أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - العُمر مثل السيجارة!














المزيد.....

العُمر مثل السيجارة!


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 780 - 2004 / 3 / 21 - 07:51
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


كانت أمي تقول دائماً: العمر مثل السيجارة. وكنتُ صغيراً لا أفقه معنى تلك العبارة، التي كانت أمي ترددها في أوقات مختلفة وحتى متناقضة. فهي تقولها عندما تكون حزينة وتقولها أيضا وهي فرحة، ومن حيرتي كنتُ استغرق في النظر إلى خيط الدخان، الصاعد من اصبعيها النحيلين، وهو يرسم دوائر متكررة تشبه علامة السؤال، تتناثر كالسحب الصغيرة فتحجب عني رؤية وجهها الكئيب المتغضن.
بعد عشرين سنة على وفاتها كمداً، اكتشفت بلاغة تلك العبارة، لكنني اكتشفت أيضا أنها خاصية عراقية بامتياز. فهكذا هو عمر العراقي، منذ استولى الديكتاتور على قلب بغداد، حتى ضيعها،أو سلمها لقوات الاحتلال. ومن كثرة الموت صار افتتان العراقي بالقبور أمراً مريباً. فعلى الرغم من أن رؤية القبور تذكر الناس بضرورة الاستفادة من حياتهم، كما يقال، إلا أن العراقيين يفعلون العكس، فحياتهم البائسة المهددة بالمخاطر، تذكرهم على الدوام بضرورة الاستفادة من الموت. ولذلك ليس مصادفة أن تكون لدينا في العراق مقبرة هائلة في اتساعها، كان يتزاحم على المتر المربع فيها، بشر من شتى الأصقاع يأتي بهم أبناؤهم وأحفادهم من أطراف الهند والسند والباكستان وإيران والبحرين وأفغانستان، فتتعفن جثثهم في الصحراء قبل أن يصلوا مقبرة السلام في النجف الأشرف.
ومن (بركات!) الحروب، التي دخلها العراق جراء مغامرات صدام حسين، ولم يخرج منها طوال العشرين سنة الماضية، فقد كفت مقبرة النجف عن استقبال غير العراقيين، فاستراحت واستراح العراقيون من مزاحمة الغرباء وجثثهم المتعفنة. لكن الحروب لم تترك للمقبرة فرصة للتأمل أو استراحة للمحارب، لهذا اتسعت فلم يعد يُعرف لها طول من عرض.
عندما سألت أحد أخوتي، أثناء زيارتي لبغداد في تموز العام الماضي، عن أماكن قبور العائلة في النجف، كي أزورها، راح يصف لي شوارع وأزقة ومنحنيات وشواهد وشارات وعلامات.... كي يدلني على مقبرة العائلة، فاستوقفته كي لا يقول لي أن حدود مقبرة النجف بلغت بغداد. لكنه أستطرد شارحاً: نعم هي هكذا لو أن أتساعها جرى باتجاه بغداد وليس باتجاه الصحراء.
المفارقة العجيبة، وحياة العراقيين كلها عجائب وغرائب، أن أحداً لم يخطر في باله، كما أعتقد، أن مقبرة النجف يمكن أن تصبح يوماً مثلها مثل الكثير من المقابر في العراق، كما هو عليه الحال اليوم. بل لم يكن ليخطر على البال أن هناك مقابر، من نوع آخر، ستنافس مقبرة النجف يوماً، على اتساعها وشهرتها وتاريخها، وعلى كثافة زوارها من أولئك الباحثين عن رائحة موتاهم وذكرى أحبتهم. وها نحن نسمع، بين يوم وآخر، أخبار اكتشاف المقابر الجديدة... مقابر الموت الجماعي، أو ما اصطلح على تسميته بالمقابر الجماعية، ومن آخر هذه المقابر، مقبرة المحاويل، التي يتوقع الخبراء ( حتى المقابر أصبح لها خبراء!) أنها تضم بين عشرة وخمسة عشر ألف جثة، أو رفات، لرجال ونساء وحتى أطفال .. ترى أي قدر ذاك الذي يتربص حياة العراقيين في كل عقد من الزمن، وفي كل حقبة من الحقب؟ وأي شيطان رجيم، ذاك الذي كان يتربع على كرسي من رخام المقابر؟
ما أتذكره، من حديث أخي عن حكاية المقابر، تلك المفارقة القاسية، فعندما سألته كم وصل عدد المقابر الجماعية في العراق؟ قال: كلما حفر أبناء الجنوب تحت التراب وجدوا المزيد من الجثث، أما في قرى ومدن عائلة صدام وأعوانه، فكلما حفروا عثروا على المزيد من أكياس الدولارات مدفونة في التراب!!



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زاوية - كيف كتب منيف -مدن الملح-؟
- كل العتب على الطليان!
- الموقف الإسلامي من المرأة بين الاجتهادات المغلوطة والأنانية ...
- قوة المثقف... هادي العلوي نموذجاً
- المثقف عميلاً !
- بهدوء ... مع الأستاذ سعدي يوسف
- زنزانة رفعة الجادرجي !
- عن - أدب المنفى- وليس الخارج !
- كيف يمكن إعادة بناء الثقافة؟
- علي كريم سعيد... هل كان عليك أن تنتظر؟
- أزمة -العقل- أم -الفعل- العربي؟
- عشائر المثقفين!
- أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- بوتين: لدينا احتياطي لصواريخ -أوريشنيك-
- بيلاوسوف: قواتنا تسحق أهم تشكيلات كييف
- -وسط حصار خانق-.. مدير مستشفى -كمال عدوان- يطلق نداء استغاثة ...
- رسائل روسية.. أوروبا في مرمى صاروخ - أوريشنيك-
- الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 80 صاورخا على المناطق الشم ...
- مروحية تنقذ رجلا عالقا على حافة جرف في سان فرانسيسكو
- أردوغان: أزمة أوكرانيا كشفت أهمية الطاقة
- تظاهرة مليونية بصنعاء دعما لغزة ولبنان
- -بينها اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والصاروخية -..-حزب ال ...
- بريطانيا.. تحذير من دخول مواجهة مع روسيا


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - العُمر مثل السيجارة!