|
قمة الكويت والمجتمع المدني
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2542 - 2009 / 1 / 30 - 09:08
المحور:
المجتمع المدني
إذا كان الاقتصاد هو التعبير المكثف للسياسة كما يُقال، فقد استطاع بفعل الشعور بثقل الأزمة توحيد المواقف السياسية، لاسيما في قمة الكويت التي شهدت مصالحة مفاجئة وغير مسبوقة.
وكانت غزة قد رمت بثقلها على الأحداث، الأمر الذي انعكس على العلاقات العربية - العربية، التي شهدت تجميداً للخلافات على أقل تقدير ومرونة في التعاطي مع أطروحات دعت لنسيان الماضي والتوّجه للتوافق وبخاصة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية. ولعبت المملكة العربية السعودية والملك عبدالله تحديداً دوراً إيجابياً في توفير أجواء مناسبة لتحقيق ذلك، كما أن شعور القادة العرب بثقل الأزمة الاقتصادية والمالية الدولية كان “عاملاً إيجابياً” (ربّ ضارة نافعة) لدفع الأمور باتجاه تحقيق المصالحة الضرورية، أو التمهيد لها، فالأمر لا يزال بحاجة إلى مستلزمات وآليات لوضع أسس مصالحة دائمة ومستقرة. وكان مجرد انعقاد قمة الكويت الاقتصادية والتنموية والاجتماعية (الأولى) حدثاً مهماً على صعيد العلاقات العربية العربية، خصوصاً وقد نحى العالم منحى قيام التجمعات الاقتصادية الكبيرة، المصحوبة بكيانية ذات إطار سياسي يتعلق بمواطنة أوسع وحقوق أشمل.
ورغم أن حدثين هيمنا على القمة وربما سرقا الأضواء منها، وأعني بهما: مجازر “إسرائيل” في غزة، والأزمة المالية والاقتصادية الطاحنة التي شهدها العالم، إلاّ أن مجرّد انعقاد قمة اقتصادية ومناقشة قضايا ذات أبعاد وانعكاسات تهم وتشغل الرأي العام العربي، خصوصاً حياته ومستقبله، لاسيما فيما يتعلق بالتعليم والبيئة والصحة والنقل والأمن الغذائي والمجتمع المدني وغيرها، يعتبر مرحلة جديدة في العلاقات العربية العربية التي طبعتها السياسة وأثرت فيها أكثر بكثير من الاقتصاد والتنمية والعلاقات الاجتماعية.
وكان انعقاد القمة مناسبة للتفكير في سبل العمل المشترك، ولعله فرصة لتبادل وجهات النظر والشروع بما هو ممكن في قطاع الصناعة والزراعة والاستثمار، فالشعوب العربية لا تزال تعاني من عدم الاستقرار الأمني والسياسي وتتعثر خطط الإصلاح والتنمية، لاسيما بفعل الحروب الخارجية والسياسات الداخلية الخاطئة، والثانية بفعل كبت الحريات وسياسات التفرد وعدم المشاركة.
من جهة أخرى، يعاني القطاع الخاص من ضعف شديد وفي الغالب يفتقر إلى الدينامية والتطور وعدم القدرة على المبادرة، ناهيكم عن تدخلات الدولة البيروقراطية فيما يتعلق بتوزيع الموارد وتوجيه الخطط والبرامج الاقتصادية وانصراف اقتصاديات معظم البلدان العربية إلى قطاعات محددة على حساب قطاعات إنتاجية مثل الصناعة والزراعة. وظلّت حركة انتقال رأس المال والأشخاص تعاني الكثير من القيود، إضافة إلى السياسات المالية والنقدية غير المنتظمة، واستمرت الحواجز الجمركية والعقبات الكبيرة لحرية التجارة.
وظل العالم العربي يعاني من وجود 100 مليون أمي، أي نحو ثلثه، ومن البطالة الفاحشة، الأمر الذي بحاجة إلى 100 مليون فرصة عمل جديدة، ولن يكون ذلك ممكناً دون مشاركة المرأة وتحقيق المواطنة الكاملة والمساواة التامة، لاسيما بمشاركة الأقليات القومية والدينية واللغوية ووضع برنامج تأهيل متكامل للعاملين، يأخذ بنظر الاعتبار ربط التعليم بالمجتمع وبحاجة السوق.
ولعل المسألة المهمة على هذا الصعيد تتعلق بالاستثمار المشترك في التعليم وتطوير البرامج مع أخذ حاجات السوق وأسواق العمل والمجتمع بنظر الاعتبار، وكذلك الاستثمار المشترك في الصحة، والاستثمار المشترك في الاقتصاد المنتج (أي في الصناعة والزراعة).
وتبقى كل تلك المهمات التنموية والاقتصادية والاجتماعية قاصرة وغير مكتملة، إن لم تتم إزالة العوائق القانونية والإدارية، التي تحول دون تحقيق مستلزمات العمل العربي المشترك.
في قمة الكويت حضر المجتمع المدني لأول مرة باعتباره مع القطاع الخاص ورجال الأعمال شريكاً في تحقيق خطط التنمية وتعزيز العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وقد تطورت نظرة جامعة الدول العربية إلى دور المجتمع المدني العربي، خصوصاً بعد تأسيس مفوضية المجتمع المدني. وقد أدرك بعض قيادات المجتمع المدني الحاضرة في القمة ضعف حضورها وربما “ديكوريته”، فبادرت إلى صياغة بيان يدعو الحكومات إلى شراكتها باعتبارها قوة اقتراح واشتراك وليس قوة احتجاج واعتراض فحسب.
وتركّز خطاب المجتمع المدني الذي حضرت منه قطاعات مختلفة، نقابات واتحادات وجمعيات وخبراء على ما يحصل في غزة، فطرحت شراكة على الحكومات من موقعها المسؤول، وذلك بقبول العمل المشترك “لتحميل “إسرائيل” المسؤولية الجنائية واتخاذ الاجراءات لمحاكمة مرتكبي جرائم العدوان على قطاع غزة.. أفراداً ومؤسسات، خصوصاً جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، إضافة إلى جريمة العدوان”.
ودعت مذكرة المجتمع المدني (التي صدرت عبر بيان) وكان لكاتب السطور شرف عرضه باسم المجتمع المدني العربي على قمة الكويت إلى “العمل على توفير اجراءات ملاحقتهم على المستويين العربي والدولي، من خلال إحالتهم إلى القضاء المحلي والدولي، سواء إلى المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها”. وبقدر ما تتحمله “إسرائيل” من مسؤوليات جنائية فإنها تتحمل أيضاً المسؤوليات المدنية التي تقضي بدفع التعويضات عما لحق بسكان قطاع غزة من أضرار جراء العدوان وما ألحقه من دمار وخسائر في الأرواح والممتلكات.
جدير بالذكر أن المجتمع المدني كان مبادراً للتنويه بمخاطر الاتفاقية الأمريكية “الإسرائيلية” بشأن ما سمي “مكافحة تهريب الأسلحة”، التي ليست سوى محاولة لفرض نوع من الرقابة والتدخل تحت يافطة “مكافحة الإرهاب الدولي” وخارج نطاق الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني على الأجواء والبحار والطرق، والأمر لا يتعلق بغزة فحسب، بل بعموم دول المنطقة، وهي مسألة غريبة على القانون الدولي الإنساني، ناهيكم عن تجاوزه على حقوق الشعب العربي الفلسطيني وحقه في مقاومة المحتل بجميع الطرق المشروعة، وهو حق تكفله الشرائع الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي الإنساني، لاسيما الخاصة بحق الدفاع عن النفس إزاء عدوان ماثل واحتلال قائم، ناهيكم عن الحق في التحرر الوطني بالنسبة للشعوب التي ما زالت ترزح تحت الاحتلال، الأمر الذي يتطلب دعم حقوق الشعب العربي الفلسطيني.
وإذا كان اتخاذ موقف مشترك وموحد إزاء غزة أمراً ضرورياً، فإن القضاء على جميع أشكال التخلف والأمية والفقر وتأمين الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للمواطن العربي، هو الوجه الآخر لشراكة المجتمع المدني للحكومات، لاسيما في أجواء الحرية والمعرفة، وهو ما ينبغي متابعته ما بعد قمة الكويت خصوصاً من جانب المجتمع المدني، ولاسيما من المفوضية التابعة لجامعة الدول العربية.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأكاديميون العراقيون: أليس في الصمت شيء من التواطؤ؟
-
ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين!
-
غزة من شارون إلى أولمرت: حسابات الحقل والبيدر!
-
عملية «الرصاص المنصهر»: غزة و«الثأر المبرر»!
-
الانتخابات العراقية: الدستور والطائفية!!
-
غوانتانامو والعدّ العكسي!
-
غزة: أمتان ... بل عالمان!
-
مواطنة بلا ضفاف!!
-
الإعلامي والحقوقي ومن يعتمر القبعتين
-
مغزى كلام بوش
-
العراق وشرنقة الفصل السابع
-
سريالية عراقية!
-
حقوق الإنسان.. إشكاليات أم معايير؟
-
ماذا يريد سانتا كلوز من أوباما؟
-
حكم القانون ... من أين نبدأ؟!
-
هل يتمكن أوباما من إغلاق جوانتانامو؟
-
حقوق الإنسان بين التقديس والتدنيس!!
-
«نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!
-
جائزة التسامح
-
المواطنة «المفترضة»!
المزيد.....
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
-
جدل في لبنان حول منشورات تنتقد قناة محلية وتساؤلات عن حرية ا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|