|
حوار الأديان بين السياسة والإنسانية
صبري يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 2545 - 2009 / 2 / 2 - 08:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
حوار الأديان بين السياسة والإنسانية
إن عمق حوار الأديان يدعو إلى إحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع، بما في ذلك حريات الاعتقاد والتعبير، دون التمييز على أساس العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين. صناع حوار الأديان لديهم قلق من تنامي حالات عدم التسامح، والتمييز، وبث الكراهية، واضطهاد مجتمعات الأقلية الدينية لأي دين، وشددت على أهمية تشجيع الحوار والتفاهم والتسامح بين الناس واحترام أديانهم وثقافاتهم ومعتقداتهم المتنوعة. في المقابل يقال كان أهل السياسة في المرصاد في اغتنام فرص لاحت حين عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعا رفيع المستوى خلال الدورة الـ63 في 12 و13 نوفمبر (تشرين الثاني)2008 تحت بند رقم 45 (الثقافة من أجل السلام). وتحت هذا الغطاء استخدم المؤتمر لغايات سياسية بعد الافلاس العالمي في عقد مؤتمر سياسي لحل ازمات العالم. العرب اليوم تفتح الحوار حول حوار الأديان .. بين السياسة والانسانية.
عادل محمود ـ جريدة العرب الأردنية
....................................................................................................................................
ج صبري يوسف:
قبل أن أطرح بعض الأسئلة وأقدم بعض وجهات نظري حول حوار الأديان، أودُّ الوقوف عند مسالة الحوار عبر الدين الواحد، كل دين على حدة، بحيث أن يقود الحوار عبر الدين الواحد إلى اتفاق على معالجة الكثير من التناقضات والصراحات والعوالق الشائكة وبعدها ممكن أن يتحاور مع دين آخر بحيث أن يكون هذا الآخر هو الآخر قد حاور بني جلدته عبر المذاهب والطوائف الدينية المتعددة ووصل إلى نتائج وأهداف تليق بآداب الحوار، ثم يتم الحوار مع الآخر الذي يليه وعندها ممكن الجلوس على طاولة مستديرة أو مستطيلة ليطرح كل من يمثل هذه الأديان وجهات نظره السلمية الوئامية الحضارية الإنسانية الخلاقة كي يحلُّوا مشاكلهم العالقة ويخطوا خطوة رائدة نحو حضارةِ حوارٍ تليق بنا كبشر، لا أن يتحاورا من هنا ويفجر أحدهما سيارة مفخخة في عاصمتهم تارة وفي قلب عواصم الآخرين تارة أخرى، فيردُّ الآخر رداً اكثر فظاعة وتدميراً ؟!!!
في هذا السياق، أودُّ أن أطرح سؤالاً على المذاهب الإسلامية في العالم الإسلامي قاطبةً، لماذا قبل أن يتحاور ممثلوهم مع أديان أخرى في قضية حوار الأديان، لا يتحاوروا فيما بينهم كمسلمين، حيث يبدو واضحاً أن العالم الإسلامي بأمسِّ الحاجة إلى حوار إسلامي إسلامي وبعمق وبدقة وبجدية فعَّالة، ولماذا أصلاً كل هذا الصراع المذهبي العدائي العدواني فيما بين السنَّة والشيعة مثلاً، وغيرهما من المذاهب الاسلامية؟!!!
لا أصدِّق أبداً ما أراه! إنه لمن الغباء والتحجُّرِ الفكري أن يستمر هكذا صراع لساعة واحدة، لثانية واحدة!!! يقشعرُّ بدني من هكذا صراع مرير عقيم، لأنه ينعكس سلباً على البشرية جمعاء! ولا داعي في مثل هذه الأحوال ممَّن يمثلون الاسلام أن يفكِّروا بحوار الأديان الأخرى قبل أن يتحاوروا مع ذواتهم كمذاهب اسلامية ويضعوا حداً لهذا الصراع المرير وهذا العداء الخطير السقيم العقيم الذي أودى بالمواطن العبد الفقير إلى برك الدمّ وأصبح العراق كوطن على قاب قوسين من بوابات الجحيم وأكثر لما يحمل كلّ من الشيعة والسنة عداء لبعضهم بعضاً، فكيف والحالة هذه ستتحاوروا مع أديانِ أخرى ومذاهب أخرى غير مذاهبكم، في الوقت الذي يعتبر قسم من بعض الطوائف الاسلامية أنَّ غير المسلمين هم كافرون، كيف سيقبل هذا الآخر أن تحاوره وأنتَ تعتبره كافراً؟ ثم اننا لسنا بصدد أن فلاناً كافر وعلاناً مؤمن في أي دين من الأديان، نحن بصدد نشر ثقافة السلام والمسامحة والمحبة والتآخي والعيش المشترك كبشر حضاريين على وجه الأرض ، وهذا يتطلب من البشر جهداً كبيراً ورؤية خلاقة وشاملة، وإعادة النظر في الخطاب التكفيري والصراع المذهبي لأنه ليس من المعقول أن ننتظر بشراً من كواكب أخرى تأتي وتحل مشاكلنا، نحن كبشر علينا أن نحكِّم العقل ونطبق العدالة والمساواة والحرية والديمقراطية الخلاقة الحميدة المفيدة واللائقة بالبشر والأديان كلها.
كما أود الوقوف عند الرؤية الغربية العنجهية من الشرق ، حيث ينظر الغرب إلى الشرق رؤية استخفافية وبنوع من التعالي والإزدراء، سواء عبر الحوار الديني أو الحوار السياسي، والغربي لا يحاور الشرقي عبر أي صعيد سواء كان حوارا دينيا أو سياسيا من منظور ديني بقدر ما هو منظور سياسي واقتصادي، لأن الغربي في العمق ليس مسيحيا أصلاً إلا بالإسم، أي غير متعصب دينياً، لأنه تجاوز قضيةالدين والتعامل مع الآخر من منظور ديني حتى عبر الحوار الديني، بدليل أن الغرب فصل الدين عن الدولة ولا سلطة للكنيسة نهائيا في الوقت الراهن، ولهذا يتوجّب على الغرب عندما يحاور الشرق الاسلامي ان يحترم الشرق كبشر ثم يحاوره من منظور إنساني بعيداً عن مسألة المحاججة في الآية الفلانية ، وعلى الغرب أن يحاور الشرق بروح خلاقة عالية بعيداً عن الرؤية السياسية المصلحية السقيمة الاستغلالية، كي يتقبل الشرق الحوار بروح رياضية مقنعة وهكذا فإن هناك عيوبا لا تحصى لدى الشرق ولدى الغرب أيضاً، ولا بدَّ من تنقية الشوائب والخلافات من كلا الجانبين وبعدها يتم الحوار بشكل حضاري وإنساني، بحيث يليق بنا كبشر ويليق بأخلاق الأديان الخلاقة والحكيمة والمرتكزة على رسالةالسلام والمحبة والمسامحة.
وأقول لليهود سواء الذين في الشرق أو في الغرب، أنه من مصلحة اليهود ومصلحة اسرائيل بناء علاقة سلمية وئامية مع الاسلام ومع مسيحيي الشرق ومع الغرب ومع الكون برمته، لأن علاقة اليهودي الاسرائيلي سواء شاء أم أبى مفروضة فرضاً عليه أن يبني حواراً مع المجتمع الاسلامي فمن الخطأ الجسيم أن يراهن على الغرب وعلى القوة والاقتصاد فقط .. ، لأن من مصلحته من الناحية الدينية والاقتصادية والحياتية ان يعقد حوارا عادلاً وحضاريا مع الشرق ويعيد الأراضي المغتصبة للدول التي أغتصب أراضيها كهضبةالجولان السورية وغيرها من الأراضي المحتلة، لأن السلام هو لصالحها ولصالح الجميع فإلى متى سيراهن اليهود الصهاينة عبر الدولة العبرية على سياسة القوة والعداء والصراع والحرب والحوار العقيم، كيف سيتم الحوار وحقوق الآخر مهضومة؟!
فمن هذا المنظور ومن ألف منظور آخر أقول، لا تستهويني سياسات الشرق نهائياً، ولا تستهويني سياسات الغرب أيضاً في قضية الحوار والعدالة والحق والمساواة، والشرق ضعيف في الحوار لأنه لايمتلك قرار أن يقول لا للغرب لأنه مفكك ومتخلف وديكتاتوري على مواطنه ومتناحر مع ذاته ومع جيرانه من بني جلدته ومع الغرب أيضاً ولهذا علىالشرق أن يتوحَّد ويتجاوز خلافاته العربية العربية وصراعاته مع المعارضات الداخلية ومعالجة كل مشاكله بشكل ديمقراطي وحضاري وضمن آداب الحوار الخلاق، وليس من منظور الفوضى الخلاقة كما روجها الغرب ، لأن الفوضى تظل فوضى ويستحيل أن تصبح خلاقة طالما مرتكزة على الفوضى!!!
لهذا فمن الأجدى على الدول النامية وكل دول العالم أن تفصل الدين عن السياسية، لأنه لا يمكن بناء دولة بشكل ديني محض، ولا يمنع وضع دساتير تراعي الأديان كلها ولكن يجب أن تكون مؤسسات وتوجُّهات الدولة علمانية منفتحة على دول الكون وإلا ستكون منغلقة على ذاتها وتتصارع دينيا وسياسيا إلى أبد الدهر، وعلى الشرق أن يفهم أن الغرب أيضاً ذاق الأمرّين ومرَّ بتجربة تسييس الدين ولكنه فشل فشلا ذريعاً، حيث كان قد وصل إلى مرحلة بيع الجنة للمواطن عبر صكوك الغفران ، ولكنه استدرك اخطاءه وحلَّ مشاكله وخاض حربين عالميتين ونهض من حروبه ململما جراحه للحاق بحضارة العصر . بينما نحن في الشرق كنا في قمة الحضارة وأصحاب أول تشريع وحضارة على وجه الدنيا وللأسف نحن الآن في ذيل الحضارة أو خارج ترتيب حضارة العصر على أكثر من صعيد!!!
سؤال بسيط وبكل عفوية، كم سنة سيعيش المرء على وجه الدنيا كي يحارب أخيه الإنسان؟ إنه لمن الجنون والغباء الكبير أن يفكّر الإنسان بأي صراع ضدَّ أخيه الإنسان! فعلى البشرية جمعاء أن نناضل في سبيل إنجاب وبناء وتنشئة إنسان مسالم حضاري إنساني راقي، يؤمن بحقوق الآخرين ويؤمن بالدين الذي يشاء كما يشاء ويترك مسألة محاسبته لمَن يؤمن به!
يراودني وبألمٍٍ كبير أن البشرية تحتاج قروناً عديدة أخرى كي تفهم أعماق جوهر الأديان وأخلاقيات الأديان، وتحتاج قروناً كي تفهم وتعي أن هناك ملايين البشر على وجه الدنيا يحتاجون الماء النظيف والخبز والمسكن والملبس والنور والطبابة والعيش الكريم، فإلى متى سيقود بعض مجانين ومتحجِّري هذا العالم هذا الكوكب إلى بوابات الجحيم، عبر حروبهم وصراعاتهم السخيفة وأفكارهم المريضة البعيدة عن اخلاقيات الأديان واخلاقيات البشر كبشر وهم أقرب من أنياب الحيتان والضباع والوحوش المفترسة منه إلى منهج السلام والوئام بين البشر، فهل سيضع الإنسان عقله في رأسه ويطرح نفسه عاقلاً وحكيماً ولو مرة واحدة كي يقود نفسه ويقود الكون مع بني جنسه إلى بوَّابات المحبّة والوئام والأمان والسَّلام؟!!!
هل وصل المرسال؟!
صبري يوسف كاتب وشاعر سوري مقيم في ستوكهولم
#صبري_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ينهى الكمبيوتر عصر الكتابة التقليدية؟
-
الفساد
-
ما هي مقوِّمات النهوض بتوزيع الكتاب في العالم العربي؟
-
برأيك ما هي مقوِّمات نجاح الديمقراطية داخل الأحزاب العربية ؟
...
-
ستبقى روحُكِ معانقة جوانحي حتّى الأزلِ
-
تنقّي أمّي حبّات الحنطة
-
ضحكنا ثمّ عبرنا المروجِ
-
أتوهُ في أعماقِ البراري
-
شمسٌ حارقة تسلخُ جِلدَ الثَّورِ
-
وجعٌ ينمو في رحيقِ الصَّباحِ
-
زغردي يا روحي زغردي
-
يعانقُ منجلي جبهةَ القمرِ
-
أينَ سأخبِّئُ جموحَ الطُّموحِ؟!
-
زنابقُ الرُّوحِ غافيةٌ فوقَ صحوةِ القلمِ
-
بحيراتُ العمرِ مغروسةٌ بأعشابِ البراري
-
خرافةُ التَّسويفِ تخرُّ فوقَ حدائقِ الحلمِ
-
وئامُ البهائم أرقى من البشر
-
وردةٌ على شفاهِ طفلٍ
-
كلكامش آتٍ لا محال
-
غائصٌ في مروجِ القصيدة
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|