ابوالقاسم المشاي
الحوار المتمدن-العدد: 782 - 2004 / 3 / 23 - 07:01
المحور:
الادب والفن
فما من أمر إلاّ و يقبل التعبير عنه و لا يلزم في ذلك
فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح و لا تلك العبارة
أبو النجيب السهر وردي
غوارف المعارف
خضوع النص – حرقة الكتابة :
ان النص الذي يحقق التنوع في فضاء التعددية , هذا الفضاء المغاير يفسح له رؤياه ويعمق له فجواته , إذ يحقق التنوع في اتجاهات عدة ليشكل ملاذ القارئ ويشد انتباها ته , يتجاوز السائد ولا يقر بالتصنيف , يخلق تواتر دائم ومتواصل ( الأناشيد الصوفية , الملاحم الكبرى , الشعر , الفلسفات , الاعمال الروائية العظيمة ) والتي لازال آثرها فاعلا" خارج حدود صلاحية الزمن , انه النص الذي يفسح المجال الأرحب والأوسع للجمالية , وتوليد الإحساس , لا يغادر ( يقيم أبدا" ) .والذي يمثل لدى رولان بارت (أدب الحداثة ) . ( لذة النص ) فتتبع اثر النص الذي يشكل تجاوزا" واختلافا" وتعاليا" في جوهرة عن السائد والمألوف , ولكنه يملك القدرة على التواصل والتميز , واختلافه وتميزه عن المعتاد يفقده الملاحقة النقدية ( الممنهجة ) وغير قابل للخضوع ولكنه قابل للفهم في ميدان انشغاله , يحمل بين طياته قدسية اللغة وصرامتها وانفتاحها , ذلك ان النص " وان كانت اللغة هي قيده وحريته في ان واحد فلا يستطيع ان يكتب بغيرها " (1)
كما ان النص في تشكله كبينية وانتاج الصيغة الرمزية والإيحائية لخضوع القارئ لها ذلك ان " النص ( مكتمل هو تصور ورؤيا ذاتية حدودها الكاتب , وفي ذهنية المتلقي القارئ ناقصا" ومبتورا" اذ يحدث التواصل مع النص ( بقراءة عمل ما (روائي , , قصص ....) حيث نحس ان النهاية ليست هي المتوقعة تماما" لدى القارئ وهذا ما يمكن تسميته بخضوع النص أي " الإطاحة باستقلالية النص وسلطته وجعله خاضعا" لاهواء القارئ " (3 ) , ذلك ان القارئ مسكون بالبحث عن الحس الدرامي الذي يسكن بنية النص , انه نص المغامرة ,نص المستحيل الذي يوفر طاقة تجدد دائم لا تنضب , كما ان خضوع النص لانتقائية الأخر يسلب عنه تحرره وفاعليته وهي تحمل النص لانهياره وبهتانه لتضيع وتتلاشى متعة القراءة بالتوقعات المسبقة والافتراضات القبلية والتكهنات والتي تتضارب بين الكاتب – النص وتوقعات القارئ – المتلقي , وبحسب تعبير رولان بارت " ان التعطش الى المعرفة ليدفع بنا الى ان نخلق بعض الفقرات أو نتجاوزها تلك الفقرات التي نحس بأنها مملة لكي نصل بسرعة الى مواقع الطرفة المحرقة " (4)وهذا النص وفي محاولة الخلاص أو الانفلات من بنائية "سردية , متخيلة "للنص أو بتصور متعمد يمارس على اللغة اختزال النص في موقف أيديولوجي مسبق أو تصور انتقائي غائي وبالتالي فقدان " الفتنة , الإغراء الدهشة الحرقة " واختزال سعة النص " ولكن القراءة لا تتجامل مع النص الذي يجهل أبجديات الفن ولا تستسيغ تبرير الضعف بحجة التجريب والتخطي والتجاوز وبالتالي فان يتم النص سمة شعرية وحالة إبداعية وسؤال مفتوح "(5)
هذا السؤال المفتوح الذي يحاول دائما" استنطاق الحقيقة باللغة النص القراءة هذا النسيج العلائقية مترابط المتزامن يحقق الاستمرارية التفاعل كما انه سيدعم الاتجاه الذي يفرض وجوده اتجاه بناء وتأسيس ( نظرية النص ).
تحولات النص – تضمين المنجز المعرفي:
النص يشترط أسس معرفية ( للكتابة – القارئ ) لان غياب المتلقي وتلبس النص بالغموض يدفع بالنص الى المجهول واليتم فإذا كانت المعرفة تؤدي الى إدراك وتكهن يرتكز عليها النص في بنائيته وغيرها من الشروط والخصائص التي ترفع بمستويات النص وفعاليته ونضجه فهذا التصور لا يملك إجابة محددة ولكنه يملك مشروعية البحث في هذه الأنسجة وتحولاتها المعرفية والتاريخية وانتقالاتها في فضاءات اشتغال النص لأننا غير قادرين على إنتاج كل الإيماءات والإيماءات والتلميحات والتخيلات وتضمينها لبنية النص وتطويعها في سياقاته ذلك ان " اللغة " في أحيانا" كثيرة قاصرة على التعبير واتجاهات التعبير المختلفة التي أوجدها وأنتجها وأبدعها الإنسان في مختلف مراحل سيرورته ( شعر رواية حكايات نحت موسيقى مسرح زغاريد)تتضافر وتتصاهر كمسوغات معرفية لاستكشاف التحولات والفعل الذي يحققه النص من وراء هذه الجلبة والكثافة في التعبير والانطلاق الى اكتشاف الكينونة وسر الوجود أنها استراتيجيا" النص تجنب الانهيار والبحث الأبدي عن سر اللذة المحرقة التي تسكنه وتشكل بنيته وحيث ان الكاتب يسعى الى التمويه والصنعة بمختلف مستوياتها الإبداعية مجهدا" نفسه لتمرير نصه خاضعا" لتحولات جوهرية مختلطة ومركبة عبر ترويض اللغة وخلخلة صرامة سلطتها الرمزية وسطوتها الثابتة والمتحولة وهذه التحولات التي تطال بنية النص وجوهره حسب ما يذهب إليه عبد الرحمن طكنول " تحول النص الى بضاعة وليس قيمة مغذية للفكر والروح " (6)
فالتكرار هو نتاج كبت ( ولان التكرار هو بالضرورة تنكر- جبل دولوز ) فان تحولات النص ( الزمكانية ) وجرها من الماضي عبر تمثلات وتمظهرات وتخيلات هي بالضرورة خضوع النص لمعطيات الحاضر الواقع فتحولات النص المستمرة والخاضعة تتلبس دائما" بالأوهام والتبدلات الغائية والذرائعية لإضفاء المعقولية واستثمار غياب النص في الزمان الحاضر يبرر التحولات المنجزة والمفتعلة والطارئة ( الطقوس الرمزية مثلا" ) وهذه التحولات التي تطال بنى معرفية وابتداع مفاهيم جديدة تجد صلاحيتها في التشويش السياسي والمعرفي من اجل هيمنة وسيادة المعتقدات الأيديولوجية والميتافيزيقية.
لعل ما تطرحه وتعتمده مناهج عدة كاللسانيات التضيفية اللسانيات النظرية أو الأسلوبية باتجاهاتها المتعددة بما فيها الأسلوبية الإحصائية ,التأويلية والتفكيكية تعتمد القبلية والبعدية للكتابة من اجل تحديد النص وتفريقه عن اللا نص ويتعرض كتاب محمد خطابي : لسانيات النص لهذه الإشكالية بكثير من التفصيل والشرح من التفصيل والشرح تلك المعطيات التي تؤرق العقل وتبرز كإشكالية معرفية فلسفية لظروف تشكل العي وتحرره من القيود التي كبلت النص وقيدته واحدثت قطائع كبرى واعاقت كل عملية خلق وإبداع . وبالتالي فان مجرد الانصياع لشروط محددة وثابتة لتشكيل النص وانتاجه هو خضوع دون مبرر منطقي أي من يصنع تلك الشروط وما هي المعيارية القصدية الارتباط الأيديولوجي الفكري وبالتالي فان التحرر من سلطة وقوانين جاهزة ضرورة للإبداع الإنساني الغير خاضع لبنية محددة ونهائية ان هذا التحرر لا محيد عنه لكل فكر يستمد قوته من إرادته لينساق في مغامرة لا يمكن ان تكون إلا عظيمة "(7) وبتعبير آخر التحرر من الهوامش والأقنعة لان الوقوع في المصائد يؤول الى أزمة النص بخضوعه الدائم والمتكرر والمتواصل شرطه يتحدد بتكرار ( المثاقفة – التناقص مثلا" ) وهم المؤوديات والتطلعات التي يرتكز عليها مشروع ( نص ما بعد الحداثة ) الذي ينشد ويكرس ويجسد رغبته الملحة والدائمة في الحرية والتخلص من كل استعباد نصي .
شمولية النص ..تكثيف المعنى :
قدرة النص على التواصل الفاعل ( الجمالي , الحسي، ... ) هي في ذاتها تبادلية خاضعة لجينيالوجيا الذات / الموضوع , الذاكرة وسيمياء ( الكتابة ) باعتبار ذلك ضرورة في بنية تكوين النص ( البنيوية التكوينية – أهم روادها : لوسيان غولدمان ) وتشترط إطار شمولي ينضوي في حلقته الدائرية تكثيف المعنى وتفعيل حضور الجسد ككيلوغرافيا مكونة لفضاء النص ولا تنفصل عن بنيته الكلية كما ان اعتبار النص الثباتية المالية (يؤول ) وغير متغير فهذا الاعتبار يقودنا الى التساؤل : كيف يمكن إنتاج الأحداث التي يصورها المتخيل في فترة زمنية بعيدة بظروفها واختلافها عن الظروف الحالية ( ماضي , مستقبل ) مثلا" إعادة إنتاج قراءة أو كتابة أساطير الأمم القديمة والحكايات الشعبية الشفهية والتنجيم والتنبؤ والخيال العلمي فالنص يبنى على انهيار نص " واللغة قادرة على تفعيل هذه المعادلة " التي تحاول احتواء القديم والجديد واعادة إنتاجه ومع هذا لا يمكن وضع تصور شامل لان كل نص يحمل تأويله وتفسره وتحليله وبالتالي لا يمكن افتراض ان " المتعة لا تأتي إلا مع الجديد المطلق " حس رولان بارت كما ان التأثير الذي يمكن ان يوفره ( النص ) لا يتحدد برغبة الكاتب إذ ان غياب القارئ ( الواعي ) يساهم في عزلة النص واندثاره وهذا الراي لا ينطبق على النص الشعري لانه لا يقبل بأن يكون امتدادا" أو تكرارا" ( مزدوج ) لغيره . وما يساهم في طرح هذه الإشارات حول ( أزمة نص – ما بعد الحداثة ) هو البحث لتقليص المسافة وردم الهوة بين النص الإبداعي والبنية الجمالية ذلك ( النص الذي لا يتلقى الإشارة من خارج مداراته لتشكيل معناه الفني )(8) ، وهكذا فان النص لازال يخضع لعلاقات سلطوية متواترة لشرعنة خطابها وفي اغلب تجلياته ، وربما بصورة من الصور ساهم تمرد مشروع ما بعد الحداثة في خلخلة الذاكرة الإنسانية وخطابها المعرفي.
اسنادات :
1. يوسف . احمد نص ما بعد الحداثة ( الشعر الجزائري المختلف ) كتاب معاصرة / ع 30/ 1997 , 118 .
2. بنيس . محمد : حداثة السؤال – المركز الثقافي العربي – لبنان ط 2 – 1988 . ص 97 .
3. الشيخ محمد الشيخ : التحليل الفاعل والأدب . مجلة فضاء – ع 4 2002 . ص .
4. بارت. رولان : لذة النص , ت : منذر عياش , مركز لبنان الحضاري 1990 .
5. نص ما بعد الحداثة . مرجع سابق .
6. طنكول . عبد الرحمن : قراءة في ( الكتاب في المنعطف لعبد اللطيف اللعبي) , مجلة بيت الشعر – ع3- 2002 . ص60 ) الدار البيضاء
7. الخطيبي عبد الكريم : نحو فكر مغاير , ت : عبد السلام بنعبد العالي , مجلة الكرمل – ع16 – 1985.
8. نص ما بعد الحداثة . مرجع سابق .
#ابوالقاسم_المشاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟