|
من سيصنع المستقبل ؟؟؟
إبتهال بليبل
الحوار المتمدن-العدد: 2551 - 2009 / 2 / 8 - 09:58
المحور:
حقوق الانسان
ما زلت أحدق في هذا الكون المذهل فأجده مسكوناً بالمزيد من الرعب ، ليصير إيقاع قلبك في تلك اللحظات امتدادا لإيقاع الليل الموحش في صحراء نائية بعيدة ، فتشعر بأن اللغة الكونية غير مقنعة ولا تقنع ومصرة على إذهالك حد الوجع المرير ... ما زالت أحدق في الآخرين كما لو أنني لم أرى أنساناً يتوجع من قبل وكأنني لم أذق الجرح يوماً ما ... وبينما أنا أقف أمام بوابة احد المجالس البلدية التابعة لأحدى مدن بغداد ، أجد نفسي لا تزال تجذبني إلى تلك الملامح المتعبة من هذا الزمن ، وأجدني مازلت أحدق في خرائبها وخطوط الدهر عليها وأصر في البحث عن أساسات الأمل فيها ، وأحدق في نظراتها المحروقة التي ترميها لمن حولنا ، وأصر على رؤية البذرة وهي غاطسة في تراب الوحل ، محاولة الاستماع إلى نبرات صوتها المفجوعة ، ودفء نبضها الحي وهي تمد بجذرها الدقيق في تراب الهشيم ، وتطل بحزنها ووجعها مثل نافذة تنفتح على السماء ولو كانت هذه النافذة بحجم ثقب الإبرة ـ وأنا أحدق في البركان الذي كانت هي مصرة على زراعة سفوحه ، وأحدق بأكوام الهموم المحروقة التي تحملها وأركض بينها محاولة التقاطها كمن يلتقط القش في عام عاصف .. في هذا الزمن الرديء ... سردت لي حكايتها تلك الأرملة الجملية المتعبة ـ ياااه ما أقساه هذا الزمن ، مزق أحشاء قلبي وتقافزت دموعي وأنا أستمع لها ، لا يمكنني إلا أن أكون حزينة كراع فقد قطيعه ، لكنني مصرة على امتلاك حنجرتي وصوتي ونايي وسأضل أغني حتى في حضرة الضباع والوحوش التي انتهت للتو من التهام خرفان الفرح والأمل ... الآء ... هذا هو أسمها ابنة (33) من العمر تحمل ما خلق الله من جمال ، وكأن الله يخبرها أن الجمال مقابل السعادة ، لديها ستة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر (12 ) سنة ومنذ عامين تحديداً منذ عام 2006 قد قامت بدفعهُ للعمل في أي مكان وكل مكان لكي يتحمل مسؤولية هذه العائلة ، كانت هذه عباراتها وهي تحكي لي ما ألم بها ، صرخت بوجهها كصرخة الأم التي يحترق قلبها على ضناها وقلت لها ( ظالمة ) أترمين بطفلك للعمل مع وحوش البراري ، بكت وبكت حتى تصورت أني طعنتها بخنجر من كثر بكائها وقالت بوجع " ماذا أفعل فقد كنا عائلة متكاملة ونسكن في مدينة ( تل الأسود ) نهاية الشرطة الرابعة من ناحية الكرخ ـ إلى أن دخلوا على زوجي نفر من الملثمين وأخذوه من بيننا وأخذوا مركبته ( التاكسي ) الذي كان يعمل فيها وبعدها ضربوا منزلنا بقذيفة وهددوني أن بقيت في هذا المنزل سيقتلون أبني ، فهربت أنا وأطفالي لوحدنا دون ملاذ ومكان والى الآن نحن هكذا دون معين ، كم جعنا وكم تعرينا ، كم تمزقت قدماي للبحث عن مكان يلمنا وعن خبز أشبع به بطونهم ، وصرخة بوجهي بألم لتقول " هل تذوقت طعم الجوع والخوف ؟؟؟ هل شعرت بالغربة والضياع ؟؟؟ أخبريني ؟؟؟قلت لها كلنا ذقنا طعم المرارة يا أختي ودموعنا جفت ويبست من مرارته ... صدقوني اليوم زرت قلبها لا بيتها هذه الأرملة وزرت أحلامها وخيبتها لا قناعها واليوم جرحي يعانق جرحها ، وننزف معاً دونما مجاملات في أزقة النفس الموحلة وفي الأرواح الكئيبة المتعففة وفي أرصفة الضياع من على منارات النسيان ... زيارتي إلى قلبها لم تكن ذلك بل هي لقاء حب بين جرح وآخر وطموح وآخر وسقوط وآخر ... أني أتسلل إليكم اليوم عبر إيقاع القلب العربي المؤمن بقضية هذه الأمة ، وأركض إليكم سراً داخل دهاليز الدورة الدموية العكرة لزماننا المضطرب ، لست زائرة عادية ترتدي أرقى وأبهى ثياب التهذيب والتصنع التقليدي واللغوي ، أنني مشردة في صحراء الحيرة واليقين ـ نازفة في فصول لا تنتهي من عواصف الوجع المتراكم دون فضهُ وتهديمه ، أنا لست ضيفة بقدر ما أنا صرخة في حنجرة هذه المرآة وتلك وأنا نزف الجرح الذي يحملهن ، وأنا ألاحتجاج على تلك الظاهرة ... أن وجود عشرات بل مئات النساء من شعبنا بهذا الحال لا يؤكد غير حقيقة واحدة وهي ضياع جيل المستقبل ، الذي سيلغى حضوره في مسيرتنا نحو الازدهار والتقدم بكافة المجالات ... يا سادة يا كرام .... كم حزنت عندما أخبرتني هذه الأرملة أن طفلها لا يستطيع نسيان حادث خطف أبيه ، بات متعباً نفسياً مهزوزاً نومه قلق ودائم الصمت والكآبة ... هذا هو جيلنا ، لقد وجدت العشرات منهن ينتظرن دورهن في من ينتشلهن من هذا الواقع المرير ، ينتظرن المنح ينتظرن اليد الحنون التي تمتد إليهن بعطف ، على الرغم من أن قرار تعويض المهجرين لم يصلهم إلى الآن ، أو أي منحه منه أو لم يكن لهم دور في الحصول عليه ... في النهاية فنحن شهود على عصرنا وشهود على حضورنا فيه ، شهود على ما لنا فيه أو ضده ، لكننا في النهاية نؤكد أن حضورنا أو غيابنا يؤكد على استمرارية حضور الإنسان بالمعنى الشمولي لكلمة ( إنسان ) ، أنهم يحلمون فقط بامتلاك رغيف خبز فهذا بات همهم اليوم ، هل هذا بات هدف أجيالنا ؟؟؟ ومن سيصنع الإبداع ؟؟ ومن سيصنع المستقبل ، من ؟؟؟؟
#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإنسانية محور وجودنا الأبدي
-
لكل حدث حديث
-
حقوق الإنسان ... الحلقة المفقودة
-
اليوم ذاكرتنا مخدرة باليأس
-
مظلمة للكاتب
-
المرآة والأسطورة
-
أيا من .. وشم روحي
-
المرأة والأنتخابات
-
هل ترغبين بأن أرشحك ؟؟؟ كم تدفعين ؟؟؟
-
هل أنت سعيدة بضياعكِ
-
أعدلني عن الميل نحوك
-
هلوسة
-
دعوة للمحبة
-
ولاءهم وعداً بالكراهية لنا
-
2009عام المفاجآت الغير متوقعة من الشعوب العربية
-
أحببتكَ وهماً وكم عشقت حياتي الأوهام
-
ميتة تتظاهر بالحياة
-
ثورة ضد التفرقة والفتنة سلاحُنا فيها الحب
-
يا غزة يا قرينة وجعي الثالث ...
-
لعبة الجروح
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|