حسن مدبولى
الحوار المتمدن-العدد: 2551 - 2009 / 2 / 8 - 08:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعض الذين يقدمون وينظرون ويتفلسفون حول العلمانية فى العالم العربى, يشوهون المضمون التقدمى المستنير لها, اذ ان هؤلاء المتفلسفون لا يرون سوى وجه العلمانية ومفهومها الغربى المحض , بل أن هؤلاء العلمانيون يتجاوزون المفهوم الغربى للعلمانية عند تنظيرهم لرؤيتهم المراد تطبيقها على الانسان فى الوطن العربى, والعلمانية كما نعرفها تعتمد العلم طريقا للتقدم الانسانى, وتتطلب فصل المفاهيم الدينية عن امور الحكم والسياسة, وتشترط اعتماد المرجعية الشعبية او الجماهيرية سبيلا وحيدا لتجسيد ارادة الامة ووجهها الحضارى, بشرط ان يكون الفرد ,او الانسان فى هذه الامة حرا طليقا ,لا اجبار عليه, سياسيا, ام عقائديا, مع توفير كل الاحترام لمن يختلفون مع الاجماع الوطنى الذى يتم التوصل اليه وفقا لآليات يتم الاحتكام اليها ,والخضوع لنتائجها, مع توفير تكافؤ الفرص ,امام الكافة, طلبا للتغيير والتبديل,او حفاظا على الاوضاع الحالية وضمان استمراريتها كما هى ,, وهذا التوجه التقدمى, لا يعادى احدا فى العالم , ولا يحتقر الاخر ,كما انها -العلمانية- تعمل بحياد فولاذى, بمعنى ان ما ينطبق على المجتمع الانسانى وفق تلك الرؤية,لا يجوز تحريفه,او تجزئته, اوتوظيفه للتحقير ,او الالغاء, باختلاف المجتمع الانسانى,سواء على الموقع الجغرافى ,أو وفقا للمضمون الحضارى والثقافى.
اذا نزلنا الى ارض الواقع ,لتوضيح الصورة بشكل تطبيقى, فأن العلمانية ضد الحكم الدينى لاى دولة, وضد سيطرة المرجعية الدينية-أى مرجعية دينية-على حياة ومستقبل الانسان-أى انسان-فالقوانين الانسانية المجمع عليها اختياريا ,هى المرجع الاساسى,ان لم يكن الوحيد, فيما يتعلق بواقع الانسان ومستقبله, ومع كل ذلك ,فأن هناك احترام كامل ,للخيارات الدينية والعقائدية والايديولوجية,ايا كانت,ما دامت لم تنتهج عنفا,او اجبارا, لتحقيق التسلط الاحادى, من طرف,ضد طرف,او اطراف اخرى, ووفقا للعلمانية نفسها,فانه لا يمكن اجبار ,مجتمع معيشى ما ,وتحت حجة العلمانية,على تبنى خيارات مرفوضة بأجماع مواطنى ذلك المجتمع,كما لا يجوز ايضا, وتحت اى حجة,حتى ولو كانت استنارية او حداثوية,ان يتم ازدراء وتحقيرما تراه جموع معينة من الناس على انه مقدس,كما لا يجوز ولا يقبلفى أى عرف انسانى,الاجبار على تبنى مفاهيم انسانية محضة,يرى بعض من افراد المجتمع ,بانها مفاهيم غير متفق عليها,على الاقل من بعض النخب,سواء كانت تلك المفاهيم اجتماعية ,ام سياسية.
أما من يقدمون للعلمانية فى العالم العربى, فانهم يقدمونها كمفهوم معادى للدين فى حد ذاته,خاصة الدين الاسلامى, هم لا يقدمونها كفاصل بين الدين والسياسة والعلم, لكنهم يقدمونها مرادفالتحقير الدين الاسلامى وحده على وجه الخصوص, بينما يكنون كل الاحترام والقداسة للاديان الاخرى, بالرغم من ان الدين الاسلامى منفردا,لا توجد به مفاهيم لاهوتية تعطى لرجال الدين الاسلامى وضعا متفردا ومسيطرا,كما هو موجود فى ديانات اخرى مثل المسيحية, صحيح هناك مفاهيم اسلامية,تتدخل فى حياة ومفردات الانسان اليومية والدنيوية,لكن هذه المفاهيم تظل دوما خيارا انسانيا فرديا حرا, لا اجبار فيه,ولا سلطة لأى رجل دين,على أى مسلم,بل ان المفاهيم الاسلامية نفسها قد تتسع للكثير من الاجتهادات الانسانسة التى ترفضها,او يرفضها المتدينون الاخرون,ويكفى ان غالبية الشعوب العربية,ترى حتى الان ان الاشتراكية هى الخيار الانسانى الامثل ,الذى يمكنه من جلب الرخاء والتقدم ,فيما يرى معظم العلمانيون العرب, والغربيون ,والنخب الحاكمة, ان الرأسمالية هى الخيار الحتمى,اتباعا لاوليائهم فى النخب الغربية, التى قادت حربا ضروسا من اجل القضاء على الاشتراكية,بالتعاون مع قوى التخلف بالعالم العربى التى هى ضد الحرية والعلم والتقدم ,والمرفوضة من غالبية جموع الشعب العربى من المحيط الى الخليج .
كذا فان العلمانيين العرب ,يتقدمون الصفوف, دوما, للتبرير لاى عمل مضاد لارادة ومصالح الشعوب العربية,واجماعها, بل وتجد هؤلاء العلمانيون يتماهون ويصبحون ملكيون اكثر من الملك,فى تبريراتهم ,وتبنيهم لغطرسة الاخر غير العربى,حتى لو كانت هذه الغطرسة تمس اقدس مقدسات امتهم من حدود وعقائد وحتى الانسان ؟ ولا شك ان العلمانية لم تحتم على أى علمانى عربى تبنى وجهة نظر الولايات المتحدة وتبريراتها الكاذبة والملفقة عند عدوانها واحتلالها للعراق,كما لا يوجد مفهوم علمانى فى اى بقعة من الارض ,يوسع ويفسح الطريق للمحتل الغاصب ,لكى يمعن فى قتل من يرى انهم اعدائه,.كما حدث من العديد من العلمانيين,ابان العدوان الاسرائيلى على لبنان وعلى غزة .
ايضا لا يوجد اى مبرر انسانى او علمى او تقدمى ,يحث على شطب فصائل ,او مجموعات انسانية ترى وتؤمن بما لا يؤمن به الاخرون, والغالبية العربية من العلمانيين العرب , تهيج وتنتفخ اوداجها,عند أى حادث طائفى فى مصر يكون احد اطرافه , غير مسلم, ويبدأ الحديث عن اضطهاد الاقلية الى اخر ذلك من اقوال,فيما يرى هؤلاء النفر انفسهم , انه يجب شطب شريحة كبيرة من الناس فى مصر, تؤمن بالاسلام السياسى,وتلتزم باليات الديموقراطية الجماهيرية ولا تنتهج العنف,ولا تتبنى مفاهيم تحتقر الاخر, بل ان الكثير ممن يدعون تعرضهم للاضطهاد,يحرضون ليل نهار, على من يماثلونهم تماما فى الانسانية , وتبنى المفاهيم الدينية, فاذا كان البعض يرى انه يتمسك بخيار الاسلام السياسى,فان الاخرين لا يختلفون عنهم ,فهم يتبنون خيار المسيحية السياسية,أو القبطية السياسية.
والغريب ايضا انه مامن علمانى مصرى ,خاصة ممن يتبنون نهجا اقصائيا ضد الاخر,الا وتراه يرفض فترة الحكم الناصرى فى مصر,ولا يؤمن الا بالخيار الرأسمالى الغربى المتوحش, دونما اى حتمية علمانية تؤكد ذلك الخيار المعادى للشعوب ,بل وللانسانية,بل ان هناك تحالفا واضحا بين الكثير من العلمانيين العرب ,والمصريين خصوصا, وبين الرأسمالية بوجهها الرأسمالى القبيح,بينما يتخفى هؤلاء المتواطئون مع الامبريالية العالمية,فى ثوب المتبنى للحداثة والتقدم ومعاداة التخلف ,الذى يرونه فى الدين الاسلامى صراحة, وفى الاشتراكية مواربة وتلميحا.
ولو كان هذا الفصيل الذى يتبنى العلمانية ,ويشوه وجهها المشرق فى جوهره,فصيلا منفردا, محدودا, يتقدم للتغيير على طريقته,مع احترام الاخر, لاكتفينا بالنقد والتوضيح,ولما احتاج الامراساسا لاية توضيحات,’ لكن المشكل هو ان ذلك الفصيل يدعى احتكار العلمانية والحداثة,ويلقى فى ذلك دعما رهيبا ,مبرمجا,سواء ممن يعادون الامة العربية من خارجها,او ممن يحتلون الاوطان ويسيطرون على مقدراتها فى النخب الحاكمة, ومن هنا كانت الكارثة, فالعلمانية التى يقدمها هؤلاء,علمانية اقصائية تعادى وتطالب باستئصال كل من عداها أو سواها, وهذا الاستئصال المطلوب تعميمه يشمل كل من لا يتماثل او يتطابق مع هؤلاء الاستئصاليون يتساوى عند هؤلاء ان تكون المخالفة او الاختلاف عبارة عن مفاهيم, اوافراد,, حتى لو كان هؤلاء الافراد علمانيين حقيقيين ,يتحركون من دوافع وطنية وقومية وتقدمية حقيقية.
لذا لزم التنويه.
#حسن_مدبولى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟