|
جدل - مجلة فكرية-ثقافية-سياسية - العدد(4)-شباط2009
تجمع اليسار الماركسي في سورية
الحوار المتمدن-العدد: 2550 - 2009 / 2 / 7 - 09:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
افتتاحية العدد مقاربة الأزمة الرأسمالية الراهنة.. شواخص على الطريق نستعرض في هذه الافتتاحية مطارحات (موضوعات) أساسية بغرض مقاربة الأزمة الراهنة للنظام الرأسمالي العالمي ، التي بدأت بأزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية ، وامتدت إلى القطاع المالي والمصرفي وإلى الاقتصاد الرأسمالي عامة ، وانعكاسات كل ذلك على الاستهلاك والبطالة وأسعار النفط والمواد الغذائية الأساسية كالقمح والأرزّ وعلى معدلات الفقر وتفاقم الحروب الظالمة وغير ذلك من المشكلات العالمية . مطارحة 1: الأزمة الراهنة أزمة عالمية متفاقمة ذات تاريخ قريب، حيث شملت من قبل مناطق متعددة من العالم كالمكسيك والأرجنتين وبلدان "النمور" في جنوب شرق آسيا، وشملت أزمة الغذاء العالمي والارتفاع الجنوني في أسعار النفط والأزمة الحالية (أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأميركية)، وتعديها إلى انهيارات في بنوك الاستثمار هي أزمة مصرفية واقتصادية عالمية متفاقمة ومستمرة . فالاقتصاديات القومية متداخلة، والعمليات المصرفية التجارية وملكية المشروعات التجارية (التي تسيطر عليها نحو 75 شركة عالمية) تتجاوز الحدود الاقتصادية والتجارية الدولية . وتربط الأسواق المالية في العالم أجمع عمليات وصل فورية من الحواسيب الآلية ، والأزمة المالية الراهنة أكثر تعقيداً من أزمة ما بين الحربين العالميتين ، ونتائجها الاجتماعية وآثارها الجيوسياسية (الجغرافية السياسية) بعيدة المدى ، وخاصة في فترة الشكوك التي أعقبت نهاية الحرب الباردة. مطارحة 2 : تضبط حركة الاقتصاد العالمي عملية واسعة لجباية الديون ، تقيد مؤسسات الدولة القومية وتسهم في تدمير العمالة والنشاط الاقتصادي . فقد وصل عبء الدين الخارجي في البلدان النامية 2 تريليون دولار . وتزعزعت بلدان بكاملها نتيجة انهيار عملاتها الوطنية ، مما أدى في كثير من الحالات إلى نشوب شقاق اجتماعي ونزاعات عرقية وحروب أهلية . مطارحة 3 : يمثل شيوع إصلاحات الاقتصاد الكلي انعكاساً ملموساً لميول النظام الرأسمالي بعد الحرب الباردة ، والتطور المدمر لهذه الإصلاحات . وقد لعبت هذه الإصلاحات الكلية للاقتصاديات القومية بعد الحرب الباردة دوراً رئيسياً في ظهور اقتصاد عالمي جديد سيطرت عليه السياسات الليبرالية الجديدة كمقولة رئيسية. لقد نظمت هذه الإصلاحات عملية التراكم على المستوى العالمي لصالح حفنة من المضاربين الماليين الكبار. وهذا النظام الجديد ليس نظام سوق رأسمالية "حرة" ، بالرغم من استناد " برنامج الإصلاح الهيكلي" الذي ترى المؤسسات المالية الرأسمالية الدولية(صندوق النقد الدولي، البنك الدولي) أنه يذهب أيديولوجياً إلى خطاب نيوليبرالي (ليبرالي جديد). إلا أنه يشكل إطاراً تداخلياً جديداً بين الشركات والمضاربين من جهة وبين الدولة الإمبريالية من الجهة الأخرى، خاصة الدولة الأميركية. مطارحة 4 : طرحت الأزمة الراهنة شكل قدرة البيروقراطية الدولية، ممثلة بحكومات الدول الغنية وبالهياكل الإدارية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي ولمنظمة التجارة الدولية ، في الإشراف على الاقتصاديات الوطنية من خلال التلاعب المتعمد (القَصْدي) بقوى السوق عبر المضاربات المالية. مطارحة 5 : في هذا السياق لعبت الإصلاحات التي يرعاها صندوق النقد الدولي دوراً حاسماً في "ضبط تكاليف العمل" في عدد من البلدان المستهدفة، غير أن هذا "التقليل من تكاليف العمل" يقوض توسع الأسواق الاستهلاكية . إن إفقار قطاعات واسعة من سكان العالم تحت وطأة "إصلاح الاقتصاد الكلي" قد أدى إلى انكماش درامي للقوة الشرائية . بدورها ارتدت المستويات المنخفضة للدخول في جميع البلدان، المتقدمة اقتصادياً والمتخلفة، على الإنتاج، وأسهمت في سلسلة جديدة من إغلاقات المصانع والإفلاسات. والحركة في كل مرحلة من مراحل هذه الأزمة هي نحو فائض إنتاج عالمي وهبوط في الطلب الاستهلاكي .. مما يعوق في النهاية توسع رأس المال. مطارحة 6: يتسم النظام الاقتصادي العالمي بميلين متناقضين: الأول؛ دعم اقتصاد عالمي رخيص العمل من ناحية ، و الثاني؛ البحث عن أسواق استهلاكية جديدة . والميل الأول يقوض الميل الثاني . ففي ظل نظام يولّد فائض الإنتاج لا تستطيع الشركات الدولية والشركات التجارية "توسيع" أسواقها إلا بتقويضها أو تدميرها للقاعدة الإنتاجية المحلية في البلدان النامية؛ أي بتفكيك الإنتاج المحلي الموجّه إلى السوق الداخلية . وفي هذا النظام يقوم توسيع الصادرات في هذه البلدان على انكماش القوة الشرائية الداخلية ، وتفتح "الأسواق الناشئة" عن طريق الإزاحة المتزامنة لنظام إنتاجي موجود ، وتدفع المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى الإفلاس أو تُجبر على الإنتاج من أجل موزع عالمي، ويجري خصخصة منشآت الدولة أو إغلاقها، ويتم إفقار المزارعين المستقلين. فتوسيع الأسواق أمام الشركات العالمية يتطلب تخليع الاقتصاد المحلي وتدميره، وتزال الحواجز أمام حركة الأموال والسلع، ويحرر الإئتمان، وينزع رأس المال الدولي ملكية الأرض وملكية الدولة في كل مكان . مطارحة 7: اعتنقت الحكومات في كل أنحاء العالم بوضوح جدول أعمال سياسي نيوليبرالي منذ عام 1989. ومنذ أوائل التسعينيات من القرن الماضي حددت إصلاحات الاقتصاد الكلي التي اتبعت في البلدان المتقدمة اقتصادياً (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OCDE ) كثيراً من المكونات الأساسية لبرنامج التكييف الهيكلي المطبقة في البلدان النامية وفي أوربا الشرقية . مطارحة 8: يميل الدائنون في الغرب الرأسمالي إلى ممارسة ضغوطهم على الحكومات "الوطنية" بدون وساطة البيروقراطية القائمة في واشنطن (الحكومة الأميركية، إدارة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسات بريتون وودز عموماً) ، وتصنف الأسواق المالية ديون المنشآت شبه العامة، والمرافق العامة وحكومات الدول والمقاطعات والبلديات و "تقيمها " بعناية .. ويصبح وزراء المالية بصورة متزايدة مسؤولين أمام بيوت الاستثمار الكبرى والبنوك التجارية . مطارحة 9: أدى تراكم الديون العامة الكبيرة في البلدان الغربية بدوره إلى تزويد المصالح المالية والمصرفية "بأدوات سياسية" ، فضلاً عن القدرة على أن تملي على الحكومات السياسات الاقتصادية والاجتماعية . مطارحة 10: مع تحقق الانكماش تخيم على الاقتصاد العالمي حفنة من البنوك الدولية والاحتكارات العالمية. وهذه المصالح الصناعية الاحتكارية والمالية القومية في نزاع متزايد مع مصالح "المجتمع المدني". في هذا النظام كرست الدولة عمداً تقدم الاحتكارات الخاصة ، فرأس المال الكبير (الشركات الكبيرة الاحتكارية متعددة الجنسية) يدمر رأس المال الصغير بكل أشكاله. ومع الاندفاع نحو تكوين كتل اقتصادية في كل من أوربا وأمريكا الشمالية، استؤصل المنظم الإقليمي والمحلي ، وحولت حياة المدن ، واكتسحت الملكية الفردية الصغيرة . وتوفر "التجارة الحرة" ، والتكامل الاقتصادي قدرة أكبر على الحركة للمنشأة العالمية في ذات الوقت الذي تكبح فيه عن طريق الحواجز غير الجمركية والمؤسسية ، حركة رأس المال المحلي الصغير. وإذا كان "التكامل الاقتصادي" (تحت سيطرة المنشأة العالمية ) يعطي مظهر الوحدة السياسية فإنه كثيراً ما يشجع التفكك والشقاق الاجتماعي في ما بين المجتمعات وداخلها. مطارحة 11: يقترن تحلل "الاقتصاد الحقيقي" تحت وطأة إصلاح الاقتصاد الكلي ذي الميل الليبرالي الجديد بـ نظام مالي عالمي غير مستقر للغاية. فمنذ يوم الاثنين الأسود 19 أكتوبر 1987 ، الذي اعتبره المحللون أقرب ما يكون إلى انهيار بورصة نييورك ، تكشف نموذج شديد التقلب اتسم بتشنجات كثيرة ومتزايدة الخطورة في البورصات الرئيسية ، وانهيار العملات الوطنية في أوربا الشرقية وأميركا اللاتينية ، فضلاً عن تدهور "الأسواق" المالية الطرفية الجديدة (مثل المكسيك وبانكوك والقاهرة وبومباي) الذي سرّع به الاستيلاء على الأرباح والانسحاب المفاجئ لكبار المستثمرين المؤسسين . وقد أصبحت البورصات الطرفية وسيلة لانتزاع الفائض من البلدان النامية. تفتحت بنية مالية عالمية جديدة ؛ فقد عبدت موجة اندماج الشركات في أواخر الثمانينات من القرن الماضي الطريق أمام تعزيز جيل جديد من الماليين تجمعوا حول البنوك التجارية والمستثمرين المؤسسين وشركات السمسرة في البورصة وشركات التأمين الكبيرة ، الخ.. وفي هذه العملية تداخلت وظائف البنوك التجارية مع وظائف بنوك الاستثمار وسماسرة البورصة. مطارحة 12: منذ أوائل الثمانينات من القرن الماضي مسحت مقادير كبيرة من ديون الشركات والبنوك التجارية الكبيرة في البلدان المتخلفة وحولت إلى دين عام . وقد منحت قروض ثنائية ومتعددة الأطراف إلى البلدان النامية لتمكين هذه البلدان من السداد للبنوك التجارية (الخاصة) ؛ أي أن الدين التجاري قد حُوّل بيسر إلى دين رسمي تتكفل به الدولة (ثنائي ومتعدد الأطراف ) مما يقلل من "تعرض" البنوك التجارية الخاصة للإفلاس. وعملية "تحويل الدين" هذه سمة رئيسية للأزمة: فقد حولت الخسائر التجارية والمصرفية ، بما في ذلك القروض السيئة ، بانتظام إلى الدولة . وليست خطة الإنقاذ التي قدمتها الحكومة الأميركية في أزمة الرهن العقاري والبنوك الاستثمارية في الفترة الأخيرة سوى مثال على ذلك. تنويه: استفدنا من كتاب ميشيل تشوسودوفسكي: "عولمة الفقر" ترجمة محمد مستجير مصطفى ، صادر عن دار سطور المعادي مصر. ومن كتاب د. رمزي زكي: "المحنة الآسيوية " دار المدى ، ومن كتاب د. حازم الببلاوي: "النظام الاقتصادي الدولي المعاصر من نهاية الحرب العالمية الثانية على نهاية الحرب الباردة" " هوامش - تمتد أزمة الديون إلى أوائل الثمانينات من القرن الماضي ، مترافقة مع السعي إلى تحقيق أقصى ربح ، وهو ما وجه سياسات إصلاح الاقتصاد الكلي (الهيكلي) بما تؤدي إليه هذه السياسات من تفكيك مؤسسات الدولة الرأسمالية الطرفية وتمزيق الحدود الاقتصادية وإفقار الملايين حول العالم ورميهم في لُجّة البطالة. 2- قبل نهاية الحرب العالمية الثانية بدأ الحلفاء التفكير في وضع أسس لنظام دولي جديد ، يتفق مع تصوراتهم لعالم ما بعد الحرب ... ففي المجال الاقتصادي فقد وضعت أسسه المؤسسية في مؤتمر بريتون وودز المنعقد في يوليو /تموز 1944 ، حيث تمخض الأمر عن إنشاء مؤسستين ، هما البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وهما يتعاملان مع قضايا التمويل والنقد على المستوى العالمي ------------------------------------------------------
المقالات
الانهيار المالي، أزمة نظام؟ سمير أمين ترجمة أرنست خوري لم نتفاجأ بالانفجار العنيف لهذه الأزمة الأخيرة، التي كنت قد ذكرتها على كل حال قبل أشهر عدة، فيما كان الاقتصاديّون التقليديون يسعون للتخفيف من نتائجها، وخصوصاً في أوروبا. وللوصول إلى جذورها، يجب التخلّص من التعريف السائد للرأسمالية القائل إنها «نيوليبرالية معولمة». هذا التصنيف خادع ويخفي ما هو جوهري. النظام الرأسمالي الحالي تسيطر عليه حفنة من تجمّعات المحتكرين الذين يحكمون القبضة على القرارات الجوهريّة في الاقتصاد العالمي. محتكرون ليسوا ماليّين مؤلّفين من مصارف وشركات تأمين فحسب، بل جماعات تساهم في الإنتاج الصناعي، وفي قطاع الخدمات والنقل... ميزتهم الأساسية هي صبغتهم الماليّة. يجب أن نفهم من ذلك أنه جرى نقل المركز الأساسي للقرار الاقتصادي، من إنتاج القيمة المضافة في القطاعات الإنتاجية، إلى إعادة توزيع الأرباح التي تأتي بها المنتجات المشتقة من التوظيفات المالية. إنها إستراتيجية متّبعة إرادياً، ليس من جانب المصارف، بل من جانب المجموعات التي جرى «تمييلها» (جعلها مؤسسات ماليّة). تجمعات المحتكرين هذه، لا تنتج أصلاً أرباحاً، بل تنهب ببساطة مدخولاً من الاحتكارات عن طريق التوظيفات المالية. هذا النظام هو مربح إلى الحدّ الأقصى بالنسبة إلى القطاعات المسيطرة في رأس المال. فهو ليس بالتالي اقتصاد سوق، كما يحب أن يقول بعضهم، بل رأسمالية تجمعات احتكارات ماليّة. غير أن الهروب إلى الأمام في التوظيفات المالية، لم يكن ليستطيع الصمود إلى الأبد، في الوقت الذي لم تكن فيه البنية الإنتاجية تنمو إلا بنسب ضعيفة. هذا الوضع ليس قادراً على الصمود. من هنا وُلدَ ما يسمّى «الفقاعة الماليّة» التي تترجم منطق نظام التوظيفات المالية. إنّ حجم التبادلات الماليّة هو ألفا تريليون دولار، فيما البنية الإنتاجيّة، وإجمالي الناتج الوطني على الصعيد العالمي هو فقط 44 تريليون دولار: تفاوت عملاق في النسب. فقبل 30 عاماً، لم يكن الحجم النسبي للمبادلات الماليّة بهذا المقدار. وكانت هذه المبادلات الماليّة مخصّصة أساساً لتغطية العمليات التي يفرضها الإنتاج والتجارة الداخلية كما العالمية. كان الحجم المالي لنظام تجمعات الاحتكارات المالية كما سبق وذكرت، «كاحل أخيل» النظام الرأسمالي برمّته. وبالتالي، كان على الأزمة أن تبدأ فعلياً بانهيار مالي. خلف الأزمة الماليّة، أزمة نظام رأسمالي عجوز (متهالك). لكن لا يكفي لفت الانتباه إلى الانهيار المالي، فخلفه، ترتسم أزمة في الاقتصاد الحقيقي، لأن الانحراف المالي نفسه، سيؤدّي إلى شلل النمو والبنية الإنتاجيّة؛ فالحلول المقدّمة للأزمة المالية، لا تستطيع إلا أن تؤدي إلى أزمة في الاقتصاد الحقيقي، أو بكلام آخر، إلى ركود نسبي في الإنتاج، مع ما سيتسبب به ذلك من تراجع مداخيل العمال وارتفاع في نسب البطالة، والمزيد من الهشاشة الاجتماعية وتعميق الفقر في دول الجنوب. بات علينا اليوم الكلام عن انهيار لا عن نمو. وخلف هذه الأزمة، تتبلور بدورها الأزمة البنيوية النظامية للرأسمالية. إن مواصلة اللحاق بنموذج نمو الاقتصاد الحقيقي كما نعرفه، وبنموذج الاستهلاك المرتبط به، أصبح، للمرة الأولى في التاريخ، تهديداً حقيقياً لمستقبل البشرية والكرة الأرضية. إنّ البعد الأساسي في أزمة النظام هذه ، يتعلّق بالوصول إلى الثروات الطبيعية للكرة الأرضية، وهي ثروات أصبحت بشكل ملحوظ أكثر ندرة مما كانت عليه قبل نصف قرن. الصراع بين الشمال والجنوب يمثّل في هذا السياق، المحور الرئيسي للنضالات والصراعات المستقبليّة. إن نظامي الإنتاج والاستهلاك ـــ التبذير المطبّقين حالياً، يمنعان وصول معظم سكّان المعمورة، وتحديداً سكّان الجنوب، إلى الثروات الطبيعيّة التي تختزنها الأرض. في الماضي، كان يمكن لدولة صاعدة اقتصادياً أن تأخذ حصّتها من الثروات، من دون تهديد امتيازات الدول الغنيّة. لكن اليوم، لم يعد الأمر يسير على هذه الحال. فالدول الغنيّة التي يسكنها 15 % من مجموع سكان العالم، تستحوذ على 85 % من ثروات الأرض، لمصلحة استهلاك وتبذير مواطنيها وحدهم، ولا تحتمل بأي شكل أن تتمكّن دول أخرى من الوصول إلى هذه الثروات، لأن ذلك سيؤدي إلى نقصان هائل سيهدّد مستويات معيشة سكان الدول الغنيّة. وإذا كانت الولايات المتحدة أوكلت لنفسها هدف السيطرة العسكرية على العالم، فذلك لأن حكامها يدركون أنه من دون هذه السيطرة، لا يقدرون على تأمين الوصول الحصري إلى هذه الثروات الطبيعية. وكما نعلم، فإنّ الصين، كما هي حال الهند ومجمل دول الجنوب، بحاجة أيضاً إلى هذه الثروات الطبيعيّة لتنمية اقتصادياتها. أمّا بالنسبة للولايات المتحدة، فالهمّ مرتبط بالضرورة بالحدّ من وصول الآخرين إلى هذه المصادر الطبيعية، وفي نهاية المطاف، ليس هناك سوى وسيلة واحدة: الحرب. من جهة أخرى، ولكي يقتصدوا في استخدام مصادر الطاقة (الحجريّة) (SOURCES ENERGIE DORIGINES FOSSILES)، تطوّر الولايات المتحدة وأوروبا وآخرون، مشاريع إنتاج طاقة حيويّة على نطاق واسع، وذلك على حساب الإنتاج الزراعي الذي يحمّلونه مسؤولية ارتفاع الأسعار. الأجوبة الخادعة للسلطات القائمة إن السلطات السياسية القائمة، كونها في خدمة التجمعات الاحتكارية المالية بالكامل، لا تملك مشروعاً غير إعادة موضعة النظام الرأسمالي نفسه. إن تدخلات الدول، هي تلك التي تأمر الأوليغارشيّة باتخاذها. غير أن نجاح إطالة عمر هذا النظام ليس مهمة مستحيلة، إذا كانت حقنات الأدوات الماليّّة كافية، وإذا كانت ردود فعل الضحايا (الطبقات الشعبية ودول جنوب الكرة الأرضية) محدودة. ففي هذه الحالة، لا يكون النظام يفعل سوى التحضّر لانفجار انهيار مالي جديد، سيكون حتماً أعمق، لأن الترتيبات المتوقّعة لإدارة الأسواق المالية والنقدية هي غير كافية إطلاقاً، لأنها (أي الترتيبات) لا تمسّ سلطة التجمّعات المالية الاحتكارية. في المقابل، فإنّ تلك الأجوبة المقدمة في وجه الأزمة المالية، التي عبرت عنها عمليات ضخّ الأموال العامة الهائلة لإعادة الاستقرار إلى الأسواق المالية، تبدو مسلّية: فيما تمّت خصخصة الأرباح، يجري تأميم الخسائر فور ظهور التهديدات ضدّ التوظيفات الماليّة! شروط لإجابة على مستوى التحديات لا يكفي القول إن تدخلات الدول يمكن لها أن تغيّر قواعد اللعبة، وتخفّف من حدّة الانحرافات. فيجب أيضاً تعريف المنطق والأبعاد الاجتماعيّة لهذه التدخلات. من دون شك، يمكننا العودة نظرياً لمعادلات دمج قطاعات عامّة مع قطاعات خاصة، في ما يُعرَف بالقطاعات المختلطة، كما كان يُطبّق في الثلاثينيات من القرن الماضي في ما كان يُعرَف بـ«الثلاثين المجيدة» في أوروبا، وكما كان يحصل في عصر منظّمة باندونغ في آسيا وأفريقيا، حين كانت رأسماليّة الدولة مسيطرة إلى حدّ بعيد، ومتزامنة مع اعتماد سياسات اجتماعية قويّة. لكن هذا النمط من التدخّل الحكومي لم يعد اليوم ملائماً للظروف، ولا موضوعاً على جدول الأعمال. إلى جانب ذلك، هل وضع القوى الاجتماعية يسمح لها اليوم بفرض تحويل بهذا الحجم؟ لا أعتقد ذلك، وبرأيي المتواضع، لم تصل تلك القوى إلى هذا المستوى بعد. البديل الحقيقي يمر بقلب السلطة الحصرية للتجمعات الاحتكارية المالية، وهو ما يستحيل تماماً من دون تأميمها في النهاية، لإرساء إدارة تندرج في إطار الاشتراكيّة الديموقراطيّة التقدمية. هل هي نهاية الرأسماليّة؟ لا أعتقد ذلك. بل أظنّ أنه في المقابل، يمكن أن تولد ترتيبات جديدة لموازين قوى اجتماعية تفرض على رأس المال أن يتأقلم مع مطالبات الطبقات الشعبية والشعوب. لكنّ لكل ذلك شرطاً جوهرياً، هو أن تتمكّن النضالات الشعبية التي لا تزال مجزّأة وقائمة على المواقف الدفاعية لا الهجوميّة، من التجمّع في مشروع سياسي بديل ومتناسق. وفي هذا المنظار، تصبح بداية المرحلة الانتقالية الطويلة من الرأسمالية إلى الاشتراكيّة ممكنة بالفعل. والخطوات التي تدفع بهذا الاتجاه ستكون بالتأكيد ودائماً غير متساوية بين بلد وآخر، وبين حقبة انتشارها وأخرى. إنّ أبعاد البديل المأمول والممكن عديدة، وتتعلق بكل أوجه الحياة، الاقتصادية منها، والاجتماعية والسياسية. وسأذكّر هنا بأبرز العناوين العريضة لهذه الأجوبة الضرورية: 1- إعادة اختراع تنظيمات متناسبة وكافية من العمّال، تسمح ببناء وحدتهم التي تسمو على أشكال استغلالهم (الهشاشة الاجتماعية والبطالة والعمل غير المشروع). 2- المنظار هو ذلك المتعلق بوعي نظرية وممارسة الديموقراطية المرتبطة بالتقدم الاجتماعي وباحترام سيادة الشعوب، حيث لا تناقض بين كل هذه العناصر. 3- التحرر من الفيروس الليبرالي القائم على أسطورة تمجيد الفرد الذي بات العنصر الأهم في التاريخ. إن الحالات العديدة لرفض أنماط الحياة المرتبطة بالرأسماليّة (الأشكال العديدة للتغريب (ALIENATION)، والبطريركية الذكورية، والنزعة الاستهلاكية وتدمير الكرة الأرضيّة)، كلها إشارات إلى إمكان تحقق هذا الانعتاق 4- التحرّر من حلف شمالي الأطلسي ومن النزعة العسكرية التي ترافقه، وهي نزعة أطلسيّة تهدف إلى إرغامنا على القبول بكرة أرضية منظمة على أساس «الأبارتهايد» والتمييز العنصري على الصعيد العالمي. في دول شمال الكرة الأرضية، التحدي يفرض ألا يُسمَح بأن ينغلق الرأي العام في توافق على الدفاع عن امتيازاتهم في وجه شعوب الجنوب. الأممية الضرورية تمرّ عبر مناهضة الإمبريالية، لا عبر الإنسانويّة. أما في دول الجنوب، فإن إستراتيجية التجمعات الاحتكارية المالية، تؤدّي إلى رمي ثقل الأزمة الحالية على الشعوب (من خلال إفقاد قيمة احتياطات الصرف، وانخفاض أسعار المواد الأولية المصدّرة وارتفاع أسعار الواردات). وتمثّل الأزمة مناسبةً لتجديد التنمية الوطنيّة، تنمية شعبية وديموقراطية متمحورة حول نفسها، تُخضع العلاقات مع الشمال لمصالحها. بكلام آخر، تمثّل الأزمة مناسبة لفكّ الارتباط عن نموذج النمو الرأسمالي. وذلك يعني الآتي: أ- السيادة الوطنية على الأسواق المالية والنقدية. ب- السيادة على التكنولوجيا الحديثة (وهو أمر بات ممكناً). ج- إعادة تحصيل حقّ الوصول إلى الثروات الطبيعية. د- تغيير مسار الإدارة المعولمة التي تسيطر عليها التجمعات الاحتكارية المالية (منظمة التجارة العالمية) وتغيير مسار السيطرة العسكرية للولايات المتحدة والتابعين لها على العالم. ه- التحرر من أوهام فكرة رأسمالية وطنية مستقلة في النظام الرأسمالي، والتحرر من الأوهام الماضويّة. و- المسألة الزراعية هي بالحقيقة في قلب الآفاق المستقبليّة في العالم الثالث. إن تنمية تستحق هذه التسمية، تفرض اعتماد إستراتيجية سياسية لتنمية زراعية قائمة على ضمان حقّ وصول جميع المزارعين (نصف سكّان الأرض) إلى أرض زراعيّة. في المقلب الآخر، فإن الوصفات التي دعت إلى اعتمادها السلطات القائمة (تسريع خصخصة الأراضي الزراعية، وتحويلها إلى سلعة)، تؤدّي إلى حملات النزوح الجماعي التي نشهدها. وبما أن التطور الصناعي للدول المعنيّة لا يكفي لأن يسمح لها باستيعاب تلك اليد العاملة الوافدة وامتصاصها، فإن هذه الأخيرة تتكدّس في ضواحي المدن، أو تسمح لنفسها بالانزلاق في مغامرات مأساوية في الهرب بالزوارق البدائية في المحيط الأطلسي. هناك علاقة مباشرة بين إلغاء حقّ الوصول إلى الأرض الزراعيّة، وارتفاع وتيرة الموجات المهاجرة. ز ــ الاندماج الإقليمي: هل يمكن، من خلال نشوء أقطاب جدد في التنمية، أن يكوّنوا شكلاً جديداً من المقاومة ومن البديل الفعّال؟ الإقليمية ضرورية، وقد لا تكون كذلك بالنسبة إلى الدول العملاقة كالصين والهند وحتى البرازيل، لكنها ضرورية بالنسبة إلى عدد كبير من أنحاء أخرى من العالم، في جنوب شرق آسيا وفي أفريقيا وفي أميركا اللاتينية. وقد تكون هذه القارة (أميركا اللاتينية) قد حققت تقدماً في هذا المجال. ففنزويلا أخذت المبادرة ــ وحتى قبل اندلاع الأزمة المالية الحالية ــ لتأسيس «المنظّمة البوليفاريّة البديلة لأميركا اللاتينية والكاريبي»، (alba)، كذلك إلى إنشاء «مصرف الجنوب» (BANCOSUR). غير أنّ كلّاً من البرازيل والأرجنتين لم تنتسبا بعد لـalba (وهو مشروع للاندماج الاقتصادي والسياسي). في المقابل، فإن الـBANCOSUR الهادف أساساً إلى الترويج لنموذج مختلف من التنمية، يضمّ هاتين الدولتين اللتين لا تزالان تنظران بطريقة تقليدية إلى دور هذا المصرف. إنّ الخطوات المحقّقة في هذه الاتجاهات، في الشمال وكذلك في الجنوب ــ قاعدة أممية العمّال والشعوب ــ تمثّل الضمانات الوحيدة لإعادة بناء عالم آخر أفضل، متعدّد الأقطاب، ديموقراطي، ويقدّم بديلاً وحيداً لبربرية الرأسمالية المتهالكة. أكثر من أي وقت مضى، النضال من أجل اشتراكيّة القرن الواحد والعشرين، هو اليوم، على جدول الأعمال. المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 2506 25/12/2008 [email protected] E mail:
الأزمة الاقتصادية الراهنة (تحديدات و استنتاجات ) معتز حيسو
حاولنا في بحث سابق تحديد جملة من الأسباب والنتائج المباشرة للأزمة الاقتصادية . وقد رأينا أنه من الضروري البحث مجدداً في الأسباب البنيوية للأزمة وصولاً لتحديد تصورات عن الأوضاع العالمية التي من الممكن أن تنتج عن الأزمة الاقتصادية الراهنة . أسباب الأزمة في عمقها التاريخي : تطورت الرأسمالية في سيرورتها التاريخية منذ تشكّلها حتى اللحظة على التناقض البنيوي الداخلي من جهة ، وبين شكل الملكية وشكل علاقات الإنتاج من جهة ثانية . ومنذ لحظات تكونها الأولى الذي تمثّل في تحقيق التراكم الأولي القائم على فصل الفرد عن الأرض و وسائل الإنتاج البدائية لخلق الفرد الحر الذي لا يملك إلا قوة عمله ، بمعنى آخر تشكّل التراكم الأولي لرأس المال من خلال انتزاع الملكية من أصحابها الأصليين و تحويل المشاعات إلى ملكيات خاصة ، مروراً بتجاوز ودمج وابتلاع العمل المنزلي والعمل الحرفي في سياق تطور صناعي قائم على التشغيل الجماعي بقيادة الرأسماليين الذين أسسوا من خلال آليات عملهم القائمة على شفط فائض القيمة من خلال إطالة يوم العمل الزائد وتقليص وقت العمل الضروري بالترافق مع زيادة السرعة في الإنتاج ، لتحقيق معدلات ربح مرتفعة تمت مراكمتها في سياق توسيع وتعميق وتطوير الإنتاج الصناعي القطاعي / الجزئي ، والكلي / الوطني ، الذي فرض في لحظات معينة من سياقه التطوري التراكمي سياسات استعمارية قامت على نهب الموارد الأولية من البلدان المتخلفة وتحويلها إلى أسواق تصريف ، وكان هذا تعبيراً عن تجاوز الدول الصناعية مرحلة متقدمة من التطور الصناعي الذي أدى إلى زيادة في نسب التراكم السلعي ( فائض إنتاجي) ضاقت بها الأسواق القومية ، مما أدى موضوعياً لتجاوز الحدود القومية بأشكال استعمارية احتلالية مباشرة . و تجلى هذا التطور في أشكال إمبريالية حدّدت أشكال التطور الرأسمالي الذاتي ، وأشكال العلاقة مع الدول المتخلفة التي تم ربطها بالدول الصناعية على قاعدة التقسيم العالمي للعمل ، وترافقت مع تشكّل المنظومة السوفيتية ،وظهور النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا . ومع دخول الاقتصاد الرأسمالي العالمي في أزمة الكساد العظيم ( تضخم ركودي ) ( 1929 ـ 1933 ) تم الاشتغال على تجاوز الأزمة وفق السياسات الكنزية التي قامت على: دور الدولة الحمائي ، التشغيل العام لحل مشكلة البطالة تحجيم حرية رأس المال وحرية التجارة التي تأسست على أفكار آدم سميث ، ساي ، والتي تعتمد على قدرة السوق الخفية في التحكم بآليات العرض والطلب ، وبأن الرأسمالية قادرة بفعل قوانينها الذاتية على ضبط آليات اشتغالها وتجاوز أزماتها... . وكان من نتائج وتجليات أزمة / 1929 / الحرب العالمية الثانية التي انتهت ببروز الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة السياسية والاقتصادية والعسكرية العالمية بكونها طرفاً مهيمناً. ومما ساهم في تعزيز الهيمنة الأمريكية قيامها بدعم الاقتصادات الأوربية عبر مشروع مارشال.وكان من نتائج الحرب العالمية الثانية معاهدة /بريتون وودز عام 1946/ التي ربطت الدولار بالذهب واستمر العمل بها حتى آب من عام / 1971 / ليقوم الرئيس الأمريكي نيكسون بإلغاء العمل به.ونتيجة للاضطرابات والأزمات التي عانت منها اقتصادات الدول الكبرى بين عامي / 1971 ـ 1975 / تم إبرام معاهدة رامبوييه بين/ أمريكا ، ألمانيا،بريطانيا،فرنسا،اليابان،ايطاليا/.وعلى ضوءها كان من المفترض أن تتم معالجة الأزمات التي تواجه اقتصاديات الدول الكبرى . وكان من أهم نتائج الحرب الكونية الثانية من حيث تأثيرها على اقتصاديات الدول الكبرى تنامي حركات التحرر العالمي التي أفضت إلى استقلال الدول المستعمَرة واشتغال معظمها على انجاز تنميتها الداخلية من خلال الاستقلال الاقتصادي عن الدول الرأسمالية الكبرى ، مستفيدة من دعم المنظومة السوفيتية. ونصل في عرضنا الأولي إلى التحول البنيوي للرأسمالية العالمية ابتداءً من عام /1979 / بقيادة المنظّر الاقتصادي / ملتون فريدان / و الرئيس الأمريكي رونالد ريغان / ورئيسة الحكومة البريطانية مارغريت تاتشر/ والذي يمكن تلخيصه بكونه تحولاً نيوليبرالياً تجلى بـ : ( إطلاق الحرية لرأس المال .. التحرير النقدي ، تحرير التجارة، تحول شكل الإنتاج الرأسمالي من شكله الإنتاجي إلى شكله المالي والخدمي ، تلاشي فاعلية قانون القيمة .. ) وقد أسس هذا التحول فعلياً للأزمة الاقتصادية الراهنة . بعد هذا العرض السريع والمختصر نرى أنه من الضروري التوقف عند أهم الأسباب التي أدت إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة من دون تناول أزمة الرهن العقاري وأشكال تجلياتها الراهنة بكونها تمثل نتيجة لجملة من الأسباب والعوامل البنيوية التي يعاني منها نمط الإنتاج الرأسمالي في سياق تطوره التاريخي، إضافة لكوننا بحثنا تجلياتها في موضوع سابق ( قراءة أولية في الأزمة الاقتصادية العالمية ) : ــ نؤكد بداية إن السبب الجوهري للأزمات التي يعاني منها النظام الرأسمالي الدورية منها والهيكلية يعود بشكل رئيسي إلى بنية النظام الرأسمالي القائم على التناقض القائم بين شكل الملكية الخاصة وشكل العمل الجماعي ، وبين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج . ــ تتحدد حركة رأس المال وميوله المتباينة بكونها تقوم على قاعدة تحقيق أعلى معدل الربح ، ولتحقيق ميوله على أرض الواقع يحتاج رأس المال إلى بنية تحتية مناسبة ، وقوانين ناظمة تتناسب مع حركته المتغيرة على نفس القاعدة ، مما يعني بداهة بأن سلطة الدولة تتجلى بكونها تعبيراً حياً عن رأس المال في سياق ميوله التوسعية التي تفترض دولة قومية تمارس سلطتها القانونية والعسكرية لحماية وخدمة حركة رأس المال . أي إن رأس المال حتى في مراحله المعولمة كان بحاجة إلى دور لسلطة الدولة ، وكان هذا واضحاً في سياق تطوّر وتغيّر آليات عمل سلطة الدولة المعبّرة عن سلطة ومصلحة رأس المال ، وقد تجلى في بعض اللحظات دور الدولة الوظيفي الذي يرتبط فيه المستويين السياسي والاقتصادي بالحروب الخارجية ( الحربين العالميتين ، الحرب الباردة ، حرب فيتنام وكوبا .. حرب الخليج الأولى والثانية ، الحرب في أفغانستان ، دعم وافتعال النزاعات الداخلية في كثير من الدول ، الارتباط العضوي بين الإمبريالية العالمية و المشروع الصهيوني .... ومع اختلاف أشكال تجليات الأزمة التي تدفع إلى التدخل الخارجي في شؤون الدول الأخرى ، فإن القاسم المشترك هو فتح الحدود أمام رأس المال ، وتشغيل المجمع الحربي الذي يرتهن استمرار وجوده ببقاء الحروب والنزاعات الدولية .. ) وتجلى أيضاً دور الدولة من خلال الرقابة المباشرة لحركة رأس المال كما حصل نتيجة لأزمة الركود التضخمي في / 1929 / ، أو في إطلاق الحرية لحركة رأس المال في المرحلة النيوليبرالية بعد عام / 1979 / ، أو اتفاق الدول الكبرى على آليات عمل محددة : بريتون وودز ، إعلان رامبوييه ، دور الدولة في تجاوز الأزمة المالية في الأسواق الأسيوية والذي يقابله ويتساوق معه إطلاق الدول الكبرى العنان لرأس المال الذي كان السبب الرئيسي في الأزمات الاقتصادية العالمية العالم التي أوصلت بعضها لحدود الانهيار .... ما أوردناه يؤكد الدور المحوري لسلطة الدولة في خدمة رأس المال بأشكال تتباين وفق طبيعة المرحلة والأزمة التي يعاني منها رأس المال . ــ بخلاف الأزمات الدورية والهيكلية / البنيوية التي عاني منها النظام الرأسمالي بأشكاله ومستوياته المتباينة ،فإن وجه الاختلاف في الأزمة الراهنة يكمن في كونه تشكّل في وول ستريت التي تمثل إضافة إلى بنك ( ليمان بريد زرد ، وأندي ماك،وعملاقي التأمين فريدي ماي وأندي ماك ... ) قمة القطاع المالي ، في لحظة يمثل فيه رأس المال المالي القاعدة الأساسية للنظام الرأسمالي . ـــ إن الأزمة البنيوية التي عانى منها النظام الرأسمالي عام / 1929/ والتي تجلت من خلال /الركود ، الكساد / ركود تضخمي / نتيجة لفيض إنتاجي نتج عن الثورة الصناعية كان السوق عاجزاً عن امتصاصه لأسباب متعددة مما أدى إلى تشكل أزمة اجتماعية عامة انعكست بشكل مباشر على الطبقة العاملة متجلية بارتفاع معدلات البطالة، تباطؤ وتوقف إنتاج الكثير من القطاعات الصناعية .. وكان من نتائجها الحرب العالمية الثانية التي أعادت تقسيم الأسواق العالمية في سياق ربط الدول الطرفية بالاقتصاد الرأسمالي تبعياً بأشكال تجلت وما زالت بتصدير الأزمات التي يعاني منها النظام الرأسمالي إلى الدول الطرفية . وكان لسلطة الدولة الدور الضابط لحركة رأس المال على قاعدة التنظيرات الكنزية التي استمر العمل بها حتى عام / 1979 / ، وفي تلك المرحلة تشكلت اقتصادات مستقل ومتمحورة حول ذاتها مستفيدة من الثنائية القطبية ، وقد حقق رأس المال بقيادة الدولة انتعاشاً ونمواً رأسياً وأفقياً تجلى من خلال تجدد وتطور وتوسع العملية الإنتاجية التي كان من خلالها يتم إعادة توظيف الرأسمال المتراكم في القطاعات الصناعية ، لكن الفائض المالي المتراكم وعائدات الدول النفطية الخليجية الناتجة عن الفورتين النفطيتين التي كانت توظف في أسواق مال الدول الكبرى والمترافقة مع فيض إنتاجي شكلت أزمة جديدة للنظام الرأسمالي ، وقد تم ربط هذه الأزمة بالنسبة لبعض المنظرين بدور الدولة المعيق لحركة رأس المال ، أي إن دور الدولة التدخلي هو سبب الأزمة ، ولذلك فإن الخروج من الأزمة يجب أن يكون من خلال إطلاق الحرية لحركة رأس المال ، ورأس المال كما أدعى منظرو المدرسة النيوليبرالية قادر بفعل قوانينه الذاتية على تجاوز أزماته ، ومع تراجع دور الدولة الذي اتخذ أشكالاً جديدة مع بداية / 1979 / يدخل الاقتصاد الرأسمالي في مرحلة جديدة أسست موضوعياً للأزمة الراهنة التي كان من أسبابها : ــ تغيّر التركيب العضوي لرأس المال : وكان نتيجة للتطور التقني الكبير الذي تجلى من خلال زيادة كثافة رأس المال الأساسي / الثابت والدائر، مقابل تراجع رأس المال المتغيّر . وتجلى هذا التغيّر في زيادة شدة وسرعة الإنتاج ،تراكم فائض إنتاج يفوق نسب الاستهلاك ، ازدياد حدة الاستقطاب الاجتماعي وانخفاض القدرة الشرائية لما يقارب لــ 85%. تغير تركيبة الطبقة العاملة وازدياد معدلات البطالة النسبية والمطلقة . ــ انخفاض معدل الربح : يتجلى في : تغيير التركيب العضوي لرأس المال ، انخفاض كتلة العمل الحي طردياً مع تطور التقنية الصناعية - انخفاض أسعار البضائع و ازدياد حجم الربح المائل في كتلة متنامية من البضائع الأرخص ثمناً و تزايد كتلته العامة - تباطؤ دوران الرأسمال الاجتماعي، ارتفاع معدلات الأجور ، ارتفاع المعدلات الضريبة، تنامي دور النقابات والمؤسسات المدنية والمنظمات البيئية ولجان حقوق الإنسان وبعض القوى السياسية ذات الصلة.ويتم مواجهة هذا الميل من خلال: زيادة حدة الاحتكارات العالمية و زيادة التمركز المالي من خلال أشكال مختلفة و متنوعة ( الشركات المتعددة الجنسية – الشركات العابرة للقومية – سياسة التمييل لرؤوس الأموال – زيادة التدويل لنشاط الشركات و التوظيفات المالية – زيادة كثافة رأس المال في القطاعات الإنتاجية – زيادة شدة العمل و الإنتاج– الانتقال من القطاعات الإنتاجية الأكثر إشباعاً إلى قطاعات إنتاجية أقل إشباعاً أو إلى قطاعات جديدة مستحدثة – تخفيض معدلات الأجور – إطالة يوم العمل –التجارة الخارجية – إنشاء فروعاً في بلدان متعددة للشركة الأم – هروب الرساميل إلى مناطق تنخفض فيها معدلات الفائدة والضرائب – ( احتفاظ بلدان المركز باحتكارات محددة : القطاعات التكنولوجية – احتكارات تعمل في ميدان التعاملات المالية ذات البعد العالمي – احتكارات في مجال الموارد الطبيعية – الاتصالات و الإعلام – احتكار أسلحة الدمار الشامل ) تصدير الصناعات الملوثة للبيئة و التي تحتاج لعمالة زائدة وذات العمر المديد إلى بلدان تتمتع بوفرة في المواد الأولية وأسواق بقدرة استهلاك واسعة و تتمتع بحرية حركة رؤوس الأموال وتمتلك بنى تحتية مشجعة على الاستثمار و توظيف الرساميل ، ويكون فيها مستوى الضمان الاجتماعي منخفض ودور المؤسسات الاجتماعية والأحزاب والنقابات مضبوط من قبل مؤسسات الدولة الرسمية . ــ تحول رأس المال الصناعي إلى رأس مال مالي ورأس مال خدمي : يمكننا تحديد أسباب وعوامل تحول أشكال رأس المال الصناعي إلى رأس مال مالي وخدمي إضافة إلى الميل النزوعي لانخفاض معدلات الربح نتيجة لوصول القطاعات الإنتاجية في الدول الصناعية الكبرى إلى درجة من الإشباع ،بالتالي ونتيجة لتراكم رأس المال الأساسي والمتغير الكامن ( فائض نقدي غير موظف في العملية الإنتاجية ) ، ونتيجة لتزايد معدلات التوظيفات المالية من الدول النفطية في بنوك ومصارف ومؤسسات وأسواق مال الدول الصناعية الكبرى ، فإن التحول إلى رأس المال المالي والخدمي كان يمثل ميلاً موضوعياً لرأس المال الهاجر للصناعة ، مستفيداً بالوقت نفسه من غياب الضوابط والقوانين المحددة لحركة رأس المال ، ومن انفتاح الحواجز والحدود ، ومن ثبات أسعار صرف العملة ، وترافق هذا مع تنامي معدلات الإقراض إلى الدول المتخلفة و النامية مما زاد من حدة تبعية هذه الدول ، وهذه العوامل كانت من الأسباب التي أدت إلى انهيار دول النمور نتيجة لاعتمادها بشكل أساسي على القروض الخارجية وتحديداً قصيرة الأجل هذا إضافة إلى ضخامة حجم التوظيفات في القطاعات المصرفية والخدمية / العقارية ، السياحية ... ) . ومجمل هذه العوامل وغيرها لم تكن فقط للمحافظة على معدل ربح مرتفع بدأ يتراجع في القطاع الصناعي بل كان يحركه ويدفعه جشع رأس المال في حصد معدل ربح مرتفع في فترات قصيرة وعمليات سريع .... وكانت الأسواق الأسيوية الأفضل لإشباع نهم رأس المال الربحية في أشكال حركة وتوظيف أدت إلى الأزمة الأسيوية ، وننوه بأن الأزمة الراهنة تتشابه مع الأزمة الأسيوية لكون الأزمتين انطلقتا من القطاع المالي ، لكن لا يمكن مقارنة أبعاد ومستويات تأثير الأزمة الأسيوية بالأزمة الراهنة ذات الأبعاد الكونية . ــ الشركات متعددة الجنسية والعابرة للقومية : كانت هذه الشركات التعبير الموضوعي لميول رأس المال الساعي إلى تجاوز وتحطيم القيود والحواجز القومية نتيجة لجملة من الأسباب والعوامل أتينا على ذكر بعض منه ( تزايد حجم التراكم النقدي ، حالات الإشباع التي وصلت لها بعض القطاعات الإنتاجية ، حالات الاندماج بين القطاعات الإنتاجية ، ابتلاع القطاعات والمؤسسات الكبرى للمؤسسات الأصغر نتيجة لمفاعيل السوق القائمة على المنافسة الحرة .. ) ، ويمكننا أن نضيف في هذا السياق تغيّر آليات الدولة وتخليها عن دورها في ضبط حركة وميول ونزوع رأس المال ، متحولة إلى سلطة داعمة ودافعة لحركة رأس المال خارج الحدود القومية بقيادة الشركات العملاقة، لكن حجم ودور هذه الشركات الاقتصادي كان يُلزم السلطات السياسية باتخاذ التدابير السياسية والقانونية الداعمة والحامية والمحافظة على بقاء وتطور هذه الشركات ليس على المستوى القومي فقط بل على المستوى العالمي ( شركات الأسلحة ، الشركات النفطية ، المؤسسات المالية ، مؤسسات الاتصال والمعلوماتية .. ) . ــ تحول رأس المال إلى أسواق المال والمضاربات : بالترافق مع ما أوردناه فإن تحول أشكال اشتغال رأس المال تجلت في توظيف رأس المال في أسواق المال والمضاربات هرباً من القطاعات الإنتاجية في الدول الصناعية الكبرى .طمعاً في تحقيق معدلات ربح مرتفعة ، نظراً لسرعة دوران رأس المال في الأسواق المالية والقطاعات الخدمية والاستهلاكية . ــ عسكرة رأس المال : ولكون قدرة رأس المال الذاتية لا تكفي دائماً لتجاوز واختراق الحدود القومية ، فإن ميوله خارج النطاق القومي تتخذ أحياناً أشكالاً عسكرية ، أو مدعومة عسكرياً ، وقد تجلى هذا الشكل في سياق تحول الرأسمالية إلى شكلها الإمبريالي .. ونرى تجلياته الآن في التدخل العسكري المباشر للولايات المتحدة في العديد من دول العالم ( أفغانستان ، العراق ، إيران ، فلسطين ، لبنان ، جورجيا ، .. ) بأشكال تتناقض مع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية . وقد ساهمت التدخلات العسكرية المباشرة وغير المباشرة ( بالوكالة ) إلى زيادة معدلات العجز في الدول الكبرى وتحديداً أمريكا ، لكن ونظراً لضخامة تكاليف الإنتاج في قطاع الأسلحة فإن افتعال الحروب والنزاعات بأشكالها ومستوياتها المتباينة يمثل أفضل السبل لتصريف الإنتاج المتراكم،ولإنعاش الاقتصاد ...، وهذا التحول لا تحكمه سياسة الدولة الرأسمالية فقط ، بل يتحكم فيه المؤسسات والقطاعات والشركات العملاقة المتعددة الجنسية والعابرة للقومية وعلى رأسها المجمَّع الصناعي الحربي الشركات النفطية وشركات الاستثمار والتوظيف الكبرى ... وقد رأينا هلع هذه الشركات لتعزيز سيطرتها من خلال إبرام عقود الإعمار والتسليح .. في العراق،ولاستقرار واستمرار نشاط هذه الشركات فإن الاتفاقية الأمنية التي يعمل الأمريكان على فرضها على العراقيين حكومةً وشعباً أحد الأشكال التي تساهم في بسط هيمنتها على العراق والمنطقة . وسعي الأمريكان لضمان تواجد واستقرار قواعدهم العسكرية في المناطق الكردية التي تمتلك احتياطات نفطية كبيرة يعبّر عن مصالح الشركات النفطية والمصالح الأمريكية الحيوية. ــ عولمة رأس المال المالي: من المعلوم بأن العولمة تقوم على ثلاث ركائز ( عولمة قوى العمل الحية ، عولمة وسائل الإنتاج ، عولمة رأس المال ) لكن وكما بات واضحاً فإن ثورة الاتصالات والمعلومات تم توظيفها والاستفادة منها في عولمة رأس المال فقط ، بينما بقيت القوى العاملة الحية رهينة بأشكال ومستويات نسبية للقوانين والتشريعات المحلية في معظم المستويات ( حق الإضراب ،ونظام الأجور ، العمل النقابي ....)وبنفس السياق فإن وسائل الإنتاج وتحديداً فائقة التقنية ( الاحتكارات الخمسة ) بقيت احتكاراً لدول المنشأ ، في وقت لم تصدّر فيه إلا الصناعات القذرة الملوثة للبيئة والتي تحتاج لعمالة زائدة ..... وعلى هذا الأساس تم ربط الدول الطرفية والمتخلفة في سياق نمط رأسمالي مهيمن بأشكال مشوّهه ومستويات متباينة ،مما يجعلها تعاني من الأزمات الاقتصادية التي تضرب مراكز الدول الصناعية ، والتي تصدر إليها ، إن عولمة رأس المال والمالي حصراً في لحظة تميل فيها غالبية الحكومات إلى تبني الاقتصاد الليبرالي بأشكاله القديمة والجديدة،والذي تنفتح معه الحدود القومية وتؤمّن البنية التحتية والقانونية لحماية حركة رأس المال الذي بات يعتمد في زيادة حدة التراكم على المضاربة والتوظيفات المالية في القطاعات الخدمية والاستهلاكية باتت السمة المحدّدة لرأس المال ، يعني أن الدول أمام خطر رأس المال المسلط على رقاب الفئات الاجتماعية الفقيرة والمفقَّرة ، وعلى البنى الاجتماعية والصناعية الوطنية ، وتتحدد هذه الأخطار بأشكال وأوقات دخول وخروج رأس المال إلى الأسواق ، لأنه في لحظة دخوله يحدث أزمة نقدية وبخروجه هرباً يحدث أزمة اقتصادية اجتماعية . ويمكننا أن نحدد بأن أشكال تحول رأس المال تعبّر عن أزمة رأسمالية بنيوية ، والآليات التي يتم فيها العمل على إدارة الأزمة ستصل لطريق مسدود أمام فوضى وجنون رأس المال . ــ هيمنة القطب الواحد : تكرست هيمنة النمط الرأسمالي بشكل واضح بعد انهيار المنظومة السوفيتية الذي انعكست آثاره موضوعياً على السياسات الاقتصادية في الدول التي كانت تعتمد الاقتصاد الموجه . ومع هيمنة النمط الرأسمالي بأشكال ومستويات متباينة عالمياً،كان يتم العمل على تكريس نظرية نهاية التاريخ. وتعمل الإدارة الأمريكية لتحقيق هيمنتها الإمبراطورية على تزعّم النمط الرأسمالي بناءً على مفهوم المغامرة ذات النزعة العسكرية، ويحكم هذه التوجه منطق القوة المطلقة والمفرطة الذي أثبت فشله في كثير من المنعطفات واللحظات التاريخية.هذا الشكل كان تعبيراً عن جملة من الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي ( عجز الموازنة ، أزمة مديونية ...) وكان اشتغالها وتوسعها خارج حدودها القومية للخروج من أزمتها الداخلية التي ترتبط موضوعياً بتناقضات رأس المال البنيوية القائمة على تفاقم نزعة الاستهلاك والاستدانة والتمويل بالعجز . إن الشكل الذي حاولت الولايات المتحدة فرضه على الدول الرأسمالية ضاربة بعرض الحائط كافة المصالح الاجتماعية والقوانين والمواثيق الدولية في سياق تكريس مفهوم الحرية المطلقة لرأس المال المدعوم بالقوة العسكرية العمياء ، كان من أسباب الأزمة الراهنة . (أن الأزمة البنيوية الداخلية إضافة إلى السياسات الأمريكية الخارجية كانت من الأسباب المحفزة لنشوء التعددية القطبية ) ــ فيض إنتاج ، ركود ، كساد ، تضخم نقدي .. : حاولنا حتى اللحظة التأكيد على إن جذور الأزمة الراهنة تمتد إلى بداية التحول الاقتصادي النيو ليبرالي / 1979 / ، ولا تعدو أزمة الرهن العقاري / الأزمة المالية / مع كل أبعادها وانعكاساتها السلبية على الدول الكبرى والدول المندمجة والمرتبطة أن تكون لحظات الاحتضار الأولى للنظام الرأسمالي الذي يعاني من أزمة اقتصادية بنيوية / هيكلية يمكن أن تتحول إلى أزمة عامة تنبئ بانهيار النظام الرأسمالي (( تبقى إمكانية تجاوزه مرهونة بتبلور البديل الطبقي الحامل لمشروع التغيير السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي )) نتيجة لتحوله البنيوي إلى رأس مال مالي ورأس مال خدمي استهلاكي نتيجة كما أسلفنا لجملة من العوامل والأسباب ( تغيّر التركيب العضوي لرأس المال ـــ زيادة معدلات الإنتاج ــ انخفاض معدل الربح ــ تضخم نقدي نتيجة لزيادة نسبة الربح الكلي إضافة إلى زيادة معدلات التوظيف من قبل الدول الخليجية نتيجة لارتفاع أسعار النفط ــ انخفاض معدلات الطلب ـــ انخفاض القدرة الشرائية نتيجة لزيادة حدة الاستغلال وسوء توزيع الناتج القومي ـــ انكماش اقتصادي ــ ركود اقتصادي ــ كساد ــ تباطؤ معدلات النمو ــ إفلاس شركات ومؤسسات مالية ــ إغلاق مؤسسات وشركات صناعية ــ تباطؤ سرعة دوران رأس المال ......) . نهاية المرحلة الاستعمارية واعتماد كثير من الدول على قدراته الذاتية لتحقيق مشاريعها التنموية مستفيدة من الثنائية القطبية ، مما كان يعني أن على الدول الصناعية أن تتجاوز تناقضاتها البنيوية ذاتياً وداخلياً. ونتيجة لحدة الأزمات التي عانت منها الدول الكبرى ، فإن نهاية سبعينيات القرن الماضي كانت إعلاناً لمرحلة جديدة من مراحل التطور الرأسمالي ، من سماتها العامة تراجع الدولة عن دورها التنموي والرعائي ، عدم ضبط وتحديد وتوجيه حركة رأس المال ومجالات وزمن اشتغاله تحرير أسواق المال (فتح باب المضاربة للرساميل من دون أية ضوابط أو قوانين تنظم حركتها ) ، تحرير الأسعار ، تحرير الأسواق إطلاق الحرية لرأس المال المالي والخدمي المعولم مستفيداً من التضخم النقدي الذي من خلاله تم ربط الكثير من الدول الطرفية والمندمجة بعجلة التطور الرأسمالي من خلال تسهيل عمليات الإقراض عن طريق صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ، وكان هذا التحول أحد تعبيرات الخروج من الأزمات التي عانت منها الدول الصناعية الكبرى مستفيدة إضافة لذلك من انهيار المنظومة السوفيتية ، التي على أثرها التحقت معظم الدول الطرفية ذات المشاريع التنموية المتمحورة على الذات / رأسمالية الدولة / بالنمط الرأسمالي المهيمن بأشكال ومستويات متباينة . إن مجمل العوامل التي ذكرناها أسست لمرحلة رأسمالية نيوليبرالية نشهد نهاياتها نتيجة لدخول الاقتصاد الرأسمالي في أزمة بنيوية يمكن أن تتحول إلى أزمة عامة في حال استمرارها وتشكّل البديل الطبقي ... وتمثل الأزمة الاقتصادية الراهنة لحظة بدء التحولات الاقتصادية والسياسية على آليات اشتغال النظام الرأسمالي المعولم ، وتشير كافة الدلائل والمعطيات بأن الاقتصاد العالمي يدخل في حالات انكماش اقتصادي ، وسوف يعاني من ركود اقتصادي يمكن أن يصل لدرجة الكساد نتيجة لجملة من الأسباب الذاتية والموضوعية ، وهذه الأسباب والعوامل تشكل أسس الأزمة البنيوية التي يعاني الاقتصاد الرأسمالي من تجليات تناقضاتها الأولية . تحديدات واستنتاجات عامة : تشكل الأزمة المالية الراهنة غطاءً ظاهرياً للأزمة الاقتصادية البنيوية التي يعاني منها النظام الرأسمالي ، وتكمن خطورة الأزمة الراهنة بكونها انفجرت من القطاع المالي المهيمن عالمياً (( إنه انعطاف بمعنى انتهاء دورة للاقتصاد الأمريكي تلت انتعاش 2003، مطبوعة بانفجار الاستهلاك الداخلي، واستدانة كثيفة، على قاعدة أسعار فائدة منخفضة جدا وخفض التكاليف المالية، وهي الآيات التي أفضت إلى تلك" الفقاعة العقارية". على هذا النحو ُأرسي نظام قروض الرهن العقاري عالية المخاطر أي القروض المجازفة ذات سعر الفائدة المتغير الممنوحة للأسر الأكثر هشاشة. يمثل هذا النظام، إلى جانب تمويل أشكال العجز بالرساميل الأجنبية وخفض قيمة الدولار، أحد الأولويات الرئيسة لنموذج النمو الأمريكي من 2003 إلى 2008... لكن عندما رفعت الخزينة الاتحادية ( البنك المركزي الأمريكي) المعدلات الموجهة للنقد، عطلتْ الآلة وسببتْ إفلاس وانهيار ملايين الأسر المستدينة، و أدى الأمر إلى إفلاس مؤسسات قروض هامة واهتزاز النظام البنكي. هذا لأن القرض ركيزة هذا النمو الأمريكي. وفعلا يستدعي الحفاظ على ربح مرتفع ومنتظم طلباً دينامياً. ولا يتأتى هذا من الأجور المضغوطة بهجمات أرباب العمل، ولا بالأسواق الداخلية للبلدان المنبثقة المتطورة بما يكفي، ولا بالمداخيل الموزعة على مالكي الأسهم الذين لا يشكلون كتلة كافية لدعم الطلب. هكذا وجدت الرأسمالية المعاصرة ذلك الطلب في القروض للأسر. وقد بلغت هذه السيرورة ذروتها بالولايات المتحدة الأمريكية.لسنا إزاء أزمة مالية و بنكية وحسب، بل حتى إزاء أزمة الاقتصاد الحقيقي. انتشرت على صعيد عالمي أزمة قروض الرهن العقاري عالية المخاطر عبر الآليات الخاصة للنظام المالي المعولم. وأدت إلى أزمة إعسار وسيولة تضرب النظام النقدي العالمي برمته. ومن ثمة الضخ الكثيف للرساميل في الاقتصاد الأمريكي .. لخطة إنعاش الاقتصاد التي صادق عليها الكونغرس- وخفض معدلات الفائدة، أو على العكس توترات جديدة مع رفض البنك المركزي الأمريكي خفض معدلاته. لكن هذه السياسة غير كافية لإعادة إطلاق الآلة... هذا لأن توقعات انحسار الاقتصاد الأمريكي تتأكد شيئا فشيئا. وقد انهار قطاع العقار بالولايات المتحدة الأمريكية. و أصابت الأزمة بلدانا أخرى استعملت نفس آليات القرض العقاري الأمريكية مثل اسبانيا وايرلندة واستراليا. ... و توقعات النمو تتراوح بين 1.5% و 2% بالولايات المتحدة الأمريكية وبأوربا. )) [اللجنة العالمية للأممية الرابعة: تقرير حول الوضع العالمي فرانسوا سابادو ] إن عولمة رأس المال وارتباطه العضوي بالقطاع الصناعي ، والتضخم الكبير للرأس المال المالي والخدمي مقابل تراجع دور رأس المال الصناعي / الإنتاجي / ( تمثل حركة رأس المال المالي حوالي ثلاثة أضعاف رأس المال الإنتاجي ) يجعل دور رأس المال المالي محورياً ، وأي أزمة تحدث فيه سرعان ما تنتقل آثارها وتداعياتها إلى باقي القطاعات ، والأزمة الراهنة بدأت من القطاع المالي / الخدمي على شكل أزمة رهن عقاري ، وحجم خسائر القطاعين المالي والعقاري يفوق اقتصاديات الدول العربية مجتمعة . ونظراً للترابط السائد في العلاقات الاقتصادية الراهنة ، ونظراً لارتفاع حجم التوظيفات وتشابكها التي تعكس درجة الترابط المالي والاقتصادي، فإننا نرى كيف انتقلت الأزمة إلى باقي القطاعات الصناعية والمالية والخدمية و من المركز إلى الأطراف ،بأشكال ومستويات نسبية تتحدد بدرجة الارتباط أو التبعية الاقتصادية ، و بمستوى التوظيف المتبادل على المستويات القطاعية على المستويين القومي والعالمي ، ومن هذه الزاوية يمكن رؤية مدى التأثير المتبادل بين الصين والولايات المتحدة من خلال حجم التوظيفات المالية الصينية في القطاعات الخدمية الأمريكية ، ومن جهة أخرى يتعلق بمستوى اعتماد الأسواق الأمريكية على الصادرات السلعية الصينية ، وارتفاع حجم المديونية الأمريكية من الصين ، ومن جهة أخرى يمكن أن نرى حجم تأثير الأزمة على الدول النفطية ، والخليجية بشكل خاص ، والذي يتحدد بحجم التوظيفات الخليجية في أسواق المال الأمريكية ، إضافة إلى حجم تراكم المال النفطي في البنوك الأمريكي والذي يتعذر على حكومات الخليجية المطالبة به نتيجة لشكل ومستوى العلاقة بين هذه الأطراف ، أما المستوى الأخر فإنه يتجلى من خلال انخفاض أسعار النفط العالمي الذي يؤثر سلباً على اقتصاديات الدول النفطية وتحديداً الدول التي لا تعتمد أشكال تنموية بديلة ، ويتجلى خطر تداعيات الأزمة المالية أيضاً من أسواق الأوراق المالية التي يحكمها الترابط . ويمكننا في هذا السياق أن نحدد درجة التأثر بالأزمة الراهنة : ــ بدرجة الانفتاح الاقتصادي على الأسواق الدولية . ( تكشف الأزمة المالية الراهنة سيرورة فرط تراكم وفيض إنتاج في الاقتصاديات الأسيوية – الصين واليابان وكوريا وتايوان والهند... إن تباطؤا الطلب العالمي قد يفضي ذلك إلى أزمة عامة شبيهة بأزمة 1929...إزاء هذا يجب إيجاد أسواق تصريف سلعي تعوّض عن الأسواق الأمريكية الواسعة وهذا صعب حالياً، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم وكساد وركود وتزايد التفاوت. و إما أن يجري تعويض انكماش الطلب الخارجي بزيادة الطلب الداخلي.. ) ــ السياسات الاقتصادية المتبعة / ليبرالية ، نيوليبرالية .. / . ــ مستوى دور الدولة التدخلي في تحديد وضبط الاقتصاد وحركة رأس المال . ـــ مستوى التطور الصناعي الذي يتحدد على أساسه القدرة التنافسية للسلع المصنَّعة . ــ مستوى تطور الطبقة العاملة وقدرتها على التكيف مع التطورات التقنية والعلمية العالمية ، إضافة إلى حجمها ودورها السياسي . ــ درجة انفتاح السوق القومية على الأسواق الدولية . ـــ ارتفاع حجم الواردات مقارنة بالصادرات ، إضافة إلى نوعية المواد المستوردة / غذائية ، ترفيهية ، مصنعة ، نصف مصنعة / هل تدخل المواد المستوردة في العمليات الإنتاجية أم إنها مواد استهلاكية . ــ حجم ومستوى وشكل العلاقات التي تحكم الاقتصادات الطرفية بدول المركز الرأسمالي . ــ حجم توظيف الدول النفطية لعائداتها النفطية في بناء وتطوير المشاريع التنموية / الصناعية ، الزراعية ، التنمية البشرية ، المراكز البحثية العلمية ، ما نرمي إليه هو أن النفط ثروة ناضبة والدول النفطية سوف تتأثر بالأزمة المالية الراهنة بشكل مباشر نتيجة لانخفاض أسعار النفط ، وتزداد تأثيرات الأزمة سلبية إذا كانت الثروة النفطية لا توظف في إطار التنمية البشرية ،الصناعية ، الزراعية ، تطوير البنى التحتية . ــ تتجلى الأزمة على الدول المنفتحة على الاستثمارات والتوظيفات المالية الخليجية بانخفاض معدل التوظيف والاستثمار الخليجي، خطورة الائتمان المصرفي . ـــ انخفاض عائدات المهاجرين إلى وطنهم الأم . ـــ درجة انفتاح الأسواق على حركة رأس المال وتحديداً المضارب ، وتزداد تداعيات الأزمة سلبيةً في حال وجود أسواق أوراق مالية / بورصات / ويزيد تحرير أسواق المال والنقد والتجارة والأسعار ... من حدة انعكاسات الأزمة على المستويات الاجتماعية . إن الحد من تطور الأزمة المالية وتحولها إلى أزمة بنيوية /هيكلية يتوقف على جدوى السياسات الاقتصادية والنقدية لحكومات الدول الكبرى، لكن وبحكم هيمنة قطاع المال والخدمات، والترابط الاقتصادي ، وحجم الخسائر النقدية الهائلة فإن تداعيات وآثار الأزمة السلبية سوف تطال كافة المجالات الاقتصادية، ومن المرجح بأنها سوف تؤسس لأزمة اقتصادية عالمية بمستويات متباينة بحكم الترابط والتشابك الاقتصادي العالمي وهيمنة النمط الرأسمالي عالمياً بأشكال ومستويات متفاوتة التطور والترابط في سياق العولمة الراهنة . وبذلك فمن المرجح دخول الاقتصاد العالمي في أزمة بنيوية تبدأ بالانكماش مروراً بالركود وصولاً إلى الكساد ، مما يعني زيادة معدلات البطالة على المستوى العالمي نتيجة لتباطؤ الإنتاج وتوقفه في بعض الشركات والمؤسسات الإنتاجية ، وبالتالي تراجع معدلات النمو عالمياً وتشكّل أزمة اجتماعية يزداد في سيرورتها المتنامية حدة التناقض والاستقطاب الاجتماعي . ونؤكد في هذا السياق بأن الدول التي حافظت على استقلال اقتصادي نسبي عن الاقتصاد الأمريكي، ونجحت في إنجاز مشروعها التنموي والبشري ، سوف تكون تداعيات الأزمة على أوضاعها الاجتماعية أقل من الدول التي ارتبطت أو اندمجت بأشكال الرأسمالية السائدة وتحديداً الاقتصاد الأمريكي ، لذلك فإن تنوع السلة النقدية ، التعددية الاقتصادية ، نجاح التنمية البشرية ، المشاركة السياسية ، ارتفاع معدلات نمو ، تطور تقني ، بقاء دور الدولة الضابط لحركة رأس المال ومشاركة القطاع الخاص سوف يكون له دور في التخفيف من حدة انعكاسات الأزمة على بناها الاجتماعية . إن الأزمة الراهنة في حال تحولها إلى أزمة بنيوية سوف تفترض أشكال متجددة لمعالجتها ، وأهمها استعادة دور سلطة الدولة الذي لم يغب عن مستويات السياسة الاقتصادية ، لكن في ظل هذه الأزمة سوف يتجلى دور سلطة الدولة المتجدد من خلال التركيز على إيجاد آليات تدخليه جديدة ، تكون وظيفتها الإشراف على حركة الرساميل وضبط حركتها وتوجيهها وتحديد مجالات توظيفها ... لكن في سياق تبقى فيه الدولة معبرة وممثلة عن مصالح رأس المال ... مما يعني بأننا سوف نلحظ تراجعاً لأفكار المدرسة النيوليبرالية واستعادة لبعض السياسات الكنزية بأشكال جديدة.أي سوف يتم العمل على إدارة الأزمة والخروج منها من خلال التكيّف المتجدّد مع البنية المتناقضة لرأس المال.و إذا كانت المؤسسات المعنية في الدول الكبرى تعمل على إيجاد آليات تعيد التوازن والاستقرار لأسواقها المالية ولاقتصادياتها في ظل سيادة مناخ ليبرالي سياسي واقتصادي،فمن المتوقع بأن انعكاس الأزمة على الدول الطرفية سوف يساهم في تعزيز دور سلطة الدولة الشمولية القابضة على زمام الأمور السياسية والاقتصادية والمجتمعية،ويمكن أن يتجلى سياسياً بمنع أي تشكّل سياسي إضافة إلى تشديد حصارها على الأشكال السياسية المعارضة وتحافظ على الأشكال السياسية التي تدور في فلكها وتعبّر عن مصالحها وتساعدها في المحافظة على استمرار سيطرتها الطبقية . إن مجمل ما أوردناه سوف يكون له نتائج على أشكال الدولة الرأسمالية السائدة ، أي من المرجح أن يفرز النظام الرأسمالي في سياق معالجة الأزمة الراهنة تجليات جديدة لأشكال الدولة ، وهذا لا يعني إن الدولة الرأسمالية لن تكون تعبيراً عن سلطة رأس المال ، أو أنها لن تكون سلطة قمع طبقي. بل سوف تحافظ على مضمونها الطبقي ، أي سوف نلحظ تشكل دولة رأسمالية بأشكال جديدة لكنها بذات المضمون الطبقي ، ومن المؤكد بأننا سوف نلحظ تراجع هيمنة القطب الواحد وتشكّل تعددية قطبية على أرضية النمط الاقتصادي الرأسمالي المهيمن بأشكال ومستويات متباينة ، ذلك لعدم توفر الشرط الموضوعي الذي يساهم بتحوّل الأزمة الاقتصادية إلى أزمة عامة ،إضافة إلى غياب إمكانية تشكّل القوة المادية / الاجتماعية ، السياسية / القادرة على إقامة القطع مع النظام الرأسمالي وبالتالي تجاوزه إلى نظام اجتماعي أرقى . والأقطاب التي من الممكن أن يكون لها تأثير على المستويات الدولية يمكن أن تتجلى بالقطب الأمريكي ، الروسي ، الصيني ، الاتحاد الأوربي ، دول أمريكا اللاتينية ( فنزويلا كوبا ،البرازيل ) ، دول شرق أسيا ، الصين ، الهند ، ومن الممكن أن تبقى باقي الدول ملحقة بأحد هذه الأقطاب ، أو أنها سوف تحافظ على استمرارية وجودها مستفيدة من التناقضات السياسية والاقتصادية بين هذه الأقطاب ، ومن المرجح بأن هامش الدول العربية للاستفادة من تناقضات المرحلة الراهنة ،ومن توفر الشرط الموضوعي المناسب لنهوض التنمية المتمحورة على الذات في ظل التعددية القطبية المرتقبة ضئيل، ومرد ذلك تشتت الدول العربية ونوسانها بين هذه الأقطاب وعجزها عن صياغة تضامن أو تكتل عربي وازن أمام التكتلات الإقليمية والدولية السائدة والمرتقبة يساعدها في مواجهة التكتلات الاقتصادية الدولية الجديدة . من الواضح بأن تغيرات سياسية جديدة بدأت تتخلل الخارطة الجيو سياسية العالمية ، وجملة هذه المتغيرات لم تفرضها الأزمة الاقتصادية الأخير رغم أنها تحمل جملة من العوامل والأسباب المحدّدة لأشكال ميول سياسية واقتصادية مستقبلية . إن التناقض والتنازع بين الأقطاب الرئيسية بشكل مباشر ، وعِبرَ الأدوات الممثلة والمعبّرة عنها،كانت تتفاعل موضوعياً وتتفاقم مع إصرار الولايات المتحدة على فرض مشروعها على المستوى العالمي عسكرياً ، وإذا بدأت لوحة الصراع العالمي تتعقد وتتناقض بدخول القوات الأمريكية إلى أفغانستان ولا حقاً إلى العراق ،فإن ازدياد هذا التناقض كان يرتبط بمضمون المشروع الأمريكي المتناقض مع أشكال الديمقراطية التي تطمح إليها شعوب المنطقة ومع المشاريع الاقتصادية التنموية المتناسبة والمعبّرة عن واقعها الموضوعي ، ويرتبط أيضاً بأشكال السياسات الأمريكية المفرطة باستخدام القوة ، و أكدنا سابقاً بأن القوة والقوة العمياء تحديداً لا تنجح دائماً في خلق الأسباب الداعمة لاستقرار واستمرار المشاريع السياسية ، وكان يتساوق مع المشروع الأمريكي ويقابله على أرض الواقع تنامي وتفاعل أشكال متعددة من المقاومة العسكرية والسياسية تجلت بأشكال ومستويات متباينة في(أفغانستان ، العراق ،لبنان ،فلسطين ،جورجيا .... )ومما كان يزيد من خطورة السياسات الأمريكية هو ميلها إلى تكريس هيمنتها العالمية ، وقد كانت مؤشرات فشل مشروعها السياسي يتوضح بشكل مباشر في العراق، لبنان ،جورجيا..، وقد تعزز هذا التراجع بفعل انتصارات المقاومة اللبنانية والعراقية التي كانت تفرض توازنات سياسية تعبّر عن قوة المقاومة على المستوى الإقليمي ، وقد تنامى هذا الميل نتيجة الموقف الروسي في جورجيا / أوسيتيا / في مواجهة السياسات الأمريكية التدخلية الساعية إلى ربط المنطقة بمعاهدات أمنية وعسكرية تساهم بالوكالة في فرض الهيمنة الأمريكية القائمة بأحد مستوياتها على فرض سيطرتها على المنابع النفطية .. لكن الموقف الروسي العسكري الذي تجلى في قطع الطريق على التدخل الأمريكي في المحيط الروسي الإقليمي يشكل لحظة تحول في التوازنات السياسية العالمية ،ومما يؤكد هذه الميول هو السياسة الروسية التي تسعي لتشكيل وتمتين تكتلات سياسية واقتصادية وعسكرية تحد من الهيمنة الأمريكية. ومن المرجح بأن الحسم سوف يكون نتيجة الأزمة الاقتصادية / المالية / التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي ، والتي ستنعكس على التوازنات الدولية بمستوياتها المختلفة ، والتي كما أسلفنا كانت مفاعيلها تتفاعل وتتنامى نتيجة لجملة من الأسباب والعوامل الموضوعية الذاتية.لذلك نؤكد بأن أزمة الرهن العقاري التي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي سوف تمتد مفاعيلها أفقياً ورأسياً ،ومن المرجح بأن تجلياتها السياسية سوف تتوضح من خلال عودة دور مؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية ، وإذا كان من الممكن أن تتجلى في الدول الصناعية بمزيد من تدخل الدولة في ضبط آليات وأشكال حركة رأس المال على قاعدة سياسية تحافظ على دور الفرد في مناخ ليبرالي يرتكس إلى المرحلة الكنزية بأشكال وآليات جديدة ، فإنها في البلدان الطرفية والمتخلفة سوف تتجلى باحتكار القرار الاقتصادي والسياسي بأشكال تعبّر عن مصالح الفئات المسيطرة،أي إن حكومات الدول الطرفية سوف تحافظ على دورها المحوري في السيطرة على مجتمعاتها في سياق توازنات سياسية جديدة داعمة لاستمرار الحكومات السائدة التي سوف تحاول مجدداً إحياء شعارات الدولة القومية في سياق التغييب المستمر للمناخات الديمقراطية ، أي إن هذه الحكومات سوف تحظى من جديد على شرعية استمرارها دولياً ، ولن يكون التحول السياسي بأشكاله الاقتصادية الرأسمالية المتعدد القطبية لصالح الفئات الاجتماعية المضطهَدة. إن الأزمة الاقتصادية الراهنة تؤكد من جديد بأن الاقتصاد له الدور المحدد في مجمل المتغيرات الاجتماعية ، من دون أن يعني هذا السقوط في النزعة الاقتصادوية، بل يعني التأكيد على ترابط كافة المستويات وتفاعلها الموضوعي في سياق يكون فيه المستوى الاقتصادي محدداً وأساسياً يترابط في سياق يتحدد فيه المستوى السياسي بكون عاملاً رئيسياً وتحديداً في البلدان الطرفية و المتخلفة ، لكون جوهر الأزمة التي تعانيها مجتمعاتها تتجلى بكونها أزمة سياسية . وإذا كانت المرحلة الراهنة تنبئ بمتغيرات في أشكال الخارطة السياسية عالمياً وبتوازنات اقتصادية جديدة ،فإن من الضروري التأكيد بأن هذه المتغيرات لا تعبّر عن مصالح الفئات الاجتماعية المتضررة من تناقضات النظام الرأسمالي ، لتبقى أشكال التغيير المعبّر عن مصالحها مرهونة بدور قوى اليسار وقدرته على تحويل الفئات الاجتماعية المهملة إلى قوة مادية للتغيير الاجتماعي لكونها فعلياً تحمل في داخلها المشروع السياسي والاجتماعي البديل . إن الأزمة الراهنة التي تستمر بفعل ترابط المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية تضعنا أمام إمكانية تشكّل نقيض طبقي يساهم في تعمقه عالمياً تزايد حدة تناقضات النظام الرأسمالي وتزايد معدلات الاستقطاب الاجتماعي ، لكن عدم تحول الفئات الاجتماعية المستغَلة والمفقّرة إلى قوة مادية حاملة للتغيير يتحمل مسؤوليته لحد كبير القوى السياسية اليسارية التي انحرفت عن مواقعها الطبقية الحقيقية نتيجة لتمسكها بأشكال سياسية واقتصادية ليبرالية تتناقض مع مصالح مجتمعاتها ،وكان هذا التحول مرتبطاً بانهيار المنظومة السوفيتية وهيمنة النمط الرأسمالي المعولم بشكله الأمريكي وبأشكال الممارسة السياسية الشمولية القائمة على العنف . إن المناخات الدولية الراهنة الحاملة في داخلها إمكانيات تشكل بديل طبقي عالمي تفترض موضوعياً من قوى اليسار المساهمة الفاعلة والجدية لتشكيل قطب يساري/ماركسي عالمي على قاعدة التعددية والتنوع القائم على المفاهيم الديمقراطية والممارسة الديمقراطية ببعدها السياسي والاجتماعي ، وتوفر الظروف الموضوعية لتجاوز الاستنقاع السائد لا يمكن أن يحمل إمكانية التغيير من دون تجاوز قوى اليسار لأزماته الذاتية الراهنة ليكون البديل الموضوعي المعبّر عن التحولات العالمية المستقبلية . إذ أن البديل السياسي الموضوعي يبقى قوة كامنة عديمة الفاعلية طالما لم يتحول إلى قوة تغيير تحملها قوى اجتماعية . إن سعي حكومات الدول الرأسمالية للخروج من أزمتها الراهنة للحافظ على استمرار سيطرتها الطبقية يواجه مصاعب متعددة يصعب جراءها تثبيت الوضع العالمي ، وتكمن هذه النقاط في : 1ـ التناقضات الداخلية للعولمة الرأسمالية / نمط التراكم الرأسمالي ، مخاطر الحروب ... ،2 ـ مقاومات اجتماعية مزمنة من نضالات طبقية /انفجارات و تمردات ضد غلاء المعيشة، وحركات من أجل التحكم بالموارد الطبيعية، و تمردات من أجل الديمقراطية ... 3ــ بفعل أزمات سياسية، أزمات قيادة برجوازية مركبة مع أزمات تمثيل سياسي... /. مما يضع على كاهل الأحزاب الماركسية واليسارية تحديداً النهوض من كمونها وتجاوز تشتتها والتركيز على تشكيل قطب ماركسي عالمي يعزز فكرة التنسيق والتحالف بين قوى اليسار المناهض لتناقضات النظام الرأسمالي على الأسس الديمقراطية بكونها مشروعاً اجتماعياً متكاملاً ، ومعتمداً بذات اللحظة على حامله الاجتماعي والطبقي في سياق التركيز على أهمية إنجاز المشاريع التنموية الذاتية مستفيداً من المتغيرات السياسية والاقتصادية الراهنة ، لكونه حتى اللحظة يشكل البديل الموضوعي للرأسمالية . وبذات الوقت يجب إعادة الديمقراطية وربطها عضوياً بالمنظومة الماركسية بكونها مفهوماً يدلل على مشروع اجتماعي متكامل في أبعاد ومستوياته الاجتماعية . (إن الرأسمالية تحمل في بنيتها الداخلية بذور أزمة بنيوية متجددة لا يمكن تجاوزها إلا بتجاوز النمط الرأسمالي)
1/11/2008 [email protected]
ديالكتيك الطبقي والقومي (مدخل إلى نقد كتاب مرقص: الماركسية السوفييتية والقضايا العربية) نايف سلّوم
في تقسيمه المسائل في هذا الكتاب إلى "داخلي" و "خارجي" يجري مرقص تصنيفاً عجيباً يخلط المستوى السياسي بـ الاجتماعي / الاقتصادي للطبقة المسيطرة . يسأل مرقص: ما هو "الداخلي" و"الخارجي" ؟.. لعل ( ك أو زميله من العلماء والساسة السوفييت) يعتقد أن الوحدة كانت في سوريا 1958-1961 جزءاً من الداخلي ثم صارت في 28 أيلول 1961 جزءاً من الخارجي ! أستطيع أن أقول، والقول لمرقص : هذا ما أراه ، هذا ما تراه عيناي ، الوحدة خارج سوريا بعد 28 أيلول 1961 ... ولكن هذه اللحظة في معرفتي هي اللحظة التجريبية ، الحسية ("الملموس السوفيتي") وهي لا تشكل معرفة علمية ولا معرفة حقيقية"1 بكل بساطة أقول: عندما تحققت الوحدة السورية المصرية أصبح لدينا ما يسمى دولة الوحدة ، ولهذه الدولة مجتمعها "المدني" ، أي مجتمعها الداخلي؛ وتنظيمها للعملية الاقتصادية ، ولها تمظهراتها الخارجية كطبقة أو طبقات مسيطرة في سوريا و مصر كمجتمع واحد "داخلي" . مع الانفصال عادت مسألة الوحدة إلى المستوى السياسي ؛ أي عادت لتظهر كتمظهر "خارجي" لتنظيم الطبقة الحاكمة في كل من مصر وسوريا ولسيطرة كل منهما الداخلية وهيمنتها على مجتمعها في ذلك الوقت. إن ما يحدد شكل تحرك طبقة وهيمنتها حتى على جغرافيتها السياسية هو الطبيعة الاجتماعية للطبقة وشكل سياساتها ؛ فإذا كانت هيمنتها ضعيفة تشقق البلد ذاته وانصدع، وإذا كانت ذات هيمنة كبيرة وواضحة وبرنامج اقتصادي اجتماعي ذي توجه شعبي حق اندفعت نحو الوحدة وتوسع مجال هيمنتها. يكتب ماركس: "إن المجتمع المدني يشتمل على مجمل علاقات الأفراد المادية ضمن مرحلة معينة لتطور القوى الإنتاجية. إنه يشتمل على مجمل الحياة التجارية والصناعية لمرحلة معينة ، وبذلك يتعالى على الدولة والأمة ، بالرغم من أنه يتوجب عليه ، من الجانب الآخر أيضاً ، أن يؤكد نفسه في علاقاته الخارجية بوصفه وطن (وطنية) ، وأن ينظم ذاته في الداخل بوصفه دولة" 2 . وعند تحقق وحدة قطرين تغدو الطبقات المسيطرة متحدة وتتمظهر خارجياً وتفرض سيطرتها الداخلية عبر الهيمنة وعبر الإكراه. هنا الخارجي هو تمظهر مجتمع الطبقة المسيطرة. ومن هنا يكون الجولان السوري المحتل قضية سياسية من القضايا السياسية للطبقة المسيطرة في سوريا. وعندما يستعاد الجولان يدخل ضمن مجتمع واقتصاد الطبقة المسيطرة . إن النضال ضد الإمبريالية يدخل في عداد القضايا السياسية للطبقة المسيطرة ، لكن النضال ضد الإمبريالية أكثر تعقيداً حيث يشمل سياسات اقتصادية واجتماعية داخلية؛ وهي إعادة توجيه الاقتصاد الوطني بشكل يخدم أكبر قدر من الطبقات الشعبية أي إعادة التوجيه الشعبي للاقتصاد والمشاريع الاجتماعية والاقتصادية ، وهذا يقتضي بالضرورة التنسيق الأممي مع قوى ودول ذات توجه مماثل ، أي التنسيق مع قوى مناهضة للإمبريالية والاستغلال الاقتصادي/ الاجتماعي. نتيجة الاختلاط في مقولات "الداخلي" و"الخارجي" تظهر عبارة مرقص الملتبسة التالية: "سياسياً وفلسفياً لأن "الصهيونية" هي داخل "العرب" و داخل "سوريا" لأن "الإمبريالية" في داخل "العرب" وفي داخل "سوريا" لذلك هناك تناقض وصراع " إذا كانت الإمبريالية والصهيونية أوضاعاً داخلية في كل قطر عربي ، فهذا لا يعني أن الصهيونية والإمبريالية هما أوضاعاً اقتصادية- اجتماعية عنصرية (من العنصر) داخل كل قطر عربي، لكن العنصرية تعني بالضبط سيطرة طبقات بعينها تجعل موازين القوى في البلد المعني تعمل لصالح المشروع الإمبريالي ولصالح الصهيونية ، أي أننا أمام سياسات اقتصادية موجهة ضد المصالح الشعبية ولمصلحة القوى الإمبريالية والصهيونية، لكنها أولاً مصالح طبقات رأسمالية محلية "عربية". هذا القول لا يسمح بمعالجة المسألة خارج نطاق الطبقة المسيطرة في القطر الواحد، وسياساتها في الداخل والخارج. وعلى هذا الأساس تكون الإمبريالية عقبة خارجية ووضعاً سياسياً داخلياً مجسداً بسيطرة طبقة ذات توجه غير شعبي بالتالي غير وطني. وهذه العقبة الخارجية بالمعنى الحرفي تقف عائقاً أمام أي تقدم اجتماعي أو تحديث صناعي في أطراف النظام الرأسمالي. لذلك أقول : إن سيطرة طبقة اجتماعية بعينها أو تحالف طبقات ومجتمع هذه الطبقة "المدني" وشكل توجه وتنظيم العملية الاقتصادية الاجتماعية وسياسات هذه الطبقة في الداخل والخارج هو الذي يحل إشكالية الداخل والخارج وليس وضع العبارات داخل أقواس مزدوجة على طريقة مرقص. إن "ديالكتيك" مرقص لا يسعفه في حل إشكالية الطبقة المسيطرة في القطر العربي الواحد وسياساتها وما هو داخلي وما هو خارجي. يقول مرقص: "إذا كان هناك اعتقاد بأن القضايا الاقتصادية -الاجتماعية لا علاقة جوهرية لها بالعالم الخارجي ، بالإمبريالية ، بالتجزئة، بالاحتلال، بالصهيونية، الخ.. فإن هذا الاعتقاد ليس هو مبدأ هيغل - ماركس- لينين عن الحركة الداخلية للشيء والديناميك الذاتي للظاهرة أو العملية، بل هو مبدأ الهوية والانفصال الميتافيزي" . يغير مرقص اتجاه المناقشة قبل أن يحسم علاقة "الخارجي " بالداخلي ، حيث يقلب الطاولة قبل إصلاحها في محاولة للإشارة إلى أن السياسات الخارجية أو القضايا السياسية كالقومية والتجزئة ، الخ.. لها علاقة جوهرية بالعامل الاقتصادي. حيث يفهم من سياق كلام مرقص أن الداخلي هو العامل الاقتصادي ، أي يفهم من مقولة الاجتماعي- الاقتصادي أنها هي العامل الاقتصادي ولا يرى أن هذه المقولة هي ترجمة للتنظيم الاقتصادي للمجتمع الذي تسيطر عليه طبقة بعينها أو تحالف طبقات بالتالي المسألة ليست اقتصادوية حين نتحدث عن التنظيم الاقتصادي للمجتمع وشكل توجه العملية الاقتصادية . والدليل على اختزال مرقص للتنظيم الاقتصادي للمجتمع بـ العامل الاقتصادي قوله التالي: "إن تأكيد القضايا "الداخلية"؛ "الاقتصادية" و "الاجتماعية" على حساب "الخارجي" و "السياسي" يبدو لنا تأكيدأً اقتصادوياً économiste . بهذا المنظور يكون مارتينوف على حق ولينين على باطل" وأقول إن مرقص على باطل في فهم لينين حين يساوي بين التنظيم الاقتصادي للمجتمع الذي هو شكل سيطرة طبقة اجتماعية على المجتمع وهيمنتها عليه من جهة، وبين العامل الاقتصادي من الجهة الأخرى. فالاجتماعي- الاقتصادي ليس هو العامل الاقتصادي وهذا الخلط بينهما هو الذي خلق هذا التشويش في رؤية مرقص. يعتقد لينين أن على الطبقة العاملة وبرنامجها الديمقراطي ، في تحركها نحو السيطرة والهيمنة أن تفهم جميع الطبقات وموقع كل طبقة في العملية الإنتاجية للمجتمع وطبيعتها وسلوكها السياسي والاجتماعي ، مما يتيح للطبقة العاملة إقامة تحالفاتها على بينة من أمرها ، وهذا لا يلغي في التحليل الاجتماعي الانطلاق بالتحديد من الاجتماعي/ الاقتصادي ، بل بالضبط هو ما يسمح به . يكتب لينين في كتاب "ما العمل؟ المسائل الملحة لحركتنا": "إن الوعي السياسي الطبقي لا يمكن حمله إلى العامل إلا من الخارج، أي من خارج النضال الاقتصادي ، من خارج دائرة العلاقات بين العمال وأصحاب العمل . فالميدان الوحيد الذي يمكن أن نستمد منه هذه المعرفة هو ميدان علاقات جميع الطبقات والفئات تجاه الدولة والحكومة ، ميدان علاقات جميع الطبقات بعضها تجاه بعض. ولذلك ، على سؤال: ماذا ينبغي لحمل الثقافة السياسية إلى العمال ؟ لا يمكن تقديم ذلك الجواب الوحيد الذي يكتفي به في معظم الحالات المشتغلون في الميدان العملي ، فضلاً عن أولئك الذين يميلون منهم إلى "الاقتصادوية" ، ونعني جواب: " التوجه إلى العمال" . فلكيما يحمل الاشتراكيون – الديمقراطيون إلى العمال المعرفة السياسية ينبغي لهم التوجه إلى جميع طبقات السكان ، ينبغي لهم أن يرسلوا فصائل جيشهم إلى جميع الجهات " [التشديد بالخط الغامق من لينين] وإذا كان السياسي عند لينين هو الحزب (كتجاوز للنقابة) ، فهذا يعني أن البرنامج السياسي للطبقة العاملة يأخذ بالاعتبار ليس فقط المصلحة الاقتصادوية- النقابية لهذه الطبقة بل يأخذ بالاعتبار مصالح جميع الطبقات الهامشية الحليفة لها. وعلى هذا البرنامج أن يعي موقع باقي الطبقات الاقتصادي وغير ذلك كـ النقابية والاقتصادوية ومارتينوف وأي شيء شبيه بذلك . يكتب مرقص: "حين توضع المسألة القومية الكبرى في مملكة الخارجي ، فهي بالأحرى وجهة نظر الآخرين، هي الخط الفكري للاقتصادوية في شكلها القديم والجديد وفي كل تصورها الماركسي ، أو بالأحرى شبه الماركسي للسياسة والتاريخ ، للواقع" ومرة أخرى يفشل مرقص في التقاط ما هو سياسي وما هو "مدني" أو اقتصادي/ اجتماعي للطبقة المسيطرة وذلك نتيجة الخلط بين العامل الاقتصادي من جهة والتنظيم الاقتصادي للمجتمع الذي تقوم به الطبقة المسيطرة والمهيمنة. عند حصول الوحدة بين قطرين يصبح الإصلاح والتأميمات أموراً داخلية لدولة الوحدة ، وليست أفعال محمولة "خارجياً" كما يدعي مرقص في ص 17 ، ومع الانفصال 1961 تعود داخلية كل قطر لتمارس ديناميتها حسب طبيعة الطبقة المسيطرة في القطر المعني وتحولات كل منها . ويبقى مرقص يكرر خطأه حين يقول: "إن التضحية بـ "الخارجي" على مذبح "الداخلي " وبـ "السياسي" على مذبح "الاقتصادي" . و "الاجتماعي". وبـ "القومي" على مذبح "طبقي" غريب لا يحدد كمضمون ولا يبرر كمصطلح . هذا ليس اللينينية بل عكسها " . وأقول هذه ميتافيزياء مرقص وليست اللينينية! يقرظ مرقص ظهير عبد الصمد بخصوص شعار الحزب الشيوعي العربي الموحّد، حيث يقول: "وموقف ظهير عبد الصمد في المجلس الوطني التشريني من هذه القضية تطور إيجابي بدد كل التباس.. " والتطور الإيجابي حسب رأيي هي عبارات عبد الصمد التي تقول: أ- إن إقامة الحزب البروليتاري اللينيني العربي ، الشعبي الجماهيري ، هدف وضرورة ؛ ب- إنه عملية (سير تطور وتحول ) تاريخية ، عملية موضوعية لا تنفصل عن النضالات الواقعية ، الوطنية والقومية أولاً والصائرة طبقة داخلية [!؟] التشديد من عندي - نايف يقرظ مرقص وحسب السياق هذه "الوطنية والقومية" ؛ أي هذه الخارجية الصائرة داخلية (طبقية). أولاً، هنا الالتباس تماماً: النضالات الوطنية والقومية هي أولاً ، أي دون النظر والتدقيق في طبيعة الطبقة "القطرية" التي تقود هذه "النضالات" . وثانياً، أن هذه النضالات صائرة طبقة داخلية ؛ أي سوف تقوم ببناء دولة الوحدة . بهذه الطريقة تبقى قيام طبقة أو طبقات في قطر معين بنضالات قومية ووطنية أمراً غير مفسر ، ولا تظهر سوى النتيجة التي هي تحويل النضالات السياسية القومية والوطنية إلى دولة (طبقة؛ داخلية). ثالثاً، العنصر المفقود في هذه المعادلة هو طبيعة الطبقة المسيطرة في سوريا في فترة معينة من تاريخها الحديث ومجتمعها المدني (البورجوازي). من دون تحديد هذا الأمر نقع في السياسوية التي هي ضرب من المثالية الفلسفية . والسياسوية هي الجهة المقابلة للاقتصادوية الميكانيكية التي ينتقدها مرقص بإلحاح. وهي المقابل للعمالوية التي هي نزعة نقابية في الحركة الاشتراكية والتي تخفض النضال البروليتاري إلى مستوى النضال من أجل حصة اقتصادية أنانية أكبر للعمال، وأيضاً هي ضرب من سلوك انعزالي للطبقة العاملة تجاه الطبقات الشعبية المهمشة الأخرى. عندما يذكر مرقص الانقسامات التي قد تحصل في الحزب الشيوعي الواحد في القطر الواحد ، لا يدفع بقوله هذا إلى نتيجته المنطقية ، لأنه لو فعل ذلك لوصل إلى نتيجة مؤداها أن الانقسامات والصراعات لم تكن حكر على الحزب الشيوعي فهناك صراعات بين البعثيين والناصريين بداية الستينيات من القرن العشرين في سوريا، وهناك صراعات بين أجنحة البعث نفسها إثر ذلك. لو فعل ذلك لتوصل إلى مفهوم مجتمع الطبقة المسيطرة وطبيعة هذه السيطرة في كل قطر عربي وإلى تعبيراتها السياسية بخصوص المسألة الوطنية والقومية ومسألة فلسطين، رغم أهمية موضوع الخط السياسي للحزب الشيوعي. يكتب مرقص: "الأيديولوجيا الحقيقية ليست عموميات لفظية ، بل هي تجد تعبيرها و تجسيدها في خط سياسي عملي . علينا أن نمسك بمسألة الخط الفكري والسياسي، وأن نولي انتباهاً إلى الفوارق الدقيقة " . كان أحرى أيضاً بمرقص أن يولي انتباهاً للفوارق الدقيقة التي تكتنف الطبقات البورجوازية المتوسطة والصغيرة في سوريا وما نتج عن ذلك من تناحرات سياسية بين أجنحتها فترة الستينات من القرن العشرين. نعم علينا أيضاً أن ندقق في الفوارق، في البرنامج السياسي لأي حزب شيوعي حتى نحدد تماماً ما هو معبر عن المشروع السياسي للطبقة العاملة وما هو معبر عن مصالح حلفائها في الطبقات الشعبية المهمشة الأخرى من البورجوازيين الصغار والمتوسطين. إنّ في أساس هذا التدقيق صراع طبقات ومجتمع طبقات مهما كانت الصورة غائمة والتداخلات شديدة والحدود بين الطبقات مشوشة ، ومتى كان التاريخ يعطي حالات نقية في أية ظاهرة!. لا يريد مرقص التحدث عن أن الصراع حول الفوارق الدقيقة في البرنامج السياسي هو تعبير عن صراع طبقات أو أجنحة طبقة وذلك حتى لا يتهم بلوثة "الطَبْقوية" . وعند هذه النقطة يسهب في ذكر الفلسفة والفلاسفة ، أي يشهر تبجحه "الثقافي" حتى يفحم خصومه في النقاش السياسي ؛ يقول: "... وأن تولي انتباهاً إلى الفوارق الدقيقة ، وإلى كفاح لينين على هذه الفوارق الدقيقة ، إلى النهايات الصغرى ، إلى الفيلسوف ليبنتس، وقراءة لينين فيورباخ عن ليبنتس. التلسكوب (المنظار الفلكي الكبير) لا يكفي ، نحتاج إلى ميكروسكوب (مجهر) " ، إلى آخر هذا الهرج والمرج . وأريد أن ألاحظ بشكل عابر انشغال مرقص بـ فيورباخ . ومعروف عن الأخير نزعته المادية التأملية أو الميتافيزيقية . يعود مرقص ليؤكد أن مسألة الخط السياسي هي الأساس في قيام حزب شيوعي عربي موحد، وليس مسألة طبيعة الطبقية المسيطرة في كل قطر من الأقطار العربية والتركيبة الطبقية في هذه البلدان. يقول: "إن ربط فكرة قيام حزب عربي شيوعي موحد بفكرة العمل على برنامج بروليتاري واضح وخط واضح هو أمر مصيب رغم واقع التجزئة ، لأن وحدة القطر الواحد لم توقف تشقق الحزب الشيوعي السوري اللبناني" . إن قيام حزب موحد بعد انجاز اتحاد الجمهوريات العربية الاشتراكية أمر لا معنى له و نافل ومراسيمي ، لأن على هذا الحزب أن يخوض النضال من أجل ذلك الهدف ، وليس العكس. بالتالي فإن واقع التجزئة يفترض ضرورة التنسيق بين الماركسيين العرب لإقامة برنامج الحزب البروليتاري وبيان وتوضيح التحالفات الشعبية والمهمات الديمقراطية في هذا البرنامج. إن برنامج الطبقة العاملة الديمقراطي يفترض وضع قضية الوحدة العربية في صلب اهتمامه وعليه أن يعمل على ذلك. يكتب مرقص بصواب: "إن "المفهوم القومي" عاجز عن تحقيق الأهداف القومية ، وأن غالبية القيادات التي انطلقت منه انتهت بسرعة إلى مواقف معادية للوحدة العربية." . لكن من أين تأتي هذه الملاحظة الصائبة والمحقة؟ إنها تأتي من الدروس التاريخية التي أثبتتها الحركات الاجتماعية والثورات في القرن العشرين ومفادها أن البورجوازية بكل أشكالها العائلية والإقطاعية والمتوسطة والصغيرة عاجزة عن إنجاز المهام الديمقراطية ومنها الوحدة القومية والتي كانت في القرن التاسع عشر من مهمات البورجوازية. وجاء كتاب لينين "خطتا الاشتراكية في الثورة الديمقراطية" لتثبيت هذه الإستراتيجية الجديدة وهي أن على البروليتاريا وبرنامجها الديمقراطي " أن تنجز ما باتت البورجوازية عاجزة عن إنجازه من مهمات وعليها وفق ذلك أن تهتم ببناء برنامج ديمقراطي واسع يؤمن لها أكبر تحالف شعبي تهيمن فيه عبر برنامجها الديمقراطي وذلك بالفعل لتحقيق المهمات الديمقراطية والسياسية، ومنها الوحدة القومية العربية. إن سيطرة طبقات بورجوازية متوسطة وصغيرة على السلطة في مصر وسوريا جعلها تتحول إلى القطرية بسرعة وتهمل النضال من أجل الوحدة العربية. الانطلاق الصحيح يكون من دراسة المجتمعات العربية وطبقاتها في كل قطر و بشكل تفصيلي وعلى أساس هذه الدراسة يتم وضع برنامج ديمقراطي يأخذ في حسابه مصالح أكبر قدر من الجماهير . لم تستطع البورجوازية الصغيرة والمتوسطة في مصر وسوريا فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي الاستفادة من الطاقة الثورية للفلاحين لإنجاز الوحدة العربية والتصنيع العربي والتحديث الاجتماعي ، وذلك على العكس من التجربتين الروسية والصينية في التحديث والتصنيع القوميين. هوامش 1 - الياس مرقص: "الماركسية السوفييتية والقضايا العربية" ، دار الحقيقة بيروت 1973، ص 14 2 - ماركس، انجلز : "الأيديولوجية الألمانية " ترجمة الدكتور فؤاد أيوب ، دار دمشق 1976 . وقد وردت العبارة حسب ترجمة أيوب كالتالي: "بالرغم من أنه يتوجب عليه ، من الجانب الآخر أيضاً، أن يؤكد نفسه في علاقاته الخارجية بوصفه قومية ، وان ينظم ذاته في الداخل بوصفه دولة" . وقد ترجمنا كلمة nationality الواردة في النص الإنكليزي للأيديولوجية الألمانية بـ وطن أو وطنية بدل قومية التي تركت للكلمة الإنكليزية nationalism 3 الماركسية السوفييتية والقضايا العربية ، مرجع مذكور ص 14 4- الماركسية السوفييتية والقضايا العربية ، مرجع مذكور ص 15 5- الماركسية السوفييتية ... مرجع مذكور ص 15 6- لينين: المختارات في 10 مجلدات ، المجلد 2 (1902-1905) دار التقدم موسكو ، ترجمة الياس شاهين 1977 ، ص 105-106 7- الماركسية السوفييتية و ... مرجع مذكور ، ص 16-17 8- يقول مرقص: "إن "وجهة النظر الطبقية " التي يحملها السوفييت تنسى أن الإصلاح الزراعي أو تأميم الرأسمال المصرفي والصناعي قد جاء محمولاً على جناح الوحدة السورية - المصرية، على ظهر "الخارجي"" ص 17 ونسأل مرقص : هل سقط هذا الإصلاح الزراعي وذاك التأميم مع تفكك الوحدة أم أن قوى اجتماعية ناهضة تبنت هذا الأمر في كل من سوريا ومصر. إنه تلاقي صعود المسألة الفلاحية واستحقاق الإصلاح الزراعي في كل قطر. 9- الماركسية السوفييتية و .. مرجع مذكور، ص 17 10- الماركسية السوفييتية و ... مرجع مذكور ص 22 11- نذكر هنا الصراع بين الجناح الريفي والجناح المديني للبورجوازية الصغيرة ضمن حزب البعث حتى 1966 والذي انتهى بانتصار الجناح الريفي نظراً لهيمنة المسألة الزراعية وقضية ملكية الأرض في تلك الفترة من النضال السوري. 12-الماركسية السوفييتية و .. مرجع مذكور ص 22 13-راجع كارل ماركس: أطروحات (مطارحات) عن فيورباخ. الأطروحة الخامسة: "إن فيورباخ ، الذي لا يكتفي بالفكر المجرد، يستنجد بالحدس الحسي، لكنه لا يعتبر العالم الحسي (الخارجي) بمثابة فاعلية عملية حسية إنسانية" 652 الأيديولوجية الألمانية ترجمة أيوب دار دمشق 1976 .. إن العيب الرئيسي للمادية السابقة كلها -بما فيها فيورباخ - هو أن تصور الشيء، الواقع، العالم الحسي ، لا يتم فيها إلا على صورة الموضوع أو الحدس (التأمل) ، وليس كفاعلية إنسانية حسية ، كممارسة ، ليس بصورة ذاتية" من الأطروحة الأولى . ص 651 14- الماركسية السوفييتية ... مرجع مذكور ص 23
كارل ماركس، فريدريك إنجلز: بيان الحزب الشيوعي نذير جزماتي 1-انه "بيان الحزب الشيوعي" وليس "البيان الشيوعي"حسب ما اعتاد الشيوعيون السوريون القول 2- يتألف هذا البيان من سبع مقدمات لسبع طبعات من عدد لا يقل عن عشرين أو ثلاثين طبعة وأكثر. المقدمات في حياة كل من ماركس و انغلز، هي مقدمة الطبعة الألمانية الثانية في عام 1872، وكانت الطبعة الأولى في لندن قبل ثورة 24 شباط/ فبراير 1848. وقبل الثورة مباشرة صدرت ترجمة فرنسية، وكذلك صدرت الترجمة الانكليزية للآنسة هيلين ماك فارلن في عام 1850 وصدرت وقتئذٍ أيضاً ترجمة دنيماركية وأخرى بولندية. "وأن هزيمة الانتفاضة الباريسية في حزيران/ يونيو 1848- وكانت أول معركة كبيرة بين البروليتاريا والبرجوازية- نحّت من جديد إلى الظل لمدة من الوقت مطامح الطبقة العاملة الأوربية في الميدانين "الاجتماعي والسياسي" (من مقدمة الطبعة الانكليزية عام 1883) أما المقدمة الثانية، فتخص الطبعة الروسية الثانية عام 1882. والمقدمة الثالثة للطبعة الألمانية عام 1883 وكان ماركس قد مات قبل فترة وجيزة جداً من حزيران/يونيو من تلك السنة . والمقدمة الرابعة هي مقدمة الطبعة الانكليزية عام 1888 التي بيّن فيها فريدريك انجلز أن البوليس السري البروسي كشف المجلس المركزي لعصبة الشيوعيين ، واعتقل أعضاؤه، وأحيلوا إلى المحاكم عام 1852 وحكم على سبعة منهم بالأشغال الشاقة مدداً تتراوح بين 3 سنوات و6. وبعد الحكم مباشرة، حلّ الأعضاء الباقون العصبة رسمياً. وغدا "البيان" بعدئذٍ نسياً منسياً. " وحين استعادت الطبقة العاملة الأوربية من القوى ما يكفيها لشن هجوم جديد على الطبقات الحاكمة، انبثقت جمعية الشغيلة العالمية (الأممية الأولى) التي ستعيش عدداً من السنين ثم تُُحل بسبب الخلافات في داخلها (انظر الصفحة الثانية والثالثة من المقدمة المذكورة) وعاد "البيان" إلى مكان الصدارة من جديد – حسب ما ورد في المقدمة المذكورة, وأعيد منذ عام 1850 طبع النص الألماني مراراً عديدة في سويسرا وانكلترا، وأميركا. وفي عام 1872 ترجم مجدداً إلى الانكليزية في نيويورك..ونقلاً عنها صدرت ترجمة فرنسية..وبعدها صدرت في أميركا، على الأقل ، ترجمتان انكليزيتان... وترجم باكونين البيان إلى الروسية عام 1863 وصدرت ترجمة روسية أخرى عام 1882. وترجم إلى الفرنسية ومنها إلى الاسبانية..وهناك ترجمة أرمنية.. ويشرح انجلز في المقدمة المذكورة (أي الانكليزية عام 1888 ) أوضاع وأفكار من كانوا يسمون بالاشتراكيين. ولهذا السبب لم يطلق كل من ماركس وانجلز على البيان اسم "بيان الحزب الاشتراكي" وبشكل عام "لم يكن هؤلاء جميعاً سوى أناس يقفون خارج حركة الطبقة العاملة وينتظرون العون والتأييد من الطبقات "المثقفة". أما ذلك القسم من الطبقة العاملة الذي اقتنع بعدم كفاية الانقلابات السياسية الصرف و نادى بضرورة إجراء تغيير اجتماعي جوهري كامل، فأطلق على نفسه إذ ذاك اسم الشيوعي. "ومع أن "البيان" جاء ثمرة عملينا المشترك – حسب انجلز في المقدمة المذكورة- إلا أني أرى أن من واجبي أن أعلن أن فكرته الرئيسية التي تشكل جوهره، إنما هي فكرة ماركس، وهي الفكرة التالية" أن الأسلوب الاقتصادي السائد في الإنتاج والتبادل يشكل، في حقبة تاريخية معينة، مع التنظيم الاجتماعي المنبثق بالضرورة عنه، الأساس الذي يقوم عليه تاريخ هذه الحقبة السياسي والفكري، والذي يمكن بالاعتماد عليه، فقط تغيير هذا التاريخ ،وبالتالي، فان كل تاريخ الإنسانية (منذ انحلال المجتمع البدائي القبلي، والملكية المشاعية للأرض ) قد كان تاريخ النضال بين الطبقات المستثمِرة والمستثمَرة، بين الطبقات الحاكمة والمحكومة، وأن تاريخ هذه النضالات الطبقية يؤلف سلسلة من المراحل المتعاقبة بلغت اليوم مرحلة لا يمكن فيها للطبقة المستَثمَرة والمضطهَدة- أي البروليتاريا_ أن تحرر نفسها من نير الطبقة المستثمِرة والحاكمة، أي البرجوازية - دون أن تحرر معها المجتمع بأسره، في الوقت نفسه والى الأبد، من كل استثمار واضطهاد، من كل الفوارق الطبقية والنضالات الطبقية." والمقدمة للطبعة الألمانية عام 1890 أي قبل موت انجلز بخمس سنوات وفيها يُذكّر بالترجمات التي صدرت باللغة الروسية وبغيرها. ولم تكن ثمة معارضة في روسيا والولايات المتحدة " ففي ذلك العهد كانت روسيا آخر قوة احتياطية كبيرة للرجعية الأوربية بأسرها، كما كانت المهاجرة إلى الولايات المتحدة تمتص ما يطفح من قوى البروليتاريا الأوربية. وكان هذان القطران يزودان أوربا بالمواد الأولية ويقدمان لها في الوقت نفسه سوقاً لتصريف منتجاتها الصناعية، وعليه كان كل منهما بطريقة أو بأخرى، بمثابة دعامة للنظام القائم في أوربا. 2 أقام كارل شابير، وهنريخ باور، ويوسف مول..في لندن في 7/2/ 1840 جمعية العمال الألمان التثقيفية العلنية. وقد كانت هذه العصبة بالنسبة إلى "عصبة العادلين" أو "رابطة العادلين" مكاناً لكسب الأعضاء الجدد. وبعد فترة وجيزة، أصبح للعصبة في لندن بضع روابط أو "محافل". وانتشرت العصبة انتشاراً كبيراً. ففي سويسرا، على سبيل المثال، كتب فيلهلم ويتلينغ خطاباً شيوعياً التف حوله عدد كبير من المنتسبين الجدد، وكذلك في ألمانيا، وفرنسا. وأُضيف إلى اسم الرابطة في لندن كلمة "الشيوعية" وكان القدماء هنا وهناك ينتظرون الفرصة المناسبة لإعلان ثورتهم الشيوعية.. وظهر في الحولية الألمانية- الفرنسية (وهي مجلة كانت تصدر في عام1844 ) مقال لماركس أشار فيه إلى الأهمية القصوى للعامل الاقتصادي. وأسس ماركس و انجلز "رابطة العمال الألمان" في بروكسل. وانعقد مؤتمر عصبة العادلين في لندن في صيف عام 1847 بعد انتساب ماركس و انجلز وأُعيد تنظيمها من لجنة مركز ومؤتمر إلى ما سمي بعصبة الشيوعيين. وكان التنظيم مفعماً بالديموقراطية، ويشتمل على لجان منتخبة يمكن في كل لحظة استبدالها. وكان هذا وحده يقطع الطريق أمام كل مسعى تآمري يبتغي الدكتاتورية. وانعقد المؤتمر الثاني للعصبة في أواخر ت2/نوفمبر وأوائل ك1/ديسمبر 1847 وعهد إلى ماركس و انجلز بوضع بيان. فقاما بصياغة"بيان الحزب الشيوعي" وأرسل إلى الطباعة في لندن..وحُلت اللجنة المركزية نفسها اثر ثورة شباط/فبراير 1848..ولوحق الأعضاء في كولونيا..وصدرت الأحكام في عام 1852 فحلّ ماركس و انجلز العصبة. وبذلك انتهت المرحلة الأولى من الحركة الشيوعية الألمانية. وتضمنت الطبعة الألمانية عام 1890 شيئاً عن حياة "البيان" الذي قذفت به الرجعية إلى مركز ثانوي عقب انكسار العمال الباريسيين في حزيران 1848، ثم أصبح محرماً بمقتضى القانون إثر صدور الحكم على شيوعي كولونيا عام 1852. ولما استعادت الطبقة العاملة الأوربية قواها لهجوم جديد نشأت "جمعية الشغيلة العالمية- الأممية الأولى".. " فلم يكن باستطاعتنا أن ننطلق بصورة مباشرة من المبادئ المعروضة في "البيان" إذ كان علينا أن نضع برنامجاً لا يقفل الباب أمام النقابات الانكليزية ولا أمام البرودونيين الفرنسيين والبلجيكيين والايطاليين والاسبانيين، ولا أمام اللاساليين الألمان..وضعه ماركس بمهارة." وتم حل الأممية الأولى عام 1874.. وبالنسبة إلى التسمية لم يكن بالإمكان إلا تسميته باسم "بيان الحزب الشيوعي" لأن كلمة "الاشتراكي" كانت تضم في عام 1847 أتباع مختلف التيارات الطوباوية والمشعوذين الاجتماعيين.. مقدمة الطبعة البولونية عام 1892، وهنا "تنبغي الإشارة إلى أن "البيان" قد غدا في المدة الأخيرة بمثابة مقياس يدل على تطور الصناعة الكبيرة في القارة الأوربية. مقدمة الطبعة الإيطالية عام 1893 قبل سنتين من وفاة فريدريك انجلز .." إذا لم تكن ثورة 1848 ثورة اشتراكية، إلا أنها مهدت السبيل وفسحت المجال للثورة الاشتراكية، بفضل النهضة التي عرفتها الصناعة الكبيرة في جميع البلدان.." 3 يتألف "البيان" من مقدمة ومن فصل أول بعنوان "البرجوازيون والبروليتاريون" وفصل ثان بعنوان: "البروليتاريون والشيوعيوين" وفصل ثالث بعنوان "الأدب الاشتراكي والشيوعي"، وفصل رابع بعنوان " موقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة". المقدمة : آن للشيوعيين أن يعرضوا أمام العالم بأسره مفهوماتهم وأهدافهم وميولهم، ولهذه الغاية وضع هذا "البيان". الفصل الأول: البورجوازيون والبروليتاريون إن تاريخ كل مجتمع إلى يومنا هذا لم يكن سوى تاريخ النضال بين الطبقات. فالحر والعبد والنبيل والعامي، والسيد الإقطاعي، و القن، والمعلم والصانع، أي بالاختصار المضطهٍِِِِِِدون والمضطهَدون، كانوا في تعارض دائم، أو كانت بينهم حرب مستمرة، تارة ظاهرة، وتارة مستترة، حرب كانت تنتهي دائماً إما بانقلاب ثوري يشمل المجتمع بأسره ،وإما بانهيار الطبقتين المتصارعتين معاً. ...إن المجتمع البرجوازي آخذ بالانقسام أكثر فأكثر ، إلى معسكرين فسيحين متعارضين، إلى طبقتين كبيرتين، العداء بينهما مباشر-هما البرجوازية والبروليتاريا...وباكتشاف الطريق إلى الهند واكتشاف أميركا لم يعد في استطاعة أسلوب الإنتاج الصناعي القديم الإقطاعي والحرفي، أن يلبي الحاجات التي كانت تزداد مع افتتاح الأسواق الجديدة، فحلت المانيفاكتورة محله، وأخذت الفئة الصناعية المتوسطة مكان المعلمين،.. ومع توسع الأسواق، وازدياد الطلب باستمرار أصبحت المانيفاكتورة نفسها لا تفي بالحاجة...فأحدث البخار والآلة انقلاباً ثورياً في الإنتاج الصناعي، وحلت الصناعة الكبرى الحديثة محل المانيفاكتورة..وكلما كانت الصناعة والتجارة والملاحة والسكك الحديدية تتقدم وتنمو، نمت البرجوازية وازدادت أموالها. "واستولت البرجوازية على كل السلطة السياسية في الدولة التمثيلية الحديثة. فالحكومة الحديثة ليست سوى لجنة إدارية تدير الشؤون العامة للطبقة البورجوازية بأسرها. ولعبت البورجوازية في التاريخ دوراً ثوريا للغاية. فهي قد حطمت دون رأفة الصلات المزخرفة التي كانت في عهد الإقطاع..وهي بالاختصار، استعاضت عن الاستثمار بالأوهام الدينية والسياسية باستثمار مكشوف شائن مباشر..وقد خلقت عجائب تختلف كل الاختلاف عن أهرامات مصر، والأقنية الرومانية والكنائس القوطيّة..والأهم أن البورجوازية لا تعيش إلا إذا أدخلت تغييرات ثورية مستمرة على أدوات الإنتاج، وبالتالي، على علاقات الإنتاج، أي على العلاقات الاجتماعية بأسرها... إن كل العلاقات الاجتماعية التقليدية الجامدة، وما يحيط بها من مواكب المعتقدات والأفكار، التي كانت قديماً محترمة ومقدسة، تنحل وتندثر، أما التي تحل محلها فتشيخ ويتقادم عهدها قبل أن يصلب عودها..وبدافع الحاجة الدائمة إلى أسواق تنطلق البرجوازية إلى جميع أنحاء الكرة الأرضية، فينبغي أن تدخل وتتغلغل في كل مكان، وتوطد دعائمها في كل مكان، وتقيم الصلات مع كل مكان..ومكان الانعزال المحلي والوطني السابق والاكتفاء الذاتي، تقوم بين الأمم صلات شاملة وتصبح الأمم متعلقة بعضها ببعض في كل الميادين. وما يقال عن الإنتاج المادي يقال عن الإنتاج الفكري..ويتألف من مجموع الآداب القومية والمحلية أدب عالمي. وتجر البرجوازية إلى تيار المدنية كل الأمم، حتى أشدها همجية، تبعاً لسرعة تحسين جميع أدوات الإنتاج وتسهيل وسائل المواصلات إلى ما لا حدّ له. فان رخص منتجاتها هو في يدها بمثابة مدفعية ضخمة تقتحم وتخرق كل ما هنالك من أسوار صينية، وتنحني أمامها رؤوس أشد البرابرة عداءً وكرهاً للأجانب.. وانتزعت قسماً كبيراً من السكان من بلادة الحياة القروية. وكما أنها أخضعت الريف للمدينة، كذلك أخضعت البلدان الهمجية ونصف الهمجية للبلدان المتمدنة، الأمم الفلاحيّة- للأمم البرجوازية، الشرق للغرب. إن كل المجتمع الحديث الذي خلق وسائل الإنتاج والتبادل العظيمة الهائلة أصبح يشبه الساحر الذي لا يدري كيف يقمع ويخضع القوى الجهنمية التي أطلقها من عقالها بتعاويذه. فليس تاريخ الصناعة والتجارة منذ بضع عشرات السنين سوى تاريخ تمرد القوى المنتجة الحديثة على علاقات الإنتاج "الحديثة" (الرأسمالية نفسها)؛ على علاقات الملكية التي يقوم عليها وجود البرجوازية وسيطرتها..ويكفي ذكر الأزمات وينقض على المجتمع وباء..هو فيض الإنتاج. فيرتمي المجتمع فجأة في حالة همجية حتى ليخيل للمرء أن هناك مجاعة أو حرباً طاحنة تقطع عن المجتمع وسائل معيشته ومورد رزقه..ولم ذلك؟ ذلك لأنه أصبح في المجتمع شيء كثير من المدنية، وكثير من وسائل العيش، وكثير من الصناعة والتجارة. لقد أصبحت العلاقات البرجوازية أضيق من أن تستوعب الثروات الناشئة في قلبها. فكيف تتغلب البرجوازية على هذه الأزمات ؟ تتغلب بالتدمير القسري لمقدار من القوى المنتجة من جهة، وبالاستيلاء على أسواق جديدة وزيادة استثمار الأسواق القديمة من جهة أخرى. والأسلحة التي استخدمتها البورجوازية للقضاء على الإقطاعية ترتد اليوم إلى صدر البرجوازية نفسها. إلا أن البرجوازية لم تصنع فقط الأسلحة التي سوف تقتلها، بل أخرجت أيضاً الرجال الذين سيستعملون هذه الأسلحة: وهم العمال العصريون، اوالبروليتاريون... وتبعاً لتطور البرجوازية، أي لتطور رأسمال، تتطور البروليتاريا..أي العمال الذين لا يعيشون إلا إذا وجدوا عملاً، ولا يجدونه إلا إذا كان عملهم هذا ينمي الرأسمال. وأصبح العامل عبارة عن ملحق بسيط بالآلة لا يطلب منه إلا القيام بعملية بسيطة رتيبة سهلة التلقين..إلا أن ثمن العمل ( وقد بيّن ماركس فيما بعد أن العامل لا يبيع عمله ، بل قوة عمله) كثمن كل بضاعة في المصنع يساوي تكاليف إنتاجه. وأخذت جماهير العمال المتكدسين في هذا المصنع يخضعون لتنظيم أشبه بالتنظيم العسكري. وكلما ترقت الصناعة الحديثة، استعيض عن عمل الرجال بعمل النساء ولا تبقى للفروق في الجنس أو السن أهمية اجتماعية بالنسبة للطبقة العاملة..ومتى انتهى العامل من مقاساة استثمار صاحب المعمل، وحسبت أجرته، أصبح فريسة لعناصر أخرى من البرجوازية: مالك البيت والبائع بالمفرق والمرابي، الخ.. أما صغار الصناعيين والتجار وأصحاب الايرادات والحرفيون والآخرون؛ أي الدرجات السفلى من الطبقة المتوسطة، فيتدهورون إلى صفوف البروليتاريا، وذلك لأن رساميلهم الضعيفة لا تسمح لهم باستعمال أساليب الصناعة الكبرى.. وتمر البروليتاريا في تطورها بمراحل مختلفة، وتبدأ نضالها ضد البرجوازية منذ نشأتها. . إلا أن الصناعة، عندما تتقدم وتنمو، لا تضخم عدد البروليتاريين فقط، بل تمركزهم أيضاً وتضمهم في جماهير أوسع، وأعظم، فتنمو قدرتهم ويدركون مدى هذه القوة..ويؤدي استمرار الإتقان في صنع الآلات بسرعة متزايدة على الدوام إلى جعل حالة العمال أكثر فأكثر عديمة الاستقرار.. وقد ينتصر العمال أحياناً، ولكن انتصارهم يكون قصير الأمد. ..وإذا كان كل نضال طبقي هو نضال سياسي..فان انتظام البروليتاريا في طبقة، وبالتالي، في حزب سياسي، يحطم بصورة مستمرة، تزاحم العمال فيما بينهم. وكما انتقل فيما مضى قسم من النبلاء إلى جانب البرجوازية، كذلك في أيامنا هذه ينتقل قسم من البرجوازية إلى جانب البروليتاريا، وخصوصاً القسم المؤلف من البرجوازيين المفكرين الذين تمكنوا من الإحاطة بمجموع الحركة التاريخية وفهمها بصورة نظرية." وباعتبار أن بلادنا العربية عموماً وسورية خصوصاً لم تصبح بعد بلداً صناعياً، فـ"إن الفئات المتوسطة من صغار الصناعيين والباعة بالمفرق والحرفيين والفلاحين، تحارب البرجوازية من أجل الحفاظ على وجودها بوصفها فئات متوسطة. فهي ليست إذن ثورية، بل محافظة، وأكثر من محافظة أيضاً، إنها رجعية، فهي تطلب أن يرجع التاريخ القهقرى ويسير دولاب التطور إلى الوراء أما رعاع المدن، هذه الحشرات الجامدة، حثالة أدنى جماعات المجتمع القديم، فقد تجرهم ثورة البروليتاريا إلى حركة، ولكن ظروف معيشتهم وأوضاع حياتهم تجعلهم أكثر استعداداً لبيع أنفسهم إلى المكائد الرجعية. إن الشرط الأساسي للوجود والسيادة بالنسبة للطبقة البرجوازية هو تكديس الثروة في ايدي الأفراد وتكوين الرأسمال وانماؤه. وشرط وجود الرأسمال هوالعمل المأجور. والعمل المأجور يرتكز بصورة مطلقة، على تزاحم العمال فيما بينهم..ان البرجوازية تنتج قبل كل شيء حفاري قبرها، فسقوطها وانتصار البروليتاريا كلاهما أمر محتوم لا مناص منه. الفصل الثاني :البروليتاريون والشيوعيون إن الشيوعيين لا يتميزون عن بقية الأحزاب البروليتارية إلا في نقطتين هما: 1- في النضالات التي يقوم بها البروليتاريون من مختلف الأمم يضع الشيوعيون في المقدمة ويبرزون المصالح المستقلة عن الجنسية والعامة الشاملة لمجموع البروليتاريا 2- في مختلف مراحل التطور التي يمر بها النضال بين البروليتاريا والبرجوازيين يمثل الشيوعيون دائماً، المصالح العامة للحركة بكاملها. فالشيوعيون هم أذن، من الناحية العملية، أحزم فريق من أحزاب العمال في جميع البلدان وأشدها عزيمة، الفريق الذي يدفع إلى الأمام كل الفرق الأخرى. وهم من الوجهة النظرية يمتازون عن بقية البروليتاريين بادراك واضح لظروف حركة البروليتاريا وسيرها ونتائجها العامة...أما هدف الشيوعيين المباشر فهو الهدف نفسه الذي ترمي إليه جميع الأحزاب البروليتارية.. وعلى هذا، باستطاعة الشيوعيين أن يلخصوا نظريتهم بهذا الصدد في هذه الصيغة الوحيدة، وهي: القضاء على الملكية الخاصة. ويأخذون علينا، نحن الشيوعيين، أننا نريد أن نمحو الملكية المكتسبة شخصياً بالعمل، هذه الملكية التي يصرحون أنها أساس كل حرية وكل نشاط وكل استقلال فردي. الملكية، ثمرة العمل والكفاءة! هل يعنون هذا الشكل من الملكية، السابق للمكية البرجوازية، أي ملكية البرجوازي الصغير والفلاح؟ أن كانت هذه هي الملكية التي يعنونها، فليس لنا ، نحن الشيوعيين، أن نمحوها ونزيلها لأن رقي الصناعة قد محاها أو يمحوها يوماً بعد يوم ، ولكن هل يخلق العمل المأجور ملكية للبروليتاري؟ كلا! بل يخلق الرأسمال، أي الملكية التي تستثمر العمل المأجور،والتي لا يمكن أن تنمو إلا بشرط أن تنتج أيضاً وأيضاً عملاً مأجوراً لتستثمره من جديد. فالملكية في شكلها الحالي تتحرك بين هذين الطرفين المتناقضين: الرأسمال والعمل المأجور. إن الثمن المتوسط الذي يشتري به العمل المأجور، هو الحد الأدنى للأجرة، أي مجموع وسائل المعيشة اللازمة للعامل لكي يعيش كعامل. وتنتج من ذلك أن ما يستملكه العامل المأجور بجهده وكده لا يساوي إلا ما يلزمه بالضرورة للاحتفاظ بوجوده الهزيل وللإبقاء على نوعه. فنحن لا نريد أبداً ولا بشكل من الأشكال، محو هذا التملك الشخصي لمنتجات العمل، هذا التملك الضروري لحفظ الحياة البشرية وتكثيرها، فان هذا التملك لا يترك أقل فائض يتسلط المرء بواسطته على عمل غيره. أما الذي نريده فهو محو أسلوب التملك الكئيب المظلم الذي يجعل العامل لا يحيا إلا لأجل إنماء الرأسمال، ولا يحيا إلا بمقدار ما تتطلبه مصالح الطبقة الحاكمة فقط. الفصل لثالث :الأدب الاشتراكي والشيوعي 1- الاشتراكية الرجعية: أ- الاشتراكيةالاقطاعية..ب- الاشتراكية البرجوازية الصغيرة..ج-الاشتراكية الألمكانية أو الاشتراكية "الصحيحية". 2- الاشتراكية المحافظة أو البرجوازية. 3-الاشتراكية والشيوعية الانتقاديتان الطوبويتان, عندما فقدت الإقطاعية إمكاناتها السياسية لجأت إلى الأدب المبهرج الذي لم تعد له سوق رائجة.، كما كان الأمر في الماضي القريب أو البعيد، وان كانت بقايا هذا الأدب لا زالت موجودة في ثنايا أدبنا العربي الحديث. ويمكن تجاوز هذا الجانب من الأدب الأوربي، لأنه ذهب في حال سبيله منذ زمن، أما قراءته كاملاً في "بيان الحزب الشيوعي" فلا تخلو من الفائدة. و يلفت النظر :1- لقد تألفت في البلاد التي ازدهرت فيها المدنية الحديثة، بورجوازية صغيرة جديدة، تتذبذب بين البروبيتاريا والبرجوازيين..ولكن الأفراد الذين يؤلفون هذه الطبقة يتدهورون على الدوام، نتيجة المزاحمة، إلى صفوف البروليتريا.وتنبأ ماركس و انجلز في هذا القسم بـ"الحرب الصناعية المبيدة المهلكة بين الأمم". 2-أما استيراد الآداب الفرنسية إلى ألمانيا فلم يرافقه في الوقت نفسه استيراد الظروف والأوضاع الاجتماعية الفرنسية معها..ومعروف كيف أخذ الرهبان مخطوطات المؤلفات الكلاسيكية في العهد الوثني القديم وغطوها بخرافات وأساطير سخيفة عن القديسين الكاثوليك. 3- وثمة اتجاهات تريد البرجوازية ولكن بدون البروليتاريا، والاتجاه المقابل هو اتجاه تكريه العمال بكل حركة ثورية..وان أي تغيير لا يعود على العمل بأية فائدة..والمطلوب تحقيق إصلاحات إدارية.. 4- الاشتراكية البرجوازية تقول:" إن البرجوازيين هم برجوازيون..لمصلحة الطبقة العاملة." 5- إن الأدب الثوري الذي رافق حركات البروليتاريا (في بداياتها) كان ذا محتوى رجعي، يدعو إلى زهد عام وسواسية خشنة فظة. أما النظم الاشتراكية والشيوعية التي جاء بها سان سيمون وفوريه وأوين وسواهم، فقد ظهرت في المرحلة الأولى غير المتطورة للنضال بين البروليتريا والبرجوازية(وسنعود إلى هذا الموضوع عند عرضنا كتاب الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية" لفردريك إنجلز. 4 الفصل الرابع :موقف الشيوعية من مختلف أحزاب المعارضة. يتحالف الشيوعيون مع الحزب الاشتراكي الديموقراطي ضد البرجوازية المحافظة والراديكالية مع احتفاظهم بحق انتقاد التيارات والأوهام التي خلفتها التقاليد الثورية. وفي سويسرا يؤيدون الراديكالية، دون أن ينكروا أن هذا الحزب مؤلف من عناصر متناقضة..وفي بولونيا يؤيد الشيوعيون الحزب الذي يرى الثورة الزراعية شرط التحرير الوطني...وفي ألمانيا يناضل الحزب الشيوعي بالاتفاق مع البرجوازية ما دامت تناضل هذه البرجوازية نضالاً ثورياً ضد النظام الملكي المطلق وضد الملكية الإقطاعية العقارية وضد البرجوازية الصغيرة الرجعية..والخلاصة أن الشيوعيين يؤيدون في كل قطر من الأقطار كل حركة ثورية ضد النظام الاجتماعي القائم. ويترفع الشيوعيون عن إخفاء آرائهم ومعتقداتهم ويعلنون صراحة أن أهدافهم لا يمكن بلوغها وتحقيقها إلا بدك كل النظام الاجتماعي القائم بالعنف..فليس للبروليتاريا ما تفقده فيها (في الثورة) سوى قيودها وأغلالها، وتربح من ورائها عالماً بأسره. يا عمال العالم ، اتحدوا! هوامش 1- وضع انغلز الملاحظتين التاليتين للطبعة الانكليزية 1888 : نعني بالبرجوازية طبقة الرأسماليين المعاصرين، مالكي وسائل الانتاج الاجتماعي الذين يستخدمون العمل المأجور، ونعني بالبروليتاريا طبقة العمال الأجراء المعاصرين الذين لا يملكون أية وسائل انتاج فيضطرون الى بيع قوة عملهم لكي يعيشوا. وأدخل إنجلز ملاحظة على الطبعة الانكليزية تقول أن انكلترا أُخذت نموذجاً لتطور البرجوازية الاقتصادي وأُخذت فرنسا نموذجاً لتطور البرجوازية السياسي. 2- وعلى الأصح التاريخ المكتوب: ففي عام 1847 كان تاريخ النظام الاجتماعي الذي سبق كل تاريخ مكتوب، أي عهد ما قبل التاريخ، مجهولاً تقريباً. وبعدئذٍ اكتشف هاكستون في روسيا الملكية المشاعية للأرض، وبرهن مورير أن هذه الملكية المشاعية كانت الأساس الاجتماعي الذي انطلق منه تاريخياً تطور جميع القبائل الجرمانية، ثم تبيّن شيئاً فشيئاً أن المشاعة الريفية من التملك الجماعي للأرض كانت من الماضي أو تؤلف الآن الشكل الابتدائي للمجتمع في كل مكان من الهند وايرلندة. وأخيراً اتضح تماماً التنظيم الداخلي لهذا المجتمع الشيوعي الابتدائي بما فيه من ميزات أساسية، عقب اكتشاف مورغان الذي بيّن الطبيعة الحقيقية للعائلة الابتدائية الاولى ومكانها من القبيلة. وبانحلال هذه المشاعة الابتدائية يبدأ انقسام المجتمع الى طبقات متمايزة تصبح آخر الأمر متعارضة. وقد حاولتُ تتبع سير هذا الانحلال في كتابي "أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة". 3-المعلم: عضو كامل الحقوق في الحرفة، معلم في داخل المشغل لا رئيسه (ملاحظة إنجلز على الطبعة الانكليزية1888)
4-أو بألآلات ، ومنها الروبوت؛ الإنسان الآلي ( ن.ج) 5- وقد نجحت هذه الفئات البرجوازية المتوسطة المتخلفة والرجعية ،الخ ..إن كانت بورجوازية بيروقراطية عسكرية أو مدنية على رأس جهاز الدولة، أو حتى البرجوازية الصناعية الصغيرة التي توظف رأسمالها في إنتاج لعب أطفال والعلك والتسالي والخ.. والبرجوازية التجارية الصغيرة والمتوسطة، والفلاحون الأغنياء في الريف، في تأبيد، ولا زالوا يؤبدون هذه الحالة من التخلف والتخبط والاستبداد، ليس من دون مساعدة حاسمة من قبل الامبريالية والصهيونية إن كان في السر أو في العلن، وان كان بموافقة الحكام أو غصباً عنهم. 6- إن هذا الفصل متقدم على الحالة الراهنة لبرجوازية وبروليتاريا وشيوعيي بلداننا لأسباب ذاتية تتمثل بما ذكرناه أعلاه بصدد تأبيد العلاقات السابقة على الرأسمالية من علاقات قبلية وعشائرية وعائلية كبيرة ، ومذهبية وطائفية ، الخ..بقوة العوامل الداخلية و الخارجية المذكورة، وأسباب غير ذاتية، لنقل أنها أسباب خارجية، تتمثل بسقوط دولة الاتحاد السوفيتي وباقي منظومة البلدان الاشتراكية في أوربا الشرقية.
حواشي بيان الحزب الشيوعيّ سعد الذّابح
ما هو الدافع للتزوير في ترجمة ما؟ يوجد بطيعة الحال سببان لهذا التزوير: الأول : دافع أيديولوجي يعبر عن مصلحة اجتماعية متعارضة مع شكل الوعي المراد إيصاله . أي تعبير فكري –أيديولوجي لهذه المصلحة . الثاني: موقف فردي ناجم عن قصور في تحصيل اللغة المترجم عنها واللغة المترجم إليها . وهنا يظهر الجهل كحليف للطبقات السائدة ويظهر المترجم من دون قصد كعدو للنص المترجم وما يمثله من مصالح اجتماعية . يقول الشاعر العربي: إن كنت لا تدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أكبر فقد "ندد ماركس بخيانة ترجمة .. ادغار باور لكتاب .. برودون ما هي الملكية ؟ [مستعرضاً الفقرات التي] أسيئت ترجمتها معقباً عليها بكشف الدوافع الأيديولوجية التي كانت وراء تزوير ادغار باور لكتاب برودون مثبتاً حيال كل فقرة مزورة النص الأصلي ثم الترجمة كما ينبغي لها أن تكون .. [وقف ماركس عند كل تزوير قصدي وعند كل خطأ ناشئ عن جهله اللغة والنحو الفرنسيين .. ] 1 بالطبع ، يتحالف الجهل مع الدوافع الأيديولوجية (مع التعبير الفكري عن المصلحة ) لتخريب ترجمة. يقول ماركس بخصوص ترجمة إدغار باور لكتاب برودون : "كان كتاب برودون هجوماً مزدوجاً من قبل السيد إدغار ؛ هجوماً ضمنياً بالترجمة التي تفرد بها وهجوماً علنياً بالملاحظات الهامشية النقدية، وسنرى أن السيد إدغار أشد تخريباً عندما يترجم منه عندما يعلق "2 البيان الشيوعي هو برنامج رابطة الشيوعيين السنوات 1847-1852 والتي تطورت إثر الأسلاف التالية : 1- جمعية العائلات التآمرية البلانكية ، حيث شكلت رابطة المنفيين الثوريين الألمان في باريس 1834 فرعاً منها 2- رابطة العادلين 1836 والتي تحولت إلى رابطة الشيوعيين 1847 . عرفت رابطة الشيوعيين على أنها جمعية عمال أممية سرية . في المؤتمر المنعقد بلندن في نوفمبر 1847 كُلف ماركس وانجلز بكتابة برنامج مفصل للحزب (الجمعية) نظري وعملي . وبرسم النشر (مُعدّ للنشر) بعد مضي حوالي 25 عاماً وفي سنة 1872 يعلق ماركس وانجلز على البيان بالقول: "لقد شاخ هذا البرنامج اليوم في بعض نقاطه بتأثير التقدم الضخم الذي أنجزته الصناعة الكبرى خلال الخمس والعشرين سنة الأخيرة ، والتقدم الذي أنجزته الطبقة العاملة من حيث تنظيمها في حزب، وأيضاً بتأثير التجارب العملية لثورة نوفمبر".. ؛ ثورة البروليتاريا الباريسية 1848 التي أطاحت بالملكية الدستورية عملياً وبسلطة البورجوازية فكرياً فقط . ثم التجارب العملية الأكثر أهمية التي تركتها كمونة باريس حيث أمسكت البروليتاريا بين يديها لأول مرة ولمدة شهرين بالسلطة السياسية " هذه المقتطفات أخذت من مقدمة الطبعة الألمانية الأولى للبيان الشيوعي لماركس ، انجلز والمنشورة في يونيو/حزيران سنة 1872 لكن، لماذا شاخ هذا البرنامج (البيان) سنة 1872 في بعض نقاطه وبعد مرور خمسة وعشرين عاماً؟ لقد شاخ في بعض نقاطه تحت تأثير أمرين حاسمين : الأول، التقدم الضخم الذي أنجزته الصناعة الكبرى خلال هذه الفترة وهو ما يمكن أن نطلق عليه بالتطور الموضوعي. الثاني ، التقدم المرافق الذي أنجزته الطبقة العاملة على المستوى الذاتي؛ مستوى الوعي السياسي والتنظيم. في رصد هذا التقدم الموازي ، وإذا أعدنا قراءة الفقرة السابقة مع إكمالها ، نرى أن المقصود بالتقدم الموازي ؛ هو تقدم تنظيم الطبقة العاملة السياسي ؛ أي تقدم تنظيمها في حزب سياسي ؛ وبكلمات ماركس وانجلز: "التقدم الموازي الذي أنجزته الطبقة العاملة من حيث تنظيمها في حزب "؛ هذا التقدم تقدم سياسي وأيديولوجي للطبقة العاملة الأوربية وخاصة الطبقة العاملة الألمانية. ثالثاً، أثر التجارب والخبرات العملية لثورة نوفمبر 1848 الباريسية ، وبتأثير من كمونة باريس 1871 ؛ أي بتأثير النضالات الاجتماعية والسياسية التي خاضتها الطبقة العاملة في فرنسا. وهنا يعلق ماركس على ثورة البروليتاريا الباريسية في نوفمبر 1848 بالقول: "لقد أطاحت بالملكية الدستورية عملياً وبسلطة البورجوازية الفكرية فقط" لقد شاخ البيان (البرنامج ) في بعض نقاطه تحت تأثير هذه النضالات والدروس الجديدة التي قدمتها . فقد بينت ثورة 1848 في فرنسا أن سلطة البورجوازية الفكرية/الأيديولوجية قد أطيح بها تاريخياً ؛ أي الفكر البورجوازي والأيديولوجية البورجوازية لم تعودا قادرتين على إنتاج شيء أصيل موجه نحو المستقبل؛ مستقبل البشرية. يكتب جورج لوكاش: "يمكن القول بوجه عام أن انحدار الأيديولوجية البورجوازية ينبثق من نهاية ثورة 1848 .. من بعد ذلك لم تنتج أي شيء أصيل ولا أي شيء موجه نحو المستقبل"3. بينما أشار فشل كمونة باريس إلى درس هام بخصوص تعاطي البروليتاريا الثائرة مع جهاز الدولة البورجوازية القائم ؛ "لقد برهنت الكمونة بوجه خاص على أن الطبقة العاملة لا يمكنها أن تكتفي بمجرد الاستيلاء على جهاز الدولة القائم وتسييره لتحقيق أهدافها الخاصة ... كان لا بد من تفكيك أداة القمع القديمة (الجيش والبوليس) واستبدالها بآلة جديدة". جدير أن نلاحظ أن البيان عرض مبادئ وتكتيكات سياسية (برنامج مفصل) نظري وعملي ، إضافة إلى أنه معد ومصاغ للنشر ؛ أي لتقديمه للجمهور العريض. إن عرض المبادئ أو "النظري" يتضمن طريقة مقاربة واقع فعلي بعينه كمستوى أول ونتيجة هذه المقاربة بالفعل، أي اختبار الطريقة عبر قراءة واقعة معاصرة ؛ بالتالي إعادة إنتاج الطريقة أو المنهج بشكل موسع ومتطور وغني بالمحتوى. بهذا المعنى تكون النظرية هي المقاربة الديالكتيكية التي تعنى بتحليل الظاهرة بتبيان تناقضاتها ودراسة تفاصيلها ؛ علاقاتها الداخلية والخارجية ولادتها وعناصر الزوال فيها والموت، مع تحديد العناصر والعلاقات الأكثر سيطرة، ثم إعادة تركيب الظاهرة من جديد ذهنياً في ضوء العنصر المسيطر أو العلاقة المسيطرة ؛ إعادة تركيبها من جديد بشكل إجمالي ؛ وهو ما أسميه بـ ديالكتيك العينيّ . وهذا الديالكتيك يشتمل على اللحظات التالية: أولاً، تحليل الظاهرة ودراستها بشكل مفصّل ثانياً، تحديد العنصر أو العلاقة المسيطرة في الظاهرة ثالثاً ، إعادة تركيبها عقلياً بناء على المعطيات السابقة وفي ضوء العلاقة أو العنصر المسيطر. أما الجانب العملي أو التكتيكي في البيان فهو دراسة مفصلة للشروط الفعلية الطارئة أو العرضية التي تحصل فيها الظاهرة ومحاولة الاستفادة من كل "التضاريس " الاجتماعية ومن اتجاه الريح وموقع الشمس (اجتماعياً) ، وتشكيل التحالفات والاعتراضات والبيانات أو التشويشات والتخفي وكل أشكال المناورة في خدمة النظرية التي تقود إلى تحقيق المصالح التاريخية والطبقية للبروليتاريا (المصالح الاجتماعية والسياسية للطبقة العاملة). هكذا شاخ البيان الشيوعي أيضاً: "إذا كانت الملاحظات المتعلقة بموقف الشيوعيين من مختلف أحزاب المعارضة4 ما زالت إلى اليوم صحيحة من حيث مبادئها ، فإنها شاخت من حيث ممارستها لأن الوضع السياسي تغير كلياً ولأن التطور التاريخي حكم بالاختفاء على معظم الأحزاب التي عددت في هذا المقطع"5 إن البيان الشيوعي أو البرنامج هو هوية أي حزب سياسي ماركسيّ، وقد ظهر البيان الشيوعي أصلاً لكي يوضح الشيوعيون سنة 1848 "تصوراتهم وأهدافهم واتجاهاتهم"، هذا البيان والإظهار والحضور للتصورات والأهداف والاتجاهات كي يواجهوا "أسطورة الشبح الشيوعي" الغائم والغامض والملتبس بـ "بيان الحزب الشيوعي نفسه" . هنا البيان (بيان الحزب الشيوعي ) هو هوية الشيوعيين 1848 في مواجهة "الشبح الشيوعي" الفاقد للهوية والملتبس والذي يشهره خصوم الشيوعيين في وجه الجمهور؛ البيان هو الوضوح والحضور والإظهار والإشهار في وضح النهار ضد الالتباس والغموض والإشكال وضد الكائن خارج الوصل (كائن موجود من دون حضور؛ الشّبَح) . وهذا يحيلنا إلى الإلحاد كشبح للماركسية في المنطقة العربية ، وعلى الماركسيين العرب تقع مهمة مواجهته ببيان للحزب الشيوعي في أقطارهم. في إبراز ملامح المجتمع الجديد(البورجوازي): "النموذج الأكثر اكتمالاً للمجتمع الجديد المتوزع بين الإقطاعية الصناعية وبروليتاريا المعامل : طبقتان متعاديتان، تولى ماركس وانجلز في وقت لاحق وصف تناحرهما غير القابل للتذليل " . وعلينا هنا أن نفرق بين تناقض غير قابل للتذليل وآخر متلاش(مُذلّل) يصعد ويهبط دون أن يقود إلى تغيير الوضع القائم وتحويله. يكتب جان سيغمان: "لم تكن الإقطاعية الصناعية في الأربعينيات (من القرن التاسع عشر) تتسم في الحقيقة بسمات المجموعة المتجانسة أو الطبقة المغلقة . ففي بلد لم تكن الارستقراطية فيه تقصر نشاطاتها على استغلال أراضيها ، كان ممثلو طبقة نبلاء يملكون على الدوام منشآت صناعية " 6 . كان الإرلندي يقبل بأزهد الأجور وبأقسى الشروط الحياتية التي اكتشفها انجلز عندما زار، بصحبة العاملة الإرلندية الشابة ماري بورنز ، أحياء مانشستر الفقيرة . والملاحظات المباشرة التي جناها من هذه الزيارة تقف وراء ذلك المقطع من البيان الشيوعي الذي ربط دخول النساء والأطفال ، بأعداد هائلة إلى المعامل ، بتعميم استخدام الآلات: "لم تعد هنالك أدوات عمل يختلف سعرها بحسب السن والجنس"7 .. "في عالم أصحاب المعامل ، الذي كانت أصولهم تتباين وأحجام منشآتهم تتفاوت، لم تكن الشكاوى العمالية – الدفاع عن الأجور ، تنظيم شروط العمل والاستخدام – تقابل بردود فعل واحدة." .. "كانت العقلانية الطهرانية ترى في الثروة هبة من الله" وكان "التشريع القديم المعروف باسم السيد والخادم هو دوماً على حق"8. .. "لم يتردد العمال على الإطلاق في اللجوء إلى هذا السلاح ، سلاح الإضراب ، كلما وجدوا الظرف مواتياً. وعلى هذا كان سلوكهم سيبدوا متفقاً مع الفكرة السائدة حول المزاج البريطاني (تسبيق المصالح المادية على إغراءات الأيديولوجية) لو لم يتأرجحوا، حتى الأربعينات، بين العمل السياسي والعمل النقابي" .. في بريطانيا"التحالف بين البروليتاريا والطبقات الوسطى يقوِّض دعائم السلطة السياسية لارستقراطية الأرض : إصلاح 1832 الانتخابي..[تقويض سلطة الرأسمالية الزراعية]" 9 وهنا يتوجب مقارنة هذا الأمر مع ثورة 1848 في فرنسا. في بريطانيا عارض حزب المحافظين (Tory) الإصلاح الانتخابي بينما طالب حزب الـ (Whig) بالإصلاح حيث "طالبت البورجوازية الصناعية بهذا الحق لنفسها ، في حين طالب به الراديكاليون لغالبية الناس " .. صار كل من يشغل عقاراً بدل إيجاره عشر ليرات استرلينية أو أكثر ، مخولاً حق الانتخاب . وكانت البورجوازية الصناعية والتجارية هي الرابح الأكبر."10 لاحظ أيها القارئ ديالكتيك التاريخ هنا حيث البروليتاريا تكمل وتنجز بحركتها التاريخية مصالح البورجوازية الصناعية والتجارية . يكتب انجلز في مقدمة الطبعة الإيطالية للبيان 1893 بهذا الخصوص : ".. إن عمال باريس وحدهم كانوا ،بإسقاطهم الحكومة ، قد صمموا على قلب النظام البورجوازي أيضاً. لكن بالرغم من أنهم كانوا واعين للتناحر المحتوم بين طبقتهم والبورجوازية ، فإن التقدم الاقتصادي للبلاد وكذلك التطور الفكري لجماهير العمال الفرنسيين لم يبلغا المستوى الذي يساعد على تحقيق التغيير الاجتماعي . ولهذا السبب بالذات ، قطفت البورجوازية في النهاية ثمار الثورة.. " 11.. أما الانتصار الحاسم للقضايا التي أعلنها البيان فقد كان ماركس ينتظره من تطور الطبقة العاملة الذهني الذي سينتج بالضرورة من النشاط المشترك والمناقشة"12 . هنا يظهر الوعي لدى البروليتاريا كأحد الشروط اللازمة والحقيقية للتحرر البروليتاري. وفي رأي روبرت أوين (1771-1858 ) أنه "على العمال ألا يعتمدوا على غير أنفسهم" 13 هنا تظهر النزعة العمالوية الانعزالية ذات الحذر الشديد المبالغ فيه تجاه البورجوازية الصغيرة وتجاه إنتلجنسيا بالمعنى الذي كان سائداً وقتها؛ أي المتعلمين من الطبقة لوسطى (البورجوازية المتوسطة والصغيرة). صحيح أن الحذر تجاه هذه الطبقات ومثقفيها أمر مطلوب لكن المبالغة حد القطيعة وإلغاء التحالفات أمر انعزالي وضار بالنضال السياسي للطبقة العاملة ومشروعها الاجتماعي التحرري . عقلية أوين التنظيمية ذات الطابع التعاوني تتعارض مع الرومانسية الثورية . يعتقد أوين أن التعاونية العمالية هي "محطة على طريق الانتقال من النقابية التقليدية إلى الاشتراكية" . يظهر هنا الفهم التطوري والوضعي للأعمال الثورية عند أوين وتظهر نزعته الإصلاحية العميقة. .. ظهر مصطلح الاشتراكية للمرة الأولى في أوساط أوين عام 1825 . جاء في كراس روبرت أوين الشهير ما الاشتراكية؟ (1841 ) ليعطي هذا المصطلح حق المواطنة في اللغة الإنكليزية"14. يكتب إنجلز في مقدمة الطبعة الألمانية للبيان 1890: ".. لم يكن بإمكاننا عند صدوره تسميته بالبيان الاشتراكي ذلك أنه في عام 1847 كان هناك نوعان من الناس مندرجين تحت اسم اشتراكي : من جهة ، المنتسبون لشتى النظم الطوباوية خاصة أنصار أوين في إنكلترا وأنصار فورييه في فرنسا، والذين لم يعودوا جميعاً إلا مجرد شيع هزيلة ، محكوم عليها بالموت البطيء هزالاً. ومن جهة أخرى كان هناك المشعوذون الاجتماعيون من كل شاكلة وطراز الذين كانوا يزعمون أنهم بمساعدة مختلف وصفاتهم السحرية وعلاجاتهم المرقّعة ، سيقضون على جميع صنوف البؤس الاجتماعي دون إلحاق أدنى ضرر بالرأسمال والربح، وفي كلتا الحالتين لم يكن هؤلاء جميعاً سوى أناس غرباء عن الحركة العمالية ، ويسعون بوجه خاص لدعم الطبقات "المثقفة" . وبالعكس من هؤلاء جميعاً، كان ذلك الجزء من العمال ، الذي امتنع بعدم كفاية الانقلابات السياسية الصرف، والذي ينادي بإحداث تغييرات جوهرية في المجتمع، يسمي نفسه شيوعياً. لقد كانت شيوعية بالكاد مهذبة ، سليقية تماماً، وأحياناً لا تخلو من الجلافة ؛ ولكنها كانت من القوة بحيث استطاعت أن تنجب منظومتين من الشيوعية الطوباوية : إيكاريا كابي في فرنسا ونظام فايتلينغ في ألمانيا " ونظام فايتلنغ هذا كان أحد مؤسسي رابطة العادلين التي مر ذكرها. كانت الاشتراكية في عام 1847 مرادفة لحركة بورجوازية ، وكانت الشيوعية مرادفة لحركة اجتماعية. في القارة الأوربية على الأقل ، كانت الاشتراكية تجد طريقها إلى الصالونات ، أما الشيوعية فكان بينها وبين الصالونات حجاب. وبما أننا كنا منذ ذلك العهد نعتقد بكل جلاء ووضوح أن "تحرر العمال يجب أن يكون من صنع العمال أنفسهم" فلم يكن لنا أن نتردد لحظة في الاسم الذي علينا أن نختاره ، ومذ ذاك لم يخطر ببالنا قط أن نتخلى عنه" تضمنت عريضة 1842 مطالب اجتماعية .. ومن جملة هذه المطالب ؛ إلغاء التملك الخاص "للآلات والأرض" .. " ونلاحظ هنا المحتوى الاجتماعي الجذري لهذه المطالب... "حظيت هذه المطالب بنجاح منقطع النظير ؛ إذ ناف عدد الموقعين عليها على ثلاثة ملايين وثلاثمائة ألف ...".. كان الوزراء والمستوزرون ينتمون إلى الأسر الكبرى عينها من تلك الارستقراطية التي عرفت كيف تنفتح على الثروة والموهبة .. لذلك لم يكن للأيديولوجيا سوى دور ثانوي للغاية في المعارك السياسية " وهذا يذكرنا بالدور المتواضع للأيديولوجيا إبان حكم أعيان المدن السورية من أبناء العائلات الإقطاعية الكبيرة في سوريا ، ودور الأيديولوجيا المبالغ فيه مع صعود وزراء من أصول فلاحية أو من طبقات متوسطة مدينية (أصول بورجوازية صغيرة ومتوسطة) إلى سدة الحكم على أثر ثورة 8 آذار 1963 . "عندما لجأت بريطانيا إلى العنف ، لم توفر لا أوكونل الانتهازي ولا دوفي الثوري" كان الملك هو المواطن الوحيد (الملك- المواطن).."كانت المؤامرات والهجمات العسكرية المفاجئة ، والانتفاضات المسلحة الرامية ، لا إلى الضغط على الحكام وإرهابهم على طريقة التحركات الجماهيرية الإنكليزية أو الإرلندية ، وإنما إلى الإطاحة بهم ، هي الأشكال المبتكرة التي أخذها التيار الديمقراطي ، الرومانسي ، الميال إلى الاشتراكية [في فرنسا] " .. فالأقلية البورجوازية والأغلبية الفلاحية كانت قد تبنت ، منذ نهاية القرن الثامن عشر ، موقفاً مماثلاً إزاء الحياة : فالرغبة في ارتقاء السلم الاجتماعي ، والتطلع إلى الحد من ما أمكن من نتائج التقسيمات الوراثية دفعا بالفريقين إلى تقييد الإنجاب" ونلحظ هنا الدور المميز للأيديولوجيا والعقائد الاشتراكية لدى البورجوازية الصغيرة في فرنسا.. "كان رؤساء الورشات الذين يملكون عدداً من الأنوال ويتقاضون أجراً أسوة ببقية رفاقهم ، ويوجهون ورشاتهم بمساعدة عريف أو اثنين ، كانوا يعملون لحساب 300-500 صناعي . ولما كانوا أكثر وعياً وثقافة من بقية زملائهم ، فقد دللوا ، في عامي 1831-1834 ، على قدرتهم على توعية العرفاء وعلى دفعهم إلى المعركة" .. لكن انتشار المنشآت الحديثة في ضواحي المدينة ، كون العرفاء القدامى الذين انقطعت صلاتهم برؤسائهم السابقين ، والفلاحون الأجلاف والطيعون، خلق بروليتاريا من نمط جديد كان بؤسها وجهلها يحولان بينها وبين التفكير " وهنا يتم إظهار أهمية الحالة الذهنية للبروليتاريا في التحولات الاجتماعية. ينبغي عدم المبالغة بالوضع الديمغرافي (السكاني) للمدينة ؛ فقد كان عدد سكان لندن وقتها ضعف عدد سكان باريس الثائرة " ... بالمقابل ، فإن تميز باريس على صعيد الحياة السياسية القومية والدولية جليّ واضح" كان ميل سكان باريس إلى التمرد المسلح تفسره الأغلبية البورجوازية الصغيرة ، والتراث الثوري." هذه الدوائر" التي يتردد ذكر أسماء أحيائها كلما دار الحديث عن ساعات التاريخ الثوري العظمى، كانت مقطونة من قبل طبقة من الحرفيين.. تأصلت جذورها في وسط منفتح على الأفكار الثورية . هنا شعر الريفي، لدى احتكاكه بعمال من أمثاله، وإنما أرقى منه في السوية الأيديولوجية، أنه ينصهر أخيراً بسكان المدينة الأصليين، وأنه يستبدل عالمه العقلي بآخر" يلاحظ هنا أن منبع النزعة الثورية أمران: مهنيون عريقون تهددهم الصناعة الحديثة بالدمار، وثانياً : انفتاح الريفي الذي نزل المدينة على أفكار ثورية متخمّرة لدى طبقة من الحرفيين المدينيين. .. "كان التاريخ الثوري يفرض وطأته على باريس ، لا على لندن" .. لم يكن النجار اللندني لوفيت يفكر في اللجوء إلى نصب المتاريس ، على غرار ما فعله زملاؤه في ضاحية سانت أنطوان (القديس أنطوان) الباريسية للحصول على حق الاقتراع" تأتي قوة الأساطير ؛ اليعقوبية والبونابرتية على أرضية دور الأيديولوجيا الأكبر في وسط بورجوازي صغير، بما فيه أغلبية فلاحية . حقاً، إن الملكيات الصغيرة تولد خفة العقل وسرعة التصديق لأي نصّاب عابر! هذه بيئة خصبة للسحرة والمشعوذين! ... فأزمة 1825-1832 الاقتصادية ضربت المملكة المتحدة بقسوة وعنف لم تعرفهما فرنسا . مع ذلك ، فإن باريس هي التي ثارت وأطاحت بملكها في عام 1830 ." ... كانت دكتاتورية الجبليين ، المعادية للمسيحية أو غير المبالية بها، والمساواتية والتوسعية ، قد ساهمت في إضعاف فكرة الثورة في إنكلترا." .. في نهاية الأربعينيات ، ما كانت سوى فئة متناهية في الصغر من الطبقة العاملة قد توصلت، بعد جهود مضنية ومؤثرة ، إلى إجادة القراءة والكتابة" إن للجماهير قوانينها في التحرك بعيداً عن المجلدات. .. فالتاريخ المجيد للفيالق البولونية التي دمجت بالجيوش الفرنسية كان لا يزال يمدّ الخيال الشعبي بزاده من الصور الحماسية (دور الخيال الشعبي أو المخيال الاجتماعي ؛ الجمعي في صنع التاريخ)... الانتفاضة العمالية في حزيران 1832 .. ظهور العلم الأحمر للمرة الأولى في موكب شعبي .. إذا نظرنا إلى تمرد حزيران المسلح من زاوية مسبباته وتطوره نجد أنه كان ، بخلاف اضطرابات نيسان 1834 وأيار 1839 ، المقدمة الحقيقية لأحداث 1848 . فـ "الجذور المعنوية" لهذا التمرد هي عينها التي ستكون وراء الحملة التي ستشن على الجبهة الوطنية في 5 أيار 1848 ؛ إنها القضية البولونية ، كما أن طابعه البروليتاري جسّد مقدماً التمرد العمالي الكبير في حزيران 1848 : فكما سيحصل تماماً بعد ستة عشر عاماً ، تخلى الوجهاء والأعيان الجمهوريون عن المعركة في حين انفرد ناصبوا المتاريس في مواجهة القوى النظامية المتوحدة تحت راية حماية الأمن. " ... كان هؤلاء الرومانطيقيون، المكابدون من السأم في بلد لا يحدث فيه شيء ، يحتقرون مَلَكيّة تموز المبتذلة والمسالمة .. وكان تطلعهم إلى التغيير يقتات من ذكريات الماضي وأحلام المستقبل" . لاشك علينا ملاحظة العلاقة بين الرومانطيقية والسأم أو الملل "الكبير"؛ والسأم من الفعل سئِمَ. يظهر الشبح كعلامة على بداية تفسّخ الحاضر وانحلاله؛ ويكون لدينا ما يسميه دريدا بـ "القوة- والشكل المستحيل".. مع الانحطاط تنبعث خلافات الماضي بقوة ، لاحظ هذا القول : ".. روحانية الحجاج (البولونيين) التي أصابها الانحطاط ، فقد انبعثت خلافات الماضي وازدادت تعمقاً" ... كان لويس بيروسلافسكي ، الذي ولد في فرنسا من أب بولوني وأم فرنسية ، وترعرع في بولونيا، يجسد النزعة الرسولية القومية البولونية ، والنزعة الرسولية التحررية الفرنسية " يرفع جورج بوخنر 1813-1837 شعار: "السلم للأكواخ والحرب على القصور" وهو مؤلف مسرحية "مصرع دانتون" . نقول هنا: الاشتراكية والشيوعية ناتجين فرنسيين . "ضم اتحاد المنفيين في عام 1834 مثقفين وبضع مئات من العرفاء . وكان هذا الاتحاد على غرار جمعية حقوق الإنسان ، عبارة عن منظمة سرية قائمة على مبدأ التسلسل الهرمي . وقد برز فيها اتجاهان أساسيان : واحد يتزعمه ج. قنداي (1805-1871) وهو جمهوري ريتاني مناهض لبروسيا ، ألحّ على المسألة السياسية (الوحدة) ، وآخر يقوده ت. شوستر تلميذ سان سيمون ونصيرلامونيه، يضع المسألة الاجتماعية في المرتبة الأولى . وبتأثير من تعاليم شوستر. أسّس عمال ألمان في مانيس ، فرانك فورت ، ميونخ، هانوفر ، بريمن ، لايبزغ، وبرلين مجموعات سرية تدين بالولاء للمنظمة الباريسية الأم؛ أعني اتحاد المنفيين " .. في عام 1836 أسس بعض المنشقين اتحاد العادلين" . عندما ننتقل إلى إيطاليا تظهر مشاعر عند مثقفين طليان ؛ مشاعر مثقفي أمة متأخرة ومجزأة ومغلوب على أمرها، فتظهر رسالة الأمة الخالدة ، ويظهر مفهوم الأمة بدلاً من الطبقات ويظهر الاحتماء بالماضي المجيد ؛ "فماضي إيطاليا المدهش هو خير ضمانة لمستقبلها، والشعب الإيطالي وحده صاحب رسالة " سوف يؤسس هذا الشعور بالتأخر والتصنيع اللاحق المحاصر على مستوى أسواق التصريف العالمية، سوف يؤسس لصعود الفاشية الإيطالية بداية عشرينات القرن العشرين. .. من يتوقف عند ارتفاع عدد الناخبين ، القادرين على دفع الضريبة الانتخابية ، وعند تزايد دخل الدولة من الضرائب ، فقد يميل إلى الكلام عن اغتناء فرنسا. بيد أن المراقبين لمتاعب الفلاحين ، ولبؤس العمال وشقائهم ، كانوا على يقين من أن البورجوازية التي أدان توكفيل أنانيتها وندد بسلطانها المطلق ، هي المستفيدة الوحيدة من التقدم الاقتصادي . ومع ذلك كانت فرنسا عام 1848 أول دولة صناعية كبرى في البر الأوربي ؛ فقد سبق الفرنسيون الألمان في السير على خطى الإنكليز " . ومع ذلك فقد حصلت ضائقة اقتصادية في فرنسا 1846-1847 ... وبدأت تطل برأسها ما سوف تكون عليه "الرأسمالية الاحتكارية" ؛ لم تطل هذه الظاهرة (ظاهرة الاحتكار) سوى صناعة استخراج الفحم الحجري والسكك الحديدية . وكانت إلى حد كبير من صنع المصارف بصورة عامة ، و "المصرف الأعلى " بصورة خاصة ، وقد أصاب ماركس عندما نوه في الصراعات الطبقية في فرنسا 1848-1850 بالتفوق الاقتصادي "للارستقراطية المالية" على البورجوازية الصناعية ، وبضعف تعداد بروليتاريا المعامل . فعلى الرغم من التحولات التي طرأت على فرنسا في ظل ملكية تموز ، فإن هذا البلد كان ما يزال في عام 1848 بلد فلاحين وحرفيين." .. كان الفلاحون يشكلون السواد الأعظم من "الطبقات الدنيا" التي ظلت ،حتى 1848 ، مقصية عن الحياة السياسية . وقد قدر ميشليه نسبتهم في عام 1846 بـ 68% من مجمل الشعب" .. كان الفلاح الفرنسي النفعي والشرس في الأعمال" كما وصفه ميشليه بكثير من التعاطف ، يرزح عشية 1848 تحت نير الديون ، وكان يشعر منذ ذلك الحين بأنه ضحية التقدم.." كانت مصطلحات "الطبقات العاملة" أو" الطبقات الكادحة أو "الشغيلة " تعني شيئاً واحداً في فرنسا وفي ألمانيا على حد سواء . وكان اللجوء المعتاد إلى صيغة الجمع يكشف عن تباين العالم العمالي وتنافره" اضطلعت جمعيات المقاومة بدور أساسي في اضطرابات باريس الأعوام 1840، 1843، 1847 ، وكان أعضاء هذه الجمعيات ينتمون إلى المهن القديمة ، باستثناء الميكانيكيين وعمال المطابع من بينهم . وجمعيات المقاومة ، المحدودة عددياً ، والمكرهة على العمل السري ، تنتمي في الواقع إلى ما قبل تاريخ الحركة النقابية .. [أي قبل 1870 ] " .. بدت ثورة 1848 ،المنظور إليها من باريس ، وكأنها انتصار "للطبقات العمالية" على البورجوازية . وكانت هذه الأخيرة قد بلغت ذروة مجدها في بلد غلب عليه الطابع الريفي والحرفي، وخلا من المؤسسات المصرفية ، ولم يعرف سوى بداية حركة تصنيع ، ومنذ توكفيل بالغ معظم الكتاب ، الذين ألفوا وجه المفارقة هذا في صعود البورجوازية ، في تقدير أهميتها العددية وقوة تلاحمها.." كان "الملك البورجوازيّ" هو لويس فيليب ، وكان النظام البرلماني في خدمة الملك والبورجوازية التجارية ".. كانت مسألة إصلاح النظام الانتخابي مرتبطة بمسألة الإصلاح النيابي . وقد ساهمتا كلتاهما ، في تغذية أجواء الاضطراب والهيجان التي تمخضت عن ولادة الجمهورية " .. لم يكن حزب غيزو حزباً طبقياً ؛ كان عبارة عن زبانية من الموظفين اللاهثين وراء الترقية . غير أن مرحلة الاستقرار التي مر بها الحكم بين عام 1840-1848 ، والتي كانت حصيلة التوجه إلى المصالح الأنانية ، شكلت في الواقع غطاءً لمضاربات البورجوازية التجارية ولصفقات الإدارة العليا" هذه هي الشروط الاجتماعية والتاريخية التي ولد في ظلها البيان الشيوعي الشهير منتصف القرن التاسع عشر . هوامش 1 - ماركس-انجلز : "البيان الشيوعي" ترجمه عن الألمانية وعلق بقاموس ماركسي على كلماته النظرية والتاريخية ، العفيف الأخضر، الطبعة الأولى، أيلول 1975 ، دار ابن خلدون للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت، ص 5 2 - البيان الشيوعي مرجع سبق ذكره ص 5 3 - جورج لوكاش: "تحطيم العقل- الجزء الثاني: شوبنهاور، كيركيغارد، نيتشه"ترجمة الياس مرقص ، دار الحقيقة بيروت الطبعة الأولى 1981 ، ص 93 . 4 - البيان الشيوعي ، الفصل الرابع، 5 - راجع البيان ص 22 مرجع مذكور 6 - جان سيغمان : "الثورات الكبرى في التاريخ 1848 – الثورات القومية والديمقراطية والرومانسية " ترجمة هنرييت عبودي دار الطليعة 1983 ص 17 7 - الثورات القومية والديمقراطية.. مرجع مذكور ص 17 8 - الثورات القومية والديمقراطية .. مرجع مذكور ص 18 9 - الثورات القومية والديمقراطية ص 19 10 - الثورات القومية والديمقراطية.. ص 23 11 - البيان الشيوعي ، مرجع مذكور ص 34 12 - البيان الشيوعي ، مرجع مذكور ص 29-30 13 - الثورات القومية والديمقراطية .. ص24 14 - البيان الشيوعي مرجع مذكور ص 25 15 البيان الشيوعي .. مذكور ص 37 16- الثورات القومية والديمقراطية.. ص 28 17- الثورات القومية والديمقراطية ..ص 28 18 - الثورات القومية والديمقراطية ..ص34 19- الثورات القومية والديمقراطية.. ص 35، 36 20- الثورات .. ص 38 21- الثورات.. ص 38-39 22- الثورات .. ص 39 23- الثورات... ص 40 24- الثورات... ص 42 25- الثورات... ص 43 26 - الجبل: كتلة في الجمعية التأسيسية الفرنسية والجمعية التشريعية ، اسميت على سبيل التشبيه باسم "جبل" 1793-1795 الذي كان تكتلاً ثورياً ديموقراطياً في الكونفانسيون إبان الثورة الفرنسية أواخر القرن الثامن عشر. 27- الثورات.... ص44 28- الثورات... ص 45 29- الثورات .. ص 49 30- الثورات.. ص 51 31- الثورات... ص 54 32- الثورات... ص58-59 33- كأنه يشبه مثقفي العروبة في منتصف القرن العشرين 34- الثورات... ص 61 35- اليكسي توكفيل: 1805-1859 ؛ مؤرخ ورجل سياسي فرنسي، مؤلف بصورة خاصة كتاب "حول الديمقراطية في أميركا" 36- الثورات... ص67 37- الثورات .. ص68 38- الثورات... ص 69 39 - الثورات... ص 70 40- فرانسوا بيير غيزو 1787- 1874 : مؤرخ ورجل دولة بورجوازي فرنسي . ملكي من 1840-1848 ، أشرف عملياً على سياسة فرنسا الداخلية والخارجية . 41 - الثورات... الصفحات من 71-74
الحقيقة الموضوعية وجدلية المطلق والنسبيّ1 نجيب رومية تحتل مسألة الحقيقة في الديالكتيك بصفته نظرية المعرفة مقاماً بارزاً. ولطالما كثر الخلاف بشأنها بين المفكرين والفلاسفة. مع أن الجميع في النهاية يقر بوجود الحقيقة عموماً. فما الحقيقة؟ وما مكوناتها؟ وهل يمكن التوصل إليها؟ وكيف نقيس صحة معارفنا؟ وكيف تتم حركة المعرفة باتجاه الحقيقة لأجل بلوغها؟. إن الخلاف الضاري بين الاتجاهات المتعارضة في الفلسفة إنما ينصبُّ حول ما يمكن أن نفهمه من كلمة "الحقيقة". فهل هناك حقيقة موضوعية ليس لمضمونها علاقة بالإنسان ولا بالإنسانية؟ إن المعرفة حين تعكس ما هو موجود في العالم الموضوعي بأمانة ودقة تعتبر حقيقة موضوعية، والاعتراف بها إنما يعني أن العالم وقوانينه قابلة للمعرفة وفق ما هي موجودة بذاتها وبصورة مستقلة عن الوعي الإنساني. كتب لينين: "الحقيقة الموضوعية هي ما لا يتعلق بالإنسان و بالإنسانية في معارفنا، وإن مضمون الحقيقة محدد بشكل كامل بالعمليات الموضوعية التي تعكسها". فالحقيقة موضوعية وتعكس العالم الموجود موضوعياً، ولا يتعلق مضمونها بوعي الإنسان. كتب لينين أيضاً: "أن تكون مادياً يعني أن تعترف بالحقيقة الموضوعية التي تكشفها لنا أعضاء حواسنا". يختلف الفهم الماركسي اللينينيّ للحقيقة اختلافاً مبدئياً عن فهم المثالية لها بشقيها: الذاتي والموضوعي. فالمثالية الموضوعية ترى الحقيقة خاصة أبدية لا ترتبط بزمان ولا تتغير وكأنها موجودة خارج حدود المعرفة الإنسانية، وهذا يضفي على الحقيقة طابعاً غيبياً. أما الحقيقة في المثالية الذاتية فمضمونها محدد بالوعي الإنساني وهي ذاتية تماماً. وبعضهم يرى أن كل ما اتفق عليه الناس ونال اعترافاً عاماً فهو حقيقي، والبعض الآخر يقول: إن ما ينفع الإنسان ويريحه هو الحقيقي (البراغماتيون). وهنا تفقد الحقيقية مضمونها الموضوعي إذ تصبح مرتبطة بالإنسان ووعيه فقط. إن الحقيقة الموضوعية ذاتية من حيث أنها شكل من أشكال المعرفة الإنسانية، فلا معنى للكلام عن الحقيقة بعيداً عن الإنسان وعن وعيه، ولكن الحقيقة موضوعية من حيث المضمون، ولن تكون المعرفة حقيقية ما دامت لا تعكس بأمانة ما هو موجود خارج الوعي الذي يعكسها وبصورة مستقلة عنه، لذلك فالنظرية تظل موضوعياً حقيقة بصرف النظر عن عدد الذين يسلمون بصحتها وعن شخصياتهم، وما دامت الحقيقة الموضوعية تعكس بأمانة ما هو موجود في الواقع، فإنها سوف تستقر في عقول الناس وتنتشر على أوسع نطاق ولو طال الزمن. فالماركسية التي كشفت عن الحقيقة وعن قوانين التطور في الطبيعة والمجتمع لم يكن لها في بداية ظهورها أنصار كثيرون، لكن أصبحت النظرية التي يعترف بها ملايين الكادحين بعد أن وصلت إلى عقول أوسع الجماهير. وهنا لا بد من القول: إن كثيراً من النظريات الخاطئة والمعتقدات البالية والأوهام قد تسيطر على عقول الجماهير العريضة من الكادحين ردحاً من الزمن وكذلك الأفكار المضللة التي تنشرها البورجوازية، ولكن ما هو مزيف وخاطئ لا يكتسب صفة الحقيقة ولو كثر الذين يأخذون به لأنه سينكشف مهما طال الزمن ليُلقى به بعيداً. هناك ناحيتان في حل مسألة الحقيقة لا يصح الخلط بينهما: الأولى: وجود أو عدم وجود الحقيقة الموضوعية، والثانية: كيف يمكن التوصل إلى الحقيقة؟ أنحيط بها كاملة ودفعة واحدة، أم نصل إليها بالتدريج. أما الناحية الأولى فإن الديالكتيك المادي يجيب عن هذا بالإيجاب. بمعنى أن الحقيقة الموضوعية موجودة وهذا ما تعترف به المادية عموماً. أما الناحية الثانية فتقتضي إيضاح العلاقة المتبادلة بين الحقيقة المطلقة والحقيقة النسبية، إن المعرفة الإنسانية مطلقة ، مستقلة، لأنها قادرة على تقديم الحقيقة الموضوعية وعلى عكس الأشياء عكساً صحيحاً. فلا حدود لمعرفتنا، وليست هناك أشياء غير قابلة لأن تعرف بل توجد أشياء لم تعرف بعد ولكنها قابلة لأن تعرف خلال تطور العلم: إن بنية الذرة والطاقة في داخلها ظلتا ولمدة طويلة غير معروفتين ولكنهما الآن بفضل جهود العلماء والمهندسين أصبحتا في خدمة الإنسان ومن أجله، وحتى وقت قريب لم يكن أحد يعرف شيئاً عن أشباه النواقل أو خواصها، أما الآن فقد أصبحت معرفة هذه الأمور تجد مجالاً واسعاً للتطبيق في التكنيك. والوصول إلى القمر كان في زمن ما فوق مدارك البشر واليوم أصبح حقيقة واقعة...ومثل هذا الكثير في نطاق العلوم التي تفضّ ألغاز الكون يوماً بعد يوم. إن المعرفة نسبية ومحدودة (ليست مقفلة) لدى جيل محدد من الناس وفي كل مرحلة من مراحل تطورها، وهذا التناقض بين قدرة الإنسان على أن يعرف كل شيء وبين عدم قدرة أناس معنيين على أن يحققوا ذلك في فترة زمنية محدودة لا يحل إلا من خلال الحركة المتصاعدة للمجتمع الإنساني، وخلال أجيال عديدة متتالية في مسيرة الإنسان التي لا نهاية لها عملياً بالنسبة إلينا. فالحقيقة عبارة عن عملية كما قال لينين:"إن تطابق الفكرة مع الموضوع عبارة عن عملية ، إن الفكرة (الإنسان) لا ينبغي أن تمثل الحقيقة في شكل سكون ميت، في شكل لوحة بسيطة ، شاحبة دون طموح، دون حركة وكأنها الروح الحارسة، وكأنها رقم ، وكأنها فكرة مجردة." فالحقيقة الموضوعية في شكلها التام والكامل تسمى الحقيقة المطلقة، ونعني بالحقيقة المطلقة تلك المعرفة التي لا يمكن أن تدحض خلال التطور التالي للعلم والتطبيق. فهل هناك وجود للحقيقة المطلقة؟ إن الماركسية دون تردد تجيب عن هذا السؤال بالإيجاب. يقول لينين:"إن الاعتراف بالحقيقة الموضوعية أي بالحقيقة المستقلة عن الإنسان وعن الإنسانية يعني الاعتراف بالحقيقة المطلقة على هذا الشكل أو ذاك". والمعرفة مطلقة عندما تتحرك في طريق الحقيقة الموضوعية ولا يمكنها أن تكون مطلقة إلا في حركتها هذه، فالحقيقة المطلقة لا وجود لها خارج حركة المعرفة، وهي مطلقة من حيث مصدرها ومن حيث نزعة الحركة، لذلك فإن جميع فروع المعرفة العلمية تحتوي على نظريات صحيحة بشكل مطلق لا تدحض خلال التطور التالي للعلم، وفي كل حقيقة موضوعية توجد بعض عناصر من المطلق ولكن توجد فيه عناصر وجوانب كثيرة من المطلق (قابلية انقسام الذرة-البروتونات-الإلكترونات والنترونات وهي عناصر الذرة) مثل هذا القول صحيح بشكل مطلق. لا يكتفي الإنسان المادي الديالكتيكي باكتشاف الحقيقة المطلقة بل يرى من الضروري اكتشاف الطريق المؤدي إليها، ولا يكون بلوغها دفعة واحدة لأن هذه الحقيقة تتألف من مجموعة حقائق نسبية، فالحقيقة النسبية هي المعرفة العاكسة للواقع بشكل صحيح من حيث الأساس ولكن ليس بشكل تام، بل ضمن حدود معينة وفي ظروف علاقات معينة أيضاً، ومن خلال التطور الذاتي للعلم تزداد هذه المعرفة دقة وكمالاً وحسّية وعمقاً. إن نظريات العلم تعكس الشيء في ظروف محددة معرّضة للتغير، لذلك فإن أي حكم يعتبر حقيقياً بقدر ما يعكس الشيء بدقة في هذه الظروف، أما في ظروف أخرى فإن حكماً آخر هو الذي يصبح حقيقياً. فالحكم الذي يقول مثلاً: إن الماء يغلي في حرارة درجتها /100/ درجة حسب الميزان المئوي هو حكم حقيقي ولكن بشرط أن يكون موضوع الحكم هذا هو الماء العادي H2O وتحت ضغط عادي، أما إذا أصدرنا هذا الحكم على ماء ثقيل أو غيرنا الضغط فإنه يكف عن كونه حقيقياً، ويتم تدقيق الأحكام باستمرار مع تطور المعارف العلمية مع الأخذ بعين الاعتبار للظروف الجديدة التي تكون فيها هذه الأحكام حقيقية. وعلى هذا النحو يقترب العلم شيئاً فشيئاً من المعرفة التامة الشاملة المطلقة. يقول لينين:"إن التفكير الإنساني قادر بطبيعته على إعطائنا بل يعطينا عملياً الحقيقة المطلقة، التي ليست سوى مجموعة من الحقائق النسبية. وإن كل مرحلة من تطور العلوم تضيف بذوراً جديدة على هذه المجموعة من الحقائق المطلقة، غير أن حدود الحقيقة في كل تقدم علمي تكون نسبية موسعة أو ضيقة كلما تطورت العلوم". فالحقيقة النسبية تعكس الواقع عكساً تقريبياً وغير تام. فقد كتب لينين منذ زمن بعيد: "إن عقل الإنسان الذي اكتشف أشياء رائعة في الطبيعة سيقوم باكتشاف روائع أخرى مقوياً بذلك سيطرته على الطبيعة". إن الحقيقتين، المطلقة والنسبية هما عنصرا الحقيقة الموضوعية وهما متباينان من حيث المصدر ومن حيث درجة الدقة ومن حيث تطابقهما مع الواقع ودرجة الكمال التي تعكسانها. فالحقيقة المطلقة تتألف من حقائق نسبية وكل درجة في سلم تطور العلم تضيف عنصراً إلى الحقيقة المطلقة. فالنظرية الفيزيائية القائلة بأن الإلكترون موجود في تركيب الذرة كجزيء ذي شحنة سالبة هي حقيقة مطلقة، وقد أثبتت هذه النظرية على نحو مؤكد عن طريق التجارب التي كلفت جهوداً كبيرة بذلها العلماء الذين وضعوا ولعدة سنوات فرضيات جريئة عن وجود الإلكترون أما الميتافيزيقيون فيعتبرون المعرفة إما مطلقة فقط أو نسبية فقط، لكن الاعتراف بالحقيقة المطلقة وحدها إنما هو جمود عقائدي، وهذا الجمود لا يرى المعرفة النسبية حقيقة. فهل هناك علم يتألف من حقائق مطلقة خالدة في شكلها الأخير؟ إن مثل هذا العلم لا يمكن أن يوجد. إن الجمود العقائدي يؤدي إلى الانفصال عن الواقع والحياة، فالافتراض القائل بإمكانية بلوغ الحقائق المطلقة المتعلقة بكل ظواهر الواقع يؤدي إلى الاستنتاج القائل بتوقف تطور المعرفة الإنسانية وهذا بدوره يؤدي إلى الركود الفكري. فلو أن الفيزياء مثلاً اكتفت بتلك الحقائق المطلقة التي توصلت إليها في نهاية القرن 19 لما عرفنا شيئاً ما ثابتاً عن نواة الذرة وعن إمكانية استعمال طاقتها....فالجامد عقائدياً لا يلاحظ الظواهر الجديدة في الطبيعة ولا يدرسها ولا يوسع معارفه النظرية بتعميمات جديدة، إنه يتمسك بنظريات قديمة لا تتناسب مع الوضع الجديد للأشياء فيقع في تناقض مع الحياة ويبقى في مكانه راضياً بما توصل إليه. كذلك الوقوف من النظرية الماركسية موقفاً جامداً إنما يعود بالضرر على الحركة الثورية. أما الميتافيزيقيون الذين لا يعترفون إلا بالحقيقة النسبية فهم النسبويون الذين يفسرون واقع تغير معارفنا وحدوث انعطافات في العلم وإلغاء المفاهيم غير الصالحة للحياة على أنه برهان على ذاتية الحقيقة، وفي زعمهم أن معارفنا لا تحتوي على أي شيء صحيح موضوعياً ومطلق، فالمطلق والنسبي ينفي الواحد منهما الآخر...وكل النظريات العلمية نسبية تنفي الواحدة الأخرى، وعلى هذا فإن نظريات العلم-حسب زعمهم- لا تتمتع إلا بقيمة الأدوات المساعدة، ولكنها لا تطمح إلى الاتصاف بالحقيقة الموضوعية، وهذه النسبية سائدة على نطاق واسع في الفلسفة البورجوازية المعاصرة. ومن أشكالها الفلسفة الإصلاحية التي ترى أن موضوعات العلم إنما هي اصطلاحات واتفاقات وموضوعات مشروطة باتفاقنا. يقول بوانكاريه أحد مؤسسي الاصطلاحية: "إذا أردنا الآن معالجة المسألة التالية: هل هندسة إقليدس صحيحة؟ فإننا لن نجد لهذا أي معنى. إن سؤالنا هذا شبيه بسؤالنا: هل النظام المتري صحيح بالمقارنة مع المقاييس القديمة؟ أو كسؤالنا: هل إحداثيات ديكارت أصح من الإحداثيات القطبية؟ إن أية هندسة لا يمكن أن تكون أصح من غيرها بل يمكن أن تكون أنسب من غيرها فقط". إن ما يورده بوانكاريه لا أساس له لأننا فعلاً نستطيع قياس المسافة بالأمتار والأذرع وأخذنا للمتر أو لمقياس آخر كوحدة للقياس هو عملية ذات طابع اصطلاحي وهي نتيجة لاتفاق مسبق، بيد أن بديهيات الهندسة ليست اصطلاحية فهي تعكس علاقات موجودة في الطبيعة. إن بديهيات هندسة إقليدس تعكس العلاقات في مكانٍ الانحناء فيه يساوي الصفر، أما في الأمكنة التي يكون فيها الانحناء إيجابياً أو سلبياً فهي غير دقيقة. فإذا نحن استعملنا هذه البديهيات في الأمكنة الأخيرة فمعنى هذا أننا نهمل المكان مما يجعلنا نحصل على نتائج تقريبية، أما الهندسة اللاإقليديّة فهي تعكس الواقع بشكل أعمق وأكمل مما تعكسه الهندسة الإقليديّة، التي تعتبر بديهياتها ونظرياتها حالة جزئية من بديهيات ونظريات الهندسة اللاإقليديّة. إن الحقائق العلمية ليست ذاتية ولا تعسفية ولا اصطلاحية بل هي حقائق موضوعية. وهي ليست نتيجة لاتفاق الناس عليها بل هي عكس للواقع الموضوعي. إن النسبوي إذ ينفي موضوعية المعرفة يحتج بأن تضاد الحقيقة والخطأ أمر نسبي، فمن المعلوم أن هناك حالات عديدة يظهر فيها أن الموضوعة التي كان العلم يعتبرها صحيحة ليست بصحيحة وبالعكس إن الموضوعة التي كانت تعتبر خاطئة تتمتع بجانب صحيح. لكن الوقائع لا تدحض وجود الحقيقة الموضوعية بل تشهد فقط على أن تطور المعرفة العلمية يسير في الطريق الموصلة إلى هذه الحقيقة ولكنها لا تسير دوماً على خط مستقيم بل غالباً ما تنحرف إلى جانب وقد تعود إلى الوراء أحياناً ...إن طريق المعرفة شاقة ومعقدة ومتعرجة أحياناً للوصول إلى معرفة الطبيعة والمجتمع معرفة صحيحة موضوعياً وعميقة، إنها تحتوي على إمكانية الوقوع في الخطأ لكن الخط العام لتطور المعرفة التصاعدي خط وحيد وهو أنه على أساس الممارسة العملية نتّجه نحو عكس جوهر الظواهر عكساً كاملاً شاملاً نحو الحقيقة المطلقة. إن الديالكتيك المادي يتضمن عاملاً من عوامل النسبية، إذ يعترف بنسبية معارفنا عن العالم الخارجي ولكنه لا يتطابق مع النسبوية، فالنسبوي يعتبر أن المعرفة النسبية نسبية فقط، لكنها في الواقع تتضمن إلزامياً عامل الإطلاق. وعندما تحل في العلم نظرية محل أخرى فإن النظرية الجديدة لا تنبذ القديمة بل تتغلب على محدوديتها متضمنة كل ما هو صحيح موضوعياً في النظريات السابقة. إن المنظومات العلمية حين تنهار لا تختفي دون أثر إذ تقوم على أنقاضها نظريات أكثر كمالاً وأطول عمراً...فالفيزياء القديمة والفيزياء الحديثة هي نسخ عن الواقع ولكن إحداهما تقريبية تخطيطية والأخرى أكثر دقة وعمقاً. إن الاتصال في تطور النظرية يرتدي أشكالاً مختلفة في فروع العلم المختلفة، ففي الفيزياء والرياضيات يمكن للنظرية أن تكون حالة جزئية من النظرية الجديدة التي تتصف بدقة أكبر وسعة أكبر كما هو شأن هندسة إقليدس التي تعتبر حالة جزئية من الهندسة اللاإقليديّة. والفيزياء الجديدة لم ترفض كل النتائج الإيجابية التي تحتويها النظريات الكلاسيكية بل جردتها من مطلقيتها وأشارت إلى الحدود التي يمكن لهذه النظريات أن تطبق ضمنها. والاتصال يجد تعبيره في أنه عند وضع نظرية جديدة تؤخذ جميع الأفكار الصحيحة موضوعياً والتي أبدعها علماء سابقون بعين الاعتبار. فالاقتصاد السياسي الماركسي أخذ كل ما هو صحيح موضوعياً لدى المفكرين أمثال سميث وريكاردو وغيرهما، وطور أساس نظريتهما عن قيمة العمل وجعل منها نظرية علمية متكاملة ومنسجمة وكشف عن مصدر فضل القيمة. إن فهم ديالكتيكية المطلق والنسبي في المعرفة ضروري من أجل معالجة معطيات علم الماضي معالجة صحيحة، وتطور المعرفة هو الحركة التصاعدية التي تقوم بها المعرفة من الحقيقة النسبية نحو الحقيقة المطلقة. ومعطيات علم الماضي قامت بإعداد الطريق أمام علم الحاضر كي يصل إلى المستوى الذي بلغه الآن. فمن دون كيمياء لومونوسوف ودالتون مثلاً لم تكن هناك كيمياء مندلييف. إن الحقيقة كعملية عبارة عن حقيقة محددة تاريخياً. وتنطلق الماركسية من أن الحقيقة المجردة لا وجود لها لأن الحقيقة هي دائماً حسية[عينية] محددة، وهذا يعني أن موضوعات العلم تعكس الشيء أو جانباً من جوانبه أو خاصة من خواصه في ظروف مكانية و زمانية محددة. لقد كتب لينين: "إن كل روح الماركسية وكل فروعها تطالب بأن ينظر إلى كل موضوعة: تاريخياً، وفي صلتها مع الموضوعات الأخرى وفي صلتها مع التجربة الحسية، ولا يجوز إلا هكذا". إن نسيان مبدأ حسية[عينية] الحقيقة، ونشر الموضوعة العلمية على أشياء لا تقبل تطبيق هذه الموضوعة العلمية عليها، أي أشياء لا تعكسها الموضوعة يؤديان إلى خطأ فاحش. كما حاول مثلاً بعض الفيزيائيين الغربيين أن يطبقوا نتائج النظرية النسبية الواقعية بالنسبة لجزء ما معين من الكون على الكون بأكمله، ثم راحوا يتحدثون عن نصف قطر الكون وعن عدد البروتونات وعن توسع الكون وتقلصه. إن مثل هذه النظريات تناقض معطيات العلم القائل بلا نهائية الكون وهي تصب في مصلحة رجال اللاهوت الذين يحاولون التمسك بكل ما يصدر عن رجال العلم ويشتمون منه رائحة الابتعاد عن العلم وعن النظرة المادية الديالكتيكية العلمية المنسجمة. إن العلم يستطيع بالطبع أن يطبق الموضوعات المتعلقة بأشياء معينة على أشياء أخرى. فالنجاحات التي أحرزتها فيزياء النواة الذرية مثلاً أفسحت المجال أمام علماء الفلك لفهم مصدر الطاقة الشمسية، بيد أن العالم الذي يقوم بنقل المعارف التي حصلنا عليها عند دراسة جسم ما إلى جسم آخر يتوجب عليه إثبات صحة هذا النقل، فتطبيق موضوعة علمية ما على أشياء لم تدرس بعد يجب أن يكون في البداية فرضية فقط كي يجري فيما بعد البحث اللازم للبرهنة على قابلية تطبيق هذه الموضوعة. إن مبدأ نظرية المعرفة الماركسية الذي يطالب بحسّية[عينية] الحقيقة يتمتع بأهمية خاصة في مجال العلوم الاجتماعية التي يتغير الموضوع المدروس فيها بسرعة كبيرة، ونتيجة لهذا فإن الموضوعة النظرية المتناسبة مع ظروف معينة والتي تعتبر صحيحة تكف عن كونها صحيحة عندما تتغير الظروف المحيطة بها. إن معيار الحقيقة الوحيد هو التطبيق، إذ يمكننا أن نجادل في حقيقة هذه الفكرة أو تلك، هذه النظرية أو تلك، ولكن التطبيق هو الوحيد القادر على حسم هذا النزاع (الإنتاج-الحياة السياسية-التجربة العلمية...). وقد كتب ماركس: "ليست مسألة المعرفة فيما إذا كان التفكير الإنساني قادراً على التوصل إلى الحقيقة الموضوعية مسألة نظرية بل مسألة عملية. ففي التطبيق ينبغي على الإنسان أن يبرهن على الحقيقة". إن مسيرة الإنسانية التي لا تقهر للانتقال من نظام القهر والاستغلال (الرأسمالية) إلى نظام العدل والحرية (الاشتراكية) هي الدليل القاطع على صحة وقوة الماركسية التي لا تقهر. هوامش 1 - "في سبيل وعي ماركسي جديد". وضع هذا الشعار بالترافق مع عنوان المقالة لذا وجب التنويه- المحرر
هل كارل ماركس من "العيدان الجافة"؟...
ردٌّ على مقالة نايف سلّوم: "إلينا بالغربال!" محمد سيد رصاص
كتب الدكتور نايف سلّوم، في العدد الثالث من مجلة"جدل"، رداً على مقالتي المعنونة بـ:"ماذا بقي من الماركسية؟"،المنشورة في العدد الثاني من "جدل". ما أثار استغرابي في رد الدكتور نايف أنه لم يلامس الفكرة الرئيسية التي هي صلب موضوع مقالتي:الماركسية هي فلسفة، تملك رؤية كلية عن علاقة تعالق البنى (الاقتصادية-الاجتماعية-السياسية-الفكرية)، ترى أن الاقتصاد يشكل مدخلاً وأساساً لفهم هذا التعالق، وأنه كما استخدم فلاسفة آخرون مداخل متعددة لتشكيل بنائهم الفلسفي(مثلاً: كانط = نظرية المعرفة،هيجل= النظرية التاريخية، كونت=العلم) فإن ماركس قد استخدم الاقتصاد لبناء عمارته الفلسفية، وهي (أي الماركسية)عبر هذا المدخل (ما يفسر أربعة عقود من انشغال ماركس البحثي بالاقتصاد بعد تبلور رؤيته الفلسفية عبر نقده لهيجل في نهاية "مخطوطات1844") قد كوَنت رؤيتها للعالم من منطلق"أن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشرط سلسلة أفاعيل الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية بصورة عامة" هذه الفكرة لم تلامس إطلاقاً في الصفحات السبع من رد الدكتور نايف،بل انشغل في الرد على التفاصيل والاستنتاجات التي أتت كنتيجة عن هذه النظرة إلى الماركسية، التي على ضوئها (في مقالتي) جرى تناول آراء فريدرك انجلز، وإدوارد برنشتين،ولينين، وبوخارين، وستالين، والتي أرى أنهم حاولوا تحويل الماركسية إلى"علم" اقتصادي – اجتماعي (على أساس العودة لمادية القرن الثامن عشر الميكانيكية الفرنسية التي وضعها ماركس وراءه) ليستنبطوا من هذا"العلم" رؤية وبرنامجاً سياسيين لحزب، متأثرين بأجواء طغيان الفلسفة الوضعية على المناخ الفلسفي الأوروبي لأربعة عقود حتى عشرينيات القرن العشرين عندما بدأت تطغى فلسفة إدموند هوسرل الفينومينولوجية ووجودية مارتن هايدغر، إضافة إلى كون ذلك عند أولئك المفكرين والقادة السياسيين الماركسيين يلامس ويلاقي النزعة العملية للمتحزبين السياسيين الماركسيين عندما تقدم لهم الماركسية في صورة "علم نهائي" وفي صورة مبسطة عبر مجموعة من الملخصات السهلة مع أزرار"علمية" تجيب على كل سؤال وجواب، وليس عبر تعقيد تتطلبه رؤية فلسفية تنبع من منهج (يستخدم الديالكتيك لمعالجة الظواهر عبر حركتها التاريخية)في دراسة مجتمع وتطوره التاريخي من خلال حاصل تفاعل أفراده مع الطبيعة عبر الاقتصاد تحت ظل نمط إنتاج معين ما يولِد "بنية فوقية" تكون مشروطة ومحدَدة بـ "البنية التحتية" (في إطار استقلال ذاتي نسبي للأولى عن الثانية) تشمل مجالات الفكر والثقافة والسياسة. إن كل من يقرأ كارل ماركس- وأعتقد وأعرف أن الغالبية الكاسحة من الماركسيين السوريين، ماضياً وحاضراً، لم تقرأ شيئاً له- يلمس الفرق الشاسع في طريقة تناول هذه القضايا(وفي الاستنتاجات والأفكار المتولدة) بين ماركس وبين الماركسيين الآخرين المذكورين آنفاً:هذه إشكالية كبرى لا يمكن لأي ماركسي الآن أن يهرب منها وبالذات بعد انهيار البناء السوفيتي في عام1991 الذي أقامه لينين وبوخارين (فيلسوف الحزب البلشفي) وستالين منذ عام 1917. أنا من هذا المنطلق دعيت في مقالتي إلى إقامة غربال لنغربل تراث قرن ونصف من الماركسية (في المجالين النظري والعملي)، وأعتقد أن الدكتور نايف، وغيره،هم ضد هذه الفكرة بالذات، لذلك انشغل في رده بإثارة غبار، وضربات تحت الحزام، بعيداً عن تلك الفكرة، التي تقول بأنه يمكن إقامة غربال، من خلال أصل اسمه كارل ماركس ومنهجه، لغربلة كل تراث الماركسيين، بما فيه بعض استنتاجات وأفكار ماركس المتولدة عبر هذا المنهج. يمكن أن يقول البعض بأن هذا دعوة إلى"أصولية ماركسية".. هذا يحتاج إلى نقاش وأخذ ورد، إلا أن على الجميع أن يدركوا بأن ما أصبح" عيداناً جافة"هي أسماء أخرى ليس كارل ماركس من بينها، وهو الذي ينتعش منهجه من جديد الآن في بداية الألفية الثالثة في الغربين الأوروبي والأميركي،فيما لينين وبوخارين وستالين في وضعية أخرى، وبالتأكيد أيضاً كل من كيم إيل سونغ وبول بوت وخالد بكداش. الآن، حان الوقت لمعالجة بعض المغالطات المعرفية والمعلوماتية الواردة في رد الدكتور نايف: النقطة الأولى:يقول الدكتور بأن مشابهة الاقتصاد عند ماركس (كما هو وارد في مقالي كأساس معرفي لرؤيته الفلسفية) مع الدور الذي لعبته نظرية المعرفة عند كانط والنظرية التاريخية عند هيجل والعلم عند كونت "هي غير مجدية ومضللة لأنها تقوم على تشابهات سطحية لا تعطي إمكانية رصد دور كل منها عبر تطور أوربا" :أنا لم أكن، يادكتور، أريد عبر ذلك معالجة تاريخ الفلسفة الأوروبية بل توضيح دور المداخل الفلسفية عند كل فيلسوف، فقط، ثم نقطة على السطر، لذلك كان غير ذي موضوع ما قدمته في تلك الصفحة التي كتبتها تعقيباً على ذلك في ردك عن كانط وهيجل. النقطة الثانية: الدكتور نايف يرى عيباً في مقالتي أني أقتبس عن"قرَاء لماركس و إنجلز ولينين،و لاأقتبس من المصادر الكلاسيكية المباشرة":أين ذلك؟.. مادامت مقالتي مبنية على نصين لكارل ماركس كانا أساس المقال،وعلى معالجة لنصين من إنجلز،وكل ذلك مستند إلى قراءة استغرقت ثلاثة عقود من الزمن لمؤلفات كارل ماركس، وباقي الماركسيين، هي تشكل أساس نظرتي للماركسية؟.. النقطة الثالثة:يقول الدكتور نايف:"إذن ،يرجع التحديد لأسلوب الإنتاج، بينما الشرط مقولة ترجع للصراعات الطبقية / السياسية": أنا استشهدت بفقرة من ماركس تقول بغير ذلك، وماركس للعلم يستخدم في تلك الفقرة كلمة(condition) كفعل "the mode of production of material life conditions the social, political, intellectual life process in general."2 فيما ترجمة أنطون حمصي عن الفرنسية هي واردة أعلاه، وهو يستخدم أيضاً كلمة يشرط ، وهي كلمة تعني يشرط ويحدّد وهنا المقصود بنص ماركس أسلوب أو نمط الإنتاج، ونفس الكلمة تعني أيضاً كاسم (بالجمع، فيما هنا أخذت s لأنها مضارع بسيط) تحديدات عامة، وشروط ، وأوضاع. النقطة الرابعة: يقول الدكتور نايف: "وهنا، يذكر ماركس كلمة المادي وكلمة الديالكتيك والتي يتجنبهما سيد رصاص في مقالته مدعياً أن ماركس لا يذكرهما" :أنا قلت فقط:"مصطلحي (المادية الديالكتيكية)و(المادية التاريخية)..... مأخوذان من إنجلز، وليس من ماركس، الذي لا نجد في مؤلفاته ذكراً لهذين المصطلحين":هل يستطيع أحد أن يرشدنا أين هذين المصطلحين في كل مؤلفات كارل ماركس؟... النقطة الخامسة:ذكر الدكتور نايف أن"البيان الشيوعي"قد صدر في عام1847:الصحيح هو في شهر شباط 1848.
هوامش - كارل ماركس: "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي"، وزارة الثقافة، دمشق1970، ترجمة أنطون حمصي، ص25).
2 - من نص مقدمة"الإسهام"،كما هو وارد في مختارات ماركس و انجلز بطبعة المنشورات الأجنبية بموسكو،1955، ص ص362-364 من المجلد الأول،
الملفّ السياسي
قراءة في المشهد السياسي السوري
* تجمع اليسار الماركسي في سوريا (تيم)
بيان إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا (تيم)
إلى كافة الشيوعيين والماركسيين السوريين.... إلى قوى اليسار السوري عامة ... إلى عموم المناضلين الوطنيين الديمقراطيين... إلى كافة الملتزمين بمصالح الشعب والطامحين لصنع مستقبل أكثر إنسانية لسورية والوطن العربي وامتدادا للعالم: بصدور الوثيقة التأسيسية لتجمع اليسار الماركسي في سوريا ( تيم ) تكون لجنة الحوار المؤلفة من ممثلي كافة الأطراف الموقعة على الوثيقة قد وضعت بين أيديكم ثمرة عمل استمر ما يزيد عن عام ونصف من الحوارات الصعبة والبناءة، والخلافات والتوافقات، معلنة بذلك بداية مرحلة من العمل في مشروع بناء تجمع واسع لليسار الماركسي في سوريا، تجمع نأمل أن يكون منطلقاً لمشروع تاريخي متجدد لنهضة شعبنا وتحقيق آماله في صوغ مستقبله بيديه وبعزيمة أبنائه المكافحين. وأول المهام التي تتطلبها المرحلة الجديدة هي الحوار والتفاعل بين كل المناضلين المخلصين لشعبهم ومستقبله. إن لجنة الحوار تدرك تماما أن ما توصلت إليه ليس سوى إطار أساسي، ومادة للحوار والتفاعل بين الماركسيين في سوريا، وتنتظر منهم جميعا الإسهام الفاعل في نقدها: تدقيقاً وتصويباً وإغناءً وتطويراً ، لتصير كما نطمح أرضية انطلاق متوافق عليها: فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، لإطار يجمع الماركسيين المخلصين والجادين في قناعاتهم وممارستهم، مع كل أصحاب المصلحة من أبناء الشعب، ليشكل الجميع الحركة السياسية المنشودة، الفاعلة في صنع مستقبل الشعب والبلاد، على أسس نهضوية جديدة: تنويرية –ديمقراطية – وطنية وإنسانية، تحفظ للشعب حقه في أن يصنع مستقبله بيديه ويسهم بدوره في الحضارة الإنسانية المعاصرة، ترفض أن يظل مجرد مادة يفعل فيها المستبدون والإمبرياليون ما يرونه مناسباً لمصالحهم، على حساب حياته ومستقبل أجياله. ويرى التجمع لزاماً عليه أن يضع على جدول أعماله السعي الدؤوب لإعادة إنتاج وتصويب وتجديد جملة من المفاهيم والأطروحات الأساسية، وما يبنى عليها من مواقف، بعد أن نالها من التشويه والتآكل والتغييب ما نالها، لاسيما في العقدين الأخيرين، وأبرز هذه القضايا وعي دور الطبقة العاملة وحلفائها في سياق التطور التاريخي للشعب والبلاد، دفاعاً عن مصالح الأمة ومستقبلها وريادةً لحركة نهضة تنويرية تبني الدولة الوطنية الحديثة وتعزز الدمج الاجتماعي الداخلي للشعب، وتصون مصالح الشغيلة والمنتجين من أبنائه في مواجهة شتى المخاطر الداخلية والخارجية التي تهددها. كذلك فإن المسألة الوطنية والقضية القومية، كمفهوم وكممارسة، تحوزان جانباً أساسياً من الاهتمام، الواجب حكماً، لا بحكم قوة حضورها السياسي البارزة فحسب، وإنما أيضا بحكم المأزق التاريخي العميق الذي أوصل إليه الوعي والمواقف السائدة لهاتين المسألتين، وهو المأزق الذي لا سبيل إلى تجاوزه إلا بإنتاج وعي ومواقف جديدة تعالج بأصالة وجرأة كل الجوانب الإشكالية، وتدرج الحركتين الوطنية والديمقراطية في سياق نهضوي - ديمقراطي جديد للأمة. وبالترافق مع كل ما سبق، وبارتباط جدلي وثيق مع كل مفصل من مفاصله، تأتي قضية الديمقراطية التي ستسعى حركة التجمع لأن تتجسد في الوعي والممارسة في كل حقول وإشكاليات الوجود الاجتماعي والسياسي و التنظيمي والفكري، بصفتها قضية شاملة وأصيلة من قضايا الوجود الإنساني. أيها المناضلون... يأتي إعلان ولاد ة تجمع اليسار الماركسي (تيم ) ،في هذه المرحلة من تاريخ بلادنا، ليشكل مسعى للرد العملي على حالة التذرّر والانقسام والترهل وفقدان الهوية والارتداد التي طالت قطاعات مختلفة من الحركة الماركسية السورية، على مدى أكثر من ثلاثة عقود ، وليشكل كما نأمل ونسعى نقطة انطلاق لرد عملي على جملة واسعة من الأزمات والتحديات الكبيرة التي تواجه شعبنا ووطننا. وإذ يؤكد التجمع تمسكه بكل ما هو نبيل وايجابي وبناء في تاريخ الحركة الشيوعية السورية ، بمختلف فصائلها وألوانها، فإنه يعبّر عن طموحه لأن يجسد تجاوزاً ديناميكياً لأخطاء وتشوهات أصابت هذه الحركة ورافقتها لزمن طويل، وهو ما ندرك أنه يشكل بحد ذاته تحدياً حقيقياً لا مناص من مواجهته والتغلب عليه بصورة بناءة ومبدعة. وإذ سيتطلب هذا، كما هو واضح ، نقدا معمقاً وشاملاً للتجربة بتلاوينها، فإن ما أنجزته لجنة الحوار حتى الآن (الوثيقة التأسيسية) يمكن أن يعتبر نموذجاً للدلالة على الكيفية المعتمدة لمواجهة تلك الأخطاء والتشوهات. إن انطلاق حركة (تيم) من لقاء خمسة فصائل ماركسية من مشارب تاريخية مختلفة، مع عدد من الشخصيات الماركسية، وتعاملها بروح ومنهج ديمقراطيين مخلصين مع قضايا الخلاف (بعضها حاد وعسير)، ونجاحها في التوافق على الوثيقة التأسيسية ، برغم وجود تحفظات لكل مشارك على هذه القضية أو تلك، وإصرارها على وحدة العمل رغم تباينات في الفهم النظري والسياسي، وتمكنها من وضع تصور لبنية تنظيمية مرنة وقابلة للتطور، وحرصها على ضمان حق التعبير والاختلاف وحرية النقد، واعتبارها لعملها مادة تخضع للنقد والتطوير من قبل كل المعنيين.. إن هذا بحد ذاته مؤشر لوعي ولممارسة تحرص الحركة على امتلاكهما وترسيخهما كمنهج في التعاطي مع مختلف مشكلات وتحديات الفكر والواقع ، دون تعصب أو انغلاق، ودون قصر نفس أو تراجع أمام صعوبة المهمة وتعقيدها. إضافة لهذا فان (تيم) تحدد موقعها وانحيازها الطبقي بوضوح (= التناقض العميق مع المنظومة الرأسمالية من منظور قوى العمل) وتحدد موقعها السياسي بالوضوح نفسه (= رفض مشاريع الامبريالية وحروبها العدوانية وهيمنتها، رفض الصهيونية والاحتلال، رفض الاستغلال ونهب الطبقات الشعبية وإفقارها المستمر، المعارضة السياسية الجذرية للاستبداد بكل أشكاله وتجلياته، رفض التمييز القومي والديني والطائفي والجنسي والعرقي بين المواطنين) ، ولا تكتفي الحركة بتحديد ما ترفضه بل تحدد أيضا بالوضوح نفسه البدائل التي تريدها لكل ذلك. ولا يرى التجمع في نفسه خصما لأي فصيل أو حركة وطنية ديمقراطية (ناهيك عن الفصائل الماركسية) فهو إن اختلف مع أي طرف إنما يختلف على أفكار ومواقف وممارسات، يطمح لأن تجري معالجتها بالحوار والنقد البناء ولجعل ذاك الحوار والنقد مصدر قوة للتجدد والتطوير جنبا إلى جنب مع فعالية الممارسة ودورها في تصويب الأخطاء وصوغ حكم التاريخ على مختلف الوقائع والقضايا وما دام التجمع يقبل حق الاختلاف والتمايز فكرياً وسياسياً وممارسته داخل إطاره نفسه، فمن البديهي أن يقبله بالقدر نفسه أو أكثر، خارج صفوفه، دون أن يعفيه هذا من السعي الدؤوب إلى رص الصفوف إلى أقصى حد مستطاع، وصولا إلى بناء حزب موحد لليسار الماركسي في سوريا، والى جبهات وتحالفات مرنة وواسعة حيثما يتعذر التوحد. أيها الماركسيون السوريون... أيها المناضلون جميعاً... بعد سنوات وعقود من الانقسامات المتتالية في الحركة الشيوعية السورية، ومرحلة مريرة من الإقصاء والتشرذم والتجاهل وادعاءات احتكار الحقيقة ووحدانية المعرفة، وبعد عهد طويل من الالتحاق وفقدان الهوية والذوبان في جانب، والقمع والملاحقة والتحطيم من جانب آخر – فإننا نعلن ولادة حركة ماركسية مكافحة متجددة، حركة توحيدية وديمقراطية بهوية واضحة مميزة، فكرياً وسياسياً وتنظيمياً، لتدعو كل الشيوعيين والماركسيين، حيثما كانت مواقعهم، إلى النهوض والعودة إلى موقع الطليعة الواعية المكافحة على طريق مستقبل الشعب. فلننهض جميعا ليحمل كلٌ قسطه من المسؤولية تجاه شعبه ووطنه، متعالين على الجراح وروح الانكسار والإحباط، مترفعين عن العصبيات التنظيمية الضيقة، متجاوزين لأمراض الماضي وعلله، في حركة متلاحمة متجددة نحو مستقبل شعبنا وبلادنا. تجمع اليسار الماركسي في سوريا دمشق/ 20 نيسان/2007
الوثيقة التأسيسية لـ تجمع اليسار الماركسي في سوريا (تيم) مقدمة: إن الرأسمالية التي تعمل لتكييف نفسها وفق معطيات وظروف القرن الحادي والعشرين إثر زوال عدوها الأقوى، وإثر تسارع الثورة العلمية-التقنية، تدخل مرحلة جديدة من تطورها تزداد فيها شراسة ووحشية، ولا تجد رادعاً قوياً ومنظماً يقف في وجهها. ويبدو واضحاً أن ما كان يسمى بالعالم الثالث هو الموضوع الأشد سخونة لنشاطها من أجل تشديد نهب ثرواته وتعميق وإحكام سيطرتها عليه، وفي القلب من هذا العالم تأتي منطقة الشرق الأوسط ومنها عالمنا العربي. في هذا الظرف الدولي المضطرب بتغيراته العاصفة، يتميز الوضع العربي بشكل عام بالضعف والتمزق وهو الآن في أسوأ حالاته، وتسود في غالبية الدول العربية أنظمة حكم استبدادية تعتمد من أجل استمرار سيطرتها على القمع أساساً أو على الخارج الإمبريالي أو على الأمرين معاً، وقد أدخلت بلدانها في أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة. وفي المقابل- وبسبب فشل الأحزاب القومية والاشتراكية والديمقراطية في تحقيق أهدافها- تشهد المنطقة العربية عامة بروز موجة إسلامية بتيارات مختلفة: تيارات منخرطة في العمل الديمقراطي السلمي، وتيارات مقاومة للاحتلال، وتيارات متطرفة تكفيرية وعنيفة. ـ إن المنطقة العربية، وشعوبها وقواها الوطنية والديمقراطية، تواجه ثلاثة مخاطر داهمة تهدد حاضرها ومستقبلها، هي أولاً: المخططات التي ترسم للمنطقة من قبل مراكز النفوذ الامبريالية رعاة المشروع الصهيوني، والتي تتعارض مع مصالح هذه الشعوب، ثانياً: أنظمة الاستبداد، ثالثاً: القوى التكفيرية.. إن هذه المخاطر متداخلة ومتشابكة بحيث لا يمكن الفصل بينها، ولا مجال للخروج من هذا المأزق إلا بالتغيير الوطني الديمقراطي كمدخل لمواجهة كافة المخاطر. ـ وسوريا اليوم هي إحدى البلدان التي تعيش ضمن هذا الواقع الصعب، وتواجه مرحلة حاسمة في تاريخها، فبالرغم من أن الضغوط تستهدف النظام أولاً إلا أنها تتجاوزه بتسارع واضح إلى الوطن المتصف داخلياً بالهشاشة وضعف التماسك الاجتماعي نظراً لغياب الحريات الديمقراطية وسيطرة الأحكام العرفية وقانون الطوارئ وسياسات القمع ضد القوى الوطنية والتقدمية والديمقراطية، والاعتقالات بسبب الموقف والرأي السياسي، ونظراً لتدهور الوضع المعيشي للجماهير، والفساد الإداري ونهب الاقتصاد الوطني. إن هذه الظروف العالمية والإقليمية والمحلية- خاصة مع ظهور مواجهات الموجة الليبرالية وتراجعها وفقدان مصداقيتها كنموذج بديل للنموذج الاشتراكي أو الديمقراطي الاجتماعي لاسيما في الأطراف الرأسمالية- يجب أن تحفز قوى اليسار في سوريا لتشكيل حركات سياسية فاعلة في مستقبل البلاد، بحيث تعمل وتناضل مع القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى لإيجاد الوسيلة والأداة لبديل وطني ديمقراطي، والانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية الذي يعتبر المدخل الأساسي لمستقبل سوريا ولتحقيق أهداف الشعب المختلفة، سياسياً، واقتصاديا-اجتماعياً، ووطنياً. ـ وفي مواجهة الظروف الدولية والإقليمية والمحلية، وللخروج من الأزمة التي تعيشها قوى اليسار السوري، فقد تداعت مجموعة من الأحزاب والقوى والأفراد والمجموعات الماركسية في سوريا إلى حوار فيما بينها للخروج بمشروع يشكل إسهاماً لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة، عبر تشكيل إطار يساري ماركسي يعبر عن مصالح وطموحات أوسع قطاعات الشعب السوري. وبعد سلسلة من الحوارات الجادة والمسؤولة فقد توصلت القوى والأحزاب والشخصيات الموقعة أدناه إلى تأسيس تجمع يحمل اسم " تجمع اليسار الماركسي في سوريا" الذي هو: إطار سياسي مفتوح للأحزاب والمجموعات والأفراد الذين يتبنون الماركسية (عند بعضهم) والماركسية-اللينينية (عند بعضهم الآخر) منهجاً في التحليل والممارسة، ويوافقون على الوثائق التأسيسية لهذا التجمع. ـ يقوم التجمع على توافقات نظرية، اقتصادية-اجتماعية، وسياسية أساسية، ويسعى من خلال الحوار والممارسة المشتركة للوصول إلى حزب موحد لليسار الماركسي في سوريا، والتجمع ليس موجهاً ضد أي من القوى الماركسية الأخرى، بل هو يدعوها إلى الحوار من أجل إقامة وحدة قوى، تقف موقف التناقض الشامل والعميق مع المنظومة الرأسمالية من منظور قوى العمل بكافة شرائحها وفئاتها وممثليها، وتقف في جبهة المعارضة السياسية للاستبداد بكافة أشكاله. ـ يصدر التجمع وثائق ومنشورات، مع التأكيد على تمتع الأطراف المشاركة باستقلاليتها التنظيمية والبرنامجية والسياسية، وحرية تحالفاتها المختلفة مع أولوية احترام تنفيذ توافقات هذا التجمع. ينطلق التجمع في نضاله من الأسس والمبادئ التالية: أولا، في المستوى النظري: 1- يتبنى التجمع النظرية الماركسية منهجاً في التحليل والممارسة، ويعتبر إسهامات جميع الماركسيين في النظرية وفي الحركة الاشتراكية العالمية تراث الهام وتعلم، ويتعامل مع جميع هذه الإسهامات بطريقة نقدية 2- يقر التجمع بوجود خلافات بين أطرافه، وبمشروعية هذه الخلافات على قاعدة حرية الاجتهاد، ويكون حل الخلافات عن طريق الحوار الديمقراطي. 3-الماركسية فكر تاريخي ونسبي مشروط بزمان ومكان محددين، ولا يمكن اعتبارها بناءً مكتملاً وناجزاً بشكل نهائي، ينطبق عليها ما كشفته الماركسية ذاتها من قوانين تحكم الفكر وتطوره، ولابد أن تخضع هي ذاتها أيضاً للتطور الحي الذي يدفعها إلى تجاوز ما يشيخ منها. 4- يرى التجمع أن تحقيق مستقبل إنساني مزدهر للبشرية، وتمتع أفرادها بأوسع إطار من الحرية، والثقافة والرقي المعرفي والمسلكي والأخلاقي، وبإشباع حاجاتهم المادية والروحية - مرهون بإقامة نظام ينهي استغلال الإنسان للإنسان، وينهي استلابه وعبوديته لحاجات الحياة الأساسية وللمسيطرين عليها عبر تملكهم وسيطرتهم على قوى ووسائل الإنتاج، وهو النظام الذي نفهمه على أنه هو النظام الاشتراكي، كما يرى التجمع أن العمل من أجل مستقبل كهذا للبشرية مسؤولية عليا لا محيد عنها. ولا يتعارض ما سبق مع إدراك التجمع بأن نضاله على الصعيد المرحلي يندرج في سياق استكمال مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية. 5- الماركسية ليست تقليداً جامداً أو نصوصاً مقدسة، بل هي مرشد للعمل، والتجدد من سماتها الأساسية، والماركسية ليست وصفة جاهزة، وكل بلد بإمكانه إضافة إسهامه وممارسته وفق ظروفه الخاصة 6- الاشتراكية والديمقراطية صنوان لا ينفصمان، وإن الهدف الأساسي للاشتراكية هو سعادة الإنسان المادية والروحية، ولأن مشروع الطبقة العاملة السياسي مشروع إنساني، فإن التجمع يناضل من أجل حماية واحترام حقوق الإنسان وقيمه العليا. 7- يؤيد التجمع نضال جميع الشعوب المضطهَدة من أجل انتزاع حقوقها القومية والديمقراطية وحقها في تقرير مصيرها بنفسها، ويحارب الإرهاب ويدين العنف الذي يستهدف المدنيين. 8- يدعم التجمع ويساند كل جهد فكري وعملي لنشر الوعي والثقافة الديمقراطية الوطنية والقومية والاجتماعية المستنيرة والمناوئة للتعصب والتزمت والانغلاق بكافة أشكاله وألوانه، كما يكافح ضد الوعي والثقافة والممارسة التي تكرس أو تخدم الطائفية أو العشائرية أو التعصب القومي والعرقي والديني، ويحارب كل وعي أو ممارسة تميز بين البشر على هذه الأسس، ويناضل لتكريس مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين في الحقوق والواجبات مساواة حقيقية يحميها القانون والدولة كما يحميها الوعي الديمقراطي والثقافة الإنسانية الرفيعة.
ثانياً، في المستوى العالمي: 1- يرفض التجمع المشاريع الإمبريالية الهادفة إلى التحكم والهيمنة على العالم، ويناضل من أجل إقامة نظام دولي عادل سياسياً واقتصادياً. 2- يدعو التجمع إلى رفض الحروب العدوانية، ويدعو إلى السلام بين الدول، وإلى حل الخلافات الدولية عن طريق الحوار، وشرعة الأمم المتحدة، ويدعو أيضاً إلى تعزيز دور الأمم المتحدة وتخليصها من هيمنة الإمبريالية الأميركية، واحترام مصالح الشعوب، بحيث تغدو هيئة تحمي السلام العالمي وتنصف الشعوب والأمم المستضعفة في سبيل تنميتها وصوغ مستقبل عادل للبشرية 3- يدعو التجمع إلى نزع أسلحة الدمار الشامل، وإلى تضامن الشعوب من أجل تنميتها المتبادلة. 4- يستنكر التجمع الاستغلال الجشع للطبيعة، ويدعو إلى حماية الكرة الأرضية وإلى تحسين البيئة. 5- يناضل التجمع من أجل إقامة مراكز للتنسيق والتشاور بين الماركسيين على المستويات العربية والإقليمية والعالمية. 6- يؤازر التجمع ويشجع كافة التيارات والتجمعات العالمية والإقليمية والعربية التي تخدم الأهداف المشتركة، ويسعى لدعم ومساندة نشاطاتها، والانخراط فيها. ثالثاً، في مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي: 1- رفض المشاريع الأميركية الزاحفة إلى المنطقة ومواجهتها، ومناهضة مرفقاتها المتمثلة بالاحتلال والتحكم، بما في ذلك مشروع "الشرق الأوسط الكبير". 2- إقامة أفضل العلاقات مع الجماهير الشعبية والقوى التقدمية والديمقراطية في المنطقة والعالم. 3- دعم الحركات الوطنية المقاومة للاحتلال وتأكيد حق الشعوب في مقاومة المحتلين. 4- مساندة الشعب العربي الفلسطيني في نضاله من أجل تحرير أرضه، وتقرير مصيره، وعودة اللاجئين، وكذلك دعم الشعب العراقي في نضاله لتحرير وطنه من الاحتلال الأميركي، وإقامة دولته الوطنية الديمقراطية الموحدة. رابعاً، في المستوى الوطني: أ) على الصعيد السياسي: 1- سوريا جزء من الوطن العربي والشعوب العربية، التي تشكل امتدادها القومي الطبيعي والتاريخي، الأمر الذي لا يتنافى مع وجود وحقوق القوميات الأخرى، وخاصة الكردية، والتي تشكل بمجموعها مع العرب النسيج الوطني السوري. 2- يعتبر التجمع أن تحرير كافة الأراضي السورية المحتلة (وخاصة الجولان)، بكافة الوسائل والطرق الممكنة، مسؤولية وطنية عليا. 3- يعمل التجمع من أجل إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في سوريا ضمن إطار وحدة الوطن السوري أرضاً وشعباً، ويحترم ما تقره الماركسية في هذا الصدد من الناحية المبدئية. 4- مكافحة وإلغاء التمييز بين المواطنين السوريين بسبب الدين أو الطائفة أو الجنس أو العرق، سواء كان معلناً أو مستتراً، وضمان المساواة الحقيقية والتامة لكافة المواطنين في الحقوق والواجبات، والعمل لتمتين اللحمة الوطنية وتعميقها على كل مستويات المجتمع. 5- رفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية، ومنع هيمنة الأجهزة الأمنية على الحياة العامة. 6- النظام القائم نظام رأسمالي يتطور بتسارع نحو الاندماج بالسوق الرأسمالي العالمي، وهو ذو شكل حكم استبدادي، يستغل الدولة والمجتمع لصالحه، ويتسبب في نخر الدولة وقوانينها بآليات الفساد، وهو ما يؤدي (بالتكامل مع دور البورجوازية السورية عموماً) إلى توسيع الفوارق الطبقية ويوصل الوضع إلى انسدادان وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية مستفحلة. وعلى ضوء ذلك، يعمل التجمع من أجل إنهاء احتكار السلطة وإقامة نظام ديمقراطي تعددي يقوم على فصل السلطات والتداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، وذلك بالنضال والعمل على: أ- إلغاء كافة مواد الدستور التي تعرقل ذلك، وخاصة المادة الثامنة منه. ب-إطلاق الحريات الديمقراطية ، بما فيها حرية التعبير عن الرأي وحرية وسائل الإعلام والتنظيم والتظاهر والإضراب. ج- إلغاء المحاكم والقوانين الاستثنائية، وإصدار قانون ديمقراطي للأحزاب والجمعيات والمطبوعات، وإصدار قانون جديد للانتخاب يعتمد سوريا دائرة انتخابية واحدة ومبدأ النسبية بهدف تعزيز اللحمة الوطنية وإبراز أهمية الانتماء السياسي، على أن تشارك جميع القوى السياسية والفعاليات الاجتماعية والثقافية في صياغة القوانين السالفة الذكر. د- إطلاق سراح كافة السجناء السياسيين وإعادة الاعتبار والحقوق المدنية والمادية لهم وللملاحقين السياسيين السابقين وإنهاء ملف المفقودين وعودة جميع المنفيين والملاحقين من دون مساءلة 7- يعمل التجمع على إقامة أوسع تحالف بين كافة القوى الوطنية والديمقراطية والعلمانية لتحقيق الأهداف الوطنية والديمقراطية المشتركة. 8- يحدد التجمع موقعه من شتى القوى والطروحات السياسية، وإمكانيات لقائه أو معارضته لها،على ضوء القضايا الأساسية الثلاث التي يناضل لتحقيقها: المسألة الديمقراطية التي تعتبر المدخل الأساسي لمستقبل سوريا ولتحقيق أهداف الشعب المختلفة (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ووطنياً)، والمسألة الوطنية (الموقف من مشاريع الإمبريالية، ولاسيما التحالف الأميركي-الصهيوني)، وقضية المصالح الاقتصادية والمعيشية للطبقات الشعبية ورغم أن نهج التجمع وسياسته تضعانه في موقع المعارضة للنظام، إلا أنه يدعو في الوقت نفسه للحوار الشامل مع كل الأطراف داخل الوطن، وهو سيلحظ ويقيِِم في حينه أي خطوة أو فعل سياسي أو مبادرة قد تحصل من أي طرف، مهما كان موقعه، على ضوء القضايا الأساسية المذكورة آنفاً ومنطوق هذه الوثيقة. 9- الدعوة والتلاقي مع كل القوى الوطنية السورية الساعية إلى عقد مؤتمر وطني عام، لإخراج سوريا من أزمتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والعمل على صياغة ميثاق وطني للعمل السياسي. ب) على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي: 1-إن جملة التطورات والسياسات الاقتصادية-الاجتماعية،التي رعتها رأسمالية الدولة في سوريا، على مدى العقود الأربعة الماضية، أدت إلى تركيبة اجتماعية طبقية جديدة، ودفعتها (وتدفعها) إلى تحول نحو ارتكاز اجتماعي-اقتصادي جديد، كما أدت (وتؤدي) تلك السياسات إلى مجموعة أزمات (منها هبوط فئات وشرائح أكثر اتساعاً تحت خط الفقر- تفاقم ظاهرة البطالة لاسيما في قطاع الشباب-الاستغلال المتفاقم للطبقة العاملة- تسارع نضوب النفط - التهديد الاستراتيجي والاستغلال الجائر للمخزون المائي. 2-يعرب التجمع عن قناعته بإمكانية وضرورة تحقيق تنمية مكثفة وسريعة في مختلف حقول الاستثمار والإنتاج في سوريا، شرط وضع وتبني سياسات وخطط استثمار صائبة، تشجع نمو قوى ومستلزمات الإنتاج، لاسيما في المجالات التي تطور القاعدة المادية للإنتاج الصناعي والزراعي. 3-يناضل التجمع في المرحلة الراهنة من أجل تحسين المستوى المعيشي للجماهير الشعبية والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين وسائر الكادحين والفئات الوسطى، ومن أجل توزيع أقل ظلماً للثروة، ومحاربة الفساد، وربط الأجور بالأسعار. 4-النضال من أجل قطاع دولة قوي في الاقتصاد، بعد إصلاحه جذرياً وتحصينه ضد الفساد والنهب البيروقراطي وضد تدخلات أجهزة السلطة المختلفة لحسابات خاصة. 5-محاربة كافة أشكال الفساد، ومحاربة البرجوازية البيروقراطية و الكومبرادورية، وتشجيع العملية الإنتاجية في كل الحقول بغض النظر عن مالكيها (قطاع دولة أو خاص)
خامساً، في هيكلية التجمع وتنظيم عمله: 1-ينشىء التجمع قيادة مركزية تضم مندوبين اثنين عن كل فصيل موقع على الوثيقة التأسيسية للتجمع، ومن مستقلين يتم تمثيلهم في القيادة. 2-يتم ترشيح أي مستقل يوافق على الوثيقة التأسيسية للتجمع للمشاركة في القيادة المركزية من فصيلين موقعين على الوثيقة التأسيسية، وينال موافقة بقية الفصائل، وفي حال تعذر التوافق يمكن أن يتم قبوله بأكثرية ثلثي القيادة المركزية في نهاية أربعة أشهر من ذلك. 3-لا يجوز أن تتجاوز نسبة المستقلين في القيادة المركزية حدود ربع الأصوات. 4- يتم قبول أي فصيل يوافق على الوثيقة التأسيسية للتجمع إذا نال الأكثرية المطلقة للأصوات في القيادة المركزية للتجمع. 5- ينشىء التجمع لجاناً للمحافظات من أعضاء فصائله، ومن المستقلين، بقرار من القيادة المركزية، تكون مهمتها تنسيق نشاطات التجمع في المحافظة والإشراف عليها وتحويل توجهاته وقرارات قيادته إلى أعمال ملموسة، وقبول المستقلين. 6- ينظم التجمع ماليته وفق ضوابط محددة تقررها القيادة المركزية حسب ما تراه مناسباً. 7- يصدر التجمع جريدة سياسية تنطق باسمه، وتقرر القيادة المركزية دوريتها وتعين لها هيئة تحرير خاصة، تعمل وفق توجيهاتها. 8- يصدر التجمع مجلة فكرية تكون منبراً مفتوحاً للفكر اليساري-الديمقراطي، والماركسي منه خصوصاً، وتعين قيادة التجمع هيئة تحريرها التي تضع خطة عملها السنوية وتشرف على تنفيذها بعد إقرارها من قيادة التجمع. 9- يصدر التجمع مجلة داخلية يحررها أعضاؤه، وتكون منبراً حراً ومفتوحاً لهم جميعاً لممارسة النقد في الحقول التي يرونها ضرورية للارتقاء بعمل التجمع وزيادة فعاليته وتقييم أداء هيئاته المختلفة، على أن يكون صدورها إلزامياً بمجرد توفر مواد النشر. تعين قيادة التجمع هيئة الإشراف على هذه المجلة، كما تصدر لائحة تنظم عملية النشر وشروطها، ولا يحق للقيادة بعد هذا إيقاف صدور المجلة إلا بإجماع الأصوات. 10- يعقد التجمع اجتماعاً تداولياً سنوياً وفق لائحة تنظيمية تحددها قيادة التجمع، لتدارس مختلف القضايا التي تهم التجمع، التنظيمية والسياسية والبرنامجية والفكرية، ويصدر الاجتماع وثائقه وتوصياته وفق ما يراه مفيداً. 11- تحل الخلافات الفكرية والسياسية والبرنامجية والتنظيمية في إطار القيادة المشتركة وعبر الحوار، ويمكن في حال تعذر الاتفاق إحالة ملف الخلاف إلى المؤتمر التداولي الذي يمكن أن يعقد اجتماعاً استثنائياً إذا دعت الضرورة. 12- تؤخذ القرارات في القيادة المركزية بالتوافق، وهي ملزمة لمن يوافق عليها، ويحق لمن لا يوافق على أي قرار عدم المشاركة في تنفيذه، دون المساس بأي من حقوقه،على أن لا يشمل ذلك الوثيقة التأسيسية التي تحتاج إلى الإجماع بين الفصائل الموقعة لتعديلها. 13- تؤخذ القرارات في هيئات التجمع الأخرى بالتوافق، وفي حال تعذره يتم الرجوع إلى القيادة المركزية التي يكون قرارها ملزماً في القضية موضع الخلاف. دمشق ، 20 نيسان2007 الموقعون: 1- حزب العمل الشيوعي في سوريا 2- الحزب اليساري الكردي في سوريا 3- هيئة الشيوعيين السوريين 4- التجمع الماركسي- الديمقراطي في سوريا 5- لجنة التنسيق لأعضاء الحزب الشيوعي السوري- المكتب السياسي 6- د.عبد العزيز الخيِر 7- سلامة كيله.
حنين العدالة أم ماركسية مقوْلبة ؟ ملاحظات على الوثيقة التأسيسية لتجمع اليسار الماركسي في سورية - تيم غسان المفلح [email protected] دوما المقدمات تفضح غايات النص وربما تعوضك عن الدخول إلى متنه , ولهذا سأبدأ من مقدمة الوثيقة . في البدء كانت كلمة الرأسمالية وقبل أية كلمة أخرى , والتوصيف كان حادا وكأننا أمام حالة من اللفظية المخبوءة تحت ستار الخطاب التحريضي المقدس ضد الرأسمالية ـ حيث تزداد شراسة ووحشية ولا تجد رادعا كما تقول الوثيقة ـ والسؤال الذي يفرض نفسه : على أية معلومات تستند الوثيقة لكونها تأسيسية وليست منشور سياسي , في توصيفها لتطور الرأسمالية المعاصرة ولكي تطلق عليها حكم القيمة هذا ؟ الرأسمالية إذن هي السبب في كل ما يحدث في العالم وهي النتيجة لأنها هي التي تحكم كنمط إنتاج كوني . هذا ما يريد النص قوله . لكن المتتبع ببساطة يجد أن هذه الرأسمالية باتت أقل شراسة مما مضى وأقل وحشية بكثير وهذا نابع بالدرجة الأولى من التطور الموضوعي للعلاقة الرأسمالية نفسها وتوزع قواها على الصعيد الكوني هذه القوى التي ليست منسجمة تماما كما أنها لا تجلس على طاولة واحدة كي تجعل من سلوكها أكثر شراسة ووحشية . بل العكس تماما هي تجلس لكي تجعل من سلوكها أقل وحشية وشراسة وأقل عنفية . ولنتذكر فقط معلومة بسيطة : بريطانيا لم تكن بحاجة لأخذ الإذن من أية دولة أخرى كي تحتل أية بقيعة في العالم اللارأسمالي في فترة الاستعمار القديم . بينما نجد الآن أن الولايات المتحدة بكل ما يقال عن قوتها وعظمتها الإمبراطورية لا تستطيع أخذ مثل هذا القرار . والدليل الحالة العراقية . إن العنف الممارس في العراق ليس عنف رأسماليا أبدا ولو أننا نحاول أن نتحدث بلغة بسيطة . إن الرأسمالية الراهنة هي من جعلت ثلاثة أرباع البشرية تدخل عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون . ولم يبق خارج هذا الأمر سوى دول قليلة وسورية بلدنا واحد منها وهذا يعني شيئا في نص الوثيقة من خلال تغييبه عن التحليل الذي أرادته الوثيقة ولنتأكد من ذلك نجد أن الوثيقة تعمم الحالة العالم ثالثية وتعمم الحالة العربية بأنها حالة واحدة بنظم متشابه وكأننا أمام تعميم مقصود : الوضع في مصر مثله في سورية ومثله في المغرب ومثله في جنوب أفريقيا !هل هذا خطأ غير مقصود أم أن الوعاء الضمني الأيديولوجي هو من يكون وراء مثل هذا التعميم الذي يقسم العالم على الطريقة القديمة رأسمالية ـ كمحفل منسجم ـ وشعوب يعمها الفوضى أو الاستبداد وهذا غير صحيح إطلاقا . فهل دول النمور السبعة هي رأسمالية مثلا ؟ وهل جنوب أفريقيا مثلها مثل بوروندي أو رواندا ؟ ولنتأكد من هذا التعميم المضلل والمقصود نعود للوثيقة حيث تؤكد على فشل الأحزاب القومية والاشتراكية والديمقراطية ! والسؤال ما هي الأحزاب الديمقراطية التي فشلت في سورية ؟ والمقصود كخطأ متعمد وعن سبق الإصرار نجده في العبارة التالية ـ إن المنطقة العربية وقواها الوطنية والديمقراطية تواجه ثلاثة مخاطر داهمة تهدد حاضرها ومستقبلها هي أولا المخططات التي ترسم للمنطقة من قبل مراكز النفوذ الإمبريالية رعاة المشروع الصهيوني والتي تتعارض مع مصالح هذه الشعوب ـ هكذا تقول الوثيقة بالحرف . لم أجد هنا أننا أمام تحليل ماركسي حتى ولا أي تحليل آخر بل ما نجده هو عبارة عن إحياء لنظرية المؤامرة على الأمة العربية من جهة وأننا أمام محفل ماسوني يتآمر على هذه الأمة وحدها دون غيرها من أمم العالم !! فأية ماركسية تقول بهذا التحليل؟ وأي فكر سياسي يمكن له أن ينتج وفي هذا الزمن أو يعيد إنتاج نظرية المؤامرة في ظل توزع للقوى الرأسمالية نفسها سواء على مستوى الدول أو على مستوى الشركات والاحتكارات ما فوق القومية والشركات القومية ، الخ.. أم أن الرفاق يقصدون منتدى دافوس السويسري والذي يعقد سنويا أم يقصدون منظمة التجارة العالمية ـ الغات ـ والتي لازالت النظم ذات الأشكال السياسية اللقيطة خارجها؟! أليس من الأجدى لكي لا نقع بالتضليل أن تحدد الوثيقة من هي مراكز القوى التي تتآمر على الأمة العربية ؟ هل هي روسيا أم الصين أم أمريكا أم فرنسا أم اليابان أم كوريا الجنوبية أم البرازيل أم الهند التي دخلت الآن عصر جديدا تقنيا ونوويا أم باكستان ؟ لا نعرف في الحقيقة ؟ ونصل إلى بيت القصيد من كل هذا الخطاب القديم جدا والمتجدد دوما بفعل عدة عوامل أهمها هي انسداد أفق التغيير بإرادة السلطة في سورية . وبيت القصيد هذا هو الذي تؤكد عليه الوثيقة وهو فشل الموجة الليبرالية ! أليس عجيبا غريبا هذا الحكم القيمي والذي يجعل النص الماركسي ! ينهار على مقدماته نفسها . وأية ليبرالية هي التي انهارت ؟ هل هي الليبرالية بمعناها الاقتصادي الضيق أم هي الليبرالية الجديدة بنسختها الأكثر ضحالة عند رؤية المثقفين العرب للجانب الذي يهمهم في الليبرالية الجديدة لتيار المحافظين الجدد في إدارة بوش ونتيجة لصراع سياسي راهن ؟ وهل لدى الرفاق فلسفة جديدة للحرية غير المتواجدة على أرض التاريخ الآن ؟ أم أنهم يقصدون ليبرالية دولة الحماية السويدية مثلا أو السويسرية ؟ أم أن دولة الحماية هي دولة غير ليبرالية كما يتوهم بعض المحللين ؟ ثم أليس لسان حال النظام في سورية وكوريا الشمالية وليبيا القذافي ومنظروهم من المؤتمر القومي العربي هو الحديث ليل نهار عن ضرر الليبرالية وفشلها في اقتحام خصوصيتنا الثقافية والسياسية والاقتصادية ؟ والتي يعرفها الجميع أنها خصوصية القمع والنهب بلا حسيب ولا رقيب ؟ وسنبقى في المقدمة : عن أية إمبريالية تتحدث الوثيقة ؟ هل هي إمبريالية سمير أمين أم بوخارين أم الشهيد مهدي عامل ؟ هل تم درس الواقع العالمي وخلصت الوثيقة إلى إعادة الاعتبار لهذا الوصف للعالم الراهن ؟ ومن خلال المقدمة هذه أيضا نجد أن الرفاق في ( تيم ) يطرحون أنفسهم تنظيما عالميا بمسحة قومية عالية النبرة تعد تراجعاً ملحوظاً جداً حتى عن طروحات حزب العمل الشيوعي في سبعينيات القرن الماضي في رؤيته ( للحواضر الإمبريالية والمسألة القومية ولطبيعة النظام السوري! ) ربما نحاول أضاءتها لاحقا . ومع ذلك سننهي هذا الجزء بسؤال بسيط جدا : هل ما كابده ويكابده الشعب السوري الآن سببه هذه الإمبريالية ؟ أم أن الرفاق يريدون من الإمبريالية تغيير النظم حتى تستوي النظرة إليها ؟ الماركسية منذ زمن وجود السوفييت ونحن على الأقل كنا في حزب العمل الشيوعي نحاول إيجاد ماركسية أكثر تاريخية دون الانضواء في عباءة مسميات أيديولوجية ذات نسخ وحيدة . ما الذي يجري الآن بعدما يحاول العالم اكتشاف طرقه التاريخية والمباشرة في النضال من أجل العدالة الاجتماعية . هل الماركسية هي منهج ؟ أم هي غلاف لشكل العدالة المرجوة ؟ أم هي تعميم لا تاريخي في القضية السورية ينقذها من براثن تفاصيلها اليومية و إشكالاتها الخاصة من طائفية وإثنية وفساد معمم وأرض محتلة ،الخ . بل الأنكى من ذلك لم تتطرق الوثيقة إلى أن في سورية نظام لم يعد مثله في تاريخ البشرية سوى خمس أو ست نظم في هذا العالم . قبل أن نتجه إلى هذه التعميمية القاصرة منهجيا وعلميا والتي بات أقل تحليل في وضعية علمية للوضعية الاجتماعية للعلوم الإنسانية يرفضها لتبسيطيتها المفرطة وشعبويتها التي لا تغني ولا تسمن . ومع ذلك من المهم للغاية ما جرى لأنه يرسم الحدود بشكل واضح وبين بين التيارات الديمقراطية في المعارضة السورية . فالديمقراطية ليس لها هوية ماركسية وإن كنا نحاول أن نقول ذلك بشيء من التجني المنهجي . الديمقراطية هي للبرجوازيين قبل الماركسيين وللتيارات الليبرالية قبل التيارات الماركسية . الماركسية لم تعط وصفة للديمقراطية وإنما أنتجت تجارب تاريخية بعينها : غرامشي والشيوعية الأوروبية من بعدها . وما هي رؤية الماركسية للديمقراطية في بلد كسورية مثلا ؟ وهل المطلوب من أي ديمقراطي أن يكون ذو توجه أيديولوجي سياسي محدد ؟ ربما يكون ديمقراطيا ولا تعنيه السياسة بشيء ! الديمقراطية هي رد أصيل على ديكتاتورية المعنى والتاريخ كما حاولت البشرية منذ بداية نضالها وحتى الآن في معركة الحرية . وسنكتفي الآن في هذا الجزء لكي نعود لاحقا لمناقشة بقية الوثيقة لكي لا نرهق القارئ العزيز الذي بات ميالا إلى قراءة - تيك أوي- وهذا كله لا يجعلنا نبخس المحاولة حقها وجهد القائمين عليها طالما أنه جهد غايته سورية حرة ديمقراطية المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 1898 - 2007 / 4 / 27
العرّاب الرأسمالي المحدث أو محامي الشيطان نايف سلّوم [email protected] يبدأ غسان المفلح ملاحظاته على إعلان الوثيقة التأسيسية لتجمع اليسار الماركسي في سوريا بتساؤل بات طريفاً وهو : هل الرأسمالية الحالية أقل أم أكثر شراسة من الرأسمالية "القديمة"؟ والمقصود بالرأسمالية القديمة هي الإمبريالية الرأسمالية حتى قيام الحرب العالمية الثانية. بالطبع، يقر غسان بشراسة الرأسمالية الراهنة ، لكنه يعتبرها أقل شراسة من سابقتها ؛ الرأسمالية القديمة! ويفسر ميل شراستها للانخفاض من توزع قواها على الصعيد الكوني ، ومن كون أطرافها غير متجانسة ولا تجلس على طاولة واحدة. أي لا يجلس رأسها مع ذيلها . مع العلم أنه نادراً ما جلس قط على طاولة ونسي ذيله! ما يريد المفلح قوله: أن الرأسمالية قبل الحرب العالمية الأولى وقبل الثانية كانت غير معترفة برأسماليات طرفية وبالتالي كانت مضطرة لممارسة شراسة أكبر بينما هي اليوم لديها أزلامها من مختلف أشكال النظم الطرفية الرأسمالية وبالتالي فقد باتت مقتصدة في ممارستها للعنف ضد الشعوب المستعمرة أو التابعة وهي قد كلفت أزلامها من هذه النظم بممارسة ما تركته من الشراسة ضد هذه الشعوب. إلا أن التاريخ لا يشير إلى ذلك والمثل الصارخ هو حجم العنف الذي مارسته القوات الأميركية ضد الفيتناميين بالرغم من وجود حكومة محلية عميلة! وحتى نبين مدى التعامي عند المفلح عن بدهيات الرأسمالية الراهنة نذكر ما يلي: توجد طاولة واحدة للدول الإمبريالية الرأسمالية الرئيسية السبع ، تلتقي عليها بشكل دوري: منتدى السبعة الكبار، يضم الدول الصناعية الرئيسية ، وتوجد طاولة ثانية لحلف شمالي الأطلسي وهو الذراع العسكرية للسبعة الكبار السالف ذكرهم ، ويوجد منتدى دافوس لمن فات ذكرهم من أذيال النظام الإمبريالي الرأسمالي. كما توجد طاولات اقتصادية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تساهم فيه بشكل رئيسي الدول السبع وتهيمن على إدارته خاصة الولايات المتحدة الأميركية. إذاً توجد مناسبات عديدة ليجلس هؤلاء الإمبرياليون الرأسماليون على طاولة واحدة وأحياناً يشاركهم الطاولة الرأسماليون الطرفيون من الطراز الرثّ حيث تقرر سياسات عالمية ومحلية بأكملها وحيث تستهدف دول "مارقة" ونظم متمردة على النظام الإمبريالي الرأسمالي. فتهاجم دول وبلدان بحروب مدمرة ومنهكة فتزيد مأساة هذه البلدان الفقيرة والمنهكة وتعاني مع معاناتها القائمة . إن الحجة التي يسوقها المفلح بخصوص انخفاض شراسة الرأسمالية الراهنة والتي مفادها: "أن هذه القوى غير منسجمة تماماً لأن تجلس على طاولة واحدة" . تظهر المغالطة التاريخية التي يقع فيها المفلح، ذلك أن الدول الرأسمالية التي كانت تتصارع على اقتسام العالم بين الحربين وقبل الحرب العالمية الأولى قد وحدت صفوفها بعد الحرب العالمية الثانية وقادت صراعاً منسقاً ومشتركاً ضد ما سمي بالمعسكر الاشتراكي ولا حقاً ضد الدول "المارقة" من بلدان العالم الثالث لتستعيد ما فقدته من مناطق النفوذ والتحكم والسيطرة على أثر الحرب الكونية الثانية . وحسب إمبريالية ماجدوف 1979 ، وحسب إمبريالية 1970 لبيير غالييه فقد تفوق ديالكتيك الاندماج على التنافس بين الإمبرياليات الرئيسية بعد الحرب العالمية الثانية على أرضية بروز الهيمنة الأميركية بعد الحرب وقيادة الولايات المتحدة للنظام الرأسمالي . وها هي الولايات المتحدة تقود حلفاءها الإمبرياليين في حروب متتالية كعربات القطار ضد خصوم مفترضين وفعليين في سبيل السيطرة والتحكم وفي سبيل استمرار عمل الشركات المنتجة للأسلحة وآلة الدمار والموت! لاحظ أيها القارئ المحترم كيف يتحدث هذا العرّاب الرأسمالي "المحدث" أو الحديث النعمة عن العنف في العراق. يقول المفلح: "إن العنف الممارس في العراق ليس عنفاً رأسمالياً أبداً"!! أي لو كان هناك نظاماً اشتراكياً عادلاً وإنسانيا في العراق هل كان يمارس هذا العنف بشكليه الأميركي والطائفي ، وهل الطائفية أيها المحترم سوى نظام رأسمالي كولونيالي طرفي تابع للنظام الإمبريالي الأميركي كتبعيتك أنت لهذا النظام ؛ أي أن الطائفية السياسية ليست سوى صورة للعلاقة الإمبريالية في بلد رأسمالي طرفي. إضافة لذلك ، يعرض الإعلام العربي والأجنبي من وقت لآخر وعندما تسمح الرقابة الأميركية صوراً وتنشر أخباراً عن مدنيين عراقيين قتلوا بالقصف الأميركي الانتقامي ، ناهيك عن قصف المدن والقرى بالطائرات والمدفعية وما يسببه من تدمير لدور العبادة وقتل الجرحى في المساجد والتنكيل بالمعتقلين وإذلالهم ، وهو ما ظهر من خلال بعض التسريبات عن فضائح المعتقلات الأميركية في أكثر من مناسبة ومكان. وكان آخر مآثر "السلم" الأميركي مذبحة حديثة في العراق حيث أطلقت القوات الأميركية النار على مئات المدنيين . هذه غير استخدام اليورانيوم المنضّب والقذائف الفوسفورية من أسلحة الرفاه الإمبريالي! حسب هذا العرّاب المحدث للرأسمالية ليس العنف في العراق عنفاً رأسمالياً ، بل هو عنف إسلامي . ويغدو العنف سمة جوهرانية للمسلم ، فالمسلم منذ ظهوره على وجه الأرض وهو موسوم بالعنف والإرهاب سواء احتلت الإمبريالية الأميركية بلده أم لم تحتل ، سواء استغلت واستنزفت ثرواته هي وأزلامها في أطراف النظام أمم لا، المسلم عنيف حتى وهو يخرج من رحم أمه!.يقول المفلح: "إن الرأسمالية الراهنة هي من جعلت ثلاثة أرباع البشرية تدخل عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان ودولة القانون" ، وهذه الوصايا التوراتية الثلاث نجدها موزعة بعدل ، والحق يقال، على أفغانستان والعراق والصومال. فأي محام للشيطان الإمبريالي الرأسمالي هذا الغسّـان!؟ ويسأل هذا المحامي المغمور سؤاله الأعظم: "عن أية إمبريالية تتحدث الوثيقة؟ هل هي إمبريالية سمير أمين أم بوخارين؟ " وكأن هناك لكل باحث إمبرياليته الخاصة! أقول: الإمبريالية مقولة مفتاحيّة لفهم ديناميّة الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية وعلى فترتين: من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى 1979 ، من ثم 1980 حتى يومنا هذا . الفترة الأولى هيمنت فيها ما يسمى دولة الرعاية الاجتماعية كرد من النظام الرأسمالي في مراكزه الإمبريالية على قيام الثورة الروسية ومن بعدها سلسلة ثورات اجتماعية أهمها الثورة الصينية 1949 . والفترة الثانية، حيث بدلت الدول الرأسمالية الرئيسية سياساتها باتجاه مزيد من تحرير نظام النقد وحرية حركة القروض قصيرة الأجل والمضاربات المالية عبر الدول ، وهي ما سميت بالسياسات الليبرالية الجديدة بعد العام 1979 خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة وقد أتبعت بمحاولات لتحرير التجارة العالمية عبر الغات في منتصف التسعينات من القرن العشرين . لقد تجاوز رأس المال المضارب في التسعينات رأس المال المتداول في التجارة العالمية وهذه المضاربات المالية والقروض القصيرة الأجل غير الخاضعة لأية رقابة سواء من بلد المنشأ أم من البلد المصدرة إليه أدى إلى الأزمة الشهيرة في جنوب شرق آسيا أواخر التسعينات من القرن الماضي (أزمة النمور الآسيوية) لقد تبلورت مقولة الإمبريالية كاحتكار في الرأسمالية ورجعية في السياسة والأيديولوجيا البورجوازية وكغزو للبلدان الهامشية .على أثر الحرب العالمية الأولى . أما إسهامات هاري ماجدوف (الإمبريالية 1979) وبيير جاليه (إمبريالية عام 1970) فقد هدفت إلى رصد الظواهر الجديدة في الإمبريالية الرأسمالية حتى عام 1979 . يقول ماجدوف في كتابه "الإمبريالية من عصر الاستعمار حتى اليوم": "من الجدير بالملاحظة أنه برغم التحولات العديدة التي حدثت في الستين سنة التي تلت ظهور مؤلف لينين "الإمبريالية" هذه التحولات التي تمثلت في الحرب العالمية الثانية وانتشار الاشتراكية وتصفية الاستعمار وفورة الإمبراطورية الأميركية ، فإن النظرية التي رسم خطوطها الأولى ما تزال هي أفضل إطار لاستيعاب مسيرة الإمبريالية الرأسمالية ، شريطة تطبيقها بطريقة غير جامدة، وأعتقد أن السبب في ذلك هو الطريقة التي حدد بها لينين المرحلة الاحتكارية الجديدة للرأسمالية ، ومن ثم وضع إصبعه على أهم سماتها المميزة" ص 268 . أما الدراسات الاقتصادية السياسية عن الاقتصاد العالمي بعد هذه الفترة فقد نزلت علينا كالمطر تحت عناوين مضللة (العولمة) وأفضل هذه الدراسات من وجهة نظري هي كتاب : ما العولمة؟ لمؤلفيه بول هيرست و جراهام طومبسون ترجمة فالح عبد الجبار عالم المعرفة 2001 . الوثيقة تتحدث عن الإمبريالية بهذا المعنى الجديد . إن ظهور عبارات متكررة عند المفلح من نمط: "تراجع عن طروحات حزب العمل" في أكثر من مناسبة فهو ناشئ عن عقدة الأصل ؛ فقد كان غسان المفلح في يوم من الأيام عضواً في حزب العمل الشيوعي في سوريا ! وقتها كان همه هو إيجاد ماركسية أكثر تاريخية ؛ ماركسية للأمس وماركسية لليوم ليس بينهما أي ديالكتيك؛ أي ليس لدينا هذا الديالكتيك بين المنهج الذي هو حركة محتوى العلم في التاريخ، وتحول نتائج العلم (النظرية القديمة ) إلى أدوات منهجية في التحليل التاريخي والاجتماعي والقومي اللاحق. حيث تستخدم هذه الأدوات كمفاتيح في التحليل الاقتصادي السياسي والاجتماعي؛ مثال ذلك: نظرية لينين في الإمبريالية تغدو مقولة مفتاحية للتحليل الاقتصادي السياسي للرأسمالية الراهنة مثلما استخدم لينين مقولة القيمة و فضل القيمة كمقولة مفتاحية لدراسة الإمبريالية حتى حدود نهاية الحرب العالمية الأولى. نلاحظ إذاً كيف انتهت بغسان المفلح محاولته إيجاد ماركسية تاريخية منقطعة عن تاريخها وديالكتيكها مع هذا التاريخ ، إلى فك ارتباط ليس مع الماركسية بكل أشكالها فحسب، بل طلاق كامل مع فقراء العالم و كادحيه ومهمشيه ليصبح محامياً للشيطان في كنف إمبريالية رأسمالية أقل شراسة من قبل بحكم توزع سلطاتها على عدة منتديات وحكومات مركزية وطرفية وشركات ! في محاولة أخرى منه لفصل الديمقراطية عن الاشتراكية الماركسية يقول المفلح: "الديمقراطية هي للبورجوازيين قبل الماركسيين وللتيارات الليبرالية قبل الماركسية" وإذا جاءت ماركسية وقالت أن التجربة البيروقراطية السوفيتية لا تمثل حقيقة الطرح الماركسي ، يصادر عليها المفلح ويقول: انتظروا دوركم ؛ الديمقراطية للبورجوازيين أولاً ، فالليبراليون قبلكم ؛ أنتم تريدون توزيع الثروة على الكادحين والفقراء وكذلك السلطة ، ونحن البورجوازيون نريد احتكار الثروة والسلطة وتوزيع صناديق اقتراع فارغة على الكادحين والفقراء كما يعمل النظام الأميركي وصوره الطرفية. لهذا يواجهنا المفلح بالقول: نحن ديمقراطيون وأنتم الماركسيون "أيديولوجيون" : أيديولوجيون لأنكم أنتم الماركسيون تدّعون مناصرة الفقراء والكادحين والمهمشين ، أليس هذا عملاً أيديولوجياً ؟! وذو معنى ، وعملاً تاريخياً؟! نعم إنه ذو معنى و تاريخي أن توزع الثروة والسلطة على الطبقات الهامشية ، في الوقت الذي تعيد فيه الديمقراطية الانتخابية البورجوازية توزيع الثروة بين أغنياء أصلاً وحاكمين أصلاً! المفلح يقول: لقد قرأت حديثاً: أن الديمقراطية هي رد أصيل على دكتاتورية المعنى والتاريخ" يا له من تلميذ متأخر في المعنى والوقت لـ فوكوياما الذي ترك هذه الفرضيات : يطعمك الحج والناس راجعة إن الدكتاتورية التي هي ضد المعنى والتاريخ هي إمبراطورية التذرير والفوضى والعنف المميت الماسخ ، وهي دكتاتورية احتكار الثروة والسلطة لصالح قلة نافذة ومجرمة ، وهي دكتاتورية انسداد الأفق التاريخي والعيش تحت شعار : نقص الآمال المفرط! حين كتب ماركس الأيديولوجية الألمانية كان يرد على تيارين أيديولوجيين مستبدين: الأول، استبداد الصيغ العقائدية في التاريخ ، ومثاله صيغ الشريعة اليهودية ، والتلمودية ، وعقائد المهودين الجدد في الحومة الأميركية الحالية. (هنا يبزغ معنى التاريخ من وصايا الشريعة، حيث تسيطر الصيغ العقائدية ) والثاني، كان يرد على الكلمة المحررة في التاريخ ، أي الكلمة المبدأ المنقطعة الصلة عن التاريخ وأفعاله والمدعية احتكارها للمعنى السماوي (الأناجيل والتصوف عامة، الغيبيات والماورائيات ) أما أنا فأقول للمفلح: إنك تدافع عن الشريعة الإمبريالية الرأسمالية ، هذه الأخيرة ترفع راية أيديولوجية عتيقة من رقع من اليهودية المتعصبة ومن المسيحية الأميركية المهودة ترفعها كخرقة وسخة وراية ممزقة لجيوشها المزبدة والمتكالبة لغزو العالم الفقير والمتخلف. ملحق: هذه شهادة من حزب ليبرالي ما يزال يؤمن بديمقراطية الرأسمالية وقدرتها التنويرية والحداثية، إنه حزب الحداثة والديمقراطية لسورية: يقول الحزب في بيان تضامني مع سامي الحاج مصور قناة الجزيرة القطرية: "لقد أكدنا أن إستراتيجية بناء صورة الولايات المتحدة لدى الفعاليات السياسية السورية والعربية و الإسلامية تأسس مسبقاً على مسلمات وضمنيات تتحكم بإنتاج معرفة غير موضوعية ومؤدلجة تنتج بدورها لدى هذه الفعاليات صورة سلبية بشكل مطلق وحتمي وغير مقارب لواقع صورة الولايات المتحدة الأميركية التي لسياستها في منطقة الشرق الأوسط سلبيات كثيرة وإيجابيات أيضاً ، ولأن المطلقات والحتميات في السياسة وقضايا الإنسان والمجتمع لا تعكس لدى صاحبها إلا انغلاق وجمود وفقر سياسي ومعرفي وغربة عن الواقع، فقد دعا حزب الحداثة إلى أشكلة الموقف من الولايات المتحدة ونقد المواقف السائدة منها ، إلا أن العديد من ممارسات الولايات المتحدة ومعالجاتها الخاطئة لأوضاع منطقة الشرق الأوسط تزيد من مواقف "العقلانيين" صعوبة وتجلب المزيد من التشويه إلى صورتها وتعطي الطابع الأسطوري للوعي في المنطقة قوة واستمرار ا كبيرين ، فبالإضافة إلى سياستها غير المتوازنة في الصراع العربي الإسرائيلي وحربها المدمرة وغير المبررة على العراق ، تأتي قضايا متعددة منها قضية سامي الحاج مصور قناة الجزيرة القطرية لتكون أحد أهم هذه الأخطاء التي تسيء لصورة الولايات المتحدة الأميركية وتمنع أشكلتها وتطبيعها " ألمانيا- برلين في 19/3/2007 الحوار المتمدن - العدد: 1982 - 2007 / 7 / 20
تعليق على إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا مازن كم الماز [email protected] كان إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا واحدا من إعلانات عدة صدرت مؤخرا، إعلانات تمكن النظام من تحجيم أغلبها و دفعها إلى الهامش أو فرض العطالة عليها و كان أيضا بالنسبة للكثير من اليساريين الذي أصبحوا خارج التنظيمات اليسارية القائمة و الذين يبحثون عن هوية لهم وسط هذا الجدل السياسي و الفكري و لمن كان يعتبر أن اللحظة الراهنة فكريا و سياسيا تجاوزت أطروحات و ممارسات الأحزاب القائمة بارقة أمل بحالة جديدة لليسار السوري..أبرز ما يجب التهليل له في إعلان اليسار الماركسي هو أن قوى يسارية مختلفة اجتمعت على القبول بحق الاختلاف , اجتمعت على موقف معارض للنظام و موقف مختلف من الديمقراطية , أنها تريد أن تشكل قوة أو تيارا يساريا يمارس الدور المنوط باليسار في اللحظة التاريخية الراهنة..هناك نقطة أساسية للغاية هي التأكيد على عدم انفصال الاشتراكية و الديمقراطية و ليس فقط مجرد التوافق بينهما كان هذا نتيجة مرة لتجربة الاشتراكية في أوروبا الشرقية و هو أن الاشتراكية يفترض أن تحرر الإنسان في مجمل أوجه نشاطه من كل أنماط القهر و الكبت و الاستغلال و ليس مجرد تحرير بعض ظروف حياته من بعض قوى و عوامل القهر و الاستغلال..هذا لا يعني أن الديمقراطية هي مجرد مدخل لتغيير اجتماعي جذري إنها جوهر هذا التغيير الاجتماعي الجذري..أي أن الإنسان و هو يلقي بقوى القهر و الاستغلال عن كاهله سيتحرر من كل مظاهر الديكتاتورية و الوصاية على فعله الحر أنه سيحطم كل القيود التي عملت على تكبيله و فرض الظلم و القهر عليه مع تحرير ظروف حياته من بطش القوى التي كانت تنتج القهر و الاستغلال و كانت تختفي وراء الاستبداد و الطغيان بكل أشكاله..إن الديمقراطية البرجوازية ليست نظاما بريئا من الإشكاليات أو من التناقضات..إن الديمقراطية البرجوازية هي نظام وصل فيه الإنسان خاصة المقهور إلى مستوى من الوعي و القدرة على الفعل الذاتي المستقل ولدت حالة من التعادل بين قوى التغيير لصالحه و قوى الأمر الواقع لصالح الفئات و الطبقات المستغِلة إنه نظام يقوم على توازن هش بين قوى القهر و الاستغلال و قوى التحرر و العدالة , هذا التوازن الذي يتغير باستمرار بحيث أن ما يفقده طرف يكسبه الطرف المقابل بالضرورة و لهذا بالذات فهي تحتاج إلى قوة الدولة القمعية لفرض "النظام" على المجتمع و إن كانت في أكثر صيغها تقنينا للقمع..إن الديمقراطية البرجوازية ليست نهاية التاريخ إنها فاتحة التغيير نحو تحرير الإنسان و المجتمع نحو مجتمع لا يرتهن فيه النشاط الإنساني لمصالح الطبقات السائدة و لذلك فالأغلب أن يكون النظام الديمقراطي هو آخر أشكال الدولة القمعية القهرية المنفصلة عن المجتمع..لكننا اليوم و قبل أن نذوق حلاوة الديمقراطية بحالتها الانتقالية غير الحاسمة فمن الصعب علينا تصور تلك النقائص و ضرورة ذلك الانتقال إلى ديمقراطية مجتمع غير طبقي لا يحتاج إلى سلطة قمعية "لفرض القانون" على طبقاته المقهورة على إنسانه..يتحدث الإعلان عن قوى وطنية ديمقراطية و تقدمية و يقسم الأصوليين إلى قوى منخرطة في العمل السلمي و قوى مقاومة و قوى تكفيرية..إن هذه عين الممارسة الشائعة التي ترى الواقع كما نريد..هنا أظن أنه علينا أن نتجاوز أيضا الموقف السائد من الآخر السياسي و الفكري أن نضع قاعدة القبول بخصومة ليست شريفة كما توصف في استعارة من المنظومة القيمية السائدة بل في منافسة تقبل بمرجعية المجتمع تقبل بمرجعية الإنسان في حسم هذه الخلافات مما سيعيد هذه الخلافات إلى المربع رقم واحد إلى دائرة خدمة المجتمع و مصالحه تردها إلى ساحة الصراع الاجتماعي الفعلي الواقعي..هذه مساومة تاريخية بالفعل لكن ليست على الطريقة الاشتراكية الديمقراطية بل مساومة يستفيد منها المجتمع مجتمع العبيد و المقهورين بحيث تصبح الخطابات السائدة تدور في فلكه لا أن يدور هو في فلكها..علينا أن نقبل بوجود و مجادلة قوى معارضة لمشروعنا لأنها هناك بالفعل لأنها جزء من المشترك الاجتماعي و السياسي و الفكري أساس وجودنا كمجتمع و أساس وجودنا الإنساني أساس انطلاق المشروع الفعلي قوى لا تستحق مجرد القمع و التنكيل لأنها "معادية" قوى تشكل معنا أساس صراع فكري سياسي يدور حول مصالح المجتمع و الإنسان..لا يقمع النظام فقط القوى الوطنية و الديمقراطية فهناك أيضا الأصوليون و التكفيريون و الليبراليون ..لا بد من اكتشاف هذا الآخر و رفضه بشكل واقعي "ديمقراطي" إنساني يراه كما هو لا من منطق العداوة الذي يقود إلى إلغاء الآخر قبل محاورته و مجادلته خصومة تبحث عن هزيمة الخصم سياسيا و جماهيريا ليس ماديا تقر بقبوله كجزء من المشهد الكلي كجزء أساسي من هذا المشهد..إن ما يقنن العنف من حياتنا السياسية و ما يساعد على استئصال الطغيان طغيان أية سلطة على المجتمع هو هذا التبرير المطلوب لخصومة الآخر هذا التمييز بين كينونته كإنسان و بين موقفه السياسي و الفكري..يتعلق بهذا أيضا الموقف من القضية الكردية و ما يثيره كالعادة من خلافات كان أساسها الموقف اللينيني من القوميات و إخضاعه هذا الموقف لمتطلبات السياسة الآنية أي مصلحة الثورة المباشرة..هنا علينا أن نعود بالقضية من جديد إلى المربع الأول إلى المستويين من الحرية الإنسانية التي يبشر بهما اليسار : الآنية التي تبرر أن يذهب الأكراد السوريون إلى حد الانفصال إذا كانت هذه رغبتهم الفعلية و الحرية التي يرى اليسار أن الأكراد لن يحققوها بانفصالهم عن محيطهم العربي مادامت حريتهم الفعلية تعتمد على تحريرهم من كل قوى الاستغلال بما في ذلك التي تحمل ذات الهوية الكردية و أن قضية تحريرهم هي ذاتها قضية تحرير الإنسان العربي و الإيراني و التركي من قوى القمع و القهر و الاستغلال بما في ذلك تلك التي تلبس الزيّ القومي نفسه..هنا علينا كما أزعم ألا نتنازل أمام السياسي الآني بحثا عن غاية سياسية آنية "لإضعاف الخصوم"..أزعم أننا مطالبون بقبول حرية الأكراد كما يرونها هم في نفس الوقت الذي نؤكد فيه للجماهير الكردية أنهم لن يحصلوا سوى على دولة سيكون عليهم بعد ذلك النضال لتحرير أنفسهم من قهر حكوماتها التي تمثل الطبقات السائدة تماما كحال العرب اليوم في دولنا القائمة على قهر الشعوب..رغم أن اليسار يفترض به أن يكسر أشكال و أنماط العلاقات البطريركية لكننا كنا نحس عمليا أن الحزب الشيوعي بالنسبة لنا هو أسرتنا و كانت النظرة للقيادة نظرة أبوية سهلت لها تغييب القواعد و قيادتها بغيبية تسليمية إن الحزب الشيوعي يبقى اليوم البيت الذي نشعر بالحنين إليه لكننا نشعر بهذا الحنين كرجال يذكرون أيام طفولتهم الساذجة الجميلة بلا شك..إننا اليوم أيضا في حاجة إلى أن ننضج كأفراد و منظمات إلى أن نستعيد نقاء اليسار لكي نكون جديرين بحمل أحلام الإنسان هذا النقاء الذي ضاع وسط ألاعيب السياسة و التعامل مع ابتزاز و ترغيب النظام هذا النقاء الذي فقدناه و نحن نبشر بالستالينية التي أضافت قهرا جديدا عوضا عن أن تشرع بتحرير الإنسان..إننا نريد اليوم هوية جديرة بنا كيساريين و على أطراف هذا الإعلان و غيرها بما في ذلك كل يساري أن يشعر بالمسئولية عن تحويل هذا الإعلان إلى حدث يسهل ولادة هوية يسار جديد جدير برفع قضية تحرير الإنسان
المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 1901 - 2007 / 4 / 30
نقد الوثيقة الأساسية لتجمع اليسار الماركسي - تيم معتز حيسو تقديم: يعتبر صدور الوثيقة التأسيسية لتجمع اليسار الماركسي في سوريا( تيم ) ، لحظة تحول أولية في العقل السياسي لبعض فصائل المعارضة السورية ، لكونها تمثل خطوة أولى في بداية تحول وتطور آليات العمل السياسي المعارض ، تحديداً لكون وثيقة التجمع تعبيراً عن حالة توافقية بين عدة أطراف سياسية يسارية ماركسية ، تدعي تجاوز حالة التذرر والانقسام والترهل وفقدان الهوية ... مما يستدعي نقداً معمقاً وشاملاً للتجربة السياسية لتيارات المعارضة بتلاوينها المختلفة. وقد جاءت الوثيقة في أغلب محاورها ونقاطها الأساسية على غاية من الإيجابية والجدية عاكسة بذلك حس المسؤولية للمساهمين في إنجازها . لقد حاول المشاركون في صياغة الوثيقة التأكيد على إبراز هوية اليسار الماركسي بشكل منسجم مع المنظومة الماركسية محاولين تجاوز التقديس النصي ، مؤكدين على أهمية الحوار الشامل والعميق ، مسترشدين بالمفاهيم الماركسية بما يتناسب مع الظروف الاجتماعية واللحظة التاريخية الملموسة معتمدين النقد والتطوير للمنظومة المعرفية الماركسية الخاضعة بدورها لقوانين التطور ذاتها التي اكتشفتها الماركسية . من جانب آخر فإن الوثيقة حاولت وضع خطوط فاصلة وواضحة لمجمل القضايا الاجتماعية ، السياسية ، الاقتصادية ، النظرية ،باعتمادها آليات التحليل المعرفي القائم على ضبط المفاهيم المعرفية . إن صدور الوثيقة يعبر عن الحاجة الموضوعية لتحالف يساري طال غيابه وتغييبه ، وبنفس الوقت تُعتبر رداً موضوعياً على الميل الشيوعي الليبرالي و تحول بعض الفصائل الشيوعية إلى أدوات سياسية تساهم موضوعياً في استمرار الوضع الراهن . ليكون تشكيل التجمع خطوة أولى في سياق الممارسة السياسية التحالفية ، مؤكداً بذلك على ضرورة وأهمية التنوع والتعدد في الخارطة السياسية المعارضة ،ومؤكداً في الوقت نفسه على ضرورة إبراز الهوية الماركسية لليسار ، ودوره الموضوعي في مواجهة النظام الرأسمالي المعولم وتجلياته الطرفية بآليات تترابط فيها مواجهة تنامي المد الإسلامي الأصولي التكفيري . ومن الأهمية بمكان التأكيد على أهمية الوضوح في الوثيقة فيما يخص التحالفات السياسية بين الأطراف السياسية بناءً على الموقف من: التناقض مع المنظومة الرأسمالية من منظور قوى العمل ، رفض المشاريع الامبريالية ... رفض الصهيونية والاحتلال ، رفض الاستغلال ونهب الطبقات الشعبية ..،المعارضة السياسية الجذرية للاستبداد بكل أشكاله وتجلياته ، رفض التمييز القومي والديني والطائفي والجنسي والعرقي . إن جميع ما أوردناه لا يلغي بالتأكيد وجود بعض النقاط الخلافية التي تفترض منا تفنيدها وتوضيحها للوقوف عليها في سياق التأكيد على أهمية وضرورة ممارسة الحوار النقدي البناء للارتقاء في الفهم السياسي وآليات الممارسة السياسية للوصول إلى أشكال سياسية ترتقي إلى مصاف القوى التغييرية الديمقراطية القائمة على حرية الرأي وحرية الإنسان بوصفها قيمة مطلقة في سياق الممارسة السياسية الهادفة لبلورة مشروع مجتمعي مدخله التغيير السلمي الديمقراطي . قراءة نقدية للوثيقة : يبدأ التجمع في بيانه المرفق للوثيقة بالنداء الموجه لكافة الشيوعيين واليساريين والمناضلين ... إن هذا النداء بقدر ما يحمل من إيجابية ومرونة وانفتاح على الآخر ، فأنه يعبّر في مضمونه عن دعوة عائمة وضبابية وملتبسة ، ذلك لكون بعض قوى اليسار الشيوعي الكلاسيكي التي تدعي تمثيل الفئات الشعبية المهمشة ومصالحهم الطبقية يتموضعون في الحقل السياسي النقيض لموقعهم الطبقي ، مما يضعهم في حقل التناقض الطبقي مع التجمع الماركسي ، إضافة إلى وجود بعض التشكيلات السياسية ذات الميل الليبرالي والتي تتناقض منهجياً مع التوجهات السياسية والنظرية للتجمع الماركسي . إن التناقض المنهجي والسياسي بين التشكيلات السياسية الراهنة يفترض من التجمع الوضوح المنهجي في الخطاب السياسي الموجه إلى الأطراف الأخرى . ويترابط هذا مع التأكيد على التقدم خطوة أولى في آليات العمل السياسي القائم على فهم سياسي جديد يقوم على تعزيز الحوار والتعامل بين الأطراف المعبرة عن مصالح الفئات الشعبية وهذا بحد ذاته يشكل خطوة أولى في سياق تجاوز العقل السياسي الحزبويّ الضيق والمنغلق على ذاته . ــ جاء في البيان بأن التجمع كان رداً على حالة التذرر والانقسام .... يكمن في هذا الفهم إشكالية منهجية ، لأن الفكر السياسي والممارسة السياسية لقوى اليسار تحديداً ليس رد على واقعة محددة وملموسة بقدر ما هو تعبيراً عن مشروع اجتماعي نظري وسياسي نقيض للنظام الرأسمالي وتجلياته الطرفية والنظم الاستبدادية.. ، وبنفس الوقت يعبّر عن برنامج سياسي وفكر نظري بديل للمنظومة الرأسمالية المتفاوتة في تطورها وتجلياتها ،والتي تفترض تباين وتفاوت أداء قوى اليسار، لكن يجمعها دائماً العمل السياسي للوصول إلى مجتمعات إنسانية يسودها المساواة والعدالة والحريات السياسية .... بمعنى أنه لا يخضع في الممارسة السياسية للفعل ورد الفعل . ــ جاء في الصفحة الثالثة من البيان ( إن انطلاق حركة (تيم ) ... ، وإصرارها على وحدة العمل رغم تباينات في الفهم النظري والسياسي ، وتمكنها من وضع تصور لبنية تنظيمية مرنة وقابلة للتطور .... ) . بالمقارنة فأن ما ورد يتناقض مع البندين الثاني والرابع من الهيكلية التنظيمية للتجمع ، لكونهما يؤكدان وبشكل مباشر على المركزية التنظيمية بشكلها المتنافي والمتناقض مع جوهر الممارسة السياسية الديمقراطية . ــ بقدر ما تؤكد الوثيقة والبيان على ضرورة تفعيل الحوار وتعميقه ، وعلى بناء و تفعيل وتطوير التحالفات السياسية من منظور طبقي ، فإن التناقض يقوم بشكل واضح في آليات عمل بعض أطراف التجمع ، وتحديداً بكونه هو من يشترط عدم وجود الأطراف الموقعة على الوثيقة في تجمعات سياسية أخرى تتناقض مع ما جاء في الوثيقة ، فأن بعض الأطراف الموقعة على الوثيقة مشاركون ومساهمون بشكل أساسي في تجمعات سياسية تتنافى إذا لم نقل تتناقض منهجياً مع الوثيقة ، وهذا بحد ذاته يحتاج إلى إجابات موضوعية خارج السياق البراغماتي للممارسة السياسية . وملاحظتنا هذه رداً على تفاقم البراغماتية السياسية عند بعض الأطراف ،والتي تعبر في الوقت نفسه عن تضخم في الأنا الشخصية ، وهذا يدلل على عدم تجاوز بعض إشكاليات العمل السياسي الرائجة حتى اللحظة ، ويخالف بنفس الوقت ويناقض ما جاء في الوثيقة . إضافة إلى أن هاجس التوحيد كان واضحاً في الوثيقة ، وهذا يعبر عن خلل منهجي في العمل السياسي ، بينما كان من المفترض العمل على التنسيق بين الفعاليات السياسية المختلفة للوصول إلى تحالفات وتكتلات سياسية تقوم على الاتفاق على برنامج الحد الأدنى القائم على تحديد المهمة المركزية والمحورية للعمل السياسي في اللحظة الراهنة ، هذا إضافة إلى أن التجمع ما زال يحمل العقلية الوصائية وعقلية الطليعة التي تفترض أنها هي من يقود الشعب . ــ وينتهي البيان بالتأكيد على الترفع عن العصبيات التنظيمية ... وتجاوز أمراض الماضي .. وهذا بحد ذاته يعتبر تقدماً ملموساً في الفهم السياسي و نتمنى أن يكون مترابطاً مع ممارسة سياسية متجاوزة لعقد الماضي وأمراضه والتي ما زالت حتى اللحظة مهيمنة على آليات الممارسة السياسية . ـــ ورد في مقدمة الوثيقة بأن الرأسمالية الراهنة تعمل على تكييف نفسها وفق معطيات القرن الواحد والعشرين ، وهذا لا يخالف الواقع الراهن لسيرورة الرأسمالية الراهنة نسبياً ، لكنه يترافق مع آليات إعادة تكييف كونية معولمة بما يتناسب ويلائم آليات تطور الرأسمالية عموماً وميول رأس المال المالي خصوصاً بكونه أحد تجليات الرأسمالية في سيرورة تطورها الراهنة المتخذة سمة التمييل (المضاربة والاستثمار في أسواق المال والبورصة ...) والمترافقة مع تزايد حدة التكتلات بين الشركات العابرة للقومية والمتعددة الجنسية ،مما يقود إلى زيادة حدة تحكمها في الاقتصاد العالمي وتهميش دور الدولة وتحويلها إلى شرطي معولم لحماية استثماراتها، إضافة إلى أن الشركات المذكورة تعمق حدة الاحتكار و التفاوت الاجتماعي و معدلات الاستقطاب على المستوى الكوني . ـــ ( بسبب فشل الأحزاب القومية والاشتراكية والديمقراطية في تحقيق أهدافها ....تشهد المنطقة بروز موجة إسلامية بتيارات مختلفة ..... ) . في حقيقة الأمر فشلت النظم السياسية القومية الشمولية في تحقيق أهدافها التنموية و الديمقراطية ، لكن من الضروري التنويه إلى أن أسباب المد الإسلامي عموماً والأصولي بأشكاله التكفيرية خصوصاً لا يتعلق بفشل مشروع الأحزاب القومية فقط بل يرتبط بأشكال الممارسة السياسية للأنظمة القومية والتي كان من نتائجها تغييب قوى اليسار عموماً والداعية للتغيير الديمقراطي خصوصاً ، مما قاد إلى خلل في ساحة الممارسة السياسية التي بقيت نسبياً حكراً على بعض القوى السياسية المرتبطة بتحالفات سياسية مع الأنظمة المسيطرة ،ونشاط الإسلاميين المسيس والموظف بأشكال ومستويات وغايات مختلفة ومتنوعة ، ويترابط ما ذكرناه مع التوجه الدولي لمواجهة الأصوليات الدينية محوّلة بذلك الحروب الدائرة إلى حروب (حضارية) شعارها الدعائي والمعلن الديمقراطية في مواجهة الإرهاب الأصولي ، لتتقاطع في لحظة تاريخية واحدة مفاعيل الاستبداد الطرفي مع مشاريع الهيمنة الدولية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية ، مولدة ًبذلك أزمات اجتماعية متنامية ومركبة يغيّب جانبها الطبقي لتتجلى بأشكال إثنية عشائرية طائفية .... نتيجة غياب دور مؤسسات الدولة ( التنموي ــ الديمقراطي ) وتغييب دور الأحزاب العلمانية والمؤسسات المدنية . ــ ( إن هذه الظروف العالمية والإقليمية والمحلية ـ خاصة مع ظهور مواجهات الموجة الليبرالية وتراجعها وفقدان مصداقيتها .... يجب أن تحفز قوى اليسار في سوريا لتشكيل حركات سياسية ....) . يستوقفنا في هذه الفقرة بأن تشكيل اليسار هو نتاج رد فعل لما يحصل في الواقع وليس نتاجاً موضوعياً لسياق تطور تاريخي اجتماعي موضوعي يفترضه التناقض البنيوي التاريخي بين النظام الرأسمالي المعولم ،وبين تشكيلات اليسار وقواها السياسية بمستوياتها وتجلياتها المختلفة .... بكونها تعبيراً موضوعيا ًعن التناقضات الاجتماعية والسياسية ، و تعبيراً موضوعياً عن مشروع اجتماعي نقيض للرأسمالية في كافة مراحل تطورها وميولها المختلفة . ــ بالترابط مع النداء الموجه إلى كافة الشيوعيين والماركسيين والوطنيين في سوريا فإن الوثيقة تعلن بأن التجمع ليس موجهاً ضد أحد بل تدعوا كافة الأطراف للحوار . إن هذا بحد ذاته يعتبر بشكل عام خطوة متقدمة في آليات الممارسة السياسية لقوى المعارضة ؟ لكن السؤال يكمن في علاقة التجمع مع (أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية ) لكون بعض المشاركين فيها تنظيمات شيوعية تدّعي التناقض مع المنظومة الرأسمالية ، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي السوري ( خالد بكداش ) وغالبية أفراد وقيادات هذا التنظيم يخوّنون ويكفّرون بشكل مطلق كل من هو خارج تنظيمه وخارج الجبهة ... وهذه التنظيمات يربطها تحالف طبقي ترتهن جراءه لقرارات الحزب الحاكم لتقوم بالدور الوظيفي الموكل إليها ، وبالتالي نتساءل عن جدوى هذا النداء وعن آليات التعامل مع هذه القوى . ــ المستوى النظري : جاءت الوثيقة مؤكدة الكثير من النقاط الإيجابية في النظرية الماركسية ، ومحاولة التأكيد على أنها عملت وتعمل على تجاوز بعض الإشكاليات المعرفية في النص الماركسي ، والأهم هو ربط الاشتراكية بالديمقراطية ، والتأكيد على أن الماركسية ليس تقليداً جامداً أو نصاً مقدساً بل نصوص متجددة ومتطورة والتجدد والتطور من سماتها ....واللافت في هذا الجانب هو الإقرار بأن الماركسية فكر تاريخي نسبي مشروط بزمان ومكان محددين ، وإقرار التجمع بالخلاف بين أطرافه والتأكيد على أن المرحلة الراهنة ذات مهام وطنية ديمقراطية ، ــ التأكيد على أهمية وضرورة الحوار في الكثير من مواقع الوثيقة . ــ دعم الجهود الفكرية والثقافية الديمقراطية ، وتأييد نضال جميع الشعوب المضطهدة . ــ المستوى العالمي : ما جاء في هذا الجانب يعبر عن رؤية منهجية ، ومشروع استراتيجي ، لكن بنفس الوقت يعكس التناقض الحقيقي بين الحجم الموضوعي والذاتي للتجمع ومدى تمثيله الاجتماعي ، وحجم المهام التي يتبناها والتي تحتاج إلى جهود أحزاب سياسية وتجمعات مدنية ضخمة ومتجذرة بواقعها الاجتماعي ، إضافة إلى تشكيلات سياسية ومدنية على المستوى الدولي وجهود شعوب منظمة للوقوف في مواجهة انعكاسات النظام الرأسمالي الراهن ....، و ليس تشكيل بحجم التجمع الماركسي السوري ،وهذا بطبيعة الحال لا يجب أن يقلل من أهمية التجمع وأهمية المهام التي يحاول تحملها ... لكن في الممارسة السياسية يجب الانطلاق من الخاص إلى العام وفق آليات عمل سياسي ومعرفي تقوم على الربط الجدلي بين الخاص والعام ،وعلى تحديد المهام المرحلية والإستراتيجية وفق تحليل منهجي وموضوعي . المستوى الوطني : 1ــ المستوى السياسي : في النقطة الثالثة يطرح التجمع بأن حل القضية الكردية يتجلى من خلال حل ديمقراطي في سوريا ضمن إطار وحدة الوطن السوري ويحترم ما تقره الماركسية في هذا الصدد من الناحية المبدئية . بتقديرنا إن المسألة الكردية تحتاج إلى تحديد أكبر ، وإحالة معالجة القضية الكردية كما جاء في الوثيقة إلى الماركسية ، يعبر عن حجم التناقض الكبير بين الأطراف المشاركة ، ويعكس حجم الإشكالية في آليات علاج المسألة الكردية ، وبنفس الوقت يعكس إشكالية عدم تجاوز النص الماركسي بكونه مرجعاً لحل الإشكاليات الراهنة ، رغم إدراكنا ومعرفتنا بأن النص الماركسي بهذه المسألة من الصعب الركون إليه . بينما كان من الأفضل تناول المسألة الكردية وبحث إمكانيات تجاوزها من خلال منظور ديمقراطي يعطي الأكراد حقهم في تقرير مصيرهم على أساس حرية الإنسان وحقوق المواطنة التي يتساوى فيها كافة المواطنين بغض النظر عن جنسهم وعرقهم وقوميتهم ومذهبهم ... مع الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ، ومؤكدين بذلك على تضامن وتحالف كافة المواطنين في سوريا بغض النظر عن انتمائهم للخروج من الإشكاليات والأزمات الراهنة من خلال ممارسة سياسية سلمية وديمقراطية تقطع مع الاستبداد بكافة أشكاله وأدواته السياسية . وأخيراً يجب التأكيد على حق الشعب الكردي وتمثيلاته السياسية والمدنية في المشاركة الفعلية لإيجاد الحل العادل لكافة إشكالاتهم وأزماتهم التاريخية والراهنة . ـــ ومن القضايا الأساسية التي أبرزتها الوثيقة في الجانب السياسي هو التأكيد على الحوار والتلاقي مع كافة القوى الوطنية . وتؤكد الوثيقة على أن الالتقاء مرهون بالموقف من قضايا أساسية ، في مقدمتها المسألة الديمقراطية والوطنية والالتزام بالمصالح الطبقية للطبقات الشعبية . ب ــ الصعيد الاقتصادي والاجتماعي : تعتبر النقطة الخامسة ( محاربة كافة أشكال الفساد ...وتشجيع العملية الإنتاجية في كل الحقول بغض النظر عن مالكيها ( قطاع دولة أو قطاع خاص ) على غاية من الأهمية وتحديداً لأنها تنم عن قراءة موضوعية لآليات وأشكال وإمكانيات التطور والميول الاقتصادية الموضوعية ، إضافة إلى أنها تدلل على تجاوز إشكاليات بعض المفكرين والتشكيلات السياسية ذات العقلية الدوغمائية والأصولية اللينينية ( الستالينية ) في موقفها من القطاع الخاص ، وهذا يعتبر بشكل أو بأخر قطعاً معرفياً مع أشكال الوعي والتفكير الستاليني المحمل بالنزعة التقديسية للنص الشيوعي الكلاسيكي . وبنفس الوقت تعتبر هذه النقطة عودة لآليات فهم ماركس الموضوعي للتطور الاقتصادي ، وآليات تفكير لينين المرتبطة بسياسة النيب ... بعد إخفاقه في انجاز (الشيوعية) قبل إنجاز المهام الديمقراطية . ــ وهنا يمكن أن نطرح تساؤلاً مشروعاً : ألا تمثل رؤية التجمع لمشاركة القطاع الخاص، إشكالية منهجية ؟؟. ذلك لكون بعض المشاركين في الوثيقة يرون بأن القطاع الخاص لا يخدم تطوير المشروع التنموي ، بل يساهم بفعل مشاركته الاقتصادية الهامشية في تسريع اندماج الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي مما يقود إلى إشكاليات وأزمات اقتصادية ؟؟. وبالتالي ألا يشكل ميل التجمع هذا تقارباً مع الميل اليساري الليبرالي الذي يقف منه التجمع موقفاً نقيضاً ، وبناءً علية كيف يمكن أن يبرر من ساهم في إنضاج الوثيقة هذا الموقف موضوعياً ، وبشكل واضح ودقيق . المستوى التنظيمي : ـــ ورد في الفقرة الثانية ( يتم ترشيح أي مستقل يوافق على الوثيقة ... في القيادة المركزية من فصيلين موقعين على الوثيقة التأسيسية ، وينال موافقة باقي الفصائل ...... ) تشكل هذه النقطة إعاقة حقيقية لآليات عمل التجمع كونها تحدد دخول أطراف جديدة إلى التجمع على قاعدة الإجماع وليس على قاعدة الأغلبية ، وبنفس الوقت يتنافى مع ما تطرحه الوثيقة في تأكيدها على التلاقي مع الأطراف الوطنية والماركسية في سوريا ، وبنفس الوقت تتنافى مع الديمقراطية التنظيمية وتنحو باتجاه تعزيز المركزية التي قادت كثيراً من التجارب السياسية إلى البيروقراطية الحزبية . ـــ في الفقرة الثالثة تم تحديد نسبة المستقلين في القيادة المركزية بنسبة 25% من الأصوات . ــ هل تساهم هذه الفقرة في دعم وتطوير وتوسيع عمل التجمع ؟ من الملاحظ بأن المستقلين يشكلون الغالبية الساحقة بالنسبة للناشطين السياسيين في سوريا لأسباب باتت واضحة ومعروفة تتعلق بجانب منها بإشكاليات الأحزاب السياسية وقياداتها ، وعليه فإن الكثير من المستقلين ... يرفضون العمل السياسي في الأطر والأشكال السياسية الراهنة ، وبناءً عليه فإن تحديد نسبة المستقلين كما ورد في الوثيقة تعتبر إشكالية ومصدر إعاقة لتطوير وتوسيع المشاركة السياسية وتتنافى بنفس الوقت مع دعوات توسيع الحوار وتعميق وتطوير العمل السياسي المنظم . ـــ في الفقرة الرابعة ( يتم قبول أي فصيل يوافق على الوثيقة .. إذا نال الأغلبية المطلقة للأصوات في القيادة المركزية .. ) وهذه النقطة أيضاً تتناقض وآليات العمل السياسي الذي يفترض أن يقوم على الديمقراطية والأطر السياسية المنفتحة . ــ تعتبر النقطة الثامنة والتي تقول بإصدار مجلة فكرية يسارية .... خطوة هامة وضرورية لما تحمله من إمكانيات نشر الفكر اليساري ، وتحديداً بعد غياب غالبية المجلات اليسارية المختصة ، ويفترض أن تعمل هذه المجلة على القطع المعرفي مع التعقيدات والتقييدات والإجراءات البيروقراطية والروتينية المعيقة التي تحد من فاعلية الحوار الحر والمنفتح والذي يفترض بل يجب أن تكون متجاوزةً للأطر التنظيمية الضيقة والعقلية السياسية الحزبوية المغلقة ، لتساهم في تشكيل وعي نظري وسياسي وفكري جديد يقوم على نقد ونقض مسلمات وبداهات العقل السياسي الراهن للعمل على تجاوز سيطرة العقل الماضوي والأصولية المعرفية بكافة مدارسها ومستوياتها و أشكالها. ـــ ( تؤخذ القرارات في القيادة المركزية بالتوافق ، وهي ملزمة لمن يوقع عليها ، ويحق لمن لا يوافق على أي قرار عدم المشاركة في تنفيذه دون المساس بأي من حقوقه ... ) . تعتبر هذه الفقرة تجسيداً للممارسة السياسية الديمقراطية ، لكنها تتعارض مع بعض النقاط الواردة في الوثيقة ( 1-2..) والتي تساهم في تكريس المركزية التي من الممكن أن تقود إلى ممارسات بيروقراطية وبالتالي يفترض أن يتم العمل على تجاوز هذه النقاط درءاً من الوقوع في التكتل والانغلاق ، وهذه النقاط تتناقض مع الدعوات المؤكدة على ضرورة الحوار. ختاماً نرى أنه من الضروري تثمين ودعم التجمع من خلال تثبيت النقاط الإيجابية والعمل من خلال تفعيل الحوار النقدي الحر و المنفتح لبحث و تجاوز بعض النقاط الإشكالية ، وبتقديرنا يمكن أن تكون المجلة النظرية هي ساحة الممارسة النظرية النقدية للارتقاء بهذه التجربة وبتجارب أخرى ، لتكون مجالاً حراً ومنفتحاً لتأكيد حرية الفكر والإبداع . وأيضاً يجب التأكيد على ضرورة استمرار وتطور وارتقاء التجمع الماركسي لكونه يشكل حالة سياسية جديدة تحاول إعادة نسغ الحياة إلى اليسار السوري الذي يمثل مشروعاً اجتماعياً نقيضاً للمشروع الرأسمالي المعولم وتجلياته الطرفية . المصدر: الحوار المتمدن - العدد: 1924 - 2007 / 5 / 22-23 /5/2007
التجمع اليساري الماركسي ( تيم ) مابين التكامل والتمايز بدر الدين شنن افتقد الشارع السياسي السوري اليسار؛ واليسار الماركسي تحديداً ، أكثر من ثلاثين عاماً . وهذا الفقد لم يأت تلقائياً ، نتيجة اكتشاف كذب الحلم .. أو فشل النظرية .. وإنما أتى نتيجة عوامل متعددة أهمها ،التحاق الفصيل اليساري ، الأب أو الأم ، " الحزب الشيوعي السوري " بالحركة التصحيحية عام 1970 ، وقبل الانضواء تحت قيادة البورجوازية الجديدة الممثلة بحزب البعث العربي الاشتراكي " الحزب القائد " الطامحة للسيادة السياسية والاقتصادية في البلاد ، واستقالة الحزب الشيوعي السوري " المكتب السياسي " مؤخراً من اليسار الماركسي والانتقال إلى موقع " حزب الشعب الديمقراطي " ، والانخراط في العملية السياسية بقناعات واصطفافات أخرى وأتى نتيجة القمع الديكتاتوري الشرس المتواصل على امتداد ربع القرن الماضي ، لكل فصائل اليسار الماركسي ، وخاصة حزب العمل الشيوعي والمكتب السياسي ، كما أتى نتيجة عداء سياسي وأيديولوجي لا هوادة فيه من قبل قوى الإسلام السياسي وقوى يمينية تقليدية محلية ودولية ، التي هادنت أو دعمت بكل شكل متاح عمليات تصفية اليسار ، على أمل امتلاك الشارع السياسي واحتكاره من قبلها . وقد كابدت الطبقة العاملة والقوى الشعبية كافة افتقاد اليسار الماركسي بأسوأ تجليات التهميش السياسي والإذلال الاجتماعي . كما كابد الوطن كله هذا الافتقاد بأطول زمن من الفراغ البائس في الشارع السياسي، وأشد عهود الاستبداد انفلاتاً ، وأوسع عمليات النهب المبرمج لثروات وقدرا ت البلاد . وهذا يضيء لنا ، من طرف ، السبب الحقيقي لعزلة النظام شعبياً ولعدم قدرة قوى المعارضة على إحياء وكسب الشارع إلى جانبها . وذلك لأن قوى النظام ومعظم قوى المعارضة تنتمي إلى ذات الطبقة الاجتماعية، التي تقف قطباً اجتماعياً مقابلاً للقوى الشعبية وتثرى على حسابها ، مع التأكيد على الفارق الهام فيما بينها فقوى النظام سياسياً واجتماعياً هي قوى استبدادية ... والنضال ضدها حق ومشروع ، وهذا يضفي على موازين قوى المعارضة السياسية إيجابيات كبيرة ويعزز طرحها السياسي الديمقراطي . لكن المعارضة لا تطرح نظاماً اجتماعياً مغايراً ، أو هي لا تقدم جدياً في برنامجها للتغيير بعداً اجتماعياً مطابقاً لمطالب واحتياجات القوى الشعبية . كل ما تطرحه اجتماعياً هو اقتصاد شفاف واحتجاجات نقدية على معاناة شعبية معيشية غير مقرونة بسياسة اقتصادية بديلة .. نقيض .. لسياسة النظام ، ضمن النظام الاجتماعي ، الذي بطبيعته الاستغلالية لا يؤمن الحياة الجيدة والرفاهية إلاّ لمالكي الرأسمال وآلياته الاقتصادية المتعددة . بمعنى .. أن لا أمل للقوى الشعبية في تغيير أسلوب الإنتاج القائم وأسلوب الحياة المرتبط به .. إلى دروب مفتوحة لحياة أخرى مغايرة. وهذا يضيء لنا ، من طرف آخر " أن الوطن .. أن الشارع السياسي بحاجة لعودة اليسار واليسار الماركسي خاصة .. الذي يحمل الهموم الراهنة الوطنية والديمقراطية والاجتماعية .. كما يحمل هم المستقبل .. يحمل الحلم .. الوعد النضالي بتغيير أسلوب الإنتاج ونمط المعيشة .. ونمط العدالة .. ويبشر بنظام ينتفي فيه استغلال إنسان لإنسان وشعب لشعب آخر ، عبر نضال طبقي ووطني وديمقراطي وقومي متكامل ، أي تحقيق الديمقراطية بمضامين إنسانية واجتماعية أكثر عدلاً وأكثر احتراماً للإنسان. وفي هذا السياق من المفيد الإشارة إلى أن الدول الأساسية في أمريكا اللاتينية ، قد قدمت الدليل الإبداعي، العملي والنظري ، على صحة وفعالية هذا الربط الجدلي لمضامين النضال الوطني والديمقراطي والاجتماعي . فبالديمقراطية كسبت الشعوب وخاصة القوى الشعبية في فنزويلا والبرازيل وبوليفيا ونيكاراغوا وتشيلي والأكوادور انتصارها على قوى الظلم الاجتماعي والهيمنة الإمبريالية الأمريكية وولوج مهام إعادة اقتسام الناتج الإجمالي المحلي ، بنسب أفضل لصالح الكادحين والمنتجين والفقراء صحيح جداً أن الاشتراكية ليست مهمة اللحظة الراهنة بالنسبة للشعب السوري . وصحيح جداً أن الديمقراطية هي مهمة أولى مفتاحية وأكثر ضمانة لمتغيرات هامة على كل المستويات في المجتمع السوري ، لكن الصحيح جداً أيضاً هو ، أن الديمقراطية " حاف " بلا أفق عادل للقوى الشعبية .. بلا ضمانات سياسية عبر آليات لها خلفياتها النظرية العلمية ، لن تكون سوى إعادة اقتسام السلطة .. ولن تكون محور جذب مركزي للشارع السياسي ، وأبرز هذه الضمانات هي حضور اليسار الماركسي واليسار عامة وأدائه دوره النضالي المتميز مع كافة القوى الوطنية الديمقراطية ، التي تتقاسم معه الكثير من التطلعات والأهداف السياسية والاجتماعية . يمكن قراءة ما صدر عن " التجمع اليساري الماركسي في 20 / 4 / 2007 ، عبر بيان إعلان التجمع أو في الوثيقة التأسيسية ، أن الجهات التي يتوجه إليها التجمع اليساري الماركسي السوري في أولى كلمات بيان الإعلان " إلى كافة الشيوعيين والماركسيين السوريين ، إلى قوى اليسار عامة ، إلى عموم المناضلين الوطنيين الديمقراطيين " تلخص إلى حد كبير الأهداف والمهام التي وضعها التجمع أمامه في برنامجه في الحاضر وتؤشر إلى ما يرمي إليه في المستقبل ، لـ " يشكل الجميع الحركة السياسية المنشودة .. على أسس نهضوية جديدة : تنويرية .. ديمقراطية .. وطنية وإنسانية " .. " ترفض أن يظل الشعب مجرد مادة يفعل فيها المستبدون والإمبرياليون ما يرونه مناسباً لمصالحهم على حساب حياته ومستقبل أجياله " و " لإعادة إنتاج وتصويب وتجديد جملة من المفاهيم والأطروحات الأساسية .. وأبرز هذه القضايا وعي الطبقة العاملة وحلفائها في سياق التطور التاريخي للشعب والبلاد " وصولاً " إلى بناء حزب موحد لليسار الماركسي في سوريا ، وإلى جبهات وتحالفات مرنة وواسعة حيث يتعذر ذلك. لهذا ، فإن ( تيم ) أي التجمع تحدد موقعها وانحيازها الطبقي بوضوح بتحديد ( التناقض العميق مع المنظومة الرأسمالية من منظور قوى العمل ) و ( رفض مشاريع الإمبريالية وحروبها العدوانية وهيمنتها ، ورفض الصهيونية والاحتلال ، رفض الاستغلال ونهب الطبقات الشعبية وإفقارها المستمر ) وتكريس ( المعارضة السياسية الجذرية للاستبداد بكل أ أشكاله وتجلياته ورفض التمييز القومي والديني والطائفي والجنسي والعرقي بين المواطنين . وتحديد البدائل التي تريدها لذلك . ويطرح التجمع في الوثيقة التأسيسية عرضاً فكرياً هاماً يلخص رؤيته للظروف الدولية والإقليمية والمحلية ، التي خلص فيها إلى تأسيس التجمع اليساري الماركسي السوري . كما يطرح في متن الوثيقة برنامج عمل التجمع على الصعيدين السياسي والاقتصادي . ومن الصعوبة بمكان أن يقدم في مقال واحد كل أو ملخص ما جاء في الوثيقة ، وذلك لما تضمنته من أطروحات ومفاهيم مكثفة . إلاّ أنها لما تتمتع به من أهمية يمكن القيام بجولة موجزة على أهم ما هو لافت في هذا الحيز المحدود. جاء في الوثيقة تحت عنوان : في المستوى النظري يتبنى التجمع النظرية الماركسية منهجاً في التحليل والممارسة . يرى التجمع أن تحقيق مستقبل إنساني مزدهر للبشرية مرهون بإقامة نظام ينهي استغلال الإنسان للإنسان وينهي استلابه وعبوديته لحاجات الحياة الأساسية وللمسيطرين عليها عبر تملكهم وسيطرتهم على وسائل الإنتاج .. وهو النظام الاشتراكي .. كما يرى التجمع أن العمل من أجل مستقبل كهذا للبشرية مسؤولية لا محيد عنها ، ولا يتعارض ما سبق مع إدراك التجمع بأن نضاله على الصعيد المرحلي يندرج في سياق استكمال مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية الاشتراكية والديمقراطية صنوان لا ينفصمان .. وإن الهدف الأساسي للاشتراكية هو سعادة الإنسان المادية والروحية . ولأن مشروع الطبقة العاملة مشروع إنساني ، فإن التجمع يناضل من أجل حماية واحترام حقوق الإنسان وقيمه العليا. كما جاء في الوثيقة تحت عنوان؛ في المستوى السياسي سوريا جزء من الوطن العربي والشعوب العربية التي تشكل امتدادها القومي والتاريخي ، الأمر الذي لا يتنافى مع وجود وحقوق القوميات الأخرى وخاصة الكردية ، والتي تشكل بمجموعها مع العرب النسيج الوطني السوري. يعمل التجمع من أجل حل عادل للقضية الكردية في سوريا ضمن إطار وحدة الوطن السوري أرضاً وشعباً . النظام السوري نظام رأسمالي يتطور بتسارع نحو الاندماج بالسوق الرأسمالي العالمي ، وهو ذو شكل حكم استبدادي ، يستغل الدولة والمجتمع لصالحه ، ويتسبب في نخر الدولة وقوانينها بآليات الفساد ، وهو ما يؤدي بالتكامل مع دور البورجوازية السورية عموماً ، إلى توسيع الفوارق الطبقية ويوصل الوضع إلى انسدادات وأزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية مستفحلة . كما عددت الوثيقة على هذا الصعيد المطالب الديمقراطية العامة وأهمها ، إنهاء احتكار السلطة وإقامة نظام تعددي .. إلغاء كافة مواد الدستور التي تعرقل ذلك وأهمها المادة الثامنة منه . ورفع حالة الطوارئ وإلغاء الأحكام العرفية .. إطلاق سراح كافة سجناء الرأي .. إصدار قانون جديد للانتخاب يعتمد سوريا دائرة واحدة ومبدأ النسبية بهدف تعزيز اللحمة الوطنية وإبراز أهمية الانتماء السياسي. يناضل التجمع في المرحلة الراهنة من أجل تحسين المستوى المعاشي للجماهير الشعبية والدفاع عن حقوق العمال والفلاحين وسائر الكادحين والفئات الوسطى ، ومن أجل توزيع أقل ظلماً للثروة ومحاربة الفساد وربط الأجور بالأسعار. النضال من أجل قطاع دولة قوي في الاقتصاد بعد إصلاحه جذرياً وتحصينه ضد الفساد والنهب البيروقراطي وضد تدخلات أجهزة السلطة المختلفة لحسابات خاصة . إن أهم ما يلفت في المفاهيم والأفكار والأهداف في الوثيقة التأسيسية هو الشروط الثلاث ، التي ألزم التجمع نفسه بها عند تحديد موقفه من شتى القوى والطروحات السياسية وإمكانيات لقائه أو معارضته لها على ضوء القضايا الأساسية الثلاث التي يناضل من أجلها وهي : المسألة الديمقراطية التي تعتبر المدخل الأساسي لمستقبل سوريا ولتحقيق أهداف الشعب المختلفة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ووطنياً ، والمسألة الوطنية .. الموقف من مشاريع الإمبريالية ، ولاسيما التحالف الأميركي الصهيوني ، وقضية المصالح الاقتصادية والمعيشية للطبقات الشعبية. أما ما يتعلق بمسائل التنظيم وآليات عمل التجمع ، فهذا شأن معرض لامتحان التجربة والتصويب حسب القناعات المتأتية من حقول الممارسة. لاشك أن هناك ملاحظات وتعليقات وانتقادات سوف تتعرض لها وثيقتا التجمع من مرحب أو ممتعض، وفي هذا الصدد يقول إعلان التجمع " ما دام التجمع يقبل حق الاختلاف والتمايز فكرياً وسياسياً وممارسة داخل إطاره نفسه ، فمن البديهي أن يقبله بالقدر نفسه أو أكثر خارج صفوفه. ولاشك أيضاً ، أنه ليس لدى قوى وشخصيات التجمع وهم أنه بمجرد الإعلان عن قيام التجمع سوف يتوافد الناس إليه أفواجاً للانتساب إليه . إن العمل الصبور الدؤوب الذي تطلبه تأسيس التجمع وإطلاقه ليرى النور مطلوب مضاعفاً في المراحل اللاحقة لينمو ويقوى ويتحول التجمع إلى قوة جماهيرية فاعلة .. وحاسمة . كل الإمكانيات الموضوعية تبشر بذلك ، لاسيما أن التجمع لا يطرح نفسه منافساً أو بديلاً لأي فصيل ماركسي أو يضع مسافة خصومة مع أي من القوى الوطنية الديمقراطية ، وإنما يطرح نفسه محاوراً ورافداً لكل القوى التي تناضل من أجل الأهداف الوطنية والاجتماعية والديمقراطية والإنسانية ، الأمر الذي يضع التجمع، منطقياً ومصلحياً ، محط ترحاب من قبل هذه القوى جميعاً ، كما يضعه ضمن معايير التكامل ، مع حقه بالتمايز، لاستكمال نهوض الشارع السياسي. نرجو أن يكون 20 نيسان علامة فارقة في تاريخنا السياسي المعاصر .. ولدينا الثقة أن رجاءنا لن يخيب. 2007 / 5 / 22 / المصدر "الحوار المتمدن"
نقد بيان و وثيقة تجمع اليسار الماركسي في سوريا عمار ديّوب إن تطورات الواقع السوري تستدعي ولا شك ظهور تيارات وحركات وتجمعات يسارية وماركسية أو تجمعات يسارية ماركسية ، وقد جاء الإعلان عن تجمع اليسار الماركسي ليثُلج الصدر ويعبر عن هذا النقص في الحياة السياسية السورية وخاصة بعد اشتداد ثلاث أزمات داخلية ، الأولى: أزمة الاقتصاد الوطني وتعملق آليات النهب والفساد وتجارية الفئات البرجوازية وخدماتية الاستثمارات الخارجية، الثانية: أزمة الديمقراطية وتصاعد العقل السياسي الطائفي والعائلي والعشائري ونشوء صدامات ذات طبيعة طائفية أو قومية أو عشائرية في أكثر من منطقة في سوريا ( القامشلي، السويداء ، مصياف ) أو كما جرى في الانتخابات الأخيرة حيث حجم المقاطعة الكبيرة والذي يؤشر لازمة سياسية وبروز تحالف السلطة (الجبهة) والتجار والعشائر والصدامات ذات الطبيعة العشائرية في أكثر من منطقة في سوريا ولاسيما في مدينة الرقة . الثالثة :تفكك العلاقات الاجتماعية المدنية الحديثة وتصاعد القيم المحافظة والشللية الاجتماعية ذات الطبيعة الدينية ، القيم الأنانية كأخلاق عامة. أهمية هذا الإعلان هي في تصديه لهذه الأزمات وغيرها وتقديم تفسيرات ذات طبيعة عقلانية وعلمانية وديمقراطية وعلى أرضية المنهجية النقدية ، وخلق وعي متقدم وحراك اجتماعي يقطع الطريق على أشكال الوعي ما قبل الوطني ويقطع مع شكل التفكير الماركسي الستاليني ، المتميز بالعقل العامي والتسطيحي والنقلي ، وعدم ملامسة المشكلات الواقعية للبشر الواقعيين بالفعل. وإذا كان لا يكفي الحوار بين الماركسيين ، رغم ضرورته ، فإن الانطلاق نحو عمل مشترك ومنظم هو المطلوب ، وهو ضروري بشكل خاص بسبب خطورة المشاريع الامبريالية العولمية ولاسيما الأمريكية منها على المنطقة . وبسبب تزامن ظهور شكل ديني للمقاومة ضد هذه المشاريع وبالتالي ظهور قوى يسارية مقاومة هو ضروري وذلك من اجل تشكيل مقاومة علمانية وطنية ضد تلك المشاريع وربما يكون لهذا التجمع دور ما في هذه المقاومة التي هي رد فعل طبيعي لأي مجتمع محتل فكيف إذا ما كان الاحتلال الأمريكي في العراق وإسرائيل في أرض فلسطين التاريخية.. بيان التجمع يلفت الانتباه لضرورة تشكيل إطار (التجمع) على أسس نهضوية جديدة وبما يعيد للطبقة العاملة دورها القيادي في التصدي للمسألة الوطنية والقومية والديمقراطية من اجل النهوض العربي وهذا أمر هام.. أهمية الربط هي في إعادة العمل من اجل المطابقة بين أسس النهضة العربية والتي كان الحزب الشيوعي واعياً لها قبل سيادة الستالينية عليه ، وبين دور العمل الماركسي الآن ، وإن استئناف ذلك هو لمصلحة سورية والمنطقة العربية . وبالتالي العودة للواقع والانحياز له واستخراج عقله وربط صيرورة النهضة المستأنفة مع صيرورة تشكل التجمع . والابتعاد عن كل الأخطاء والتأزمات التي أدخلت الحركة الشيوعية نفسها بها وتحديد دور هامشي لنفسها أو دور السند للطبقات البرجوازية والاحتفاظ بكل ما هو إيجابي وقادر على تحفيز العمل الماركسي النقدي.. قضية تمسك التجمع بالهوية الماركسية قضية هامة لجهة إعادة الاهتمام الكافي بفكر ومنهجية طالها الكثير الكثير من العسف والخلط والدمج بينها وبين التجارب الاشتراكية المحققة وكأن هذه تلك وتلك هذه وبدون إعطاء واقع تلك التجارب أي دور في فهم تلك التجارب نفسها أو فهم الفكر الماركسي الستاليني في ضوء تلك التجارب ...وبالتالي العودة إلى الهوية الماركسية أمر هام خاصة وأن الماركسية لدى هذا التجمع وآمل ذلك لا تخرج عن كونها منهجية فكرية وأداة تحليل وقابليتها لتفسير الظواهر الاجتماعية والفكرية وإظهار أخطائها وإيجابياتها وهي لا تستثني نفسها من ذلك التفسير .. نقد الوثيقة: في مقدمة الوثيقة يرد تعبير خاطئ" إن الرأسمالية تعمل لتكييف نفسها وفق معطيات وظروف القرن العشرين إثر زوال عدوها الطبقي وإثر تسارع الثورة العلمية التقنية " كان من الأصح أن تقول أن الرأسمالية تكيف العالم والثورة التقنية وفقاً لمصالحها وعلى حساب الطبقات العمالية في أمريكا وأوربا وكذلك على حساب الشعوب المهمشة عبر أنظمتها التابعة. ثم يرد في المقدمة العبارة التالية" في هذا الظرف الدولي المضطرب بتغيراته العاصفة " والسؤال هل يعقل أن لا يحدد هذا الظرف والذي يتحكم بالهيمنة الأمريكية على العالم وسيطرة الليبرالية الجديدة من خلال البنك الدولي والصندوق الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات متعدية الجنسيات. والأمر الغريب هنا ألا يتم التطرق لظاهرة الليبرالية الجديدة أو العولمة والتي لها دور هام في هذا الظرف الدولي العاصف؟ المفارقة أن كثير من دول العالم والباحثين وصّف هذه الظاهرة وكثير من كتاب وممثلي الفصائل الموقعة على هذه الوثيقة كتبوا في هذا الموضوع فلماذا غابت هذه المفاهيم المفاتيح لفهم واقع العالم وهل يعقل ألا تتفق أطراف التجمع على هذه القضايا.. ثم تؤكد الوثيقة أنه بسبب "فشل الأحزاب القومية والاشتراكية والديمقراطية" إذا كان مفهوماً هذا الفشل في الأحزاب القومية والاشتراكية ؛ فما هو الفشل الذي أحاق بالديمقراطية منها وما هي هذه الأحزاب الفاشلة بالضبط وهل من الصحيح تسميتها بالديمقراطية ، أليس من الأفضل تسميتها بالليبرالية أو البرجوازية . وذلك لان مفهوم الديمقراطية الملصق بالحزب هو مفهوم سياسي وأما مفهوم ليبرالية أو برجوازية فهو مفهوم نظري والليبرالية كسياسة هي مشروع متكامل أما الديمقراطية فصفة محددة ويمكن لحزب شيوعي أن يكون ديمقراطي أو حزب قومي الخ.. في الفقرة الثانية من المقدمة يتم وصف الوضع الداخلي " بالهشاشة وضعف التماسك الداخلي " أليس من الضروري أن يتم تحليل هذه الهشاشة ولو على شكل أفكار أساسية كالقول بتصاعد الشعور الطائفي ، أو تفكك العلاقات الاجتماعية الحديثة ، انقلاب القيم ، الظاهرات الأصولية تدني مستوى التعليم ، ارتفاع أعداد البطالة الخ .... وفي الفقرة الرابعة في المستوى النظري : ترى الوثيقة أن نضالها على الصعيد المرحلي " يندرج في سياق استكمال مهام المرحلة الوطنية الديمقراطية " أعتقد أن هذه المرحلة يجب تحديدها بدقة وتحديد ما تم بنائه في المرحلة السابقة وما هو ممكن بنائه في المرحلة القادمة وهل يمكن بنائها في ظل سيطرة البرجوازية الصغيرة أم يجب أن تتصدى الطبقة العاملة مع تحالفاتها لقيادة هذه المرحلة ، وكيف يمكن أن يتم هذا الأمر إذا افترضناه أمراً صحيحاً... أما في المستوى العالمي : فيؤكد أن التجمع " يرفض المشاريع الامبريالية " كان يجب إضافة أنه يرفض المشاريع الامبريالية العولمية خاصةً وان مصطلح العولمة صار مرتبط بدور الشركات متعدية الجنسيات والليبرالية الجديدة . أما في الفقرة الثانية والمتعلقة بـ " حل الخلافات الدولية عن طريق الحوار وشرعة الأمم المتحدة وتعزيز بروزها وتخليصها من هيمنة الامبريالية الأمريكية " السؤال هل يعقل الكلام عن حوار لحل الخلافات الدولية ، وهل هناك حوار بين أطراف متساوية بين دول المركز أو دول الأطراف أو بين شركات متعدية الجنسيات وشركات محلية ، ثم ألا تطيح الفكرة السابقة بكل التراث الماركسي في هذه القضية والقائم على أساس وجود مستوى سياسي للرأسمالية العالمية الذي هو تعبير عن قوة الطبقات الاجتماعية وإذا كانت الامبريالية هي الأقوى ، فهل تستخدم الحوار لحل مشكلاتها مع العالم أم أن هناك العقوبات والحصار والاحتلال والمحاكم الدولية وكلها من اجل تحقيق مصالحها ، وهنا لا يجب أن ننسى حصار كوبا لخمسين عاماً ويزيد وغزو يوغسلافيا وأفغانستان والعراق وعدم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بخصوص فلسطين وحماية الدول الديكتاتورية المؤيدة للمشروع الامبريالي العولمي ، وهنا مثال السعودية فاضح وكذلك الأردن ومصر وديكتاتورية صدام حسين زمن قتاله ضد إيران أو حماية إيران قبل 1979 وغيرها الكثير الكثير ....ولذلك لا أعتقد أن التجمع موفق في هذه الفقرة وكان الأفضل أن يتريث في تحديدها بهذه الصورة.. أما في مستوى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي: ألم تسمع أطراف التجمع بالاتفاقيات بين الدول العربية وبين إسرائيل ، ولماذا لم يتم إعلان موقف أو تصور معين عن مستقبل فلسطين ، وهل المسألة مطروحة بدولتين أم دولة واحدة وإلى أين سيعاد اللاجئين وكيف سيعودون ومن سيسمح لهم بالعودة، وكيف بالفعل سيعودون ، أعتقد أن على التجمع إصدار وثيقة واضحة عن وضع إسرائيل لجهة كونها استطالة إمبريالية ومشروع عنصري للصهيونية العالمية .. أما في فقرة الصعيد السياسي وتحديداً في البند السادس فإن نقاط عمل التجمع لا تختلف عن نقاط عمل أي حزب أخر ليبرالي أو ديمقراطي في إطار الحديث عن ضرورة تحقق الديمقراطية والحريات العامة ولكن وثيقة التجمع تعود – وهو الأمر الهام - لتميز نفسها في الفقرة الثامنة عبر تحديد موقفها من شتى القوى والطروحات السياسية بثلاث قضايا: - المسألة الديمقراطية . - المسألة الوطنية . - قضية المصالح الاقتصادية والمعيشية والطبقات الشعبية . وبرأينا أن هذه الفقرة كان يجب وضعها في إطار فقرة مستقلة والتوسع في عرضها ، وليس إلحاقها في فقرة فرعية وكأنها فكرة ليست أساسية أو أنها هامشية . ولذلك أتى مفهوم الوثيقة عن الديمقراطية وكأنها هي بذاتها الأصل وغيرها تفريعات لاحقة بها. أي أن مفهوم التجمع في هذه القضية ملتبس ويشبه موقف القوى الليبرالية ، والكلام هنا في إطار وثيقة تأسيسية وليس في إطار بيان أو موقف تحليلي لقضية ما ، وهو ما يوجب إعادة النظر بهذه القضية لأنها بنظري أهم ما يميز هذا النص كنص ماركسي في هذه القضية.. أما بخصوص تفعيل العمل في إطار "هيكلة التجمع وتنظيم عمله " فأعتقد أن على التجمع أن يعمل على تفعيل دوره وإيجاد طرق تستقطب الماركسيين أو المثقفين أو السياسيين والشباب والحركات النسائية أو الحقوقية وغيرها المتوافقين مع هذه الرؤية أو يتقاطعون معها في بعض القضايا. وهنا من الضرورة العمل على إصدار الجريدة السياسية أو المجلة الفكرية أو حتى المجلة الداخلية وإتاحة الفرص كاملة لعرض وجهات النظر التي تستنهض بالفعل تجمع لليسار الماركسي بما يؤدي لمطابقة الاسم مع المسمى.. - نقدنا السابق لبعض أوجه القصور في هذه الوثيقة ووقوعها في بعض الالتباسات بما يؤدي لبعض التحليلات المتقاطعة مع التفكير الليبرالي ، لا يعني عدم أهميتها ، بل هي ضرورية وفقاً لاعتبارات كثيرة ذكرت في الوثيقة ، وهي ضرورية بالفعل من اجل : - إعادة تنشيط العمل الماركسي السوري على اختلاف تياراته ومثقفيه والابتعاد بشكل مطلق عن منطق العصمة المقدسة أو التكفير أو التخوين أو بقية المفردات القاتلة في الممارسة العملية لتطور أي عمل سياسي فاعل .. - مواجهة النزعات العشائرية والطائفية والأصولية و المناطقية التي تهدد مستقبل سوريا بالتفكك. - مواجهة التيارات الليبرالية وإعادة تصويب كثير من الأفكار بما يؤدي لمستقبل ديمقراطي علماني يحقق مصلحة الطبقات الفقيرة .. - نقد النظام السوري على مختلف المستويات ورصد مشكلاته الفعلية وتقديم رؤى تحليلية تساعد السوريين على الاحتفاظ بتكوين مواطنة حقيقية ، فيها جميع المواطنين على قدم المساواة أمام القانون .. - مواجهة المشاريع الأمريكية والعولمة الامبريالية والصهيونية ورفض كل أشكال الاحتلال أو اتفاقيات الاستسلام التي تفرض على العرب عبر أنظمتهم التابعة.. 2007 / 5 / 13 المصدر "الحوار المتمدن"
"وحدة اليسار" هل تعزز التجمع الوطني الديمقراطي أم تأخذ منه؟ رجاء الناصر
تجمع اليسار الماركسي (تيم) الذي ضم مجموعة خلايا يسارية ماركسية إلى جانب حزب العمل الشيوعي المنضم مؤخراً إلى التجمع الوطني الديمقراطي يفتح التساؤل أمام إعادة تكوين التجمع الوطني الديمقراطي على أساس تيارات سياسية ذات خلفيات عقائدية متنوعة من جهة، ومتناغمة من جهة أخرى، وخصوصاً أن هناك تجارب توحيدية مهمة حدثت في تاريخ التجمع إضافة إلى تحولات مهمة جرت عند بعض أطرافه، حزب الاتحاد الاشتراكي العربي (الديمقراطي)، عوضاً عن قبول فصائل "ناصرية" أخرى إلى صفوف التجمع عمد إلى دمج هذه الفصائل في صفوفه وهو ما قوى موقعه داخل التجمع بدل أن يضعفه كما توقع البعض [من خلال تزاحم الأحزاب اليسارية (الماركسية)، وبقائه وحيداً كقوة ذات خلفية عقائدية ناصرية] وهي خطوة هامة تحسب لحزب الاتحاد الاشتراكي ولقيادته التاريخية والتي كان على رأسها د.جمال الأتاسي...بالمقابل الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي الذي تحول إلى حزب الشعب الديمقراطي السوري بما رمز إليه هذا التحول من متغيرات أيديولوجية وسياسية، لم يعد حزباً ماركسياً "تقليدياً" بل شابته مسحات ليبرالية واضحة، وهي تجربة يمكن لها أن تغني التجمع بدل أن تأخذ منه فيما إذا أمكن الإمساك بالمشتركات العامة التي قام عليها التجمع أو تثبيت مشتركات جديدة دون إحداث اضطراب في العلاقات مع باقي أطراف التجمع. التحول في حزب الشعب الديمقراطي السوري فتح الطريق أمام بلورة تيار ماركسي رأس حربته حزب العمل الشيوعي والذي يتحرك اليوم على قاعدة تحالف يساري جديد يرفد التجمع ويضيف إليه...ولتتشكل روافع جديدة يمكن أن تؤسس لتوازن جديد داخل التجمع عماده التيارات الرئيسية الثلاث مع احترام الهوامش التي تريد أن تبقيها بعض القوى الأخرى في التجمع لتتمايز مع الآخرين، أو لتعمل على الاندماج مستقبلاً في تلك التيارات حسب التوافقات العقائدية (الأيديولوجية) التي تربطها بإحدى تلك التيارات أو الروافع..مثلها مثل الكثير من الشخصيات المستقلة التي تريد الحفاظ على استقلاليتها ضمن إطار التجمع وبرنامجه السياسي. إن بناء التجمع على قاعدة تعدد التيارات الأيديولوجية ووفق برنامج سياسي واضح يستند إلى مبادئ عامة ذات بعد استراتيجي يصحح الكثير من الشوائب التي اعترضت مسيرة التجمع وخصوصاً بعد غياب قائده المؤسس د.جمال الأتاسي الذي كان كل طرف من أطراف التجمع يرى نفسه فيه، وبعد التحولات العالمية الكبرى التي عصفت بالعالم كله والتي كانت منطقتنا مركز الإعصار فيه، وهي شوائب ظهرت للعلن وبصورة لم يعد من الممكن إخفاؤها [وخصوصاً بعد التغييرات في الحزب الشيوعي المتحول إلى حزب الشعب، والذي أدى بالضرورة إلى كسر أو شرخ هيكل التحالف "اليساري-القومي" الذي قام من أجله التجمع] والتي ترجمت بإعلان سياسات متعارضة حيناً واتهامات مبطنة حيناً آخر، والتي تمظهرت في أحيان أخرى فيما يبدو وكأنه صراع أو تنافس على الزعامة. إن هذا البناء الجديد أو المتجدد يفتح الطريق أمام استيعاب تيار ديني متنور إصلاحي ديمقراطي ذي خلفية قومية وطنية تقدمية، وهو ما يشكل القاعدة الرابعة لتحالف استراتيجي وطني ديمقراطي يضم التيارات الأساسية بالمجتمع، ويقدم نموذجاً عن تحالف مجتمعي عريض من جهة، ومتناسق فيما بينه من جهة أخرى بما يمنحه من مصداقية وقدرة على التأثير والتفاعل مع المجتمع، ويشكل بحق قاعدة لتحالفات وطنية أوسع وغير قابلة للانفلاش أو الضياع عن البوصلة الوطنية من جهة ثالثة، وهو تحالف يلتقي بالضرورة عند مبادئ عامة تشكل الحلقة الوسيطة بين "الأيديولوجيا" وبين البرنامج السياسي المرحلي. وأحسب أن هناك إمكانية للتوافق بين هذه (التيارات رغم تحولات البعض، وانتظار حضور قادم جديد) على هذه المبادئ العامة والتي تتحدد بـ: 1-الإيمان بأن الحرية قيمة إنسانية عليا وتنبع أهميتها من ذاتها وما تقدمه من استجابة موضوعية لإنسانية الفرد والإنسان الجماعة وهي تتأسس على احترام حقوق الإنسان وإعلانها كقيمة فوق جميع الاعتبارات. 2-إن هذه الحرية تشمل بالضرورة حرية المعتقد دون أي تجاهل أو تعارض مع احترام الأديان السماوية وفي مقدمتها الإسلام بالنظر إليه كدين جامع وبتجاوز للنعرات الطائفية والمذهبية وكثقافة ساهمت بدور كبير في تكوين الأمة العربية وقدمت أشياء مهمة للإنسانية. 3-إن الديمقراطية هي الشكل الأكثر إيجابية لممارسة وتنظيم السلطة وإدارة المجتمعات والجماعات وبناء الدولة الوطنية العصرية، وهي تقوم على المساواة بين المواطنين وعلى التعددية السياسية والحزبية وعلى اعتماد صندوق الاقتراع الدوري لاختيار ممثلي الجماعات وبرامجها وعلى استقلال السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وسيادة القانون، وعلى احترام حقوق الأقلية سواء على مستوى الجماعات أو المجتمع بما فيها الأقليات الإثنية ضمن وحدة الدولة والمجتمع وعلى قاعدة المواطنية. 4-انطلاقاً من أن الأمة العربية أمة واحدة يبقى هدف القوى الوطنية الديمقراطية إقامة الوحدة العربية بدءاً من حماية الأمن القومي بشكل مشترك، واعتماد الخيار الديمقراطي في العمل الوحدوي. 5-إن الحرية الاجتماعية هي الجناح الآخر للحرية السياسية وبالتالي فإن العمل من أجل تحقيق مجتمع الكفاية والعدل الاجتماعي "جوهر الاشتراكية" ، وإلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وتأمين ضمان اجتماعي لكل أبناء الوطن ومكافحة الفساد والقضاء على آليات تولده، يبقى هدفاً مشتركاً يجب العمل عليه. 6-التعايش السلمي بين الشعوب والنضال المشترك ضد الاستغلال العالمي الذي تمثله العولمة المتوحشة. إن هذا التجمع المتحرك نحو الاندماج بالنسبة للفصائل ذات الخلفية الإيديولوجية الواحدة أو المتقاربة والتحالف بين تلك التيارات على قاعدة المبادئ العامة المشتركة وبرنامجاً سياسياً مرحلياً يتوافق مع تلك المبادئ ويتقدم بالمجتمع على طريقة يمنع تمحور حركة المعارضة الوطنية الديمقراطية حول أفراد بعينهم كما يقضي على ظاهرة تذبذب المواقف الفردية والمزاجية للشخصيات العامة وخصوصاً في ظل غياب ما يسمى بـ"المثقف الجمعي"، وبالتالي ترتسم علاقة صحيحة وموضوعية بين الشخصيات المستقلة والقوى الحزبية السياسية، بدل التأرجح في هذه العلاقة، وينظم العلاقة بين أطراف التجمع بوضوح وثبات أكثر مما هو عليه اليوم. المصدر: الحوار المتمدن 1-6-2007
دفاع صريح عن مشروع تجمع اليسار الماركسي ( تيم ) في مواجهة "مشروع" استقالة الرفيق سلامة كيله "المستقل" منه فاتح محمد جاموس اعتراف ذاتي بما هو مفّكر به داخليا - تمهيد: كتبتُ الأفكار الأساسية لهذه المقالة بعد زمن قصير من نشر الرفيق سلامة استقالته من تجمع اليسار الماركسي (تيم) ، بشكل خاص الجانب المتعلق منها بمسألة المستقل والمستقلين كظاهرة في العمل السياسي السوري، إذ أمسكتْ بي القناعة أنه بدون هذا الجانب لن يكون هناك أي معنى للحوار، فالأفكار والوقائع التي جاءت في الاستقالة هو الوجه الأكثر سهولة في الرد عليه والحوار معه. إذ ببساطة وصراحة تامين، ما ورد ليس صحيحا، بل متخيّلاً، أو مقصودا لدوافع معينة، أو خاطئا بسبب قراءة خاطئة لكل ما عايشه الرفيق سلامة في تيم. بالتالي هو ليس حوارا مع تيم، وليس حوارا محددا وصريحا مع أي من أطراف تيم، بل هو حوار موارب عبر مجموعة اتهامات تعتبر مقصودة عندما لم يسع الرفيق لإثباتها بحسب أصول الحوار( كما سأوضح كل هذا)، بالإضافة إلى أن الموضوع المركزي في الاستقالة نفسها هو الموضوع التنظيمي (كما عرضه الرفيق بالمعنى المفهومي والممارس، وليس كما هو على حقيقته ) الذي ينظم علاقات أطراف تيم ببعضها بما فيهم المستقلين، في كل ما يتعلق بمحتوى النشاط وشكله وتطوره. إن الأمر إذن في مكان آخر، إنه أساسا كما أعتقد في موضوع المستقل، وطريقة تفكيره وممارسته ومسألة التنسيق مع المستقلين، ومصاعب العمل السياسي السوري المعارض، هكذا خشيت أن يبدو الأمر شخصيا، خشيت من حساسية تناول هذا الموضوع ففضلتُ التريث والتفكير مليا وتقليب الأمر ومراجعته في الذهن، بينما كانت ورقة الرفيق سلامة تأخذ أبعادها، ومفاعيلها، السلبية بوجه الحصر، فالخصوم الليبراليون في كل موقع (سلطوي ومعارض)* في وضعية شماتة وترويج للورقة ونشر إشاعات وأقاويل مختلفة بخصوصها. الأصدقاء الآخرون في وضعية تساؤل، تشكيك، تصديق، استغراب واندهاش . في كل الأحوال، المستقيل هو سلامة، معتقل سياسي ورأي سابق لفترة طويلة، معتقل كمثقف وناشط مستقل، كان ولا يزال يقدم نفسه وكتاباته راديكاليا وأرثوذوكسيا في قضية الفكر الماركسي، ومدافعا عنه، نشيط على صعيد الكتابة والعلاقات مع القوى الماركسية العربية، قيادي في تيم، رافقه في مساره وأهم خطواته ولم يدفأ مكانه تحته بعد، (إذن والحق يقال هناك مصداقية عالية ) والقصة كبيرة، خطرة وتستحق الاهتمام من كل الأطراف. لقد فضّلتْ قيادة تيم متابعة النهج الديموقراطي في التعاطي مع الاستقالة (وهو الطريق الوحيد السالك داخل تيم) إذ كانت قد ناقشتها داخليا قبل زمن طويل من نشرها، وحاولت بكل طاقتها وقف ذلك، معتبرة أن كل ما ساقه فيها سلامة، من منظوره بالذات، ثم من منظور القيادة يفترض التراجع عنها والبقاء في تيم من أجلها ، على الأقل لفترة، مع نشرها وتعميمها للحوار المفتوح كخطوة أولى، لكن هذا لم يكن لديه أي حظ من التحقق، بسبب موقف سلامة، عندما أصر على الاستقالة مع " الاستعداد " للحوار، فأصدرت القيادة بيانا مكثفا تاركة الأمر للتفاعل الحر. وهكذا بدا الأمر من جهة تيم وقيادته وكأنه بدون اهتمام فعلي بالرد على محتوى الاستقالة، أو إهمالا مقصودا كأحد أشكال تعاطي بعض أطراف المعارضة السورية مع بعضها، كما بدا في بعض جوانبه وكأنه عجز عن الرد، أو تأكيد على ما ورد في الاستقالة. مر زمن طويل على نشر الاستقالة، وأخذت حقها الديموقراطي في التفاعل ولا تزال (معتقدا مرة أخرى وبعمق أنه انحصر بالوجه السلبي) , كنت شخصيا أفضل أن يأتي الرد من قيادة تيم , كنت ولا أزال أرغب أن يأتي بعض الرد من المستقلين داخل قيادة تيم وخارجها، فهذا سيلغي الحساسية والتخوفات الشخصية, لكن أخيرا, لا يجوز أبدا إدارة الظهر لكل هذا وترك خيار أطراف و فعاليات تيم ومشروعها، دون دفاع صريح، بل وفي مواجهة خيار ومشروع آخر(الاستقالة من تيم, ما استهدفته, وما تضمنته)، ثم محاولة وقف تأثيراتها السلبية ولملمتها وطرح الأمر على حقيقته، والتأثيرات الايجابية الفعلية والمطلوبة منه، هكذا أكون قد رفعت صوتي بتفكيري الداخلي وأشركت به الآخرين، مؤكدا بالدرجة الأولى أنني لا أناقش إطلاقا بأي سوية مسألة حق أي أحد في أن يكون ما يريد، ويكتب ما يريد وينتقد بالطريقة التي يريدها، أو حقه في أن يكون مستقلا إلى الأبد إن شاء، كما أنني بالدرجة الثانية لا أناقش حتمية وجود المستقلين الرافضين للعمل الحزبي، أو السياسي لأسباب عديدة، وهو شيء موجود في كل زمان ومكان، بل أناقش ما اعتقده ظاهرة أخرى مختلفة تماما، ظاهرة المستقل والمستقلين في السياسة والخيارات السياسية وأدواتها، وهي موضوعية إنما سلبية في شروط سورية محددة، أحاول أن أناقش علاقات الترابط السببية والتأثيرات المتبادلة وموقع الأفراد والمجموعات وتاريخهم العام والخاص فيها، مع تأكيدي الشديد على الروح الرفاقية والودية والرغبة الدائمة في العمل المشترك مع الرفيق سلامة وبقية "المستقلين". وأخص الماركسيين مع دعوتهم لتحقيق هذا داخل تيم ، أعتقد أنه المشروع الأكثر تطورا وديموقراطية, بل هو الوحيد على هذا المستوى، كما مستوى الوجود الواقعي والأهمية بالنسبة للصف الماركسي المعارض, مهما كانت لنا عليه ملاحظات، بدءا مني شخصيا. حول المستقل والمستقلين: إذا كانت هناك عشرة قضايا أساسية تجعل من العمل السياسي الوطني المعارض في سوريا بكل تلاوينه، شيئا متميزا واستثنائيا بصعوبته وتعثره, ومستوى انقساماته وتشرذمه، فلا بد أن مسألة أو "ظاهرة" المستقل الفرد بمختلف تصنيفاته الأخرى: مثقف، ناشط ، غير منظم ، حيادي ، متعاون من خارج الأطر والمؤسسات المنظمة، أي ظاهرة الأفراد، وكذلك المجموعات الصغيرة الضيقة والحلقات غير المحددة بأي اسم، (بل مسميات لمسمى ومفهوم واحد تقريبا : مستقل ومستقلة), من اليمين الليبرالي, ومن اليسار, الماركسي منه بشكل خاص، وما يتعلق بالتالي بقضية موقفهم من التنسيق والعمل المشترك واستقطابهم إليه, لا بد أنها واحدة من القضايا العشرة، والأمر لا يتعلق بأي افتعال أو مبالغة، أو قصدية خاصة بعد استقالة الرفيق سلامة, بصفته قيادي مستقل في تيم ، إنها مسألة موضوعية, وظاهرة على درجة كبيرة من الوضوح, في شروط من الجزر الاجتماعي والسياسي, فرضها النظام القائم على مدى طويل، بسبب احتكار السلطة والقمع المعمم. هذه الشروط التي حصرت الحراكات والنشاطات في أطر نخبوية ضيقة جدا, تضيق أكثر فأكثر لأسباب وحسابات مختلفة، تقوم بها نخب منظمة في إطارات متنوعة، أو نخب أسمت نفسها بالمستقلة. يمكن القول إن الأمر يتعلق بشروط انتقالية صعبة على الصعيد الوطني, هي انتقالية عند الجميع, وهي الأساس الموضوعي في خيارات النخب وممارساتها. بدأ الأمر بالترافق مع تطورات خارجية هائلة التأثير, سقوط المنظومة الاشتراكية الرسمية, وهزيمتها على يد النظام الرأسمالي بقيادة المركز الأمريكي, ولأول مرة في التاريخ الاجتماعي السياسي العالمي, تتجاوز التطورات وآثارها هذا البلد أو ذاك, موجة مد شاملة تكّسرت وتكاد تتبدد, بكامل ردود الفعل السلبية, من تشكيك ومراجعات حتى حدود الانتقال إلى المواقع النقيضة, ثم الإحباط والعزلة مع الانكفاء عن العمل السياسي, وبطبيعة الحال يفترض هذا المراجعة الحتمية والكلية، يفترض طرح الأسئلة الأساسية والصعبة, أمّا الأجوبة فستكون على قدر الهزيمة، وعلى قدر الانتصار المقابل. أمّا الأمر في سوريا وشروطه الخاصة المحددة فقد كان أكثر تعقيدا وصعوبة، كما جاءت آثاره أكثر سلبية وكارثية، فالنخب المعارضة التي تعرضت للإختبار والوقوع تحت تأثير تلك التطورات، كانت ذات طابع يساري ماركسي على العموم، ثم اشتراكي قومي، هي بالذات التي وقعت في رأسها الهزيمة الخارجية (بخصوص ما يتعلق بالنخب الإسلامية، الأمر مختلف كثيرا، إذ بدا التاريخ يبتسم لهم بسبب موجة المد الإسلامية الصاعدة سياسيا وعقائديا، والتي كانت تتقدم موضوعيا وذاتيا، مع دعم وأخذ باليد من قبل النظام الرأسمالي وخاصة المركز الأمريكي، وهو يصارع الموجة الاشتراكية واليسارية ليهزمها)، أمّا الهزيمة الداخلية لتلك النخبة اليسارية فإنها لم تكن أقل سلبية أو سوءا، نتيجة استفراد النظام بها وقمعها، قبل أي صدام مع الحركة الدينية التي كان النظام قد سهل لها كل شروط النشاط. وهكذا على مدى سنوات طويلة تمكن من تدمير تنظيماتها, أو إصابتها بالشلل، بأشكال القمع المختلفة، وقطعَ أي بارقة أمل أمامها، أيضا بسبب قمع النظام المنهجي للمجتمع، عزله بالكامل ومنع أي حراك فيه. هذه النخب بقسمها الحاسم دخلت السجون والمعتقلات وتعرضت لكل أشكال الدمار والتقصف, مع سقوط المنظومة الاشتراكية وغياب أي أمل بتحرك مجتمعي أو جماهيري في سوريا، بدأت عملية إطلاق سراح قسم كبير من تلك النخب، لكنه ترافق باستمرار القمع والمراقبة والتخويف ونشر الرُهابات والتهديد بالشروط المادية ولقمة العيش والتنّقل والتضييق الدائم عليها، عشر سنوات بعد هزيمة النظام الاشتراكي الرسمي والوضع في سوريا كما هو تقريبا، صحيح أنها كانت السنوات "الأكثر خصوبة" في "كرم" النظام وإطلاق سراح المعتقلين، مما جعل البعض من النخبة نفسها يأمل في احتمال وصول ما سمي بالموجة الديموقراطية العالمية إلى الوطن السوري، وأن العامل الخارجي بدأ تأثيره الذي لا راد له! إلاّ أن الشروط السورية رسمت بالتفاعل مع الشرط الخارجي مسارات وخيارات مختلفة، وجاءت على شكل محطات ومنعطفات متناقضة تدفع حينا إلى التفاؤل والتحفيز، وتشجيع النخب إلى الحراك, ومرة أخرى إلى التشاؤم والخوف والرهابات والحسابات الخاصة ثم العزلة والانكفاء، كانت ولا تزال شروطا لتقصف الإرادة والوعي، الامتناع أو تأجيل الخيارات الأساسية، وطرح أسباب، الكثير منها ذو طابع تبريري، وغير صحيحة. بدأت ظاهرة المستقل في سوريا تتحدد من منطلق مجموع تلك الشروط الخارجية والداخلية، بما فيها إشكالية علاقتها بالقوى المنظمة، القديمة منها بوجه خاص, ثم الجديدة. موجة الشرط التفاؤلي الأولى حدّدت بدورها الكثير من الأشياء عندما تسبّب بها حدث استثنائي جدا في سوريا، نعني وفاة الرئيس حافظ الأسد، وبسبب دوره الهائل في مرّكب (السلطة ـ الدولة ـ الفرد) وطبعه لهذا المرّكب بطابعه بصورة كليّة وعضوية عميقة على مدى ثلاثين عاما. فقد تشكّل بالمقابل لدى النخب السورية المعارضة وعي عميق بدوره أيضا، بأن أي إمكانية في التغيير، أي إمكانية لعودة المجتمع من عزلته المفروضة عليه، وتجاوز الخوف والرهابات إلى السياسة والحراكات الأخرى المختلفة، مع دور جديد للنخب أكثر اتساعا وفعالية وجرأة من قبل. إن كل ذلك لن يكون متاحا بأي شكل أو مستوى إلاّ بكسر علاقة الترابط تلك، وها هي قد انكسرت بالوفاة وانفتحت آفاق التغيير، وازداد التفاؤل والتجرؤ من قبل تلك النخب بعد خطاب الرئيس الجديد في حفل التنصيب في مجلس الشعب، وصل الأمر حدود تجرؤ فئات وأطراف من النخب كانت هامشية جدا في حقل معارضة النظام على مدى أكثر من عقدين، أي في الفترات الأكثر خطورة وصعوبة وكلفة في تاريخ سوريا السياسي، في ذلك الزمن الصعب حيث كانت المعتقلات والسجون مليئة، لم تُظهر تلك الفئات أي موقف في حقل الحريّات، بشكل خاص قضايا الاعتقال السياسي والتعذيب والمحاكم والتسريح من العمل، والتضييق الشديد على أهالي المعتقلين، أو أي مستوى من التضامن الاجتماعي وبشكل خاص المادي المعيشي، حتى موقف جماعي واحد تدافع فيه عن حريتها الخاصة في الإبداع والكتابة والنشر أو غيره لم يظهر إلى العلن. في الشرط الجديد والانفلات "اللاشعوري" فيه إن صح التعبير، والقراءة الخاطئة له من قبل الكثيرين، وصل الأمر حدا بدا المشهد فيه سريعا وكأن هذه الفئات بالذات تمتلك الوعي والإرادة لقيادته، فحددت خطابه ومصطلحاته، خاصة باسم المثقفين، بدا المشهد وكأن "بازارا" سياسيا للمعارضة قد انفتح على كل شيء، طُرحَت قضايا ومقولات وعناوين كبيرة، إشكالية بحد ذاتها، بشكل خاص ومن اللحظة الأولى ُطرحت مفاهيم أسّست لعلاقات خاطئة وتناقضية داخل صفوف المعارضة، تحديدا بين المستقل والمثقف والناشط الفرد أو المجموعة المستقلة من جهة ، وبين المتحزبين أو الموجودين في أطر قديمة. إلى درجة انتقلت فيها التناقضات والصراعات وسوية الاهتمام بها في أحيان عديدة إلى داخل بيت المعارضة، باسم المجتمع المدني "والثقافة" الخاصة به كما طرحها وروّج لها هذا الوسط المستقل والمثقف فقيل: أن العمل الحزبي القديم ميّت متقادم غير فعّال والناس أو المجتمع والشعب لا يريده، إنه شيء قمعي في خطابه ومفاهيمه وممارسته، مثله مثل النظام في المحتوى والشكل والبنية، الفارق كمي بسبب الوجود خارج السلطة لا غير، عاجز عن فهم ما يريده الناس، عاجز عن معرفة الوسائل المناسبة لجذبهم, وحمّله البعض مسؤوليات مشابهة لمسؤوليات النظام فيما وصل إليه المجتمع وحركته ووعيه وعلاقته بالسياسة. المطلوب تجاوز ذلك إلى الجديد ، إلى المجتمع المدني ، إلى التحرر من كل قديم ، إلى الانعتاق ، ويتمثل الجديد في كل ما هو مستقل عن القديم شكلا ومضمونا ، واعتبر العمل في أي مؤسسة غير حزبية ( حقوق الإنسان ، عمل ثقافي ، عمل مجتمعي ومدني، بيئي، مناهضة عولمة، لجان عمل وطني ) أكثر رقيا وأهمية وفاعلية وتوافقا مع العصر والواقع السوري. وكان يجري الاستشهاد للتدليل على صحة ذلك كله بالأعداد الكبيرة للأفراد المستقلين خارج الأحزاب والتنظيمات والأطر القديمة ، الذين غادروها على مدى سنوات طويلة ، أو أولئك الذين لم يعودوا إليها بعد إطلاق سراحهم من السجون. كذلك من خلال أعداد المستقلين الكبيرة ، الذين شاركوا بالحراكات خلال هذه الفترة المعنية بعد وفاة الرئيس . مع الشرط الجديد في سوريا كانت الأطر الحزبية القديمة تداوي جراحاتها، وتحاول لملمة الممكن من صفوفها لإجراء المراجعات الضرورية ، بينما لا يزال قمع النظام لها مستمرا بأشكال مختلفة، وصولا إلى مسألة السجون من خلال استمرار وجود معتقلين لتلك القوى فيها. وعلى الرغم من كل ذلك، وعلى الرغم من النقد والاتهامات والتقليل المقصود من شأنها من قبل "ظاهرة" المستقلين، بقيت تلك القوى من خلال جسدها التنظيمي وكوادرها في الخط الأول لأي حراك سياسي، ورأس حربة أي جهد يبذل لتطوير عمل المعارضة في إطارات محددة، أي في الخط الأول من المسؤولية في معارضة النظام، من أجل التغيير الوطني الديموقراطي، والتوافق الفعلي في الممارسة مع المفاهيم التي طرحت من أجل ذلك التغيير . كل هذا لم يكن بعيدا أبدا عما يجري في العالم ، قبل سقوط الاتحاد السوفييتي وبعده على الأخص، بل كان يجري في إطاره وبتأثير منه ، إذ كانت مراكز البحث وإعداد الخيارات الرأسمالية والخطط والثقافة والمفاهيم والرموز والدلالات المرافقة، تشجع على نفس المسائل والعناوين، إغراء وتشجيعا وربطا بكل ما هو رأسمالي وليبرالي "جديد"، الانحياز الإعلامي، المساعدة في "البرستيج" والانتفاخ من خلال الاهتمام المتميز بالدعوات والعلاقات " العامة"، ووصل هذا الوعي والثقافة وحمى الاهتمام والتركيز على "المستقل" بدرجات متفاوتة، إنما واضحة وفعالة، إلى العديد من المؤسسات والفعاليات العالمية المحسوبة حتى على اليسار العالمي . أمّا النظام وعلى الرغم من حساسيته وحذره وتشكيكه بكل ظاهرة جديدة، خاصة عندما يعتقد، أو يتهم كعادته بوجود علاقة ترابط مع الخارج في أي مستوى أو حقل. فإنه تعايش مع الظاهرة وهو يراقبها بدقة وشمول تعايش معها زمنا طويلا، ولا يزال، بعدد من الخطوط الحمراء المعيارية التي تنظم موقفه تجاه العمل المعارض برمته ، أي أنه لم يميزها بمعايير وخطوط حمراء قمعية إضافية، بل على العكس من ذلك، بدا تماما أنه يشجع الفردية والاستقلال والعمل خارج الأطر المنظمة، وبقدر ما كانت الظاهرة، أو الأفراد المكونين لها يتقدمون باتجاه أعمال تشاركية وتأطيرية معارضة، كانوا يتعرضون بالمقابل للمزيد من القمع، إن الكثير جدا من الأفراد "المستقلين" غير المؤطرين، أو الحذرين في قضايا التشارك والعمل المنسق، لم يتعرضوا لقمع متميز، على الرغم من معرفة النظام وأجهزته لوجهات نظرهم القصوية في العديد من القضايا، على رأسها قضية الخارج ودوره في التغيير، على رأسه الإدارة الأمريكية وكل الوسائل الممكنة في التغيير، وشكل ذلك بدوره شرطا تشجيعيا هاما جدا في تاريخ الظاهرة. هكذا بدا العمل الحزبي المعارض الجاد والمنظم في سوريا هو الأكثر خطورة وكلفة سياسية وأمنية، المطلوب الالتفاف عليه في هذه المرحلة بأشكال للنشاط وأطر تقع في سويات أدنى منه، بالتالي أقل كلفة. كما بدت أشكال النشاطات غير الحزبية على سوية من الحماية أعلى، بسبب مواكبتها للدارج، ووجود أطر ومؤسسات عالمية موازية، فعاليتها وتأثيرها كبيران، وها هو النظام يعتاد ويتعايش مع "تدخلاتها" في حقل انتهاكات حقوق الإنسان، مقارنة بتدخلات الدول والأحزاب والمؤسسات السياسية المباشرة وردود فعله عليها . بذلك تكون الشروط الأساسية لوجود الظاهرة وانطلاقتها وتطور تأثيرها والارتسامات التي وضعتها، ثم الوعي وطريقة تفكير الأفراد، ورؤيتهم للآخر خارجهم (بشكل خاص العمل الحزبي القديم !!) واعتبارهم لأنفسهم ، ودورهم في التنسيق والتشارك مع الآخر، وفهمهم لذلك، وردود الفعل واحتمالات التطور المستقبلية، بذلك تكون الظاهرة قد تحددت بين ما يجمعها في العام، كذلك الاتجاهات والتميز، أو التنوع الكبير في الخاص. فغدا كل فرد "مستقل" شيئا محددا بذاته، "ظاهرة" بذاتها، "مؤسسة" لها بنيتها وتفكيرها وحساباتها، لها دينها . لقد تعزّز كل ذلك أيضا من البداية بسبب طريقة تعاطي بعض الأحزاب والأطر القديمة ، وبعض قياداتها مع الظاهرة بحد ذاتها، ذلك في شروط استمرار قمع النظام لتلك الأحزاب، ووضعها الانتقالي بلملمة صفوفها للمراجعة واستيعاب التطورات، شعر البعض أن هناك من يريد تخليصه دوره أو مصادرته بركوب موجة سهلة، من قبل هامشيين في العمل السياسي المعارض، فجاء رد فعله حادا وصل حد المهاترات أحيانا، أمّا البعض الآخر، باسم الموضوعية، أو البراغماتية، وضرورة تجميع القوى، فإنه وصل بمجاراة الظاهرة حد الخضوع لبعض مفاهيمها والخضوع لمنطق أشخاص بعينهم فيها، وصل حد الصغار المرضي في بعض الأحيان، وبتطور أهم الأحداث العالمية والإقليمية، تحديدا إستراتيجية وسياسات التدخل والهيمنة والاحتلال الأمريكي، بالترافق مع الدعاية والإعلام الكثيفين بخصوص أهدافها تجاه قضايا الديموقراطية والنظم الديكتاتورية والحركة الدينية، هذا من جهة، وإصرار النظام على متابعة نهجه وممارساته في العام، بحيث بدا الأمر بالنسبة لكثيرين، وكأن هناك استحالة بقيام تطورات داخلية، ذاتية، ولابد بالتالي من الدور الخارجي الخاص والمتميز، وهو الدور الأمريكي تحديدا، بذلك بدأت تتسارع عملية انقسام النخب المعارضة حول مهمة التغيير الوطني الديموقراطي بصفتها مهمة مركزية، وكل ما يتعلق بها في المحتوى والشكل والوسائل، وحدود الصدق والتوافق، أو النفاق بين الطروحات النظرية البرنامجية الخاصة بها بصفتها عملية انتقال سلمي داخلي بدون تدخل خارجي، خاصة العسكري منه، كذلك حول برنامج المهمة الواحدة (التغيير الديموقراطي) ثم قسر وتطويع كل شيء من أجل ذلك، أو برنامج (وطني ديموقراطي) لقوى اجتماعية وسياسية (وطنية ديموقراطية) يربط بشكل موضوعي بين المهمات بقدر حضورها واستعداد تلك القوى للعمل من أجلها، ثم الانزياحات المحتملة في الأولويات، بالعلاقة مع تطور التناقضات والصراعات المترتبة عليها، بتقدم التطورات والخطط واتضاحها، كانت خلافات النخب المعارضة تصبح أكثر وضوحا، تكبر وتتسع زاويتها أو دائرتها، وتبتعد مع القوى المصطفة حولها عن مركز التقاطعات والمساومات الممكنة، وليس عبثا في النهاية أن أفضل العلاقات والتقاطعات والمساومات والاتفاقات ومن ثم الوجود في إطارات محددة، قد حصلت داخل الصف الذي يرى حتمية للدور الخارجي، دون أي مشكلة أو تناقض بين من يراه داخله بصراحة على الدبابة الأمريكية، أو يراه بدون تدخل عسكري، أو يراه خارجيا فحسب، أو يرغب ويتمنى التغيير بأي طريقة، كحلم يتحقق، وليس مهما كيف ومن وماذا حصل في البلد. مع سعي محموم ودائم إلى وثائق ذات صيغ ملتبسة في مسائل البرنامج الأساسية، تسمح بالتفسيرات المختلفة والتملص، أي بالنفاق السياسي، وفي كل ذلك لعبت ظاهرة المستقلين دورا مهما عبر مراحل مختلفة من المد والجزر، التفاؤل والتشاؤم ، تعايش النظام بدون قمع جسدي واعتقالات أو بهما، تقدم الدور الخارجي أو تراجعه الخ ومن أكثر التأثيرات "طرافة أو مهزلة ومأساوية ركوب موجة المستقلين هذه المرة من قبل أحزاب قديمة، ولم يجر الأمر بدون تنازلات أو قناعات متشابهة، خاصة على الخط الليبرالي ودور العامل الخارجي، بالإضافة لكل ذلك وفي أحيان هامة عند هذا الحزب أو هذا القيادي أو ذاك، قامت عملية ركوب الموجة أو استغلالها من منطلق ثأري في السياسة، فالمهم هو التنسيق مع أي ظاهرة متحركة والنفخ بها (في هذه الحالة تصبح عمليات التنقل السريع والقفز غير المنطقي في المواقف جزءا عضويا من التركيبة االثأرية ونهجها) على طريقة الموقف من حركة الأخوان المسلمين نهجا وممارسة وانقسامات قبل تحركها وبعده مع اتضاح فعاليتها والسعي لمجاملتها باسم التحرك الشعبي ضد النظام، واستمرار هذا الموقف منها لاحقا من أجل "إعلان دمشق" والتوقعات أو التقديرات أو المعلومات بخصوص التطورات في سوريا والدور المحتمل لحركة الأخوان المسلمين، حصل ذلك على الرغم من أخطاء الحركة الشديدة تجاه "إعلان دمشق"، والعلاقات بالمقابل مع أطراف معارضة أخرى في الخارج ، وكامل السياسات غير المحسوبة بدقة ووضوح من منظور العمل الوطني السوري ومصالحه، كذلك الموقف من الحركة الكردية قبل وبعد أحداث آذار 2004 لتصبح رأس حربة النضال الديموقراطي، وأخيرا ظاهرة المستقلين، من المهاترة معها واتهامها بشتى الاتهامات، إلى اعتبارها الظاهرة الأهم في المعارضة السورية، والدفع بها إلى تشكيلات "إعلان دمشق"، والسعي التكيفي لتأطيرها حزبيا بالاندفاع إلى تغيير النهج الكامل، كما حصل فعليا في أكثر من حالة حزبية أو شخصية، من الماركسية إلى الليبرالية، من أجل ذلك، ويترافق هذا بنشر ديماغوجيا تصدق نفسها حول الشطارة والجدية والصدق العميق في قضية المعارضة ؟!. وأن هذا العمل هو "الفت الصحيح في الصحن" وما عداه مضيعة للوقت، أو بيع مواقف مجانية للنظام، أو صب الحب في طاحونته ؟! ـ على الرغم من شروط المد والجزر السياسي في سوريا، خاصة بعلاقتها بين الداخل والخارج، والكيفية التي أثرت فيها على ظاهرة المستقل، فإن الظاهرة في بنيتها ووعي مكونيها، وما يتعلق بمسألة التنسيق والتشارك مع "الآخر" لم تتغير في الجوهر، التأثر المباشر الواضح هو المزيد من الانكفاء أو المزيد من النشاط ، ضيق أو اتساع دائرة النخبة المعنية بذلك، ويمكن التأكيد أن المزيد من الانكفاء في الحراكات وتناقص أعداد المستقلين المساهمين فيها، بسبب الجزر وتزايد الكلفة الأمنية والسياسية والشخصية، جعلت"شروط" هذا الجزء في عمليات التنسيق مع الآخر والوجود المشترك معه في إطارات، أكثر صعوبة، بالتعبير العامي غدا هذا الجزء أكثر "دلالاًً" وتطلباً. كما يمكن التأكيد أن تغير بعض الشروط المحددة للظاهرة لم تدفع أحدا فيها إلى أي مراجعة ذات معنى، لا في ضرورة وأهمية العمل الحزبي والانضمام إلى الأحزاب القائمة، أو تشكيل غيرها متجاوزا لها، وكل المحاولات التي قامت بها مجموعات وأفراد من النخب الليبرالية لتشكيل تجمعات أو أحزاب أو إطارات خاصة بها، فشلت فشلا ذريعا، أولا وأساسا بسبب السمات والبنية وطريقة تفكير الظاهرة والتميز الشديد المفتعل والذاتي بين الشخوص . ـ والحق يقال: إن النخب المستقلة التي أعلنت صراحة أو مواربة أنها ليبرالية، أو يمكن تصنيفها في هذا الإطار، مع وشوشة هادئة في أذن وعقل أولئك الذين يغشون أنفسهم بعفو الخاطر، أو بسبب تشوش الوعي، أو يغشون غيرهم بصورة واعية، بالجمع بين كونهم لا يزالون ماركسيين من جهة، وبين الدور التاريخي الإنقاذي للمركز الامبريالي الأمريكي على يد أكثر إداراته عنفا وميكيافيلية، بما فيه الدور الإنقاذي في بلادنا، بالطلب منها بالتدخل بكل الوسائل، ثم الحرد، والزعل، والغضب منها، واتهامها بالتقصير وتفويت الفرصة التاريخية، والجهل لأنها لا تتدخل، بل يريد بعض هؤلاء الماركسيين "تأجيل" أي دفاع عن المنتجين والمضطهدين، بل الدفاع عن وحشية الرأسمالية من أجل خلق الشروط التي تأتي بالديموقراطية واستقرارها، ينسى هؤلاء، أو لا يروا بأعينهم ووعيهم أي إمكانية أو واقعة في أن يكون المرء ماركسيا وديموقراطيا، أو ليبراليا وقمعيا من خلال موجة الليبرالية الجديدة الهيمنية، ويخلطون بشدة بين الديموقراطية والليبرالية عبر التاريخ وتطور الشروط، هذا الصف الليبرالي وللحق كان أكثر نشاطا وحيوية ومرونة، وأظهر عددا من المحاولات أكثر للتنسيق مع أحزاب وإطارات أخرى، كما للتنسيق بين صفوفه، كل ذلك مقارنة بالنخب اليسارية الماركسية أو القومية المستقلة، مع أن أعداد هؤلاء كبيرة وهي أكبر بالمقارنة، لكنها أكثر حذرا وخوفا وشعورا بالإحباط، وتشعر أن المرحلة ليست مرحلتها، وهكذا لم تفرز عددا ملحوظا من الأفراد الناشطين المتميزين، مقارنة بالصف الليبرالي، وكل هذا جعل اليساريين المستقلين أكثر تطلبا في مسألة التنسيق. في هذا السياق، وإطار الظاهرة الخاصة بالمستقلين تأتي الأسباب العميقة والفعلية في استقالة الرفيق سلامة على الرغم من كل ما يميزه كمستقل، ونقاش الأمر من هذا المنطلق سيكون بالتالي أكثر موضوعية وفائدة من أجل المستقبل الخاص بالعمل المعارض في الوطن السوري، ومستقبل العمل اليساري المعارض، على رأسه تجربة تيم الآن. هوامش * ( ملاحظة ): أستخدم هذا المفهوم ( ليبرالي سلطوي ومعارض) بقصد واعي ، يقوم أولا: على الأساس الاقتصادي في وعي كل من الطرفين( النظام والليبراليون الجدد) ، وهو ترسيخ العلاقات الرأسمالية على حساب المنتجين والفقراء من الشعب ، بما فيه وعي القائلين بضرورة الرأسمالية الوحشية " لترسيخ الديموقراطية "خاصة بتأكيد بعضهم أنه لا يزال ماركسيا ؟! ويقوم ثانيا: على الحقيقة العميقة لدى كل منهما في ضرورة دور المركز الرأسمالي القيادي الأمريكي، أو ضرورة إرضائه، أو التصالح معه، والتنافس الحقيقي المكشوف والمذل على كل ذلك وعلى غيره، ( بل يمكن التأكيد أن النظام في ذلك التنافس أكثر قوة واستقلالية من الليبراليين الجدد)، بينما في كل مرة يختار المركز الأمريكي، وغيره من المراكز الرأسمالية (المركز الأوروبي الآن يلحس بصاقه في علاقته مع النظام السوري) طرف رهانه، بالطبع من خلال مصالحه، وعلى حساب المصالح والقضايا الوطنية السورية العليا. ويقوم ثالثا على التشابه في الممارسة مع الآخر: كالقمع والنبذ وعدم القبول والعزل والكواليسية والنفاق المفضوح بين الموقف الحقيقي والمستبطن من جهة والادعاء من جهة أخرى. إن تاريخ أطراف المعارضة السورية مع بعضها حافل بهذه الممارسات حتى هذه اللحظة، مع التأكيد - المضحك المبكي طبعا - أن قمع النظام يتجاوز ذلك إلى حقول سلطوية، وحقول الدولة "دولته" أي القمع الجسدي والمعيشي، بالطبع هو أسوأ أنواع القمع وأكثره قدرة على التدمير أي القمع الصريح الذي تسمح به قوته ووعيه، لكن في الحالين هو قمع، أحدهما صريح وعلى درجة عالية من الانسجام، والثاني يقوم إما على عدم القدرة في التوافق بين الادعاء والممارسة بسبب البنية أو التربية، أو على النفاق الحقيقي باللعب بين الادعاء ولحسه في الألاعيب الكواليسية، وفي هذه الحالة هو أكثر مرارة (انتهت الملاحظة الهامشية التي تستحق بالتأكيد سوية من الكتابة واهتماما أعلى ، لا يسمح به المجال ).
ركن الأدب
شَخْصُ باختين في النقد الأدبي الحديث نايف سلّوم
"ميخائيل باختين؛ المفكر السوفييتي الأكثر أهمية في حقل العلوم الإنسانية ، وأعظم منظر في حقل الأدب في القرن العشرين" "إن منظراً عبقرياً في حقل الأدب ينبغي أن يأخذ في اعتباره حقولاً أخرى غير حقل الأدب ؛ إن تخصصه هو ألا يكون متخصصاً. لقد وجد باختين نفسه منظراً في حقل النصوص .. مدفوعاً بالحاجة إلى تدعيم نظرياته ، إلى القيام بغزو شامل لحقلي علم النفس وعلم الاجتماع ، وقد قفل عائداً من غزوه وهو محمل بمنظور متكامل وموحد لمجال العلوم الإنسانية بكامله" . لقد اهتم باختين اهتماماً خاصاً بعلوم اللغة ، ففي بداية العشرينات من القرن العشرين راج موقفان متعارضان في [النقد الأدبي]: الأول، هو النقد الأسلوبي الذي التفت فقط إلى التعبير الفردي . والموقف الثاني، تبنته اللغويات البنيوية الناشئة (سوسير) والتي ركّزت على اللغة language ؛ أي الصورة النحوية المجرّدة على حساب حقول بحث أخرى متعلقة باللغة . أما موضوع باختين فيقع بين هذين الموقفين : التلفّظ utterance البشري بوصفه نتاجاً لتفاعل اللغة والكلام (الكلام في سياق التلفّظ الذي ينتسب إلى الشروط الزمانية والمكانية ؛ إلى التاريخ) ولد ميخائيل باختين عام 1895 في أريول ابناً لعائلة ارستقراطية ما لبثت أن أضحت معدمة ، كان والده كاتباً في مصرف . أمضى باختين فترة حياة في ڤلينوس وأوديسّا ، درس فقه اللغة philology في جامعة أوديسّا ثم في جامعة بتروغراد وتخرج عام 1918 . عمل في سلك التعليم الابتدائي في بلدة نيفيل الريفية 1918-1920 وبدءاً من عام 1920 في فيتبسك حيث تزوج هناك عام 1921 . ساهم باختين في تشكيل حلقة من الأصدقاء ضمت فاليريان فلوشينوف وهو شاعر وعالم وموسيقي وليف يوبيامنسكي وهو فيلسوف وباحث أدبي وعازف البيانو م. ب. يودينا والشاعر ب. ن. زرياكين والفيلسوف ماتفي كاجان وقد لعب الأخير دور المحرّض في الحلقة ، حيث كان عائداً للتو من ألمانيا حيث درس الفلسفة ... نظّم كاجان مجموعة أولية غير رسمية أطلق عليها "حلقة البحث الكانطيّة" وشارك أعضاء الحلقة في المناظرات العامة وقدموا محاضرات في الشكليّة formal وتتحدث النشرة المحلية Molot (المطرقة) عن حدوث مناظرة حول موضوع "الله والاشتراكية" وهي مناظرة ملفتة لكونها توفر تبصراً نادراً للبيئة الثقافية في الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت وتعطي مؤشراً على اهتمام باختين بالموضوعات الدينية . بالطبع إن انشغال كاجان بـ كانط دليل على أصول اجتماعية محددة لهذه الحلقة ذات طابع رجعي، بيد أن نتاجاتهم الشكلانية والنقدية وفي العلوم الإنسانية فكانت تقدماً ملفتاً حقاً وفتحاً جديداً في حقول اللسانيات والنقد الأدبي وعلوم اللغة وغيرها . يلفت كاجان الانتباه إلى "دفاع باختين عن الغموض المكبوت الذي يمثله الدين" كما يلاحظ كاجان "ارتياع باختين من الماركسية السوفييتية التي لا تلقي بالاً للأموات " ، بالتالي يشير إلى نقص في الاشتراكية السوفياتية يتمثل بنقص فادح في التعاطي مع التراث الديني ومع البعد الحضاري (الثقافي) أو التراث القومي ونقده. خطان أسلوبيان للرواية الأوربية يختبر باختين نظرياته في قراءة النصوص وفي التلفّظ والأسلوبية الاجتماعية و في ديالكتيك اللغة والكلام (التلفّظ) في حقل الرواية الأوربية. سوف أعتمد أسلوب الاقتطاف لإنارة هذا النص الصعب "خطان أسلوبيان..". مقتطف- 1 ، يكتب باختين : "الرواية هي التعبير عن الوعي الغاليلي للغة ، الذي برفضه لمطلقية لغة واحدة ووحيدة ، وتخليه عن اعتبارها بمثابة المركز الوحيد اللفظي والدلالي للعالم الأيديولوجي يقر بتعدد اللغات القومية وبالأخص الاجتماعية ، القابلة لأن تصير لغات للحقيقة ، مثلما تصير لغات نسبية ، غيرية محدودة ، أي لغات للفئات الاجتماعية وللمهن وللأشغال الجارية " المُنشد: يا حضرات المواطنين الأشراف .. شاهدوا الاكتشاف العظيم لغاليليو غاليلي: الأرض وهي تدور حول الشمس.. غاليليو أستاذ الرياضيات في بادوا يصمم على شرح النظام الجديد للكون الذي اكتشفه كوبر نيكوس. في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر يقدم غاليليو برهاناً أكيدا لنظريات كوبر نيكوس القائلة بعدم ثبات الأرض وعدم مركزيتها في الكون ، وبأن الأمر الذي نراه من تبدل النهار والليل وحدوث الأيام والفصول والشهور ناجم من حركة الأرض حول الشمس ومن علائقية شاملة بين عناصر الكون من شمس وأرض وقمر ونجوم وكواكب ومذنبات . لم تعد الأرض مركز الكون حسب عبارة الكتاب المقدس ومعها الميْت من أرسطو، لم يعد فهم الكون الطبيعي ولاحقاً الاجتماعي ممكناً من خلال فهم عنصري ممركز ، بل بات فهمه من خلال تفكير علائقي نسبي(من النسبة ، مثلاً 22/7) ومتعدد . هذا الوعي الغاليلي كان تعبيراً عن الصعود التاريخي للبورجوازية الأوربية جارفة معها جميع الطبقات المهمّشة الاجتماعية والقومية. باختين هو المعبر عن هذه الثورة في حقل اللغة والكلام والتلفظ وفي حقل الأيديولوجيا، كما داروين في حقل تطور الأنواع ، و كما ماركس في حقل الفهم المادي للتاريخ البشري وصراع الطبقات وعلم السياسة. مع صعود البورجوازية بدأت تتحرر طبقات اجتماعية جديدة كالفلاحين وفئات اجتماعية مهمشة كأصحاب الحرف والبروليتاريا الرثة ، وكلها بات لديها تعبيرها الأيديولوجي واليومي الذي يعكس مصالحها ودورها الجديد. لم تعد لغة الارستقراطية المتكلّفة ولغة الشعر الأحادية الصوت هي اللغة الوحيدة ، بل بات كل هذا التنوع في تعدده الصوتي والإيديولوجي الجبار حاضراً على مسرح التاريخ وهو ما عكسته الرواية الحديثة في لغتها المتعددة الأصوات. هكذا جاءت البورجوازية بالرواية الحديثة كما جاءت بالعلوم التجريبية الحديثة ، وكما جاءت بوعي الديالكتيك لذاته كمنهج إجمالي في التحليل التاريخي والاجتماعي/السياسي على يدي هيغل. هذا التحرر للقوى الاجتماعية المتعددة لم يقتصر على مجتمع أمة واحدة بل امتد ليشمل أمماً جديدة بدأت تشعر بكيانها القومي. الرواية في افتراضها لا مركزية العالم الأيديولوجي لفظياً ودلالياً تعبر على مستوى التلفُّظ عن هذا التحرر للطبقات والأمم والفئات الاجتماعية بحيث بات الصراع بين الطبقات الاجتماعية يظهر كحوار داخل اللغة القومية الواحدة وكذلك بين اللغات القومية . مقتطف-2 : "يتعلق الأمر ، هنا، بثورة جد هامة وجذرية في مجال مصائر اللفظ البشري ؛ فالنوايا الثقافية، الدلالية والتعبيرية ، قد تحررت من نير لغة وحيدة ، ونتيجة لذلك لم تعد اللغة تدرك كأنها أسطورة أو كأنها تشكّل مطلق للفكر." ظهور قوى اجتماعية جديدة فرض نفسه على المسرح الاجتماعي والسياسي الأوربي ما زعزع احتكار الكنيسة للنص الذي يدّعي احتكار الحقيقة الإلهية المطلقة. كان عمل غاليليو في الأساس تشكيكاً بهذه الإطلاقية للنص الديني ، حيث بين بالبراهين الدامغة خطأ بعض عبارات هذا النص التي تقول بثبات الأرض ومركزيتها الكونية و"عنصريتها". لم تعد الحقيقة الكونية (الكوزمية) ولا الحقيقة الاجتماعية معبر عنها بنص ديني مقدس مطلق في تعبيره ودلالته، بل بات للنص الديني منافسون في الفلسفة وفي الفكر العلمي التجريبي الحديث، وفي كلام القوى الاجتماعية الجديدة وأيديولوجياتها. لقد دمرت البورجوازية الصاعدة في أوربا كل هذه القدسية للغة ودمرت معها القدسي في تماهيه مع سلطة الإقطاع الأوربي وهيمنة الكنيسة الكاثوليكية كمثقف جمعي وعضوي لهذا الإقطاع. بات هذا التعدد اللساني في اللغة الواحدة جوهري ، بات التلفظ الجديد حدثا جوهريا مع الصعود التاريخي للبورجوازية كطبقة ذات آفاق كونية جارفة معها الأمم الأخرى في الخارج تارة ومشكلة لها تارة ومخضعة لها تارة ثالثة ، وجارة طبقات اجتماعية كانت خاملة حتى حينه ومعكرة ركود مجتمعات بكاملها. هكذا جرى "تحويل جذريّ لطريقة الإحساس بالكلام على المستوى الأدبي واللساني العام..." وجرى "التكيف مع الكلام بوصفه ظاهرة موضّعة ، مميزة لكل أمة ، لكنها قَصْدّية في الوقت نفسه" وهذا ما يعبر عنه بـ ديالكتيك اللغة الموضّعة والكلام اليومي القصدي ذو العلاقة يالسياقات والتاريخ (سياق التلفظ). لقد ظهرت علاقة الكلام باللغة (الخاصة بأمة بعينها) على أنها علاقة بلغة أجنبية . في الحياة اليومية علينا في التعليم الحديث للغة العربية تعلمها كلغة أجنبية بالتالي لا نأخذها من الشارع مباشرة؛ أي من الكلام اليومي. وهذا يختلف إلى حد ما عن تعليم الكتاب أو قراءة القرآن وتحفيظه بشكل مطلق للأطفال منذ الصغر ، تعليم ألفاظ غير قابلة لأي تعديل مهما كان طفيفاً. إنه الإحساس بما هو غيري / الغيرية في وجهات النظر ، في الأفعال والإشارات ومختلف القول والتعبير .. والرؤيا للعالم التي هي جزء لا يتجزأ من اللغة التي تعبر عنها." يقول باختين: "إن التقاطع الهام للغات متعددة داخل وعي معين، مساهمٌ بكيفية ما مع تلك اللغات المتعددة" ؛ التقاطع مساهم في التعددية. لقد ظهر للوعي أن الفرد ليس أكثر من تقاطع لغات أو ملتقى أنهار متعددة تصب فيه من المجتمع المصطخب بطبقاته وفئاته وأممه.. لقد خرج الخدم يطالبون بحقهم في وجدان وتلفّظ ولغة سيدهم. لقد أزال المجتمع الفرد وظهر على صورته ، وهذا ما برهنت عليه الرواية الحديثة. مقتطف - 3 "إن تفكيك مركزية العالم الأيديولوجي لفظاً والذي يجد تعبيره في الرواية الحديثة ، يفترض وجود فئة اجتماعية شديدة التباين ولها علاقة توتر وتبادل حي مع فئات اجتماعية أخرى . فإذا كان هناك مجتمع مغلق على نفسه ، أو طائفة caste ، أو طبقة لها نواتها الداخلية ، الوحيدة والصلبة ، فإن عليها أن تتفتت ، أن تتخلى عن توازنها الداخلي ، وعن اكتفائها بذاتها ، لتصبح مجالاً منتجاً اجتماعياً لصالح نمو الرواية" وهذا بالضبط ما فعلته البورجوازية في أوربا ولم تستطع انجازه بورجوازيات الأطراف الرأسمالية الهامشية الرثة." . أما فعل البورجوازية في أوربا القرن التاسع عشر ، فأفضل ما عبر عنه قول ماركس في البيان الشيوعي: "لعبت البورجوازية في التاريخ دوراً ثورياً تماماً ، فحيثما استولت على السلطة حطمت جميع العلاقات الإقطاعية، الأبوية، العاطفية ، ومزقت دون رحمة جميع العلاقات المعقدة المتنوعة التي كانت تشد الإنسان الإقطاعي إلى من هم طبيعياً أعلى منه مقاماً، لكي لا تبقي على أية علاقة أخرى بين الإنسان والإنسان سوى علاقة المصلحة الصرفة والإلزام القاسي بالدفع فوراً . لقد أغرقت أقدس انفعالات الوجد الديني ، والحمية الفروسية ورقة البورجوازية الصغيرة الوضيعة في صقيع الحساب الأناني ، وحولت الكرامة الشخصية إلى مجرد قيمة تبادل ، وأحلت حرية التجارة الوحيدة والغاشمة محل الحريات العديدة المعترف بها كتابة والتي انتزعت بأغلى التضحيات ، وباختصار ، فقد استبدلت بالاستغلال الذي كانت تموهه الأوهام الدينية والسياسية استغلالاً صريحاً وقحاً ، مباشراً ووحشياً . لقد جردت البورجوازية من هالتها جميع ألوان النشاط التي كانت حتى ذلك الحين مجللة بالوقار ..لقد مزقت البورجوازية الحجاب العاطفي والتأثير الذي كان يغطي العلاقات العائلية واختزلتها إلى مجرد علاقات مالية.. لا تستطيع البورجوازية أن توجد دون أن تثور باستمرار أدوات الإنتاج ، إذن علاقات الإنتاج ؛ أي مجموع العلاقات الاجتماعية " . لقد حطمت من قبل علاقات الإنتاج الإقطاعية ، وها هي نتيجة التثوير المستمر لأدوات الإنتاج وقوى الإنتاج فإنها تهدد علاقات الإنتاج التي تخصها بالذات ؛ علاقات الإنتاج الرأسمالية . .. تكتسح البورجوازية، مدفوعة بحاجتها إلى أسواق أبداً جديدة ، الأرض بأسرها ، فلا بد لها من أن تعشش في كل مكان ، وان تستغل في كل مكان ، وان تقيم العلاقات في كل مكان. أعطت البورجوازية ، باستغلالها للسوق العالمية ، طابعاً عالمياً لإنتاج جميع البلدان واستهلاكها . ورغم أسى الرجعيين العميق انتزعت البورجوازية من الصناعة قاعدتها القومية . فالصناعات القومية القديمة دمرت، ويلحق بها يومياً مزيد من الدمار . وحلت محلها صناعات جديدة أصبح تبنيها من جميع الأمم المتحضرة ، مسألة حياة أو موت ؛ ولم تعد هذه الصناعات تستخدم المواد الأولية المحلية ، بل مواد أولية آتية من أكثر البلاد بعداً، وتستهلك منتوجاتها لا داخل البلد وحسب بل في جميع أنحاء العالم. وعلى أنقاض الحاجات القديمة التي كانت تلبيها المنتوجات الوطنية ، تلد حاجات جديدة يتطلب إشباعها استيراد منتوجات البلدان والأقاليم النائية ، وعلى أنقاض الانعزال القطري والقومي القديم ، القائم على الاكتفاء الذاتي ، تنمو تجارة عالمية وتبعية متبادلة بين جميع الأمم . وما هو صحيح بصدد الإنتاج المادي لا يقل صحة بخصوص الإنتاج الفكري . فالآثار الفكرية لأمة ما تصبح ملكاً مشتركاً لجميع الأمم . ويغدو قصر النظر والتقوقع القوميان مستحيلين أكثر فأكثر . ويلد ، من مجموع الآداب القومية والقطرية أدب عالمي. " مقتطف- 4 "إن التعدد اللغوي الخارجي سيثبت ويعمق التعدد اللغوي الداخلي للغة الأدبية نفسها ، وسيضعف من سلطة الأساطير والتقاليد التي ما تزال تشل الوعي اللساني ، وسيفكك نسق الأسطورة القومية الملتحمة عضوياً باللغة ؛ ومجمل القول ، فإنه سيحطم كلية الإحساس الأسطوري والسحري للكلام ... إن المساهمة القوية في ثقافات ولغات الآخرين ستقود حتماً إلى فصل النوايا والفكر والتعبيرات عن اللغة " ينتج عن قول كهذا أمران: أن علاقة المعنى بالصوت علاقة موضّعة ، اتفاقية ، اصطلاحية بالمعنى الاجتماعي والقومي والأقوامي ، فيها الكثير من الاعتباط) . المعنى ليس منحلاً في الصوت بل محملاً عليه كما يركب الروح على النفس والريح على السحاب. اللغة اتفاق وتواضع يعاد إنتاجه بشكل موسّع في كل لحظة عبر ديالكتيك الكلام الحادث / اللغة. والثاني: عدم إمكانية فصل النوايا والفكر والتعبير عن اللغة في النصوص الأسطورية المحكمة كالنص القرآني. يقول باختين موضحاً: "إننا نتحدث عن "الفصل" بمعنى حذف ذلك اللحام المطلق القائم بين المعنى الأيديولوجي واللغة ، الذي يحدد الفكر الأسطوري والسحري.. ولا جدال أن اللحام المطلق بين الكلمة والمعنى (الصوت والمعنى ) الأيديولوجي الملموس ، هو إحدى الخصائص المكونة والجوهرية للأسطورة ، وهي خاصية تحدد من جهة تطور الشخصيات الأسطورية ، ومن جهة ثانية تحدد إدراكها نوعياً للأشكال اللغوية وللدلالات والملاءمات الأسلوبية...الفكر الأسطوري يخدم لغته التي تلد هي نفسها حقيقتها الأسطورية ، وتقدم علائقها الخاصة وتعالقاتها اللسانية على أنها علائق وتعالقات عناصر الواقع" هنا المقولات اللغوية ملتحمة بالعلائق المشيّأة ؛ بالواقع الملموس. إن اللغة التي كانت قديماً تجسيداً لا يجادل ، ووحيداً للمعنى وللحقيقة ، قد صارت أحد افتراضات المعنى الممكنة ".. لن يتم هذا التفكيك اللفظي والأيديولوجي للمركزية إلا عندما تكون الثقافة القومية قد فقدت طابعها المغلق المستقل وأصبح لها وعي بذاتها بين الثقافات واللغات الأخرى " مع هذا التفكيك يغدو إدراك العالم ذو طابع إنساني أو نزعة إنسانية . إنه لا مناص من أن تتفكك وتختفي السلطة الدينية والسياسية والأيديولوجية بالترافق مع نزع جذور الشعور الأسطوري من لغة مبنية على انصهارها المطلق بالمعنى الأيديولوجي" مقتطف أخير: "هكذا ظهرت بذور النثر الروائي في عالم متعدد اللغة والأصوات ، خلال الفترة الهيلينية باليونان وفي روما الإمبراطورية ، وفي أثناء تفكك المركزية الأيديولوجية لكنيسة القرون الوسطى وسقوطها . كذلك الشأن بالنسبة للأزمنة الحديثة، فازدهار الرواية مرتبط ، دوماً، بتحلل الأنساق اللفظية والأيديولوجية المستقرة ، وفي المقابل بتعزيز التعدد اللغوي والسعي إليه عن قصد سواء في داخل حدود اللهجة الأدبية نفسها أو خارجها " ويضيف باختين: "إن خطاب الرواية الباروكية هو خطاب مثير للانفعال. وفيه نشأ (وأدرك نموه اللامحدود) الباتُوس الروائي ، المختلف كثيراً عن الباتُوس الشعري. لقد أصبحت الرواية الباروكية مستنبتاً لباثوس مؤثر نوعي ، في كل موضع وصله تأثيرها.."
ملحق حول الباثوس: يقول أفلاطون: "الدهشة هي "الباثوس" (الحال) الذي يميز الفيلسوف حقاً ، وليس للفلسفة من مبدأ إلا الدهشة من حيث هي باثوس (حال) ؛ هي الأرخية (المبدأ) للفلسفة". هذا معناه أن المبدأ هو العين أو النبع (الدهشة نبع أو عين)، والنبع لا يطرح جانباً مع جريان الماء في المجرى؛ لا يزول مع هذا الجريان ، بل ما يزال بحيث يهيمن على مجرى النهر (الجريان ) ويسود . الدهشة فعل سائد كالنبع بالنسبة للنهر ؛ نهر الفلسفة وسيرها الطويل. يقول هايدغر: "الدهشة هي أرخيّة (مبدأ) ، إنها تسري في كل خطوة من خطوات الفلسفة. الدهشة "باثوس" (حال) . ونحن [يقصد الأوربيين] نترجم عادة "باثوس" بـ حال ، أي فورة من فورات العاطفة ، لكن كلمة "باثوس" مرتبطة بالفعل اليوناني "باسخين" [ومعناه]: يعاني ويكابد ويخبر ويتناغم مع. ".. ونحن نخاطر - كما هو الحال دائماً في مثل هذه الحالات – لو ترجمنا كلمة "باثوس" بكلمة نغم. هايدغر قلق من إمكانية عدم حصول الدهشة على مبتغاها ؛ قلق من ألا يصل النهر إلى البحر ؛ بحيث لا تعرف ماهية الموجود. يقول ابن عربي: "الحال هو الديمومة ؛ .. هو عين وجود الموجود" "الدهشة هي التحدد الذي فيه ومن أجله ينكشف وجود الموجود . الدهشة هي التناغم الذي من خلاله قيض للفلاسفة اليونانيين التجاوب مع وجود الموجود" ولكن ، ما هو "الحال" عند العرب. يقول سيبويه في "الكتاب" : "هذا باب ما ينتصب من المصادر لأنه حال وقع فيه الأَمْرُ فانتصب لأنه موقوع فيه الأمر، وذلك قولك: قتلته صبراً " ؛ يقول سيبويه: "وليس كل مصدر وإن كان في القياس مثل ما مضى من هذا الباب يوضع هذا الموضع؛ لأن المصدر ههنا في موضع فاعِل إذا كان حالاً " إذاً المصدر يكون في موضع فاعل إذا كان حالاً أو "باثوس". وجاء في القاموس المحيط أن "الحَوْلُ: السَّنة ... وأحال: أَسْلَمَ ، والشيء تحوَّل..وجمع الحول: حوليات .. والمستحالة والمستحيلة من القِسيّ: المُعْوَجَّة .. وكل ما تحول أو تغير من الاستواء إلى العوج ، فقد حال واستحال " هوامش - تزفيتان تودوروف: "المبدأ الحواري" دراسة في فكر ميخائيل باختين ترجمة فخري صالح ، دار الشؤون الثقافية العامة – بغداد الطبعة الأولى 1992 2- المبدأ الحواري – مرجع مذكور 3 - اللغة هي الصورة المجردة للكلام المتراكم عبر التاريخ لدى أمة من الأمم والمجسدة بكتب المعاني والنحو والصرف ، الخ.. والعلاقة الاعتباطية بين الصوت والمعنى والتواضع على الأسماء تفترض وضع قواعد لهذا التواضع حتى يمكن توريثه للجيل اللاحق لأمة من الأمم . فرديناند دي سوسير عالم لسانيات حديث في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ، اعتمد المنهج البنيوي في دراسة اللسان واللغة 4 - العودة إلى كانط وعلاقة ذلك بالأيديولوجيات المضادة للثورة في روسيا نهاية الحرب العالمية الأولى. هذه العود تحمل طابعاً رجعياً بالمعنى التاريخي ، لأنها نكوس عن عمل هيغل وعمل ماركس/ لينين . 5 - نشير هنا إلى أن هنري دو بلزاك 1799-1850 كان ارستقراطياً رومانسياً في مذهبه الاجتماعي ومع هذا كان مؤسس الرواية الواقعية؛ حيث يعتبر أحد أركان المدرسة الواقعية . وكذلك ت. س. إليوت 1888-1965 الشاعر والناقد الإنكليزي الذي يعتبر رجعياً في مذهبه الاجتماعي ومجدداً في الشكل الشعري ؛ حيث يعتبر ابرز ممثلي الشعر الحر. 6 - حجب الأسرار الوجودية عن العامة وقصرها على الخاصة من "العلماء" 7 - ميخائيل باختين: خطان اسلوبيان للرواية الأوربية ، ترجمة محمد برادة ، الكرمل العدد 19-20 / 1986 - ماركس ، انجلز: "البيان الشيوعي " ترجمة وتقديم وتعليق العفيف الأخضر ، الطبعة الأولى أيلول 1975 ، دار ابن رشد بيروت 8- pathos: الحال (في العربية حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة): العاطف للقلب، المثير للشفقة 9 - في الإنكليزية: pathos: كلمة إغريقية تعني العاطف للقلب؛ العنصر المثير للشفقة في الحياة أو في التصوير الأدبي أو الفني ، شفقة، رثاء" ص 664 المورد 2006 و patho باللاتينية تعني condition وتلفظ كلمة patho بمقطعين pah-tho وتعني كلمة condition: شرط ، حالة ، منزلة ؛ وضع اجتماعي ، يقرر ، يحدد ، يتحكم . وفي قاموس oxford الطبعة السادسة وردت كلمة pathos: (في الكتابة أو الكلام أو الأعمال المسرحية والموسيقية ) هو قوة الأداء ، أو الوصف، الخ.. التي تولد مشاعر الحزن (الأسى) أو مشاعر الأسف . والسابقة patho مرتبطة بالمرض . 10- ما يزال الموجود عينه في النفس بعد زواله بالفعل؛ هو ما يعنيه ابن عربي بالديمومة أو الحال . راجع الفتوحات المكية السفر الأول 11 - مارتن هايدغر: "ما الفلسفة؟، ما الميتافيزيقا؟ هيلدرلين وماهية الشعر" ترجمة فؤاد كامل، محمود رجب ، راجعها على الأصل الألماني وقدم لها عبد الرحمن بدوي. دار الثقافة للطباعة والنشر ، القاهرة 1974 الطبعة الثانية ص 70 12- الكتاب ، ص 370 13 - الحال : موقع الأمر في النفس أو "مُوقع فيه الأمر" ؛ وإذا وقع الأمر في النفس كأنها نتأت في هذا الموقع كوقوع حجرة في بركة وما ينتأ من الماء والرذاذ . قارن فكرة الناتئ والمنتشر عند رولان بارت . ومثال سيبويه أن الروح يقتل النفس بالصبر ويظهر وكلما قتلها أكثر ظهر أكثر وانتصب حالاً.
مشهد من مسرحية شارلوك هولمز سعد بُلَع يظهر شارلوك هولمز وهو مختبئ خلف جدار حديقة عامة. يغطي وجهه قناع قديم. ينظر بأسى إلى عربة فارهة تعبر الشارع. تترجل سيدة من العربة، ودون أن تنظر حولها تتقدم باتجاه مدخل بناء فخم. يهتز القناع! شارلوك: يالها من سيدة فاتنة! هولمز: إيقاع قدميها ثابت (وقع خطواتها واثق)، لكنه يظهر اضطراباً خفيفاً في بعض الأحيان. شارلوك: كم هو مكلف الخروج من العالم السفلي.. وكم أمقت الرواية لأنها مغرقة بالتفاصيل والسفاسف.. ـ يفاجأ شارلوك هولمز بحضور مساعده المطاطي واطسون. واطسون: مساء الخير سيد هولمز. هولمز: مرحى.. مرحى.. واطسون.. إنك مشرق كالنهار في أوله! واطسون: بحركة مطاطية، هذه مجاملة لطيفة.. سيدي. شارلوك: أترى تلك السيدة! واطسون: من؟! تلك.. المترجلة.. هذه أمك! شارلوك: أتمزح هنا، يا عزيزي واطسون! واطسون: سيدي هولمز، أراك كأنك تحدق في شيء ما غير مرئي. أين عصاك!؟ هولمز: لم أشعر من قبل شعوراً كهذا! لقد تبدل إحساسي بهذه العصا يا واطسون! واطسون: سيدي، إنك على غير العادة تعالج الأمور بعيداً عن مسرح الأحداث. دعنا ندخل البناء سيدي ونرى. هولمز: هذا اقتراح جيد واطسون، لم أكن أعلم أن لديك كل هذا الحس العملي.. هيا يا صديقي (يدخلان) ـ في الداخل صالة فخمة فيها طاولة كبيرة يبدو عليها بعض الطعام الذي وضع للتو. يجلس هولمز ويبادر إلى تناول قطع من البطاطا.. هل لديك فكرة يا واطسون: هذا النبات العجيب كان متوجاً في يوم من الأيام وهاهو الآن شيء سوقي مبتذل.. واطسون: سيدي، تتصرف مع المائدة كأنك في بيتك! هولمز: نعم يا واطسون، حتى تكون قادراً على المبادرة عليك أن تشعر كأنك في بيتك. ـ تدخل السيدة صاحبة العربة. تتقدم بسعادة خفية وبقليل من الاستخفاف.. مرحباًَ سيدي أدعى آنّا.. وأنت هولمز المحقق الشهير.. يسعدني حضورك عندنا. هولمز: نعم أنا هولمز سيدتي، في الواقع نحن هنا للتحقيق في جريمة غامضة، لقد وجدنا بالأمس رجلاً مقتولاً ومرمياً في النهر.. ـ ينشغل هولمز بمعاينة بعض الأشياء والتفاصيل. تنظر السيدة بإعجاب إلى المحقق الشهير.. أترى يا واطسون: إن ما يعجبني عند سيدك هو مثابرته وانشغاله اللذيذ بالتفاصيل.. حتى أنني أشعر بالغيرة من هذا التلذذ ، والذي يتوج بالكشف عن الأسرار . ـ يتبادل هولمز النظرات مع واطسون (يخرجان). ـ وهما يسيران على الأقدام يشعر هولمز كأن قلبه قد وضع بين فكي كسارة بندق مطاطية.. أتدري يا واطسون: إنه شعور لذيذ هذا الذي انتابني، لذيذ إلى درجة أنه أشعرني بالوهن... واطسون: سيدي، إنه الشعور ذاته عندما تبدل عملة صعبة بعملة محلية. هولمز: ما هذا التشبيه الجاف يا واطسون!؟ واطسون: اعذرني يا سيدي. ـ هولمز الثابت القدمين، الشارد الذهن انظر إليه كأنه يحدق في شيء غير مرئي يمضي وعصاه خلف ظهره يشهرها حين يُشير في العادة لا يتكلم إلا بعد اكتمال دورة العناصر، عندما تكتمل الرؤيا وتصبح بدراً. هولمز المحقق البارع.. المثابر.. ذو الهاجس لم يخطر له يوماً أن تهزمه امرأة؛ هي بعض من جريمة وبعض من حب. وهو الذي رفض مقايضة الحب بالسيطرة وتنازل عن جسده مقابل عدم إفشاء السر.
الكتابة بحبر الدم عمران إلامَ المضيُّ وراء السّرابْ؟ إلامَ نحلِّق فوق الضبابْ؟ وفي التيه نمشي حفاةً عراةً كأنَّا نعجل يوم الحسابْ كأنا نسينا خطاب الحياة: بنيَّ الأباةُ الهداةُ الصِلابْ فمرحى لمن ذاد عن أرضه بعزم صليب تحدّى الصعابْ ولم يخش تنّينهم في الوغى يدكُّ الحصون فتمسي يبابْ أيا فارساً في بلاد النخيل خطابك عندي أحلى خطابْ ويا حارساً أرزةً لا تموتُ شمختَ وأرزك فوق السحابْ تحية حبٍّ لزيتونةٍ سقتها دماء قلوب الشبابْ أحيّي الرضيع على ثدي أمٍّ قضى بطلاً في نشيد الحرابْ ويقضي العذارى كالأنبياء وأما الطغاة فمخثل الكلابْ فيا من تردّد حتى يرى إذا كان ذلك نهجاً صوابْ دع المعجمات عن الثائرين فتلك البطولة عُجْبٌ عُجابْ وهل يفهم المعتدون الخطاب بغير الرصاص كموج عُبابْ؟ ومن يتهيّب جيوش الظلام يعش في المهانة مثل الذبابْ لنا الزمن المشرق المستحيل ومجد البطولة رغم العذابْ وهل يُستطاع انتزاع الحقوق بغير القتال لوحش بغابْ؟! لئن أخفق الرافضون الأباة فعين تقاتل ظفراً ونابْ فذاك انتصار لحق الشعوب فبالدم يُكتَبُ ذاك الكِتابْ وأمَّا الرعاديد والمرجفون فلمْ يتقنوا غير ذاك الكِذابْ
===================================================== الإيميل:[email protected]
==================================
#تجمع_اليسار_الماركسي_في_سورية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طريق اليسار العدد 10: شباط
-
طريق اليسار - العدد / 9 /: كانون الأول/ 2008
-
طريق اليسار - العدد الثامن: تشرين الثاني 2008
-
طريق اليسار - العدد السابع- سبتمبر/ أيلول2008
-
جدل - مجلة فكرية سياسية ثقافية العدد 3 : آب 2008
-
طريق اليسار - العدد السادس:أغسطس/آب/2008
-
طريق اليسار - العدد الخامس: حزيران 2008
-
طريق اليسار - العدد الرابع: أيار 2008
-
جدل مجلة فكرية- سياسية – ثقافية العدد 2 : نيسان 2008
-
طريق اليسار - العدد الثالث: نيسان 2008
-
طريق اليسار العدد 2 : شباط 2008
-
طريق اليسار جريدة سياسية - العدد الأول : أواسط كانون الأول 2
...
-
جدل - مجلة فكرية- ثقافية- سياسية : العدد الأول: أواسط كانون
...
-
بيان عن أعمال اجتماع القيادة المركزية لتجمع اليسار الماركسي
...
-
بيان
-
الوثيقة التأسيسية
-
بيان اعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا - تيم
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|