|
من هم المعارضة و ما هي واجباتهم ؟
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2549 - 2009 / 2 / 6 - 09:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بالقاء نظرة فاحصة على غالبية السلطات الديموقراطية و الحكم في البلدان المتقدمة ، نرى ان اكثريتها الفائقة برلمانية ، و منها رئاسية بوجود برلمان فعال ، و اركانها و ركائزها الهامة ظاهرة و واضحة المعالم و الاهداف و الواجبات ، و هناك من الاحزاب و المنظمات المدنية ، و من الاتحادات و النقابات المهنية ، اضافة الى الشبابية الفعالة التي لها ادوارها المهمة و الرئيسية في الضغوط على السلطات و تقويم الوضع . و يتم تداول السلطة بشكل سلمي و سلس، بحيث الانتخابات و صناديق الاقتراع هو العامل الحاسم في الغييرات المنشودة بعد كل مرحلة ، و السلطة تتقبل انتقادات و توجيهات و اقتراحات المعارضة بصدر رحب ، و هما يقدران الظروف السياسية و الاجتماعية في اطروحاتهما ، و لكل الاطراف ارائه و مواقفه و هو منبثق من رحم شعبه ، و تؤخذ المصالح العليا و الاطر العامة للمحافظة على الامن القومي في نظر الاعتبار ، و يعتمدون عل استراتيجيات لن تتقاطع مع المصالح العليا للمجتمع ، و عملهم نابع من اصالة تاريخهم و اهدافهم ، و يتحركون وفق مناهجهم و امكانياتهم و قدراتهم ، وهم في كفاح سلمي مستمر لتقوية قدراتهم من اجل الفوز بالسلطة و تحقيق اهدافهم و شعاراتهم لخدمة المجتمع ، و لهم جميعا باع طويل في مراحل تطور الديموقراطية العريق في بلدانهم، و الاهم من كل ذلك انهم لا يخلٌون بها و باهدافها و رسائها و مضامينها مهما تضرر مصالحهم الخاصة ، و هم بعيدون حقا عن المؤثرات و الطموحات الشخصية التي تضر بالمجتمع وعلى حساب الشعب . النقطة الهامة و الحساسة التي من الواجب ان تُعتبر منها شعوبنا هو الاحساس بالمسؤولية لدى الجميع تجاه وطنهم من الافراد الى المجتمع ، من الاحزاب في السلطة الى المعارضة ، من الغني الى الفقير ، من العامل الى الفلاح ، و من قبل كافة الطبقات و الشرائح و الفئات الواسعة للشعب ،على الرغم من وجود الفروقات الفردية و الطبقية الشاسعة ، و وجود الفجوات و الهوة الكبيرة بين الطبقات ، الا ان الحفاظ على الامن القومي و عدم الخروج من الخطوط الحمر اصبح عرفا لدى جميع ابناء الشعب و سلطاتهم ، معتمدين على القوانين الموضوعة و بقناعات كاملة . ان ما يميزهم اكثر ، هو وجود المناهج و البرامج المطروحة بشكل شفاف لكافة ابناء الشعب، من قبل السلطة و المعارضة على حد سواء ، و منها على سبيل المثال ، الميزانية و كيفية صرفها والتي تطرح على الاعلام بكل مفاصلها من قبل السلطة ، بما فيها ميزانية الاحزاب و كيف تصرف وفق قوانين الاحزاب ، و العلاقات الطبيعية بين احزاب السلطة و المعارضة، على غير ما هو عليه في منطقتنا و ما فيها من النظرة العدائية المسيطرة على سلوك الافراد و الاحزاب ، و انعدام الشفافية و سيطرة القيادات كحكام منزلين من السماء و معصومين غير خطائين لعقود طويلة ، سوى كانوا في السلطة ام في المعارضة ، او ما كان منهم يلعب على الحبلين . هناك ، ان كان عضو البرلمان الحاصل على مقعده عن طريق حزبه ، فهو يعمل و يتصرف وفق ما يفكر انه في مصلحة بلده قبل اي شيء ، ليس بشرط ان ينسجم في ارائه و مواقفه مع حزبه ، يمكن ان يصوت و يقف مع اراء السلطة و هو من حزب في المعارضة او بالعكس تماما ايضا ، و الهدف هو مصلحة الشعب و البلد فقط . و هو ليس بخادم مطيع لحزبه ، لكي ينفذ ارائه و مواقفه ، بل يعتمد على ما يهم البلد قبل حزبه ان كان مقتنعا بان الظروف العامة للبلد تتطلب ذلك ، او يتصرف وفق مصالح المنطقة اوالولاية التي انتخبته . هذا التقييم لايعني انه ليس هناك من الفساد و الاشكالات و هم في نعيم كامل و غير خطائين ، بل المهم انهم في محاولات مستمرة على التحول و التغيير الدائم نحو الاحسن يوما بعد اخر، و هذا لا يعني ايضا ان ننقل ما يفعله الغرب و ما يُطبق بشكل معلب الى منطقتنا ، و ان تتصرف الاحزاب و التيارات و القيادات كما هو الحال هناك ، و لن يكون كذلك ابدا ، بل يمكن الاستفادة من الخبرات و توافقها مع خصائص و مميزات هذه المنطقة ، و ما تفرضه من اتباع الخطوات قبل الوصول الى الكمال ، و هذا ما يحتاج الى وقت . ان العوائق المتعددة الموجودة هنا تمنع المماثلة و التقليد . هنتاك من الاحزاب و التيارات قبل الافراد يتصفون بالفساد ، و حاملين لاهداف تؤدي الى ازالة وجه التمدن للمنطقة ، و كل محاولاتهم هو خلع روح الانتماء الى الوطن و الافكار التقدمية و اليسارية المعتدلة والعلمانية و الديموقراطية سوى كان بشكل مباشر او غير مباشر . و في المقابل يمكن وصف دور السلطة بالسلبي ايضا ، و هم جادون و دؤوبون في محاولاتهم لالغاء المعارضة و استئصالها من جذورها ، و وضع العراقيل امام انبثاقها ، و تحاول بكل السبل منع ترسيخ الارضية اللازمة لوصول المخاض الاليم لولادة المعارضة الايجابية الضرورية للمجتمع الى مرحلتها النهائية ، و يسلكون كافة الطرق و الاساليب لاجهاضها من رحمها قبل الميعاد المامول . اضافة الى ذلك ان الاحزاب التي تعتبر نفسها من المعارضين غير قادرة على تحمل الصعاب للوصول الى الولادة الطبيعية و النمو الذي هو في خدمة الشعب و مصلحته العليا . المشكلة الاساسية و الاسباب الرئيسية لعدم تمكن الاحزاب نفسها ان تؤدي دورها كمعارضة مقيٌمة للوضع العام ، و مصححة للاخطاء و مرممة للثغرات و مجمٌعة و مركٌزة للراي العام ، هي ، عدم اختلافهم عن الاحزاب السلطة، في التركيب و العمل الحزبي الفعلي على الارض ، و في المناهج و تطبيق الديموقراطية و الشفافية و الفساد داخل احزابهم ، و هم يصرخون منادين تطبيق البرامج المثالية من قبل السلطة قبل ان يلتزموا هم بانفسهم بها داخل سلطتهم الحزبية ، فطبيعة عملهم الشكلي و الجوهري لا يختلف بقيد انملة عن احزاب السلطة، الفساد الذي ينتقدونه ، فهم قبل السلطة يتصفون به داخل احزابهم ، بصريح العبارة ، ان وجوههم و صفاتهم و تصرفاتهم و خلفياتهم و وضعهم الاجتماعي غير صافية و تاريخهم معكر الى حد التقزز ايضا . لذلك لا يمكن للشعب ان يثق بهم في هذا الجانب ، عند ادعائهم المعارضة و يصرون على التهرجات الاعلامية من اجل ما في نفس يعقوب ، و هي مزايدة ليست الا ، وعلى حساب الالام والاوجاع التي يعاني منها الطبقات الكادحة و الفقيرة المعدمة. المعلوم ، ان السلطة مهما ادعت انها تعتمد على الاجتهادات الشخصية ، و لا يمكنها تنفيذ المباديء و العقائد ، و نظرتهم الى البلد و مستقبله دون الاعتماد على المؤسساتية ، او تنفيذ ما تشرعه القاعدة البرلمانية ، و هي غير واضحة المعالم لحد اليوم ، و حتى الاحزاب التي تحاول ان تخطو خطوات المعارضة في البرلمان و خارجه ليسو بقوى جماهيرية او برلمانية مؤثرة لتظهر تاثيراتهم على السياسة و السياسيين في البلد. اما في اقليم كوردستان بشكل خاص، لم تحدد الاطر و احجام الاحزاب المعارضة ، وهذا لا تعود اسبابها الى الحزبين المتنفذين فقط ، بل السلطة هي من الاساس لم تبنى على اساس البرلمانية ، و انما المسيطر على السلطة و القرارات و القوانين هو الحزب فقط، و ما فرضت عبر هذين العقدين و ما جرى ، جعل وضع السلطة و ظروفها و الحكم على ما هو عليه ، كما يعلمه الجميع من السلبيات التي طفحت الى السطح بالكامل . ربما نسمع بين حين و اخر انين بعض الاحزاب والتيارات و الشخصيات حتى بين صفوف الحزبين المتنفذين ، و هم ينادون بالاصلاح . و كما نعلم ظهرت الاحزاب الاربعة ومشروعهم الاصلاحي و ما ورائه و التي تلعب السياسة دورها الكبير من خلفه ، و هو واضح للعيان بعد النظر الى النقاط المشتركة بين هذه الاحزاب المنسقة على هدف آني فقط !!و من ثم التركيبة البنيوية لهم ، و اختلافاتهم الجوهرية كما يدعون من الاهداف والبرامج و الشعارات ، و هذا الذي يثبت و يظهر التكتيك المؤقت الذي يعملون عليه ، و الهدف العام منه هو لفت انتباه السلطة من اجل الامتيازات الحزبية و الشخصية لقياداتهم و المتنفذين منهم . و من المعلوم انه من بين هذه الاحزاب الاربعة احزاب تعتبر نفسها مبنية على النسيج اليساري ، و افكارها و مبادئها النظرية واضحة ، على الرغم من عدم الالتزام عمليا بما يدعون، و هم بعيدون عن اليسارية قولا و فعلا ، و انهم نسقوا و صرفوا جهودهم مع الاحزاب الرجعية حتى النخاع ، و لا يهمهم الا ازاحة روح التمدن و التقدم عن الساحة السياسية الاجتماعية لاقليم كوردستان ،و يعتمدون على الافكار الغيبية الخيالية الرجعية في الجوهر و المظهر ومن اجل ازدياد ثقلهم للحصول على المطالب ، و هذه الاحزاب التي تحسب نفسها على اليسار ، كان من الواجب عليها ان تتوجه نحو الاحزاب اليسارية من اجل التعاون و التنسيق و التنازل للبعض ، و التقرب من الجماهير و المثقفين و المنظمات المدنية و المراكز الاجتماعية والثقافية ، و صرف جهودهم في الاعلام الحر و العمل الميداني والاشتراك مع المعارضة الفعالة الواقعية غير المنتظمة لحد اليوم ،التي يُسمع صداها في الساحة و حتى ضمن الحزبين المتنفذين . عند تقييم الوضع السياسي علميا ، و من ثم تقييم الاحزاب التي تعتبر نفسها معارضة في الاقليم ،نفهم ان معارضتهم تصل لحد عتبة باب القادة الرمزيين و غرف الهدايا التي ترضي من هب و دب عليهم بسخاء ، انهم متشابهون في العقلية و القول و العمل ، و الفرق الوحيد بينهم انهم في السلطة و هؤلاء يقفون في الوسط دون اتخاذ اي موقف جذري حاسم ، و انهم في يوم تلقاهم سلطويين اكثر من السلطة ، و في اخر يميلون للمعارضة الوقتية ، والا اننا لم نجد اي اختلاف في التركيب والعمل السياسي والاطار العام لاحزابهم مع احزاب السلطة و بالاخص اساليبهم و تصرفاتهم و عمل قياداتهم . والتنسيق بين الاحزاب العلمانية و الاسلامية لا يمكن ان يوصف بشيء سوى الانتهازية والعمل من اجل الحصول على الامتيازات والمصالح الشخصية الخاصة لقياداتهم باسم مطالبة لحقوق المواطن ، وكيف يجيبون المجتمع ، و انهم لم يحددوا ما العمل ، و ربما يتجه الجماهير لافعال غير محمودة العواقب في فرصة ما ، ماذا يكون موقف هذه الاحزاب الانتهازية ، و المستفيد الوحيد هو الاحزاب الاسلامية السياسية التي تستغل اي فوضى لاهداف استراتيجية ، و هم يتملصون منذ مدة اليها ، و سيعود الاقليم عقودا الى الوراء من حيث الشكل و التركيب و الفكر و السياسة والمباديء العامة من التقدمية و العلمانية ، و به تضييق الحريات و تنعدم حقوق الافراد قبل المجتمع . المعارضة الايجابية الصحيحة ،هو، التنسيق و التعاون و التجمع للكتل و الاحزاب و التيارات القريبة من بعضها من حيث المباديء و القيم و الاستراتيجية ، وبالاخص العلمانيين و اليساريين و الديموقراطيين و الوطنيين و الليبراليين بشكل عام ، للتاثير على الراي العام من اجل الضغط على السلطة من دون الخروج من الخطوط الحمراء للاستراتيجية العامة للاقليم الذي يعمل عليها العقلاء منذ مدة ليست بقليلة .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اوضاع العراق بعد تنفيذ اجندة الادارة الامريكية الجديدة
-
الاليات المناسبة لمشاركة الشباب في اداء الواجبات العامة
-
الفضائيات وسيلة عصرية لتمدن الشعوب
-
المحافظة على سلامة عقلية الاجيال القادمة من واجبات المخلصين
...
-
تقديس القائد من الخصائص السلبية التي يتصف بها الشرق الاوسط
-
الديموقراطية الحقيقية لا تحتاج الى رموز لترسيخها
-
صراع الاحزاب بحرية و سلام تنافس مقبول لقطف ثمار الديموقراطية
...
-
صورية تركيب ومهام برلمان اقليم كوردستان
-
الوعود الخيالية في خطابات وبرامج مرشحي مجالس المحافظات
-
سبل استنهاض الشعب العراقي من الاحباط الذي اصابه
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقيم كردستان (3)
-
عدم تاثير مواقف الاحزاب الصغيرة على سياسة اقليم كوردستان
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (1)
-
الفساد فاض عن حده المعقول في اقليم كردستان (2)
-
ماذا يحدث للمواطنين العراقين في السعودية
-
سيطرة عقلية الثورة وليست عقلية السلطة على القادة الكورد منذ
...
-
اية نظرية فكرية تتوافق مع الواقع في الشرق الاوسط
-
ازدواجية قادة الشرق الاوسط في التعامل مع الاحداث
-
المخاطر التي تواجه علاقة الحكومة العراقية المركزية مع اقليم
...
-
توفير عوامل قوة شخصية المراة في المجتمع
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|