|
مكامن عمليات اعداد القرارات السياسية و امرارها في العراق
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2551 - 2009 / 2 / 8 - 09:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المعلوم ان النظم الدكتاتورية و الاستبدادية ليست لديها اية مشكلة في اقرار وامرار اي قرار سياسي مهما كان حساس و مصيري للبلد، و ان كان يتوقف عليه مستقبل الاجيال ، و يصدر من قبل الشخص او مجموعة مسيطرة على زمام الامور في البلد ، و لا يحتاج الى بحث و تفسير و مناقشات ، بل يعتمد على عقلية و مزاج القيادة المتنفذة فقط، و ان كان هناك المؤسسات ، ستبقى صورية و ليس عليها الا الموافقة ، و لم يصدر منها اي اعتراض على ما يمر به البلد جراء اي قرار خاطيء ، بل تعمل المؤسسة على تبرير القرار و ان كام ماساويا . و الامثلة كثيرة في شرقنا هذا عبر التاريخ و لحد اليوم . اما في الانظمة الديموقراطية المؤسساتية ، تمرر القرارات و خاصة الكبرى و المصيرية والهامة منها عبر مؤسسات ومراكز عدة رسمية كانت ام خاصة ، و تمر عبر مخاض عسير الى ان يتاكد الجميع من طبيعة ولادتها و صحتها و مصيرها و مستقبلها و عدم افراز السلبيات الكبيرة جراء تداعياتها ، وكيفية ضمان سلامة و دقة تطبيقها . ان العلماء و الباحثين في مجالات العلوم الانسانية و الاجتماعية ينعكفون في عملهم من اجل انتاج بحوث و ابداعات ، و يدأبون على بحث الاوضاع السياسية و الاجتماعية و النفسية للمجتمع ، و يكشفون عن الثغرات و الفجوات و يقترحون العمل و الطريقة التي يكمن ردم الثغرات بها و التقليل من اضرارها، و يوضحون السبل السليمة بمعرفتهم ليستفيد منها القادة و السياسيين في مراكز القرار، والسلطة بواسطة الخبراء والمستشارين المختصين لديهم . و هم ينتظرون ان تؤثر ابداعاتهم و نظرياتهم و بحوثهم المستمرة على عقلية و فكر المقررين ، و على كيفية تحضير و اعداد القرارات السياسية . هذه اهم الاعمال والاهداف الجوهرية لمن يريد خير البشرية من العلماء و الباحثين و السياسيين المخلصين ، و ياملون و يعملون على ضمان مستقبل شعوبهم ، و يسعون لرفاهيتها و سعادتها في الحياة، و لو تمحصنا في مضمون الاعمال المتعددة الاوجه ذات العلاقة بين العلماء و الباحثين و السياسيين، نتلمس العديد من الامثلة لتاثيرات افكار العلماء على السيايين ، و اليوم ازدادت المساحة و الدقة و التخصص و المؤسساتية في العمل في الدول الديموقراطية التقدمية ، و تصدر نتاجاتهم عن طريق البحوث و الكتب و الندوات و المناقشات . اما اصوات المثقفين و الادباء و الشعراء و الفنانين و الرياضيين و المهنيين و العمال و الفلاحين يمكن ان تؤثر على مركز القرار والقيادات بعدة طرق رئيسية ، و منها اصدار الكتب و المجلات و الجرائد ، اي الصحافة و الاعلام و المناظرات و الندوات ، و الاهم في هذه الايام هو الفضائيات و الاذاعات ، و مراكز البحوث السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و النفسية الاستراتيجية ، وبكل الوسائل المتوفرة يؤثرون على طريقة ومساحة و كيفية و جوهر بناء القرارات السياسية و تمخضها و نضوجها . و لا يسع وقت القيادات الى الاهتمام بشكل واسع و مباشر بكل هذه الوسائل ، الا ان الخبراء و المستشارين لدى المواقع السلطة و خارجها هم المختصين بتلك الامور و يُستشارون حسب اختصاصات كل منهم في المجال المعين الذي يختص فيه ، و واجبهم توزيع المعرفة و توضيحها لمراكز القرار . و هناك انواع متعددة من المستشارين و الخبراء المختصين ، وتختلف مواقفهم ، فمنهم مع السلطة او مع المعارضة ،و منهم مستقل و منهم يعمل مع الصحافة و الاعلام ، و هم يضيئون المواقع و المناطق المعتمة والمظلمة لتوسيع مجال الرؤية للقيادات في سير العملية السياسية ، و ينورون الطريق لمراكز القرار و القيادات و للمراكز الاستراتيجية ، و لهم الفضل الكبير على القيادات العليا، و هم من يجعلوا السياسيين يرون العالم والحياة كما هي و بما فيها . بالاضافة الى ما ذكر ، هناك دور بارز للجامعات و المراكز الاستراتيجية و ارتباطاتهم و علاقاتهم بما لديهم من الخبراء و العلماء مع القيادات و المؤسسات و مراكز البحوث سوى كانت مرتبطة مع السلطة او المعارضة ، و عن عدة طرق كالمقالات والكتب التي تصدر لهم لصالح العام و لصالح عمل السلطة او المعارضة ، اما بشكل علني اوسري . و يمكن ان يكون بتوجهين مختلفين ، و ان كانوا يعيشون في اجواء مختلفة او بشكل منخرط و متمازج . ان العلماء و المختصين ينتجون العلم والمعرفة ، والخبراء و المستشارين يتعلموها و يهبوها للسياسيين وللمراكز القرار . اي الدولة الديموقراطية التقدمية بحاجة الى الجهات جميعا ، ان كانت تعتمد على العقلانية و الدقة في اصدار القرارات . المؤسسات العلمية و اختصاصاتهم هي الوسط لانتاج المعرفة المجردة ،و مهام المستشارين و مراكز الخبراء هو تكيف تلك المعرفة و تلائمها و تطبيقها في عالم السياسة ، و بهذه الطريقة المعقدة الطويلة لم تقع الدولة في الحيرة المحتملة او في الاخطاء الماساوية ، و تسير الحياة السياسية بدقة ، و ان تضمنت العملية السياسية بشكل عام اخطاءا معقولة ، و يمكن ان تكون القرارات محمودة العواقب دون خلل باستمرار . ان الدولة لا تسير اعتمادا على السياسيين فقط ، او بافكارهم و طرقهم الفكرية والسياسية الذاتية او الحزبية المجردة فقط ، انما الباحثين و الخبراء و العلماء الاجتماعيين و النفسيين و الاقتصاديين و القضاة والمحامين و المستشارين و التربويين يجب ان يشاركوا في التحليل و المشورة و الراي بنتاجاتهم، و يجب ان يكونوا جميعا الممثلين و العمال المضحين و هم الرموز الاصحاء لارشاد السياسين على القرار الصحيح ، و اكثرهم يشاركون بطرق مباشرة او غير مباشرة . اما ما نراه في العراق اليوم ، و هنا لا يسعنا ان نتكلم عن عهد الدكتاتورية لانه معلوم للجميع و كيف مرروا القرارات و القوانين وهم من نسجوا و اصدروا دون علم الاقرب الاقربين منهم حتى ، ما نحس به اليوم بعد السقوط من الوضع العام و العملية السياسية و اللاعبين الاساسيين في الساحة ومبادئهم و افكارهم و معتقداتهم و تعاملهم مع الدولة و نظرتهم الى الحياة، و كيفية امرار القرارات ، فنتيقن بانهم يعتمدون على اجتهاداتهم الشخصية ، او استنادا على افكار و تنظيرات احزابهم ، و ما يسمون بالمستشارين المنتمين الى احزابهمايضا و هم حزبيين اكثر من ان يكونوا باحثين و محللين و خبراء. ان الوقت لا يسمح للقادة القراءة او متابعة بحوث المراكز الاستراتيجية ان وجدت بشكل علمي، و ان وجدت غير كافية في الاعداد و المستوى ، و توجد بمضامين و نتاجات غير موثوقة و تعتمد على الايديولوجيا في ادارة البلاد . و حتى المستشارين معينيين استنادا على المحسوبية و المنسوبية و ليس اعتمادا على تخصصاتهم ، بل اكثريتهم الغالبة او قاطبتهم من حزب صاحب القرار فقط ، اي حتى مجموعة المستشارين يعملون كقيادات حزبية و غير مختصين كما يفرضه العلم الحديث و الطريقة النموذجية في ادارة الحكم ، و يعتمدون جميعا على الفلسفة ذاتها وانهم تقريبا من مواقع متشابهة من المجتمع . ان كانت العملية كما نراها من كيفية اصدار القرارات في البرلمان ، و ما يتمخض من المكاتب السياسية للاحزاب وقياداتهم ، و اجتماعات التكتلات ، فليس هناك اي دور لاي مركز بحوث على عقلية القادة ، و دور الخبراء و العلماء و الجامعات معدومة بشكل مطلق . و لم نجد من الباحثين الذين ينورون طرق القادة بنتاجاتهم ، والسبب ليس في قلة مراكز البحوث فقط بل من عدم الاهتمام بالباحثين و العلماء ، و عدم الاهتمام السلطة نفسها بهذه الاساليب والطرق العصرية ، بل اخر ما يفكر فيه القائد هو استشارة المراكز العلمية الخاصة و مراكز البحوث او مؤسسات الثقافة و الاعلام المختصة . على الرغم من الحرية و الديموقراطية الظاهرية ، الا ان اتباع الاساليب العلمية التقدمية في اصدار و امرار القرارات لم يُتبع بعد و لحد هذه اللحظة ، و كل ما موجود هوالقرارات الناتجة من خضم الصراعات السياسية بين الاحزاب و التيارات و التكتلات و يمررها البرلمان استنادا على مصالح الاحزاب و الاشخاص دون النظر الى مصالح المجتمع و مستقبل البلد الذي من الواجب ان يكون من الاولويات . و هذا ما يحتاج الى خطوات ثابتة و واثقة لاعادة القافلة الى سكتها التقدمية الصحيحة ، و تطبيق الديموقراطية المؤسساتية التقدمية ، والتي بها نضمن مستقبل الاجيال .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعتمد التحالفات السياسية على ظروف المرحلة و الوضع السياسي ال
...
-
من هم المعارضة و ما هي واجباتهم ؟
-
اوضاع العراق بعد تنفيذ اجندة الادارة الامريكية الجديدة
-
الاليات المناسبة لمشاركة الشباب في اداء الواجبات العامة
-
الفضائيات وسيلة عصرية لتمدن الشعوب
-
المحافظة على سلامة عقلية الاجيال القادمة من واجبات المخلصين
...
-
تقديس القائد من الخصائص السلبية التي يتصف بها الشرق الاوسط
-
الديموقراطية الحقيقية لا تحتاج الى رموز لترسيخها
-
صراع الاحزاب بحرية و سلام تنافس مقبول لقطف ثمار الديموقراطية
...
-
صورية تركيب ومهام برلمان اقليم كوردستان
-
الوعود الخيالية في خطابات وبرامج مرشحي مجالس المحافظات
-
سبل استنهاض الشعب العراقي من الاحباط الذي اصابه
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقيم كردستان (3)
-
عدم تاثير مواقف الاحزاب الصغيرة على سياسة اقليم كوردستان
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (1)
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (2)
-
ماذا يحدث للمواطنين العراقين في السعودية
-
سيطرة عقلية الثورة وليست عقلية السلطة على القادة الكورد منذ
...
-
اية نظرية فكرية تتوافق مع الواقع في الشرق الاوسط
-
ازدواجية قادة الشرق الاوسط في التعامل مع الاحداث
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|