مريم عوض
الحوار المتمدن-العدد: 2542 - 2009 / 1 / 30 - 09:08
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كل منا يسأل ذاته بين الحين والآخر عن معنى لهذا الكون والعالم. لا احد منا يستطيع الفرار من السؤال حول ماهية الخليقة ولماذا نحن موجودين على هذه الأرض, ما هي الخطة السرية لوجود البشر على سطح الكرة الأرضية وهل حقا توجد خطة كذلك؟!! هل خلق هذا الكون على يد قوة الاهية عظمى ام هو محيض الصدفة؟!!
العديد من الأسئلة تراودنا في محطات حياتية شخصية التي نمر بها وتعيد تذكيرنا في هذه الأسئلة المصيرية ونقول في أنفسنا عدة مرات:"لو فقط استطعت الإجابة على البعض منها فعندها سأقوم في اتخاذ القرارات الشخصية المصيرية على أحسن وجه", ونكرر ونقول "لو فقط استطعت الإجابة على هذا السؤال أو ذاك فاعد نفسي باني سأعمل على حل مشاكل البشرية من فقر, حروب, عنصرية, أمراض وغيرها"...وهكذا فترانا نبدأ في رحلة شيقة وعظيمة الأهمية لاكتشاف مكنونات هذا العالم ولاكتشاف سبب الخليقة ونسعى للإجابة على أسئلة مثل:
- من خلق الكون؟!!
- لماذا خلقت ؟!!
- ما هدفي في الحياة؟ ما هو المعنى لحياتي؟!!
- ماذا يوجد بعد الموت؟!!
- هل انا/الإنسان بطبعه سيء أم جيد؟!
- هل أنا/الإنسان مسير أم مخير؟!!
عادتا ما نكون متشوقين في بداية رحلتنا الاستكشافية ومصرين على إيجاد الأجوبة لتلك الأسئلة الملحة, ونعتقد انه من المستحيل الاستسلام لليأس الذي يزورنا بين الحين والآخر ليذكرنا بأننا لن نجد أي جواب مقنع, وبعد وهلة من الزمن نستجمع قوانا ثانيتا ونسعى مجددا وراء أي جواب ولو كان ناقصا ونحاول مجددا استجماع نقاط صغيرة على أجوبة جزئية على نظريات ممكنة ليصبح لدينا شبه بازل من الأجوبة الممكنة, وبالرغم من المجهود الفائق والتعب الشديد (النفسي والجسدي) الذي يعترينا في هذه الرحلة فتراودنا الفكرة بأنه مع كل محاولة مجددة للوصول لأي إجابة مقنعه نجد أنفسنا أمام الغاز معقدة جديدة التي لم نعي بوجودها من قبل وها هنا يعترينا البؤس والحزن العميق من هذا الشعور الميئس الذي يمتلكنا ويحيط بنا روحا وجسدا بأننا كلما درسنا وتعلمنا أكثر نشعر وكأننا لم نتعلم شيء وذلك لعدم مقدرتنا على أن نحوي كل هذا العالم والكون العظيم.
لا اكتب هذه الأسطر كي أقوم في حل لغز الحياة والكون (لأني لا اعرف الحل مثلكم) ولكن أردت في هذه المقالة المتواضعة طرح عدة إمكانيات (أو طرق) التي تستطيعون من خلالها الاقتراب ولو القليل من مرادكم والذي يتلخص في معرفة أنفسكم وفي معرفة هدفكم في هذه الحياة.
الإنسان هو مخلوق اجتماعي بطبعه ولا يستطيع الإجابة عن كل هذه الأسئلة وحده بل يتحتم عليه بدء هذه الرحلة مع فرقة تربوية التي تأخذ على نفسها وهو يأخذ على نفسه مسؤولية الواحد على الآخر. لا يستطيع أية منا أن يفهم ذاته ونفسه ولا سيما أن يفهم العالم والكون دون مشاركة الآراء والأفكار والتجارب مع الآخرين.
بل وبشكل أكثر خطر فكل إنسان الذي يحاول أن يبحث في هذه الأسئلة لوحده ودون فرقة أو مجموعة تربوية التي تتبادل الأفكار معه فسيكون مصيره اليأس, ولليأس ثلاثة أشكال خطرة جدا قد نجد أنفسنا في سهولة داخل إحداها:
الشكل الأول هو الاستهتار واليأس من حياته عندما لا يجد أي دلالة ومعنى لها فيعيش حياته بشكل مستهتر ويندد قائلا وكأنه وجد السر المكنون لهذا الكون في الكلمات "أنا أكل واشرب لأنني غدا فان".
الشكل الثاني وهو التطرف الحزبي أو الطائفي ويعني هذا الشكل في انضمام الفرد إلى مجموعة معينة التي تقوم هي في الإجابة عن جميع الأسئلة المطروحة وبذلك يتنازل الفرد عن استعمال عقله وتجاربه ويستسلم روحا وجسدا لذاك القائد الحزبي/الديني الذي يقوم هو في تشويه الحقيقة وتزويرها لمصالحه الشخصية ويستغل يأس الأفراد وشعورهم في الوحدة كي يجمعهم معا تحت راية "المجموعة المزيفة" والتي تشعر الفرد وكأن جميع أسئلته قد حلت ولكن في الواقع لم يحل أي شيء بل هو هرب من مسؤولية البحث ووضعها في أيدي شخص واحد فقط وكأن الحقيقة موجودة في قائد واحد مطلق أو في رجل دين واحد وعندها ينسى الفرد (أو يتناسى) أن هذا القائد/رجل الدين العظيم يتواجد في ذات الموقف وهو أيضا مثله مثل غيره من البشر الذين يتحتم عليهم قانون "المخلوق البشري الاجتماعي" وبالتالي لا يستطيع هذا القائد أو الرجل الدين أن يفهم نفسه وذاته دون مساعدة المجتمع والآخرين.
الشكل الثالث والذي يتمركز في يأس شخصي كبير والذي يقوم الفرد في ترجمته بالانحراف عن المجتمع وقيامه في أعمال إجرامية (سرقة, عنف, قتل وغيرها) وذلك لأنه لا يجد أي معنى في المحافظة على أي قانون اجتماعي ويعتبر ذاته فردا وحيدا يريد أن يتمم معنى الحرية السلبية التي لا تكمن بداخلها المسؤولية.
كي نتجنب مراحل اليأس الثلاثة التي ذكرتها فعلينا أن نتقبل, نفهم ونطور أمرا هاما جدا في كياننا البشري وهو أننا مخلوقات اجتماعية. من حيث الشكل يظهر بأننا منفردين ولا توجد حقا علاقة بين البشر ولا حتى تأثيرات متبادلة ولكننا في الواقع متأصلين بشكل أعمق مما نظن في أول وهلة, وعندما نفهم هذا الأمر المحتم في كياننا وبأننا مخلوقات اجتماعية علينا أن نسأل نفسنا أي الفرق نريد الانتماء إليها وذلك كي نقوم في تطوير ذاتنا وأيضا في المساهمة لتطوير وبناء مجتمعنا؟!!
اختيارنا للفرقة التي ننتمي إليها تشكل نقطة تحول هامة جدا نحو الهدف المراد وهو إيجاد ولو البعض من الأجوبة على الأسئلة المصيرية التي ذكرتها في بدء المقالة...علينا أن نختار تلك الفرق التي تحرر ذهننا وتحثنا على الحوار والسؤال والنقد, علينا أن ننتمي لتلك البشر الذين يعلمون ما نحن نعلمه: بأننا جميعا سواسية وكلنا مخلوقات اجتماعية وان البحث عن الحقيقة لا يستطيع أن يكون بانفصالنا الواحد عن الآخر أو في إبعاد مهمة البحث عنا وإعطاءها لآخرين...فالآخرين والقائدين ورجال الدين وأي إنسان بشر آخر لا يستطيع الإجابة عن ابسط الأسئلة دون أن يكون هو الآخر قد تعلمها ودرسها من بشر آخرين.
وعندما نجد هذه الفرقة التربوية الملائمة ترانا نردع اليأس ولا نستسلم له بل وعملية البحث تستمر مجددا بالرغم من الصعوبات والحزن الذي يعترينا بين الفينة والأخرى وذلك لأننا معا ونستمد القوه من وحدتنا كفرقة ونستمد القوه من تأصلنا الروحي والنفسي معا ومن تواصلنا الحواري الذي ينبض بنا الآمل مجددا ويذكرنا بان الاقتراب للحقيقة يكمن في مدى مقدرتنا على الاقتراب من البشر.
#مريم_عوض (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟