خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 2552 - 2009 / 2 / 9 - 07:59
المحور:
القضية الفلسطينية
كلنا يعي ان التطورات التي تلحق بالقضية ( تاريخيا ) هي جراء انعكاسات الصراع العالي والاقليمي عليها , بحكم لوجستية موقعها الجغرافي الوسيطة في نطاق الشرق الاوسط الذي هو نفسه في موقع وسيط من حركة المواصلات العالمية , حتى ليعتبر الصراع بين مراكز القوة عالميا واقليميا هو القابلة التاريخية للقضية الفلسطينية , هذه القضية التي اخذت صورتها التاريخية صورة حلقات متصلة يتبدل بين حلقة منها واخرى المصدر العالمي او الاقليمي المسيطر على فلسطين , وقد ان الاوان للمؤرخين الفلسطينيين ان يعيدوا دراسة تاريخهم الوطني من هذا المنظور ليستطيعوا اضاءة الانارة اللازمة على مستقبل مسار تطور الوطني الخاص .
تبعا للصورة التاريخية السابقة , فان صورة المفاهيم المرشدة لنضال التحرر الوطني الفلسطيني , في ظل غياب استقلالية وعي وطني فلسطيني خاص , ان صورة المفاهيم هذه المرشدة لنضال التحرر هذا بقيت هي ايضا منقسمة على نفسها بحكم سيادة الوعي الديني وغياب الوعي الوطني , وهو انقسام عمقه ورسخه المفهوم القومي العربي الذي ساد في المنطقة غريبا عن حقيقة الواقع ولكنه منسجما مع عامل تشابه العامل الثقافي الاجتماعي فيها حيث اللغة والدين وتشابع العادات والتقاليد ....الخ , لذلك لا نجد في تاريخ النضال الفلسطيني للتحرر ( ما قبل انطلاقة الثورة الفلسطينية عام 1965) سوى غياب استقلالية الوعي والقرار والنهج الفلسطيني المعبر عن خصوصيته الوطنية , واستبداله بمقولة الانتماء للحجم الديني والقومي العربي , وهو الامر الذي حمل المخاطر الجسيمة على النضال الوطني الفلسطيني وليس اقلها _ الانقسام الداخلي _ وشرعية الخيانة الوطنية _ , هذا الانقسام والخيانة الذي اساسه الانحياز للولاء الديني والعرقي , تذتك نجد غيابا كبيرا للبنية الفكرية حول مفهوم الوطنية , واستبداله بالمفهوم الديني , وهكذا نرى دائما الغطاء الديني للانقسام الداخلي غطاءا يشرع غياب النهج الوطني ويشرع الخيانة
ان انحياز المسيحي للقوى الصليبية , والمسلم لقوى صلاح الدين , واليهودي للحركة الصهيونية العالمية , لا ينظر له دينيا على انه خيانة على حساب النضال الوطني للتحرر,بل ينظر له على انه الوطنية الشرعية الوحيدة , وهو الامر الذي دمر تاريخيا النضال الوطني الفلسطيني وجعل منجزات هذا النضال تصب ( دائما ) لصالح القوة الخارجية , وابقى النضال الوطني بصيغة وظيفية لصالح القوة الخارجية دون ان يستفيد المجتمع الفلسطيني منه شئا ,
لكنه مع هزيمة 1948 , وتجريد القومية الفلسطينية من ( ملكيتها , الوطن) , فقد كانت في الحقيقة هذه الهزيمة لهذا المفهوم والفكر الديني والقومي العربي , فان تجريد القومية الفلسطينية من وطنها وتمزيقها شر ممزق على ايدي الاديان الثلاث والعرق العربي , فان هذا العامل طرح مسالة الفارق بين الولاء الديني والعرقي عن الولاء الوطني , وهو امر اخذ من الزمن مدى ما بين 1948 عام الهزيمة ومؤتمر القمة الاول الذي انشات بقراراته منظمة التحرير الفلسطينية , كمحصلة للصراع بين المحورين الاقليميين في ذلك الوقت محور الانظمة البرجوازية القومية والانظمة الملكية والرجعية في المنطقة , وهو قرار توازي في الحقيقة مع حركة الحوار والنقاش الداخلي الفلسطيني , ولم يكن وقتا طويلا حتى تغلبت مقولة الخصوصية الوطنية الفلسطينية على الجناح الانتظاري الديني والقومي العربي حيث تفجرت الثورة الفلسطينية كمبادرة فلسطينية مستقلة , وطرحت الحرب الشعبية كنمط نضالي مستقل مواز في النهج لاستقلالية المفهوم الجديد ( للوطنية الفلسطينية ) . وجاءت حرب 1967 وهزيمة حزيران لترسخ حقيقة افلاس المفهومين الديني والقومي العربي للصراع وهزيمة جناحيها القومي البرجوازي والاقطاعي الرجعي , وهكذا تفجر الصراع بين مقولة الخصوصية الوطنية الفلسطينية وليس الكيان الصهيوني فحسب وانما ايضا مع اطراف التقسيم وكذلك المفاهيم الرجعية للتحرر وبصورة مكثفة مع المفهوم الديني والمفهوم القومي العربي , الامر الذي حسمته بصورة كبيرة لصالح مقولة الخصوصية الفلسطينية النتائج المبهرة لمعركة الكرامة عام 1968 والتي كان من انعكاساتها الرئيسية وضوح هامش استقلالية القرار الوطني الفلسطيني واستعادته موقعه في الجغرافيا السياسية لمنطقة الشرق الاوسط وتبلور وزن مميز له على هذه الخريطة الامر الذي اثار حفيظة اطراف التقسيم ودعاة الحفاظ على خارطة الشرق الاوسط الانجلو فرنسية والتي تخلو من دولة فلسطينية وتحفظ لاطراف تقسيم فلسطين ما سبق لاسولقهم القومية الخاصة ما حققته من توسع على حساب القومية الفلسطينية عام 1948.
وفي حين كانت البندقية الفلسطينية تستهدف قوات الكيان الصهيوني , فان الانظمة المحيطة بفلسطين وهي اطراف التقسيم وجهت بنادق جيوشها الى ظهر الثورة الفلسطينية واستطاعت عبر اللجوء الى ديماغوجيا الاعلام الثقافي والديني والخصوصية القومية ان تستعدي جماهيرها واجهزتها ضد تواجد الثورة الفلسطينية وان تضلل في نفس الوقت الجماهير الفلسطينية من مدخل حساب الثورة اخلاقيا , ليس مقارنة باخلاقياتهم الساقطة ولكن بمقارنتها بالاخلاق الدينية , وهكذا نجحت هذه الجبهة المعادية بالقضاء على التواجد العلني للثورة الفلسطينية خارج فلسطين الامر الذي دفع بالقيادة الفلسطينية الى ركوب الامر الاكثر مرارة واتخاذ القرار الاكثر قسوة وهو التفاوض مع الكيان الصهيوني الذي ليس في الحقيقة ( غوانتنامو) هذه الاطراف جميعا العربية والدينية والصهيونية ز
ان الامر الوحيد المعيق لتامر هذه الاطراف المعادية للتحرر الفلسطيني على اساس الخصوصية القومية الفلسطينية هي الانجازات الوطنية التي تحققت لنضالنا الوطني , بعد القضاء على التواجد العلني للثورة كان ولا يزال صدها من قبل التحول في اتجاهات الصراع العالمي وبصورة مكثفة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وتفرغ المراكز الاستعمارية لضرب مراكز القوة الاقليمية ورؤية هذه المراكز لوجود دور للقدرة النضالية الفلسطينية في هذا التوجه , وذلك باقامة الدولة الفلسطينية القادرة الى جانب صراع المنطقة مع الشعار الصهيوني اسرائيل الكبرى على تحجيم الكيان الصهيوني , لذلك كان اعتراف مراكز الاستعمار العالمية بمنظمة التحرير الفلسطينية واعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للقومية الفلسطينية مقدمة لهذا التوظيف للقومية الفلسطينية في صراعات المنطقة وفي مهمة تحجيم الكيان الصهيوني الامر يعاكس الطموحات القومية لكثير من انظمة المنطقة وعلى وجه الخصوص من لا يزال يحاول توظيف النضال الفلسطيني لصالح مشاريعه القومية الخاصة كالنظام السوري والنظام الايراني , ليس في مساوماتهم مع مراكز الاستعمار العالمي فحسب وانما في مساوماتهم مع الكيان الصهيوني ايضا , وبصورة رئيسية في كيفية اقتسام المنطقة ما بين الشعارين اسرائيل الكبرى وايران الكبرى, ان قرارا ومنظمة تحرير فلسطينيين مستقلين لا يناسب بالطبع هذه المساومات , حيث المطلوب من الفلسطينيين حركة منتظمة على انغام العزف القومي الخاص بهم , لذلك لا بد من استعادة السيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية او اضعاف الشرعية الراهنة لمنظمة التحرير ووحدانية تمثيلها للقومية الفلسطينية , وهو امر سعت وتسعى له الانظمة منذ انطلاقة الثورة وكان الحاق الخسائر تلو الخسائر بالثورة الفلسطينية هو نهج هذه الاطراف وليس مهما ان يكون بيد عربية او صهيونية , فالمهم هو استعادة السيطرة عليها , لكنه امر لم يكن قابل للتحقيق من خارج الوضع الفلسطيني , حيث اصبحت مقولة الخصوصية الفلسطينة طلسما يمنع هذه الامكانية , وهكذا انيط الدور بادوات هذه الانظمة من مثل حركة حماس والجهاد الاسلامي والقيادة العامة , وهي الاطراف الداخلية الفلسطينية التي تقف على ارض رفض الاعتراف بالخصوصية الفلسطينية والاستعداد للصراع مع قوى الخصوصية الفلسطينية بقوة السلاح فكان هذا النمو المميز لهذه الادوات والتي تنمو بفعل المساعدة المالية والسياسية والعسكرية الاسنة الى ان كانت اعاقة التسوية مع التغطية على مسئولية الكيان الصهيوني وانتهاءا بالعدوان على غزة الذي كانت ابرز نتائجه الحاق مزيد من الضعف بمقولة واثر الخصوصية الفلسطينية والضغط على منظمة التحرير الفلسطينية نحو مزيد من الانحناء للقرار المحيط بها
ان المعركة لم تنتهي بعد بل ان الصراع يزداد شدة وعنفا بين استقلالية القرار الوطني الفلسطيني وارضه مقولة الخصوصية الوطنية الفلسطينية وبين الخيانة الوطنية ( المشروعة ) دينيا وقوميا عربيا , ويبدو انه يجب على الجمهور الفلسطيني ابداء المزيد من اليقظة والحذر حيال هذه اللحى تكذب على الدين والناس وتلاحقهم حتى على كيس الطحين
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟