|
لماذا لا يرحّب العرب بإيران؟
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 2548 - 2009 / 2 / 5 - 09:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يهرع الأعاريب اليوم من ضفة لأخرى، وتتوالى اجتماعاتهم ومشاوراتهم بين عاصمة وأخرى، لبلورة موقف موحد بعد هزيمة إسرائيل التي تمخضت عنها الحرب الأخيرة و أظهرتها كدولة إرهابية "ألترا نازية"، تمارس القتل كهواية وهوية، ولاسيما بعد الصمود البطولي الرائع لشعب غزة الصامد وانكشاف هذا النظام الرسمي العربي على حقيقته ودوره المريب في هذا العدوان. وفي الحقيقة، تقف تداعيات انتصار غزة كسبب وباعث رئيس، لاجتماع أبو ظبي الأخير الذي قيل أنه لوقف التدخلات "غير المرحب" بها، وغير البناءة في "شؤوننا" (حسب تصريحات رسمييهم) من قبل أطراف غير عربية" (هكذا). والمقصود بالأطراف غير العربية طبعاً إيران تحديداً، ولننتبه جيداً هنا منعاً للالتباس، وليس غيرها، أو لإدانة التدخل العسكري الإسرائيلي والغزو الهمجي البربري لغزة، ولا لرفض الوصاية والهيمنة الأمريكية، أو الأوروبية، ولا حتى الهندية أو الفيليبينية والسيريلانكية على هذه الدول التي تعجز عن اتخاذ أي قرار.
وكان الجميع سيدعم هذه المبادرة والدعوة العربية "المعتدلة"، والمخلصة، وصافية النية جداً، ولـ"وجه الله"، لو كان الجهد والعمل والتضامن العربي قد أثمر أي شيء، أو أدّى لأية نتيجة، سابقاً، أو أفضى إلى أي إنجاز عبر تاريخ مديد من الانشغال الدبلوماسي المقترن بالفشل، والخيبة، والتقهقر والانهزام. لا بل، وهذه واحدة من الحقائق الجيواسترتيجية الفاقعة والمستجدة، والخلاصات الدلالية المؤرقة (للبعض)، والتي لا تخطؤها عين لبيب، ونضعها بالمجان أمام المجتمعين في أبو ظبي، وغيرها، فهذه المنطقة لم تعرف أي تبدل نوعي في طبيعة الصراع، وميزان الرعب، المائل أبداً لصالح إسرائيل، قبل أن تدخل إيران على خط المواجهة والصراع العربي الإسرائيلي، ليتحول كلية لصالح المقاومات. ومن لحظتئذ انقلبت كل معادلات الصراع وممكناته، رأساً على عقب وصار الجميع أمام واقع ومعطى جديد، أصبحت المقاومات العربية، بموجب ذاك التدخل "غير المرحب به"، هي المتسيدة على الأرض، ويحسب حسابها في أي قرار وتحرك دبلوماسي، فيما لم يكن يأبه العالم، للنظام الرسمي العربي برمته وبأقطابه المعروفة، ولا يحسب لهه أي حساب، ويعاملهم كمعاملة الأيتام على طاولة اللئام. ولعلها من المرات النادرة جداً، في تاريخ الصراع في المنطقة، أن نرى إسرائيل بهذا الضعف والانهزام والحيرة والارتباك السياسي، ناهيك عن صورتها التي بدت في أحط أشكالها في نظر الرأي العام العالمي، وأصبح من الصعب جداً ترميمها.
ولو كانت جهود الاعتدال العربي صادقة، وخالصة النية لوجه الله تعالى، وتعمل فعلاً للمصلحة العربية العليا لاجتمع هؤلاء العرب، ليس لإدانة إيران والائتلاف، وتفعيل سياسة المحاور والتكتلات ضدها، وإنما لدعوتها لاستلام كافة ملفات الصراع العربية العربية، كلها بدل سياسة التمييع والمماطلة والعجز والتسويف وألعوبة "اللجانية" العربية الشهيرة التي لم تعن سوى التمويت، ولم تورث سوى الهزائم والتردي والانحطاط والمراوحة في المكان. ما نراه اليوم ليس مجرد أمنيات وتمنيات ولا أضغاث أحلام، إنه واقع وسياسة وأرقام وخلاصات وقراءات واقعية موضوعية ومحايدة لما هو جار على ساحات الصراع. ولقد أثبتت تجارب الصراع أن دخول إيران على خطه، لم يكن إلا لصالح هذه المقاومات والقضايا التي ركنت طويلاً على أرفف الإهمال والنسيان. ويبدو أن تغير المعطيات لصالح المقاومات والشعوب، هو فقط مكمن وسبب "زعل" وتداعي عرب الاعتدال للاجتماع هنا، وهناك. فهم ولسان حال اجتماعاتهم يقول، "مع رفض التدخلات "غير المرحب بها"، نريد للصراع أن يعود لصالح الزمن الإسرائيلي "الجميل"حين كانت إسرائيل تسرح وتمرح، وتعربد أمام جميع الأعاريب، بقضهم وقضيضهم، بشبابهم وشيبهم، وهم، ويا "غافل إلك الله"، لا من سميع ولا من مجيب. هذا هو، في حقيقة الأمر، ما يعمل عليه عرب الاعتدال اليوم، ويصبون كافة جهودهم الدبلوماسية في سبيله تحقيقه.
إيران، ومن جهتها، التي تعمل بصمت وهدوء وتتبع سياسة النفس الطويل وبعيداً عن جلبة المؤتمرات وضجيج إمبراطوريات الإعلام وسياسة التهويل، وجعيع وطحن الطاحنين، وربما بمحض مصادفة استراتيجية لم تكن مقصودة، لكنها ذات رمزية دلالية بالغة المعنى والوضوح، ردّت، وفي نفس اليوم الذي كان عرب الاعتدال يعقدون اجتماعهم في أبو ظبي، بإطلاق أول قمر صناعي في الفضاء مخصص للاتصالات في تاريخها، وعبر الصاروخ الحامل له وهو ما أفزع البعض أكثر من ذات القمر الصناعي. هذا الفعل، هو الآخر، واحد من الإنجازات الاستراتيجية والتكنولوجية الكبرى التي حققتها في مرحلة ما بعد انتصار ثورتها التي تحتفل هذه الأيام بعيدها الثلاثين، يجعلها تكسب مزيداً من النقاط الاستراتيجية على الأرض ستصب لاحقاً، ولا شك، في صالح كافة جولاتها التفاوضية. فيما "أعاريبنا"، ويا حسرتي عليهم يتعرضون للخسارة تلو الخسارة، وللخيبة عقب الخيبة، وحالهم شبه ميؤوس منها.
لقد أثبت هذا التدخل نجاعته وفعاليته و"جاب عاليها واطيها" كما يقال، مع العلم أن الأعاريب جرّبوا كل السبل واستنفذوها ولم يتركوا باباً إلا وطرقوه، ولم يتركوا كفاً إلا "باسوه" وقبـّلوه، ولم تتحقق لهم نشوة النصر ورفع الصوت والرأس إلا في عهد التدخل الإيراني ( غير المرحب به). ولقد اعتمد بعض العرب ذات يوم، ليس ببعيد، على الاتحاد السوفييتي الشيوعي "الكافر" وباللغة وبالخطاب الأسطوري، إياه لمعظم المجتمعين، للذود عن حياضهم. كما يعتمد بعضهم الآخر، حتى اليوم، على الغرب "الكافر" أيضاً، في المأكل والمشرب والدواء والأمن والأمان، ومع ذلك لا يعقدون المؤتمرات للتصدي لمحاولات "التدخل المرحب بها"( من قبلهم على الأقل)، في شؤونهم، فلماذا، و"إيش" معنى إيران؟ ثمة سؤال مشروع نضعه برسم عرب الاعتدال.
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نضال نعيسة في حوار صحفي عن ادراج اسمة ضمن قائمة الكتاب العرب
...
-
هذا هو مقال الخارجية الإسرائيلية!!!
-
القوميون العرب: تاريخ أسود وفكر خبيث
-
مَن هُم الكتاب العرب الصهاينة ؟
-
تعقيب على رؤية إسراطين للعقيد معمر القذافي
-
نقد للنظام أم جهل بموقع الذات؟
-
الشأن السوري واقتراح حول نظام التعليقات
-
الهزيمة الأخلاقية للمعتدلين العرب؟
-
هل بدأ أوباما عملية التنظيف -وراء- بوش؟
-
ماذا تبقى من المعارضة السورية؟
-
بين المخابرات والمغامرات
-
خيبة القرضاوي
-
لا عروبية و لا اسلاماوية
-
إسلام في خدمة الغزاة: المظاهرات تُلهي عن الصلاة
-
هل يُحاكم مبارك بتهمة الإبادة الجماعية؟
-
الرئيس المبارك والضوء الأخضر لذبح القطاع
-
نداء إنساني عاجل إلى قمة مجلس التعاون الخليجي
-
أكثر من دعارة سياسية
-
فصاحة رئيس
-
الحرب على الحذاء
المزيد.....
-
-حرب- التعريفات الجمركية بين الصين وأمريكا.. كيف ستستجيب بكي
...
-
نتنياهو يتوجه إلى الولايات المتحدة ليكون أول رئيس وزراء يلتق
...
-
إجلاء أطفال فلسطينيين جرحى إلى مصر مع إعادة فتح معبر رفح
-
تعيين اللواء إيال زمير رئيسا جديدا لأركان الجيش الإسرائيلي
-
كاميرا تلتقط لحظة انفجار طائرة في فيلادلفيا في كارثة جوية جد
...
-
بوتين يهنئ البطريرك كيريل بذكرى تنصيبه الكنسي
-
قتلى وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مركبتين في مدينة جنين (فيد
...
-
الحرس الثوري الإيراني يكشف عن صاروخ كروز البحري بمدى يتجاوز
...
-
طالبة صينية أول ضحية لقانون ترامب بترحيل الطلاب المؤيدين لفل
...
-
ترامب يأمر بتوجيه -ضربة دقيقة- لاستهداف أحد زعماء -داعش-
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|