أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عصام البغدادي - هل يحتاج العراق الى مهاتما جديد















المزيد.....


هل يحتاج العراق الى مهاتما جديد


عصام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 783 - 2004 / 3 / 24 - 07:10
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


أي شئ يُكتسب عن طريق العنف لا يستحق أن نأخذه-غاندي
إن الإرهاب يولد الاضطهاد-جواهر لال نهرو

شهد العراق احداث عنف دامية حتى في تللك التى تعتبراعمال مقاومة ضد الاستعمار  البريطاني في اعقاب انتصار الانجليز في الحرب العالمية الاولى  ودخولهم بغداد باشهر كذبة  اطلقها الجنرال مود الذى قال اننا جئنا  محررين لا فاتحين لذا استحق ان يركل العراقيين تمثاله في ساحة الصالحية صبيحة 14 تموز 1958.
 ومنذ قيام الجمهورية العراقية والى يومنا هذا والعراق يفتقد الامن، واعمال العنف مارستها السلطات المتعاقبة،  والاحزاب معا في صراعها المزمن اتجاه بعضها البعض الاخر حتى قيض لحزب البعث السيطرة على مقاليد الحكم ليمارس شكلا اخر من اعمال العنف ضد عموم الشعب العراقي  .
هذا العنف اصبح الان شبحا يوميا  يمكن له ان يطل في كل ساعة ودقيقة ليقتل العديد من المواطنين الابرياء ليضيف خسارات جسيمة لتلك الخسائر التى مني بها شعبنا طوال العقود الخمسة الماضية . وفي ظل هذا العنف هل نتوقع ان ينهض غاندي جديد من  الصفوف . غاندى تلك القصة الجميلة التى كانت مقررة علينا خلال مادة اللغة الانجليزية في دراستنا الثانوية قبل 37 عاما ،   الزعيم الهندي المهاتما غاندي  الذى
وهب حياته لنشر سياسة المقاومة السلمية أو اللاعنف واستمر على مدى أكثر من خمسين عاما يبشر بها، وفي سنوات حياته الأخيرة زاد اهتمامه بالدفاع عن حقوق الأقلية المسلمة وتألم لانفصال باكستان وحزن لأعمال العنف التي شهدتها كشمير ودعا الهندوس إلى احترام حقوق المسلمين مما أثار حفيظة بعض متعصبيهم فأطلق أحدهم رصاصات قاتلة عليه أودت بحياته. غاندي الرجل  الذى وصف في جنازة تشييعه أنه لم يكن جنرالا أو حاكماً عسكرياً أو ملكاً مهيباً ولكن عرشه كان على القلوب. وهو أكبر عرش على الإطلاق. وقال عنه آينشتاين إنه يقترب من الاستحالة أن امتلأ قلب بالحب والرحمة لإنسان من دم ولحم كما كان ذلك عند غاندي. ويذكر عن تولستوي أنه كان يضغط على نفسه كي يتكيف مع مفاهيم السلام والحب أما غاندي فقد تدفقت هذه المشاعر عفوياً من قلبه على لسانه. وخلاصة نظرية غاندي التي طبقها ويمكن الاستفادة منها في كل مكان للمقاومة المجدية والمباركة والاقتصادية بأقل التكاليف وأفضل النتائج أنها تواجه ضمير الخصم بأسلوب لا يستطيع التخلص من شباكه خلافاً للقتل والقتل المضاد كنتيجة طبيعية في التورط ضمن نفس الآلية النفسية الاجتماعية
ولد موهندس كرمشاند غاندي الملقب بـ"ألمهاتما" (أي صاحب النفس العظيمة أو القديس) في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 1869 في بور بندر بمقاطعة غوجارات الهندية من عائلة محافظة لها باع طويل في العمل السياسي، حيث شغل جده ومن بعده والده منصب رئيس وزراء إمارة بور بندر، كما كان للعائلة مشاريعها التجارية المشهورة. وقضى طفولة عادية ثم تزوج وهو في الثالثة عشرة من عمره بحسب التقاليد الهندية المحلية ورزق من زواجه هذا بأربعة أولاد.   سافر غاندي إلى بريطانيا عام 1888 لدراسة القانون، وفي عام 1891 عاد منها إلى الهند بعد أن حصل على إجازة جامعية تخوله ممارسة مهنة المحاماة.
أسس غاندي ما عرف في عالم السياسية بـ"المقاومة السلمية" أو فلسفة اللاعنف (الساتياراها)، وهي مجموعة من المبادئ تقوم على أسس دينية وسياسية واقتصادية في آن واحد ملخصها الشجاعة والحقيقة واللاعنف، وتهدف إلى إلحاق الهزيمة بالمحتل عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاعنف أولا ثم بالعنف إذا لم يوجد خيار آخر.
وقد أوضح غاندي أن اللاعنف لا يعتبر عجزا أو ضعفا، ذلك لأن "الامتناع عن المعاقبة لا يعتبر غفرانا إلا عندما تكون القدرة على المعاقبة قائمة فعليا"، وهي لا تعني كذلك عدم اللجوء إلى العنف مطلقا "إنني قد ألجأ إلى العنف ألف مرة إذا كان البديل إخصاء عرق بشري بأكمله". فالهدف من سياسة اللاعنف في رأي غاندي هي إبراز ظلم المحتل من جهة وتأليب الرأي العام على هذا الظلم من جهة ثانية تمهيدا للقضاء عليه كلية أو على الأقل حصره والحيلولة دون تفشيه.
وتتخذ سياسة اللاعنف عدة أساليب لتحقيق أغراضها منها الصيام والمقاطعة والاعتصام والعصيان المدني والقبول بالسجن وعدم الخوف من أن تقود هذه الأساليب حتى النهاية إلى الموت. يشترط غاندي لنجاح هذه السياسة تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر.
وقد تأثر غاندي بعدد من المؤلفات كان لها دور كبير في بلورة فلسفته ومواقفه السياسية منها "نشيد الطوباوي" وهي عبارة عن ملحمة شعرية هندوسية كتبت في القرن الثالث قبل الميلاد واعتبرها غاندي بمثابة قاموسه الروحي ومرجعا أساسيا يستلهم منه أفكاره. إضافة إلى "موعظة الجبل" في الإنجيل، وكتاب "حتى الرجل الأخير" للفيلسوف الإنجليزي جون راسكين الذي مجد فيه الروح الجماعية والعمل بكافة أشكاله، وكتاب الأديب الروسي تولستوي "الخلاص في أنفسكم" الذي زاده قناعة بمحاربة المبشرين المسيحيين، وأخيرا كتاب الشاعر الأميركي هنري ديفد تورو "العصيان المدني". ويبدو كذلك تأثر غاندي بالبراهمانية التي هي عبارة عن ممارسة يومية ودائمة تهدف إلى جعل الإنسان يتحكم بكل أهوائه وحواسه بواسطة الزهد والتنسك وعن طريق الطعام واللباس والصيام والطهارة والصلاة والخشوع والتزام الصمت يوم الاثنين من كل أسبوع.. وعبر هذه الممارسة يتوصل الإنسان إلى تحرير ذاته قبل أن يستحق تحرير الآخرين.
بحث غاندي عن فرصة عمل مناسبة في الهند يمارس عن طريقها تخصصه ويحافظ في الوقت نفسه على المبادئ المحافظة التي تربى عليها، لكنه لم يوفق فقرر قبول عرض للعمل جاءه من مكتب للمحاماة في "ناتال" بجنوب أفريقيا، وسافر بالفعل إلى هناك عام 1893 وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الأفريقية 22 عاما.
كانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية كالهند وبها العديد من العمال الهنود الذين قرر غاندي الدفاع عن حقوقهم أمام الشركات البريطانية التي كانوا يعملون فيها. وتعتبر الفترة التي قضاها بجنوب أفريقيا (1893 - 1915) من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد مختلفة، واختبر أسلوبا في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني. وأثرت فيه مشاهد التمييز العنصري التي كان يتبعها البيض ضد الأفارقة أصحاب البلاد الأصليين أو ضد الفئات الملونة الأخرى المقيمة هناك. وكان من ثمرات جهوده آنذاك:
إعادة الثقة إلى أبناء الجالية الهندية المهاجرة وتخليصهم من عقد الخوف والنقص ورفع مستواهم الأخلاقي.
إنشاء صحيفة "الرأي الهندي" التي دعا عبرها إلى فلسفة اللاعنف.
تأسيس حزب "المؤتمر الهندي لنتال" ليدافع عبره عن حقوق العمال الهنود.
محاربة قانون كان يحرم الهنود من حق التصويت.
تغيير ما كان يعرف بـ"المرسوم الآسيوي" الذي يفرض على الهنود تسجيل أنفسهم في سجلات خاصة.
ثني الحكومة البريطانية عن عزمها تحديد الهجرة الهندية إلى جنوب أفريقيا.
مكافحة قانون إلغاء عقود الزواج غير المسيحية.
عاد غاندي من جنوب أفريقيا إلى الهند عام 1915، وفي يوم عودته منحنه الجماهير الهندية لقب المهاتما اي الروح العظيم  وفي غضون سنوات قليلة من العمل الوطني أصبح الزعيم الأكثر شعبية. وركز عمله العام على النضال ضد الظلم الاجتماعي من جهة وضد الاستعمار من جهة أخرى، واهتم بشكل خاص بمشاكل العمال والفلاحين والمنبوذين واعتبر الفئة الأخيرة التي سماها "أبناء الله" سبة في جبين الهند ولا تليق بأمة تسعى لتحقيق الحرية والاستقلال والخلاص من الظلم.
قرر غاندي في عام 1932 البدء بصيام حتى الموت احتجاجا على مشروع قانون يكرس التمييز في الانتخابات ضد المنبوذين الهنود، مما دفع بالزعماء السياسيين والدينيين إلى التفاوض والتوصل إلى "اتفاقية بونا" التي قضت بزيادة عدد النواب "المنبوذين" وإلغاء نظام التمييز الانتخابي.
تميزت مواقف غاندي من الاحتلال البريطاني لشبه القارة الهندية في عمومها بالصلابة المبدئية التي لا تلغي أحيانا المرونة التكتيكية، وتسبب له تنقله بين المواقف القومية المتصلبة والتسويات المرحلية المهادنة حرجا مع خصومه ومؤيديه وصل أحيانا إلى حد التخوين والطعن في مصداقية نضاله الوطني من قبل المعارضين لأسلوبه، فعلى سبيل المثال تعاون غاندي مع بريطانيا في الحرب العالمية الأولى ضد دول المحور، وشارك عام 1918 بناء على طلب من الحاكم البريطاني في الهند بمؤتمر دلهي الحربي، ثم انتقل للمعارضة المباشرة للسياسة البريطانية بين عامي 1918 و1922 وطالب خلال تلك الفترة بالاستقلال التام للهند. وفي عام 1922 قاد حركة عصيان مدني صعدت من الغضب الشعبي الذي وصل في بعض الأحيان إلى صدام بين الجماهير وقوات الأمن والشرطة البريطانية مما دفعه إلى إيقاف هذه الحركة، ورغم ذلك حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن ست سنوات ثم عادت وأفرجت عنه في عام 1924.
تحدى غاندي القوانين البريطانية التي كانت تحصر استخراج الملح بالسلطات البريطانية مما أوقع هذه السلطات في مأزق  ، وقاد مسيرة شعبية توجه بها إلى البحر لاستخراج الملح من هناك في عام 1930،كانت قضية اختارها غاندي  لتكون موضوع احتجاجه، وهي قضية لم تقلق البريطانيين في البداية، لأنها كانت تبدو بسيطة. وبالطبع يمكن استخراج الملح من مياه البحر، غير أن الحكومة البريطانية هي التي كانت تستخرج الملح في الهند وتبيعه وتحقق منه أرباحاً طائلة. قال غاندي إن الملح مُلك للهند، وإنه سيعمد إلى خرق القانون المتعلق بالملح.
في البداية، طلب غاندي أن يناقش المسألة مع رئيس الحكومة البريطانية في الهند، وهو نائب الملك. وقد رفض نائب الملك ذلك اعتقاداً منه أن الموضوع ليس مهماً. وفي 12 آذار (مارس) 1930، وكان غاندي قد بلغ الستين من عمره، بدأ مع اتباعه مسيرة طولها 322 كيلومتراً من بيته إلى البحر لاستخراج الملح. وطوال 24 يوماً، تابع شعب الهند وبقية العالم مسيرته. وكانت الآمال كبارا. وفي 6 نيسان (أبريل)، وعلى مرأى من آلاف الحاضرين، مشى غاندي في البحر وغرف حفنة من الملح. لقد كان هذا العمل، الذي ينطوي على التحدي، إشارة موجهة إلى الأمة. وعلى امتداد سواحل الهند، بدأ الناس باستخراج الملح بطريقة غير قانونية. وكتب غاندي قائلا:"إنني أطلب تعاطف العالم في هذه المعركة الدائرة بين الحق والقوة". وبعد شهر، قُبض على غاندي وعلى عشرات الآلاف من الهنود، وأُودعوا السجن.
 وفي عام 1931 أنهى هذا العصيان بعد توصل الطرفين إلى حل وسط ووقعت "معاهدة دلهي".
قرر غاندي في عام 1934 الاستقالة من حزب المؤتمر والتفرغ للمشكلات الاقتصادية التي كان يعاني منها الريف الهندي، وفي عام 1937 شجع الحزب على المشاركة في الانتخابات معتبرا أن دستور عام 1935 يشكل ضمانة كافية وحدا أدنى من المصداقية والحياد.
وفي عام 1940 عاد إلى حملات العصيان مرة أخرى فأطلق حملة جديدة احتجاجا على إعلان بريطانيا الهند دولة محاربة لجيوش المحور دون أن تنال استقلالها، واستمر هذا العصيان حتى عام 1941 كانت بريطانيا خلالها مشغولة بالحرب العالمية الثانية ويهمها استتباب أوضاع الهند حتى تكون لها عونا في المجهود الحربي. وإزاء الخطر الياباني المحدق حاولت السلطات البريطانية المصالحة مع الحركة الاستقلالية الهندية فأرسلت في عام 1942 بعثة عرفت باسم "بعثة كريبس" ولكنها فشلت في مسعاها، وعلى أثر ذلك قبل غاندي في عام 1943 ولأول مرة فكرة دخول الهند في حرب شاملة ضد دول المحور على أمل نيل استقلالها بعد ذلك، وخاطب الإنجليز بجملته الشهيرة "اتركوا الهند وأنتم أسياد"، لكن هذا الخطاب لم يعجب السلطات البريطانية فشنت حملة اعتقالات ومارست ألوانا من القمع العنيف كان غاندي نفسه من ضحاياه حيث ظل معتقلا خلف قضبان السجن ولم يفرج عنه إلا في عام 1944. بانتهاء عام 1944 وبداية عام 1945 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية الهادفة إلى تقسيمها إلى دولتين بين المسلمين والهندوس، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح الذي كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل.
وتم ذلك بالفعل في 16 أغسطس/آب 1947، وما إن أعلن تقسيم الهند حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند وبلغت من العنف حدا تجاوز كل التوقعات فسقط في كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد عن خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندي لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير وسقوط العديد من القتلى في الاشتباكات المسلحة التي نشبت بينهما عام 1947/1948وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين طالبا بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة.
لم ترق دعوات غاندي للأغلبية الهندوسية باحترام حقوق الأقلية المسلمة، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل في 30 يناير/كانون الثاني 1948 أطلق أحد الهندوس المتعصبين هو الهندوسي  ناترام غوش في حادثة لاتزال تشكل لغزا محيرا للكثير من الهنود،  بينما هو ماض إلى الصلاة عجوزا، أضناه الصوم وجعله شبحا من الجلد على العظام يتوكأ على حفيدته، برز في طريقه رجل بدا له أنه يهم أن يركع أمامه. وعلى بعد قدمين من المهاتما أطلق الرجل المشئوم ثلاث رصاصات على غاندي الذي خر مع الرصاصة الثالثة وهو يهتف بصوت ضعيف: يا إلهي.
أما نهرو، وهو صديق غاندي ورفيق دربه، فقد كان مصابا بالذهول وقال في حينه «انطفأ الضوء من حياتنا وعمّ الظلام في كل مكان». فيما اعتبر الملك جورج ملك بريطانيا الحادثة بأنها «خسارة لا تعوّض للبشرية». واعرب رئيس الوزراء البريطاني كليمنت آتلي عن «الأسى العميق» في برقية بعث بها الى جواهر لال نهرو رئيس الوزراء الهندي.
 ثلاث رصاصات قاتلة سقط على أثرها المهاتما غاندي صريعا عن عمر يناهر 79 عاما.  وعند  ضريحه  الذي يطلق عليه (غاندي سمادي) في منطقة ‏‏راجغات بالعاصمة نيودلهي لايزال الشعب الهندي يحتفل بوفاته سنويا في حين تشن  منظمة (ار اس اس) الهندوسية المتطرفة اليوم هجوما عنيفا على ‏‏المهاتما غاندي وقالت انه ارتكب اخطاء كبيرة ما زالت الهند تدفع ثمنها وترى ان  غاندي تسبب في انفصال باكستان عن الهند.  وترى المنظمة انه ارتكب خطأين اولهما تأييده لنظام الخلافة الاسلامي والاخر ‏موافقته على ان يصبح جواهر لال نهرو اول رئيس لوزراء الهند مضيفا ان نتيجة تلك ‏‏الاخطاء هي انفصال باكستان عن الهند.‏
تعلّم غاندي روح التضحية الذاتية من والدته بوتليبا التي وصفها بأنها «قديسة ذات تديّن عميق» وكانت أمه نباتية، وغالبا ما تلتزم بالصوم، تلك الممارسة الروحية التي استخدمها ابنها فيما بعد كأداة سياسية، أما تعففه وبعده عن الملذات، فهذا يعود الى شعوره بالذنب حيال وفاة والده. ثم ذهب فيما بعد الى ادانة زواج صغار السن وتبرأ من ابنه البكر بسبب حياة اللهو التي كان يعيشها الأخير.
والى جانب صرامة غاندي وقدرته على كبح جماح نفسه، كان هناك ولع شديد بالعدل وحب حقيقي للحياة، الأمر الذي جمع حوله العديد من الاصدقاء والاتباع. كان اهتمامه يشمل جميع الهنود ويمتد حتى الى طائفة المنبوذين الذين لم يكتف بلمسهم جسديا، وإنما انتمى اليهم عمليا وعلى الملأ من خلال قيامه بتنظيف المراحيض بنفسه، كما انه قام برعاية الاشخاص الذين يعانون من أمراض معدية كالمصابين بمرض لجذام
كانت فكرة غاندي في عدم التعاون بسيطة واضحة. فقد رأى أن سلطة البريطانيين في الهند قائمة على تعاون جميع الطبقات معهم.. فإذا أمكن سحب هذا التعاون فلن تستطيع الحكومة البقاء.
وقد اعتقد غاندي أنه وجد هذا المبدأ في مسألة عدم العنف، وأعلن أنه لايتفق أن نناهض الحكومة ونعمل معها. فليست المقاطعة إذن كافية إذا اقتصرت على الواردات
وبدأ غاندي تنفيذ فكرته، فقاد حملة مقاطعة الملابس الأجنبية من أجل تحرير الاقتصاد الوطني. وبدأ ينفق كل يوم أربع ساعات أمام مغزل يدوي لينسج قماشا اسمه (الخضار) راجيا أن يسوق بنفسه للناس مثلا يحتذى فيستخدموا هذا القماش البسيط المغزول داخل البلاد وبأيدي أبنائها بدلا من شرائهم المغازل البريطانية التي جاءت خرابا على صناعة النسيج في الهند.
ونجحت المقاطعة. وبالفعل جاء الهنود والأغنياء والتجار بما كان لديهم في دورهم ومخازنهم من المنسوجات الواردة من الخارج فألقوا بها في النار. وفي بومباي وحدها أكلت ألسنة اللهب مائة وخمسين ألف ثوب من القماش. وكانت حركة عدم التعاون هي مقدمة مرحلة -اخرجوا من الهند-
وتوجت الحركة الغاندية بالانتصار في أغسطس 1947 حينما وافق الإنجليز مضطرين على الخروج من الهند. وانتهت السيادة البريطانية حينما أسقط ملك بريطانيا عن نفسه لقب (إمبراطورية الهند). وظفرت الهند باستقلالها بعد أن فصلت عنها الولايات ذات الأغلبية الإسلامية وكونت منها دولة باكستان.
أما بالنسبة لغاندي فقد كانت تلك هي النتيجة الواضحة لحياته الاستثنائية، فهذا الشخص الذي آلمه بشكل لا يحتمل سفك الدماء الذي أعقب تقسيم الهند واقامة دولة باكستان في عام 1947، وواجهته هزيمته واخفاقه في تحقيق دولة علمانية يعيش فيها الهندوس والمسلمون بانسجام، وحزنه على وفاة زوجته المخلصة كاستوربا (التي توفيت في عام 1944) هذا الشخص كانت سنوات حياته الأخيرة متسمة بالاكتئاب وعدم الثقة بالنفس. والحقيقة هي انه لم يكن خائفا من الموت، بل انه كان يرى في تضحيته بحياته حلا ممكنا للاضطرابات المحيطة به وتلك التي بداخله. ويقول المؤرخ ماكنامي انه «ربما كان يعتقد ان تضحية نهائية واحدة يمكنها ان تصلح الوضع.
و في عام 1985 قام أحد أتباع غاندي الحاليين ويدعى بيتر روحي بزيارة الضيعة الخاصة بكاتب سيرة غاندي، فيتالباي جافيري في بومباي، وقد عثر على صندوق خشبي قديم كبير يضم مجموعة من الصور، وكان الصندوق موضوعا على شرفة تطل على شاطيء البحر.
وحصل روحي على اذن من عائلة جافيري بالحفاظ على مجموعة الصور وتصنيفها.
وفي العام نفسه قابل حفيد شقيق غاندي المدعو كانو، وهو الشخص الوحيد الذي سمح له غاندي بالتقاط الصور له. وعندما مات كانو غاندي اقنع روحي أرملته بعدم رمي صور العائلة القديمة.
وأتاحت هذه الجهود لنا الآن فرصة القاء نظرة من قريب على حياة احدى أعظم شخصيات القرن العشرين. وقد يكون من السهل انتقاد بعض من عادات غاندي الغريبة، مثل هوسه باتباع الحمية الغذائية واحتقاره للطب والتقنية  الغربيين. وهناك أمور اخرى أثارت الاستغراب في حياة غاندي، مثل سذاجته التي تجلت في الرسائل التي كتبها لهتلر يطلب فيها العمل على منع حدوث المزيد من المشكلات في أوروبا وقبوله الواضح لغزو ياباني محتمل للهند.
ويقول المؤرخ تيري ماكنامي ان أكثر انتقاد مبرر وجه الى غاندي هو انه لم يستوعب الشر أبدا على حقيقته، فهو لم يدرك كيف يمكن لأي شخص ان يكون محصنا أمام قوة المعاناة التي يتم تحملها عن طيب خاطر. لكن احتجاجاته المنظمة المتعلقة بالعصيان المدني ساعدت بالفعل على اضعاف قبضة بريطانيا العظمى في الهند.

ترى السنا اليوم بحاجة الى مهاتما جديد يعلو في العراق تتبعه خطى المتعبين والارامل واليتامى والفقراء من شعب تحمل كل انواع الاضطهاد ؟؟؟


References
1- A Brief History of Mohandas K. Gandhi
2- Mahatma Gandhi s Life
3- info please, Gandhi, Mohandas Karamchand
4- غاندي، موهندس كرمشاند (المهاتما) ، موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، المجلد الرابع، الطبعة الأولى 1986، 315 - 321
 
http://www.aljazeera.net/special_coverages/india_pakistan_Crisis/2002/1/1-18-1.htm  
http://www.annabaa.org/nbanews/16/14.htm
http://www.albayan.co.ae/albayan/2003/02/01/sya/27.htm
http://www.alwatan.com.sa/daily/2003-10-28/writers/writers03.htm
http://www.amnesty-arabic.org/text/hre/fsteps/part4/fsteps_ch4_7.htm
http://www.albayan.co.ae/albayan/2001/10/11/mnw/26.htm
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1810000/1810375.stm
http://www.rayaam.net/2002/03/21/araa3.html 
 



#عصام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاغتيالات السياسية في الشرق الاوسط
- عندما يتحول الاعلامى الى فلكي
- الامن الدوائى العربي
- الولايات المتحدة دولة أستعمار ام دولة عدوان
- ستيفن وليم هو كينج: خياران أمام البشرية: استعمار الفضاء أو ا ...
- برنارد لويس : مستقبل الشرق الاوسط
- مجلس الحكم والكفاءات العراقية
- نعوم إفرام تشومسكي
- من الاحداث التاريخية لشهر شباط
- حق الكتابة عن الجنرال عبد الكريم قاسم
- الغاء مشروع النهر العظيم في ليبيا
- مقترح بناء عاصمة جديدة للعراق 2-3 & 3-1
- استمارات الجرد الحديثة
- التعليق الرياضي العربي
- الراحل عبد الرحمن منيف بين تألق الروائي وفشل المؤرخ
- العقل العربي وهدر الثروات الوطنية
- البحث عن شقة للايجار
- همسات صباحيـــة-3
- حساسية الكويتيين
- حقوق المرأة العراقية


المزيد.....




- الحوثيون يزعمون استهداف قاعدة جوية إسرائيلية بصاروخ باليستي ...
- إسرائيل.. تصعيد بلبنان عقب قرار الجنايات
- طهران تشغل المزيد من أجهزة الطرد المركزي
- صاروخ -أوريشنيك-: من الإنذار إلى الردع
- هولندا.. قضية قانونية ضد دعم إسرائيل
- وزيرة الخارجية الألمانية وزوجها ينفصلان بعد زواج دام 17 عاما ...
- حزب الله وإسرائيل.. تصعيد يؤجل الهدنة
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين مقاتلي -حزب الله- والقوات الإسر ...
- صافرات الانذار تدوي بشكل متواصل في نهاريا وعكا وحيفا ومناطق ...
- يديعوت أحرونوت: انتحار 6 جنود إسرائيليين والجيش يرفض إعلان ا ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عصام البغدادي - هل يحتاج العراق الى مهاتما جديد