الاشوريين في نينوى في القرن السابع ق.م واسسوا الامبراطورية الميدية العظيمة. ويعود اصل الكرد الى الجنس الاري (الهندو - اوربي) كما وان لغتهم هي من اللغات( الهندو- اوروبية) .
والمنطقة التي يسكنها الكرد منذ فجر التاريخ كان يطلق عليها قديما اسماء مختلفة منها كوردونس وكاردو واقليم الجبال وغيرها واطلق اسم كردستان لاول مرة على احدى المقاطعات الكبيرة في المنطقة الكردية من قبل السلطان سنجار السلجوقي في القرن الثاني عشرللميلاد. وكردستان تعني بلاد الكرد ومساحتها تبلغ اكثر من 450 الف كم مربع و بالرغم من عدم وجود حدود سياسية واضحة لها لكن الكثير من الباحثين يرون ان حدودها تمتد من سلسلة جبال ارارت شمالا الى جبال حمرين في العراق جنوبا ومن اقصى لورستان في ايران شرقا الى ولاية ملاطيا في تركيا غربا . وهي مقسمة بين اربع دول وهي تركيا وايران والعراق وسوريا ويقع جزء ضئيل منها في روسيا. واما عن عدد نفوس الكرد فلا توجد احصائية دقيقة عنهم بسبب ظروف تقسيم بلادهم ومحاولات طمس قوميتهم وصهرهم مع شعوب الدول التي الحقوا بها الا ان الباحثين يقدرون عدد نفوسهم بين 35-40 مليون نسمة .
ظل الكرد يعيشون في منطقتهم على مر العصور على شكل امارات ومشيخات مستقلة وغير موحدة وهذا مما سهل على شعوب الدول المحيطة ببلادهم غزوهم بين الحين والاخر كما وان موقع كردستان الذي يتوسط الامبراطوريتين الفارسية والعثمانية جعل منها مسرحا للحروب المستمرة الدائرة بين هاتين الدولتين اللتين كانتا تتنافسان في استقطاب الامارات الكردية الى جانبهما وبذر روح الشقاق بينها لضمان عدم توحيدها وابقائها ضعيفه واستغلاها في الحروب الدائرة بينهما.
واخيرا استطاع السلطان العثماني سليم الاول ان يثير مشاعر الكرد السنة في كردستان الشمالية ضد الدولة الصفوية الشيعية في ايران في زمن الشاه اسماعيل الصفوي وحرض الكرد ضدها واقنعهم بالانضمام الى الجيش التركي وانتصروا معا على الصفويين في معركة تشالديران عام 1514 . وبعد هذه المعركة تم تقسيم ارض كردستان بين الدولتين واقر ذلك رسميا بين الشاه عباس وبين السلطان العثماني مراد الرابع عام 1639 ويعتبر هذا اول تقسيم حقيقي لكردستان والذي ضلت اثاره المؤلمة على مستقبلها فيما بعد. وكان نصيب الدولة العثمانية الجزء الاكبر من اراضي كردستان حيث ضمت اليها كردستان الشمالية وكردستان الجنوبية. اما كردستان الشرقية فقد ضمت الى الدولة الفارسية .
وكان السلطان سليم الاول عام 1514 وتعبيرا منه عن شكره لموقف الكرد معه ضد الشاه اسماعيل الصفوي قد وقع اتفاقية صداقة مع 23 امارة كردية ومنحها استقلالا تاما. ثم رجعت الدولة العثمانية ونقضت بعهودها واحتلت جميع هذه الامارات في عهد السلطان سليمان .
وفي عام 1914 اعلنت الحرب العالمية الاولى وقامت القوات البريطانية باحتلال ولاية البصرة ومن ثم بغداد وقد كانت بريطانيا تهدف الى اقامة دولة عربية في هذه المنطقة مقابل ان تقف هذه الدولة معها ضد تركيا فارسلت الى الشريف حسين امير مكة تدعوه الى تولي الحكم على ولايتي البصرة وبغداد. ثم قامت القوات البريطانيةسنة 1918 بالتوجة بقواتها نحو ولاية الموصل( كردستان الجنوبية) لغرض احتلالها وفي عام 1919 قام الشيخ محمود الحفيد ( من روؤساء العشائر الكردية ) والذي كان في مدينة السليمانية بالثورة على البريطانين مطالبا بتاسيس دولة كردية مستقلة ولكن البريطانيون تمكنوا من قمعها ونفيه خارج البلاد .
ويعود سبب رغبة بريطانيا في احتلال ولاية الموصل اي كردستان الجنوبية والتي كانت تشمل كل من كركوك والسليمانية واربيل اضافة لمدينة الموصل وضمها الى ولايتى بغداد والبصرة , الى اهمية موقع هذه المنطقة الاستراتيجي حيث انها تقع في طريق تجارتها بين مستعمرتيها مصر والهند , هذا بالاضافة الى ان بريطانيا علمت بوجود النفط في هذه المنطقة وهو ما كانت تحتاج اليه في تشغيل اساطيلها التجارية والحربية في البحر.
وفي عام 1920 عقدت معاهدة سيفر و كانت موادها 62و63و64 تتعلق بكردستان ونصت على حق الكرد في قيام دولة كردية مستقلة وتضم كردستان الشمالية وكذلك كردستان الجنوبية ( ولاية الموصل) اما كردستان الشرقية (في ايران ) والجزء الموجود في سوريا فقد بقيت على حالها ولم تدخل ضمن الدولة الكردية المزمع تكوينها .
وفي هذه المرحلة ظهر في تركيا الجنرال مصطفى كمال الذي استطاع ان يحقق انتصارات كبيرة لتركيا وان يعيد لها بعض الاجزاء كازمير وكيليكيا واضاليا كما ونجح في ان يتقرب من ايطاليا وروسيا التي اشترك معها بجيوشه للقضاء على الحكومة الارمينية , وتمكن من كسب ود ودعم امريكا ايضا مما اعطى له ذلك قوة ومكانة عند الحلفاء وبخاصة عند بريطانيا وفرنسا اللتين لم ترغبا في الوقوع في اية مواجهة مع امريكا وروسيا بسببه , لكونهما قد خرجتا منهكتين من الحرب العالمية حديثا , والاهم من كل هذا هو ان رائحة النفط صارت تفوح من كردستان الجنوبية مما جعل هذه الدول تفكر بالتعاون معا لغرض الحصول على هذه الثروة الهامة واقتسامها , ونتيجة لهذه الاطماع وللضغوط الكبيرة من تركيا الكمالية الغيت معاهدة سيفر .
ثم عقدت معاهدة لوزان عام 1923 بين الحلفاء وتركيا وبحضور امريكا وذلك لغرض مناقشة الامور المتعلقة بنفط الموصل واستطاع كمال اتاتورك فرض شروطه ورسم حدود تركيا بالشكل الذي يريده وان يحتفظ بكردستان الشمالية التي كان من المفروض ان تحصل على استقلالها بموجب معاهدة سيفر مع كردستان الجنوبية(ولاية الموصل ), وهذه الاخيرة لم يفلح في ضمها لتركيا حيث كانت بريطنيا قد قامت مسبقا بضمها الى اقليمي بغداد والبصرة وتاسست الدولة العراقية وتوج الامير فيصل ملكا على العراق عام 1921 بموجب استفتاء مشكوك فيه , وفي مقابل ذلك تم ترضية تركيا بمنحها حصة من نفط الموصل كما وحصل بقية الموقعين على المعاهدة كل على نصيبه من نفط الموصل وكذلك حصلت بريطانيا على حق الانتداب على العراق اما حقوق الكرد في الاستقلال فقد اهملت ووضع ملف القضية الكردية على الرف نهائيا .
اما مشكلة الحدود بين العراق وتركيا فضلت قائمة الى ان احيلت الى عصبة الامم عام 1924التي ارسلت لجنة دولية الى العراق لدراسة مشكلة الموصل وقامت اللجنة بزيارة منطقة كردستان عام1925 واجرت استفتاء لمعرفة اراء الكرد فكانت النتيجة انهم يرغبون في ¨دولة مستقلة ولكن بريطانيا عارضت ذلك بسبب مصالحها , لذلك جاءت توصيات اللجنة بضم المنطقة الواقعة جنوب خط بروكسل نهائيا الى العراق على ان تراعى حقوق الكرد وتكون اللغة الكردية اللغة الرسمية في المنطقة الكردية.
والحقيقة ان الكرد ومنذ بداية هذه الاحداث المجحفة بحقهم لم يبقوا ساكتين حيث استخدموا كل وسائلهم المتاحة العسكرية والسياسية والدبلوماسية في سبيل نيل حقوقهم في استقلال دولتهم كردستان ابتداءا بثورة شيخ محمود البرزنجي عام 1919 ومن ثمة تشكيل حكومة كردية مستقلة وتنصيبه ملكا عليها ثم التداعيات التي ادت للقضاء عليها من قبل الانكليز , ومن بعدها الثورات والانتفاضات التي لم تنقطع في كردستان العراق وتركيا وايران وتاسيس جمهورية مهاباد الكردية في كردستان ايران عام 1946 وسقوطها بعد اقل من عام على يد الحكومة الايرانية اضافة الى الحركة الكردية التحررية التي انطلقت في كردستان العراق ومنذ بداية الستينات من القرن المنصرم بقيادة الزعيم القومي للكرد الملا مصطفى البرزاني , فكل هذه الاحداث يوحدها هدف واحد وهو التحرر من الاستعمار و تدل على ان الكرد لم يقبلوا او يستسلموا ابدا للاحتلال والتقسيم وناضلوا بكل الوسائل في سبيل حقوقهم المشروعة في اقامة دولة كردية مستقلة .
ونعتقد بان الاسباب التي ادت الى هذه النتيجة الكارثية للامة الكردية تتعلق بثلاث عوامل اساسية هي: العامل الداخلي والعامل الاقليمى والعامل الدولي .
العامل الداخلي نقصد به الظروف الاجتماعية والسياسية العامة التي كانت سائدة داخل المنطقة الكردية ذاتها ومنذ العصور القديمة حيث ان الكرد لم يميلوا الى تكوين كيان موحد لهم بل فضلوا العيش دائما كامارات ومشيخات ودويلات عشائرية صغيرة مستقلة وفي احيان كثيرة متناحرة فيما بينها , وربما يعود ذلك الى طبيعة الانسان الكردي الذي يرفض العيش تحت سيطرة الاخرين حتى وان انتموا الى نفس العرق او الدين, ويحب الاستقلال في تجمعات صغيرة وتحت حكم رئيس العشيرة او القبيلة .
ونقصد بالعامل الاقليمي الدول المجاورة والمحيطة بارض كردستان وخاصة الفرس والترك الذين لعبوا دورا كبيرا في تمزيق وحدة الصف الكردي عن طريق اتباع سياسة فرق تسد حيث عملوا ومنذ القديم على خلق ونشر روح العداء والتنافس بين الكرد عن طريق ممارسة اسلوب الترغيب والترهيب معهم لابقائهم ضعفاء ومتناحرين فيما بينهم من جهة ولجذبهم الى جانبهم في حروبهم الدائمة بين الدولتين الفارسية والتركية من جهة اخرى والتي كانت وللاسف ارض كردستان مسرحا لها. اضافة الى المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لهذه الدول وخاصة لتركيا والتي ظهرت بتدفق ابار البترول الغنية في المنطقة الكردية حيث اصبح النفط مصدر نقمة على الكرد وليس نعمة .
اما العامل الاخير فهو العامل الدولي والذي تعمق اثناء الحرب العالمية الاولى وبعدها بانتصار الحلفاء وهزيمة تركيا والذي يعزى ظهوره الى اسباب كثيرة ومتشابكة ولعل اهمها هي المصالح الاقتصادية والاستراتيجية المشتركة للدول الاستعمارية , فاطماع الحلفاء بنفط كردستان وموقعها الجغرافي الهام الذي يتوسط المستعمرات البريطانية والفرنسية كان له الدور الكبير في تقسيم كردستان . وهناك سبب خطير ايضا وهو ان هذه الدول وبالرغم من معرفتها الاكيدة برغبة الشعب الكردي في التمتع بدولته المستقلة , الا انها قامت بتقسيم كردستان لجعل المنطقة تعيش في صراع وعدم استقرار دائم وبذلك ابقت لنفسها خط رجعة في المنطقة وحتى بعد استقلال معظم الدول المجاورة لكي يتسنى لها التدخل وقتما وكيفما تشاء .
نستخلص من كل هذا الاستعراض التاريخي للمنطقة والظروف السياسية العاصفة التي مرت بها شيئا مهما لايمكن ان يخفى على احد وهو ان الكرد أمة عريقة وموغلة في القدم وهي اقدم من جميع الامم المجاورة لها والتي سمحت لها الظروف في تحقيق استقلالها وسيادتها على اراضيها , وان الكرد يعيشون على ارضهم ومنذ فجر التاريخ وهم يشتركون في اللغة والعادات الاجتماعية والثقافية والتقاليد المتوارثة والتي تعطي الخصوصية المميزة لكل أمة . كل هذا يعطي للكرد الحق في ان يطمحوا شأنهم شأن غيرهم من الشعوب في التمتع بكيان سياسي في شكل دولة مستقلة او بالحكم الفيدرالي ضمن الدولة العراقية .
ثانيا :الاساس القانوني لخيار الكرد في الفيدرالية
هناك سؤال يطرح نفسه وهو هل ثمة اساس قانوني يدعم حق الكرد في الفيدرالية ؟ وما علاقة الفيدرالية بمبدا حق الشعوب في تقرير المصير ؟ للاجابة على ذلك نقول ان هناك اساسين مهمين يعززان هذا الحق احدهما ( خارجي) والثاني ( داخلي) ونقصد بالاساس الخارجي قواعد القانون الدولي وحقوق الانسان اماالاساس الداخلي فهو قواعد القانون الوطني كالدستور والقوانين الاخرى وسنتناول هذين الدليلين وعلى النحو التالي:
1. الاساس المستند على قواعد القانون الدولي ونقصد به المواد والنصوص التي تضمنها ميثاق الامم المتحدة وقراراتها , والملاحق الثلاث الصادرة عنها وهي الاعلان العالمي لحقوق الانسان , والاتفاقية الدولية بشان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية , والاتفاقية الدولية بشان الحقوق المدنية والسياسية , وهذه النصوص والقرارت والملاحق نصت كلها وبصراحة على مبدا حق تقرير المصير للشعوب واعتبرته حقا اساسيا من الناحية القانونية لذلك يعتبر هذا المبدا قاعدة قانونية ملزمة وجزءا هاما من القانون الدولي.
ان مصطلح حق تقرير المصير هو من اهم المفاهيم السياسية السائدة في يومنا الحالي باعتباره من اهم المطالب التي ترتبط بنضالات الشعوب في سبيل تحريرها واستقلالها و يمكن اعتبار الثورة الفرنسية عام 1798 وبعدها ثورة اكتوبر في روسيا عام 1917 النواة الاساسية لظهور هذا المبدا الذي تطور بعد الحرب العالمية الاولى وتجذر اكثر بعد الحرب العالمية الثانية , فمن المعروف انه وقبل الحرب العالمية الاولى كانت اغلب اجزاء قارتي افريقيا واسيا ترزحان تحت نفوذ الاستعمار الاوربي الذي بدا يتلاشى تدريجيا الى ان استقلت اكثرية الدول بعد انتهاء الحرب الثانية فاخذ هذا المفهوم ينتشر اكثر ولعل الخسائر البشرية والمادية والاقتصادية الفادحة والدمار الهائل الذي تعرض له العالم باجمعه دفع بالمجتمع الدولي الى ان يتفهم اهمية تجنب ويلات الحروب والمحافظة على الامن والسلم الدوليين واللذين لا يمكن تحقيقهما الا بالاعتراف بحق الشعوب في الحرية والاستقلال.
ولكن هذا لايعني ان الاستعمار قد انحسر نهائيا عن رقاب الشعوب فنحن وفي مستهل القرن الحادي والعشرين نراه وقد غير صورته ليظهر بشكل اخر متمثلا بانظمة الدكتاتوريات البغيضة التي ما تزال متشبعة بالمفاهيم والنظريات العنصرية التي كانت سائدة في مطلع القرن الماضي وما قبله وتستخدمها في استعباد واضطهاد الشعوب والقوميات التي تنضوي تحت حكمها والتي كانت ضحية المطامع والمصالح للدول الاستعمارية التي قامت برسم خريطة العالم الجديد دون مراعاة لحق هذه الشعوب في الاستقلال والتي ما تزال تدفع ثمن هذه السياسات الاستعمارية الخاطئة واهم مثال على ذلك هو الامة الكردية التي غبنت حقوقها و خرجت مجزاة الاوصال بعد الحرب العالمية الاولى .
لقد حاول المجتمع الدولي ومنذ بدايات القرن المنصرم الى التوصل الى صيغ قانونية دولية تصون حقوق الشعوب في تقرير مصيرها في الحرية والاستقلال وفعلا توصل ومن خلال منظماته ومؤتمراته وقراراته المتخصصة الى وضع العديد من المبادئ والنصوص القانونية التي تخدم هذا الهدف والتي يمكن استعراضها بايجاز:
تضمن ميثاق الامم المتحدة على وجوب احترام حق تقرير المصير في عدة مواضع وهي في المواد 1 و 55 و73 و76 كما وجاء في مواد اخرى منه على ان هذا المبدأ يعتبر من المقاصد الاساسية للامم المتحدة و تضمن الميثاق ايضا صراحة على حق الشعوب في التمتع بالحكم الذاتي او الاستقلال حسب ما يلائم كل شعب ورغبته واعتبر ان هذا الحق ينطبق بصفة رئيسية على الشعوب والامم المحرومة من استقلالها واشترط توفر مقومات الشعب الذي يعيش على اقليمه للحصول على هذا الحق .
ثم قامت الجمعية العامة للامم المتحدة بأصدار العديد من القرارات ومنذ سنة 1950 تنص صراحة على هذا المبدأ ومنها على سبيل المثال القرارات التالية و المذكورة ارقامها وتواريخها وكما يلي :421 ( د-5 ) عام 1950 , 545 (د-2 ) عام 1952 , 838 ( د-19) عام 1954 , 1188( د -12 ) عام 1957 , 1514 ( د-15 ) عام 1960 , 2105 (د-20 ) عام 1965 , 2625 (د-25) عام 1970 وغيرها .
كما وان هذا المبدأ ورد صراحة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نص على ان لكافة الشعوب الحق في ان تقرر بحرية كيانها السياسي وتسعى الى تحقيق الانماء السياسي والتقافي والاجتماعي وهو ما نص عليه ايضا في العهدين الدوليين لحقوق الانسان وهما ( الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ) و ( الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية ) .
نستخلص من ذلك ان مبدأ حق تقرير المصير هو من المبادئ الملزمة في القانون الدولي وهو يشمل الشعوب المحرومة من حقوقها الاساسية في الاستقلال وفي نواحي الحياة المختلفة , واذا ما اخذنا بنظر الاعتبار البند الذي ورد في ميثاق الامم المتحدة والذي اشترط وجود الشعب على اقليمه للتمتع بهذا الحق فنرى انه ينطبق على الشعب الكردي وهذا يعني ان من حق الكرد المطالبة بالاتحاد الفيدرالي او في تأسيس دولتهم المستقلة او ان يختاروا فيما بعد الكونفيدرالية ووفقا لمصالحهم القومية استنادا للقانوني الدولي الذي يعلو في قواعده على القانون الوطني , اي ان علوية القواعد القانونية الدولية هي الواجبة الاحترام اولا و على قواعد القانون الوطني ان تحقق الانسجام والتوافق مع هذه القواعد العليا لا سيما وان ارادة الدول هي مصدر للالتزام بالمعاهدات الدولية .
ومن الجدير بالذكر ان الاتجاه الحديث في العالم لم يعد يؤمن بالسيادة المطلقة للدول على اراضيها وانما تتقيد المصلحة الوطنية بقيود اعلى وهي ما تسمى بالمصلحة الدولية ومن تطبيقات ذلك في ميدان حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها ما حصل من تدخل دولي في مناطق مختلفة من العالم لمصلحة الشعوب المضطهدة ومثال ذلك افغانستان وكوسوفو و تيمور الشرقية وغيرها .
ولما كان خيار الكرد في الفيدرالية قد وجد له اساسا في القانون الدولي سنحاول معرفة ما اذا كان له ما يستند عليه في القانون الداخلي للعراق.
2- الاساس المستند على القانون الوطني
ويراد بالقانون الوطني هو الدستور والقوانين والاتفاقيات الداخلية مثل اتفاقية اذار الموقعة بين حكومة بغداد وممثلي الشعب الكردي عام 1970 المتعلقة بالحكم الذاتي .
من الامور البديهية ان موضوع خيار الحكم الفيدرالي هو من الشؤون الداخلية في الدولة ولابد ان يجد مجاله الدستوري والقانوني في دستور الدولة المركزي ( القانون الاساسي ) وفي القوانين الاخرى حيث ان هذا البناء الدستوري - القانوني يكشف عن هوية الحكم وتوزيع السلطة وتوسيع المشاركة والاختصاصات لكل الادارات المركزية والمحلية في الاقليم او الاقاليم . ولغرض القاء الضوء على هذا الاساس منذ البداية لابد من التعرض الى حقوق الكرد في الدساتير العراقية منذ تاسيس الدولة العراقية في العصر الحديث .
قبل ان يتم وضع أول دستور للدولة العراقية , جرت مناقشات في المجلس التأسيسي العراقي عام 1924 لاعداد هذا الدستور, ومن الجدير بالذكر ان نشير هنا الى موقف رئيس الوزراء السابق السيد عبد المحسن السعدون في المجلس المذكور حين طالب بمنح الاكراد حقوقهم القومية قائلا ( ان في العراق عنصرا عظيما وهم الاكراد فقد تكون النتيجة غير حسنة اذا لم تعط لهم حقوقهم ولكي تكون القلوب متحدة والنتائج حسنة اذ لا وحدة عربية بدون منح الحقوق الكردية ).
ولكن حين تم وضع القانون الاساسي لعام 1925 لم ينص على حقوق الكرد المشروعة سوى ان المادة رقم 16 منه نصت على مايلي : ( للطوائف المختلفة حق تأسيس المدارس لتعليم أفرادها بلغاتها الخاصة , والاحتفاظ بها على ان يكون ذلك موافقا للمناهج التي تعين قانونا ) وهذا يأتي في سياق تأكيد نص المادة 6 ( لا فرق بين العراقيين في الحقوق امام القانون وان اختلفوا في القومية والدين واللغة ).
وهذا يدل على ان الحكومة الاولى اكتفت بهذين النصين ولم تأخذ بما اقترحه السيد عبد المحسن السعدون بشأن اعطاء الاكراد حقوقهم . و ليس هذا بغريب حيث ان المنطقة كانت قد خرجت لتوها من الحرب العالمية الاولى وكانت الدول الاستعمارية قد انجزت مؤامرتها برسم خريطة المنطقة بما يحقق مصالحها الاستراتيجية والتي كان من اهم نتائجها تقسيم كردستان بين اكثر من اربع دول وكانت ولاية الموصل ( كردستان الجنوبية ) من نصيب العراق فمن غير المعقول ان يكون لشعب هذه المنطقة اي اعتبار بالرغم من ان مبدا حق تقرير المصير كان قد بدا ينتشر ويذيع صيته في ارجاء المعمورة .
كما وان الحق في تاسيس المدارس والتعليم باللغة الام ليس كافيا ولا متناسبا مع طموح الشعب الكردي خاصة اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار الوعود التي حصلوا عليها من الدول الكبرى في تاسيس دولة مستقلة بهم .
ولهذا نرى الشعب الكردي لم يجد غير الاستمرار في طريق الكفاح المسلح بديلا لتحقيق اهدافه بعد الذي لاقاه من خذلان وخديعة . اما الدستور العراقي الؤقت لعام 1958 فقد جاء في المادة الثالثة منه ما يلي:( 3 - يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية ) . وفي دستور عام 1968 المؤقت ورد في المادة الحادية والعشرين منه ما يلي : (21 ـ العراقيون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو العرق أو اللغة أو الدين ويتعاونون في الحفاظ على كيان الوطن بما فيهم العرب والأكراد ويقر هذا الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية.) نلاحظ هنا ان دستور عام 1958 اعترف بان الكرد شركاء للعرب في الوطن الواحد واقر بحقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية . وبالرغم من عدم الاعتراف صراحة بمقومات القومية الكردية الا انه كان خطوة ايجابية الى الامام . اما دستورعام 1968 فقد اقتصر على ذكرهم بالصورة التي وردت في دستور عام 1925 اي انه الغى الاقرار بان الكرد هم شركاء للعرب في الوطن الواحد .
ومن المعلوم ان القوانين الوطنية وحتى الدساتير في الدول ذات الانظمة الشمولية تتاثر دائما بنمط التفكير السائد لدى الحكام وهذا مما يفسر التطور الذي حصل في دستور عام 1958 الذي جاء اثر قيام ثورة وطنية ونظام حكم جمهوري متبنيا المبادئ التقدمية المتاثرة بالافكار الاشتراكية المنتشرة انذاك بينما استكثر دستور عام 1963 حتى هذه الشراكة بين الكرد والعرب التي نص عليها دستور 1958. كل هذا دفع بالكرد الى مواصلة طريق النضال حيث ثبت لهم انه الطريق الانجح لنيل حقوقهم بقيادة القائد التاريخي الملا مصطفى البارزاني . ومن الجدير بالذكر ان اهم نقاط الخلاف بين الكرد والسلطات الحكومية المتعاقبة هي ما نصت علية هذه الدساتير من ان العراق هو جزء من الامة العربية بينما الشعب الكردي في العراق هو في الواقع جزء من الامة الكردية المجزاة وان تجاهل هذه الحقيقة يعني محاولة واضحة لصهر القومية الكردية واجتثاثها وهذا مما يخالف كل قواعد القانون الدولي . اتفاقية اذار
بعد كفاح مرير جاءت مرحلة جديدة في حياة الشعب الكردي والتي تعتبر نقطة تحول في مسار حقوقه المشروعة وهي اتفاقية اذار عام 1970 المعقودة بين الحكومة العراقية وبين قيادة الحركة الكردية التي تضمنت الاعتراف بحق الشعب الكردي في الحكم الذاتي في منطقته على ان تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ بعد 4 سنوات انتقالية يتم خلالها معالجة بعض المسائل ومنها المتعلقة بالحدود الادارية لمنطقة الحكم الذاتي وخاصة بالنسبة للمدن الكردية المهمة التي لم يتم ادراجها ضمن الاتفاقية مثل مدينة كركوك وخانقين وسنجار وعقرة والتي شكلت نقطة خلاف عميقة بين الطرفين ولم يكن من السهولة تخطيها .
ثم اصدرت الحكومة العراقية الدستور المؤقت لسنة 1970والذي جاء في المادة الخامسة منه ما يلي: (ب- يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي القومية والحقوق المشروعة للاقليات كافة ضمن الوحدة العراقية) . ثم اضيفت فيما بعد الفقرة ج الى المادة الثامنة منه وذلك عام 1974 والتي تنص على ما يلي : ( ج-تتمتع المنطقة التي غالبية سكانها من الاكراد بالحكم الذاتي وفقا لما يحدده القانون) .
ورغم كل شئ فان هذه الاتفاقية تعتبر اهم وثيقة قانونية رسمية تقر بالقومية الكردية وتعترف بالحقوق المشروعة للشعب الكردي على ارضه وبحقه في الحكم الذاتي . وفي الحقيقة ان الشعب الكردي لم يكن يطمح باكثر من هذا في ذلك الوقت واستبشر خيرا وعم الفرح على الجميع وكان يمكن ان ينعم العراق باجمعه بالاستقرار والسلام لو توفرت المصداقية لدى الحكومة العراقية والرغبة الحقيقية منها لحل المشكلة الكردية , ولما وصلت الامور بعد ذلك الى تلك الحالة الخطيرة المعروفة للجميع .
ولكن تبين للاكراد ان مهلة ال 4 سنوات التي وضعتها الحكومة كانت لتحقيق اغراض اخرى اهمها تعريب المدن الكردية وبخاصة كركوك وخانقين وغيرها عن طريق تهجير سكانها وتوطين العرب بدلا منهم لغرض خلخلة التركيبة الديموغرافية وزيادة نسبة العرب على حساب الكرد فيها وبذلك تضمن الحكومة العراقية عدم دخول هذه المدن الكردية العريقة وذات الثروة النفطية الكبيرة ضمن الحدود الادارية لمنطقة الحكم الذاتي .
كما وان دستور 1970 وان كان قد اعترف بان الشعب الكردي هو قومية رئيسية مثل العربية وبحقوقه الاخرى الا انه قد ركز مرة اخرى على الوتر الحساس لدى الكرد وهو ان العراق جزء من الامة العربية متجاهلا مشاعر الشريك الاساسي في الوطن بينما كان من الممكن ايجاد صيغة توفيقية لحل هذه الجزئية بالاستعانة مثلا بتجارب الشعوب الاخرى التى فيها مشكلة القوميات الكبيرة والتي وجدت لها مخرجا ناجحا في دساتيرها ومثال ذلك الاتحاد السوفيتي سابقا والصين وايطاليا وافغانستان والسودان وغيرها.
كل هذه العوامل ادت الى رفض الشعب الكردي لهذه الاتفاقية وانهيارها وفرض الحكم الذاتي من طرف واحد وهي الحكومة العراقية.
اما الحركة الكردية فقد قمعت باقسى الوسائل الوحشية وقامت السلطة العراقية وبهدف القضاء عليها بعقد اتفاقية الجزائر مع شاه ايران عام 1975 والتي تضمنت ايقاف المساعدات الايرانية الى الحركة الكردية مقابل تنازل العراق عن سيادته على نصف شط العرب لمصلحة ايران .
واخيرا صدر دستور عام 1990 الذي حذف منه عبارة (مؤقت ) وهو لم يأت باضافة جديدة للحقوق الكردية حيث جاء في المادة الخامسة منه :( ان العراق جزء من الامة العربية و يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين هما القومية العربية والقومية الكردية ويقر هذا الدستور حقوق الشعب الكردي والحقوق المشروعة للاقليات كافة ضمن الوحدة العراقية ).
وفي عام 1992 وبعد الذي حصل من حرب الخليج الثانية وقيام الانتفاضة في العراق عامة وفي كردستان خاصة ومن ثم قمعها من قبل الحكومة العراقية وقيام الكرد بالهجرة المليونية وصدور القرار 688 من قبل مجلس الامن الدولي لحماية الشعب العراقي انسحبت الادارات الحكومية العراقية من منطقة كردستان لغرض احراج الكرد وارباكهم فقرروا سد الفراغ وتكوين مؤسساتهم في اقليم كردستان من خلال انتخابات محلية والتي اقرت بالاجماع رغبتهم في الحكم الفيدرالي الذي طرح لاول مرة رسميا من قبل الكرد بعد ان كانوا يطالبون سابقا بالحكم الذاتي لهم .
وبعد مرور اكثر من عشر سنوات على قيام الكرد بادارة شؤون اقليمهم بانفسهم وبالرغم من المشكلات التي اشرنا اليها سابقا و قلة الموارد والامكانيات المتاحة اثبتوا نجاحا ملحوظا وساروا بخطى حثيثة نحو بناء المجتمع المدني الديمقراطي القائم على اساس التعددية السياسية والقومية والدينية والفكرية واحترام حقوق الانسان .
ان هذا النوع من الادارة المطبقة في المنطقة الكردية يعتبر حكما فيدراليا على غرار الاتحاد السويسري لكنه يفتقر الى الشكل الدستوري لعدم وجود علاقة دستورية مع حكومة المركز في بغداد رغم توفر الشرعية الدولية له .
وهذه الشرعية الدولية تستند وكما اشرنا سابقا الى ميثاق الامم المتحدة والقرارت الدولية الصادرة عنها والاعلان العالمي والملحقيين الدوليين لحقوق الانسان , وهذه نصت كلها على حق الشعوب في تقرير مصيرها وفي اختيار نوعية الحكم والادارة الذي يناسبها, كما وان مقومات مصطلح الشعب تنطبق على الكرد تماما فهم قومية تاريخية عريقة كبيرة العدد لهم اقليمهم او ارضهم التي وجدوا وعاشوا عليها منذ الاف السنين كما يمتلكون خصائصهم القومية والاجتماعية واللغوية الخاصة بهم التي تميزهم عن غيرهم من شعوب المنطقة كالعرب والفرس والترك . والاهم من كل ذلك الرغبة الملحة منهم في نيل حقوقهم وكفاحهم المستمر الذي لم يتوقف يوما واحدا طيلة قرن من الزمن . وهذا كله جعل الكرد يختارون نظام الحكم الفيدرالي والذي يرونه ملبيا لطموحاتهم ولحقوقهم المشروعة.
العقبات المحتملة في تطبيق الفيدرالية
كما قلنا سابقا ان الفيدرالية هي نظام جديد على العراق وعلى المنطقة فلذلك امكانية تعرضها لبعض العقبات والصعوبات واردة جدا ويمكن تقسيمها الى ثلاث انواع وهي :
1. عقبات داخلية : وهذه قد تنجم بسبب وجود التنوع والاختلاف القومي والديني في تركيبة المجتمع العراقي, فالعراق كما هو معلوم يتكون اضافة للقوميتين الاساسيتين العربية والكردية من اقليات اخرى كالتركمان والاشوريين واديان وطوائف متعددة كالاسلام والمسيحية والصابئة والايزيدية والتي قد تختلف في مواقفها ونظرتها للفيدرالية كل حسب مصالحها وهذه الاطياف كلها يجب مراعاة واحترام حقوقها طبقا للقانون وللدستور الدائم. وايضا تاتي بعض العقبات من تعدد احزاب المعارضة العراقية وأختلاف ايديولوجياتها وطروحاتها السياسية والتي قد تكون لها تصورات مختلفة أو متعارضة في امور كثيرة سواء في منطقة كردستان او في بقية مناطق العراق و قد تصل عند البعض الى درجة اعتبار الفيدرالية تقسيما للعراق . كذلك وجود الفرقة بين الاحزاب الكردية ذاتها وعدم توحيد جهودها وخاصة بين الحزبين الرئيسين الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود البرزاني والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة السيد جلال الطالباني لمواجهة هذه العقبات ونعتقد ان الوحدة بينهما هي اهم ضمان لتحقيق هذا المطلب . كما لايخفى على احد ما تسسببه الجماعات الاسلامية المتطرفة من زعزعة للامن والاستقرار في منطققة كردستان ومحاربتها لاي محاولة لبناء المجتمع الديمقراطي. اضافة لكل ما تقدم رفض حكومة المركز في بغداد لخيار الفيدرالية للكرد وتهديداتها المستمرة لحكومة الاقليم بشتى الوسائل والطرق .
2. عقبات اقليمية : ونقصد بها تلك التي تاتي من دول الجوار وفي مقدمتها تركيا . وقد تنجم هذه العقبات اما لوجود مصالح لهذه الدول في بعض المناطق التي من المفروض شمولها بالفيدرالية او لتخوف دول الجوار من انعكاسات نمط هذا النظام الديمقراطي عليها خاصة بالنسبة للدول التي تعاني من مشاكل تعدد القوميات فيها كتركيا وايران وسوريا حيث تتقاسم هذه الدول اجزاء كردستان المجزاة . فتركيا مثلا تلوح دائما بمسالة المياه التي تسيطر على منابعها كاداة للضغط والابتزاز لتحقيق اطماعها او من الممكن ان تستخدم ورقة الاقلية التركمانية في العراق متذرعة بحمايتهم او غلق الحدود مع اقليم كردستان في وجه التجارة والمسافرين , كما ولا ننسى قيامها باجتياح منطقة كردستان العراق بجيوشها بين الحين والاخر بحجة مطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني وحماية أمن وسلامة حدودها .
3. عقبات دولية : ونعني بها مواقف الدول الكبرى كامريكا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوربي وروسيا والصين والتي تتعامل مع العراق عامة ومع القضية الكردية خاصة حسب ماتمليها مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وحسب سياساتها من نظام الحكم في العراق والتي تتفاوت بين المد والجزر . فالقضية الكردية في العراق اصبحت ذات ابعاد دولية ولاسيما وان المنطقة تخضع للحماية الدولية وحظر الطيران وفقا لخطوط الطول والعرض عقب حرب تحرير الكويت واذا ما رفعت هذه الحماية لاي سبب كان فان من السهولة على حكومة بغداد اجتياح منطقة كردستان وفرض سيطرتها مجددا كما حصل في 31 اب من عام 1996 . ولا يمكن ان ننسى دور الولايات المتحدة الامريكية في قمع انتفاضة الشعب العراقي بعربه وكرده وتركمانه واشورييه التي اندلعت بعد وقف حرب تحرير الكويت عام 1991 عندما سمحت للنظام العراقي باستخدام طائراته ضدهم ولم تتدخل لمنعه . من جهة اخرى تستطيع هذه الدول ان تقدم الكثير للشعب الكردي لنيل حريتة وتحقيق الاستقرار في المنطقة بالتدخل وفقا لقرار رقم 688 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 5 نيسان من عام 1992 والقاضي بحماية الشعب العراقي ومنهم الكرد من بطش النظام .
الاشكالية الدستورية والقانونية
وهناك مسالة مهمة اخرى من الضروري التطرق اليها وهي انه وكما هو معروف فان الفيدرالية هي نظام حكم واسلوب للادارة تتحدد في اطار دستوري بين سلطة المركز والاقليم الذي يتمتع بالفيدرالية وهذا يعني وجوب توفر اتفاق بين الطرفين , فاذا ماحصل اتفاق على الحكم الفيدرالي فلا تنشا في هذه الحالة اي اشكالات قانونية , اما اذا لم يحصل هذا الاتفاق او اذا جرى استفتاء في عموم العراق وظهرت النتائج لغير صالح الفيدرالية فماذا ستكون النتيجة ! وكيف تحل هذه المشكلة ؟
من الطبيعي ان تظهر هنا اشكالية دستورية وقانونية معقدة مما يوجب احد الحلول التالية : اما الاخذ بنتائج الانتخابات وهذا يعني عدم تطبيق الفيدرالية في العراق وبالتالي حرمان الشعب الكردي من التمتع بحق تقرير مصيره بنفسه وهذا يعني تعقيد الملف العراقي واستمرارية المشاكل . واما ان يعلن الشعب الكردي حقه في تقرير المصير واختيار الفيدرالية من طرف واحد وربما الدفاع عنها بقوة السلاح حيث انه وبعد كل التجارب التي مر بها لا يمكن ان يقبل بديلا عنها . ولا يمكن في هذه الحالة اللجوء الى القضاء الدولي لحل المشكلة لان المحاكم الدولية تنظر فقط في المنازعات التي تكون اطرافها من الدول بينما اقليم كردستان لا تنطبق عليه شروط الدولة . كما ولا توجد محكمة دستورية عليا في العراق يمكن اللجوء اليها للفصل في الموضوع.
ونحن نعتقد ان من الحكمة في هذه الحالة ولحل الاشكالات الدستورية والقانونية , توخي المصلحة العامة للعراق وتجنيبه المزيد من الحروب الداخلية وهذا يتحقق اولا بالاعتراف بحق الشعب الكردي في اختياره للفيدرالية وفقا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة لاسيما وان الفيدرالية هي تعزيز لوحدة وقوة العراق وليست تقسيما له كما يتخوف البعض , وثانيا بوجود حكومة عراقية واعية وديمقراطية منتخبة من الشعب عن طريق انتخابات حقيقية تمثل مختلف الاثنيات والديانات والحركات السياسية .
وبعد هذا الاستعراض لاهم الاسس التاريخية والقانونية لخيار الشعب الكردي في الحكم الفيدرالي وبعد كل سنوات النضال المريرة , يحق للكرد ان يتساءلوا الم يحن الوقت بعد كي يلتفت العالم الى هذا الشعب العريق المغبون المجزأ الاوصال والذي تعرض الى ابشع الجرائم الدولية التى وصلت الى حد استخدام الاسلحة الكيمياوية ضده ؟ الا يستحق بعد كل هذا الانتظار الطويل ان تلبى رغباته وتحترم حقوقه المشروعة كغيره من الشعوب ويتمكن من ان ياخذ مكانه ودوره الطبيعي بين بقية الامم ؟
-----------------------------------------------------------
قائمة المراجع المعتمده 1. مسعود البارزاني - البارزاني والحركة التحررية الكردية - الطبعة الثانية 1997
2. جلال طالباني - كردستان والحركة القومية الكردية - الطبعة الثانية 1970
3. جليلي جليل واخرون - الحركة الكردية في العصر الحديث - الطبعة الاولى 1992
4. الدكتور عبد الرحمن قاسملو - كردستان والاكراد - الطبعة الاولى 1970
5. درية عوني - عرب واكراد - القاهرة - بدون سنة نشر
6. الدكتور وليد وحمدي - الكرد وكردستان في الوثائق البريطانية - بدون سنة نشر
7. اسماعيل بيشيكجي - كردستان مستعمرة دولية - 1998
8. الدكتور غازي صباريني - الوجيز في حقوق الانسان وحرياته الاساسية- عمان 1997
9. العراق ( اوراق قانونية ) مجلة - العدد 2 1999 ( ملف الفيدرالية )
10. القانون الاساسي العراقي لعام 1925
11. الدستور العراقي لعام 1958
12. الدستور العراقي لعام 1963
13. الدستور العراقي لعام 1968
14. الدستور العراقي لعام 1970
15. الدستور العراقي لعام 1990
حقوقية مقيمة في المنفى
[email protected]