أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - رياض الترك - مسار الديموقراطية وآفاقها في سورية . الصراع علي السلطة وضوابط صندوق الانتخاب وحق العمل السياسي















المزيد.....

مسار الديموقراطية وآفاقها في سورية . الصراع علي السلطة وضوابط صندوق الانتخاب وحق العمل السياسي


رياض الترك

الحوار المتمدن-العدد: 152 - 2002 / 6 / 6 - 21:09
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


 

 (ت.م: 09-08-2001 )


ألقي رياض الترك، الأمين العام لـ الحزب الشيوعي - المكتب السياسي وأبرز معتقل سياسي في سورية إذ سجن اكثر من 17 عاماً، محاضرة هي الأولي له منذ عقود في منتدي الأتاسي في دمشق، الأحد في 5/8/2001.
الحديث (في سورية) عن الديموقراطية في وضعنا الراهن حديث سياسة قبل ان يكون حديث فكر، لذا سيتناول الحاضر ومشاكله، والمستقبل وآفاقه. لكن، لكي تكون رؤيتنا للحاضر وتلمسنا للمستقبل اسلم وأصوب، لا بد لها من ان تنطلق من دروس الماضي وعبره.
من هنا ستكون لي وقفة مع الماضي، علي الاقل، منذ الاستقلال وحتي الآن. وذلك بغرض تسليط الضوء علي النظم السياسية التي سادت خلال تلك الحقبة، بما فيها من القوي السياسية والاجتماعية وآليات ممارستها. وربما يكون مفيداً وعادلاً، ان نقسم هذا الماضي الي قسمين، يتناول اولهما اوضاع البلاد منذ الاربعينات وحتي الستينات، وثانيهما منذ الستينات وحتي المرحلة الراهنة.

1- المرحلة ما بين
الاربعينات والستينات
من المعروف ان النظام السياسي الذي ساد في سورية منذ اوائل الاربعينات، وبخاصة بعد الجلاء، كان نظاماً برلمانياً ديموقراطياً. هنا اود الاشارة الي ان فكرة النظام البرلماني علي النمط الغربي، لم تأت بها فرنسا فحسب، بعد احتلالها سورية المحررة عقب الحرب العالمية الأولي، وإنما كانت ايضاً في البداية اختياراً ارتضاه الساسة والمثقفون في بلاد الشام المتأثرين بالفكر الغربي، وأكدّوه عند انعقاد المؤتمر السوري العام سنة (1919)، حيث تشكلت في اطار لجنة برئاسة الرئيس هاشم الأتاسي، صاغت مشروع دستور لمملكة يصل علي النمط المشار اليه. وكان ذلك الدستور متقدماً في العديد من مواده علي الدساتير الغربية، بخاصة في ما يتعلق بحقوق المرأة علي سبيل المثال.
اذا عدنا الي النظام الساسي السائد بعد الاستقلال، نلاحظ عموماً ما يلي:
اولاً- ان القوي الأساسية التي وقفت وراء ذلك النظام ودعمته، كانت من الفئات البورجوازية المطعّمة ببقايا الاقطاع والملاّكين العقاريين. وإاذ سجّل لها، او لبعض فئاتها، المشاركة في النضال ضد المحتل مع باقي فئات الشعب، الا انها لم تكن قادرة علي تحمل اعباء المرحلة الجديدة المضطربة، الامر الذي ولّد النقمة عليها. لقد كانت - بحسب تعبير المناضل الكبير المرحوم عبدالبر عيون السود - تري في تحقيق الاستقلال وكأنه نهاية المطاف، فانصرفت لقطف ثماره، متناسية نضال الشعب السوري طوال ربع قرن من اجله. وهكذا برزت عوامل ثلاثة اضعفت سلطة هذه القوي التقليدية، هي:
أ- شكلانية واحتكار الممارسات الديموقراطية، الأمر الذي نتج عنه الاضعاف والقمع الجزئي للقوي الديموقراطية الناهضة.
ب- ضعف أدائها السياسي: في توطيد الاستقلال، وفي مواجهة التآمر الخارجي بأسلوب المهادنة والمراوغة، وفي العجز عن مقاومة المسار الامبريالي الذي ادي الي غرس اسرائيل في قلب الوطن العربي.
ج- نهوض الاحزاب الوطنية الديموقراطية وباقي الفئات الاخري قوي معارضة، تطرح مطالب ذات طابع ديموقراطي وقومي اكثر تماسكاً وجذرية، مما اعطاها وزناً سياسياً مؤثراً في حياة البلاد.
ثانياً- شهدت سورية خرقاً فاضحاً للنظام الديموقراطي بقيام سلسلة من الانقلابات، نهجت نهجاً استبدادياً. وكان من نتائج اسقاط ديكتاتورية الشيشكلي، والتغييرات اللاحقة تنامي وزن الفئات الوسطي والصغيرة، المدينية منها والفلاحية، ونزوعها الي لعب دور رئيسي وحاسم الي جانب البورجوازية الكبيرة التي اخذ دورها السياسي وأداؤها بالتراجع.
هذه القوي الجديدة اعطت لتلك المرحلة طابعاً مختلفاً، وطعماً ديموقراطياً لا يزال شعبنا يتذكره بحنين خاص. فمن الممارسة الديموقراطية بطريقة اكثر عمقاً التي تربط ما بين الحرية والتسليم بدور صندوق الاقتراع، الي بروز دور الشعب في تحقيق مصالحه الوطنية والقومية، كما حدث في الاندفاع للتضامن مع مصر ضد العدوان الثلاثي، ثم في تحقيق الوحدة بتأييد جماهيري جارف، وأيضاً من خلال المكاسب الاجتماعية العمالية والفلاحية بخاصة، علي رغم الهيمنة البورجوازية الرسمية. في تلك السنوات الثلاث (1955 - 1957) اجتمع للممارسة الديموقراطية بعداها: الحريات للقوي والفئات والمواطنين، وتجسيد مفهوم الشعب ودوره ومصلحته العامة. مما اسهم ايضاً في دفع التيارات الدينية الي المشاركة الوطنية في اللعبة السياسية.
ولكن، من ناحية اخري كان للقوي الجديدة افرازات سياسية متنوعة لم تكن موحدة في تطلعاتها الاجتماعية والسياسية. اهم تلك القوي كان العسكر وحزب البعث العربي الاشتراكي والحزب الشيوعي السوري الذي لم يكن يختلف عنها في بنيته، لكن توجهاته السياسية الداخلية والخارجية، كما دلّت الاحداث الكبري، كانت مرهونة بالاستراتيجيات السوفياتية اكثر مما هي نابعة من المصالح الشعبية او القومية العليا.
ثالثاً- عموماً، وبصرف النظر عن التطورات الكبري التي طرأت علي البلاد، يمكن القول ان الفئآت المذكورة طبعت ببصمتها مسرح السياسة السورية طوال مرحلة ما بعد الاستقلال وحتي الستينات، عدا فترة الانفصال القصيرة التي عادت خلالها البورجوازية الي الحكم.
هنا اري من المفيد استخلاص بعض نقاط الضعف والقوة في أداء القوي الاجتماعية والأحزاب السياسية لتلك المرحلة:
أ- ان قيام دولة الوحدة، كان انجازاً عبّر بامتياز عن نزوع قوي الأمة العربية وحاجتها لاستكمال اندماجها القومي، وتجلّي فيه تقدم العوامل الذاتية علي العوامل الموضوعية، كما كان رداً سياسياً فاعلاً علي الأحلاف الغربية وعدوانها.
ب- ان حدوث الانفصال كان اختباراً لذلك الانجاز، وكشفاً لضعفه امام اعدائه، حيث الغي نظام الوحدة عوامل قوته، عندما قام بحل الاحزاب التي كان من الممكن ان تتحول الي مؤسسات معبّرة عن ارادة المجتمع ودوره، حين استبدل دور الاجهزة البيروقراطية السياسية والأمنية (الاتحاد القومي - المباحث) بها من جهة، ومال الي صوغ علاقة مباشرة بين الزعيم والشعب، تتحولت الي مصدر رئيس لفساد تستثمره الحاشية والبطانة، بغض النظر عن اختلاف الفرد والدور، كما اصبحت لاحقاً واحدة من اهم أسس الديكتاتورية وشخصنة السلطة. هذه العلاقة او المعادلة بين الزعيم من جهة والشعب من جهة اخري، أدّت وتؤدي الي إقصاء القوي التي تنظم الشعب وتمثله. وفي حال مختلفة عن تلك الحال الناهضة والصفات المميزة للرئيس الراحل جمال عبدالناصر، يتلاشي دور الشعب وتتلاشي السياسة من الحياة العامة، ليسود الاستبداد وحيداً.
ج- بعد الانفصال، تحولت العلاقات بين القوي الوطنية والديموقراطية ذات المصالح الاجتماعية المتشابهة والرؤية القومية المتقاربة، من علاقات تحالف وتعاون الي علاقات تنافس وتآمر، الأمر الذي أسس لتاريخ من فقدان الثقة بين القوي السياسية، كما حدث بين عبدالناصر والحركة الناصرية من جهة وبين البعث من جهة اخري، او كما حدث بين اجنحة البعث نفسه، وما بين الأخيرين وبين الشيوعيين.
د- رسخت مرحلتا الوحدة والانفصال العداء بين الشيوعيين والقوميين، الذي كان تعبيراً عن الإلغاء المتبادل بين الطرفين، عندما سحبت القيادة الناصرية سلبيات تجربتها الحزبية في مصر علي سورية، بينما تذرّع الحزب الشيوعي السوري بالديموقراطية وبالخصوصية السورية لمعارضة الوحدة. تلك الخصوصية كانت تخفي وراءها نزوع خالد بكداش غير الوحدوي، المستند اساساً علي عدم ارتياح القيادة السوفياتية لقيام الوحدة، فكانتا كلمة حق أُريد بها باطل، اذ سرعان ما تكشفت حقيقتها في المبادرة الحماسية والفورية لبكداش في تأييد الانفصال، وقوله بخلاص سورية من الاستعمار المصري !
هـ- تميزت الفترة اللاحقة لسقوط الانفصال بالتنافس والنزوع الي احتكار السلطة بين الحلفاء، الأمر الذي تقلص الي جانبه الهدف الأساس الذي عملوا من اجله وهو اعادة الوحدة. ذلك التنافس وتنامي حدته يقومان (ويؤديان) الي عدم الاعتراف بالآخر ثم العمل علي إلغائه، ثم الي نفي التعدد وتقليص المجال السياسي للمجتمع حتي إنهائه. في مثل تلك الحال يتذكر المرء كيف كانت (الثورة) تأكل ابناءها، تماماً كما جري في احداث الثورة الفرنسية، حتي استقرار بونابرت في السلطة.
و- في مثل تلك الحال ينتهي الحوار حول افضل السبل لتطوير البلاد سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وتحسين فرص الديموقراطية. ويصبح من الطبيعي ان يشتد الصراع علي السلطة والاستئثار بها، الأمر الذي يستدعي تنمية العصبيات ما قبل القومية كالعشائرية والطائفية والمناطقية وحتي العائلية، وتصبح الحزبية مجرد غطاء لعمل هذه الآليات.

2- المرحلة ما بين
الستينات ونهاية القرن
كان الصراع علي السلطة قبل عام 1963، (او لنقل قبل احداث تموز/ يوليو من ذلك العام) يدور بين مختلف التيارات وفق آليات وضوابط تحتكم الي هذا الحد او ذاك الي صندوق الانتخاب وتعطي للجميع الحق بالوجود والعمل السياسي. وللتمايزات والتنوع المجتمعي بإيجاد تعبيراتها السياسية المناسبة. وحي في ظل الانقلابات العسكرية (1949 - 1945) لم تجرِ تصفية رموز الطبقة السياسية، بل أبعدوا فقط عن السلطة لمصلحة العسكر. لكن قواعد اللعبة تغيرت، وكذلك تغيّر اللاعبون انفسهم بعد الثامن من آذار (مارس) 1963، او لنقل ثانية: بعد احداث تموز 1963... لقد دخل مفهوم الحزب القائد للدولة والمجتمع، عندما اصبح العمل السياسي محصوراً بحزب البعث. اما الآخرون، فلم يبق لهم إلا اعتزال السياسية. وأما العمل السري او التآمر فكانت ضريبتهما باهظة، وبخاصة من خلال تطبيق حال الطوارئ، وما رافق ذلك من تعزيز وتقوية دور الاجهزة القمعية، وإطلاق يدها. وهكذا تبدلت شروط الدخول الي الحقل السياسي وتبدلت معها شروط اللعبة السياسية وطبيعة اللاعبين.
كذلك نلاحظ بعد ازاحة الناصريين، انتقال الصراع السياسي علي السلطة الي داخل الجيش، وبالتالي الي داخل الحزب، الأمر الذي أدي تدريجاً الي اضعاف دوره، الي ان اصبح هامشياً مع حركة عام 1970 وفي الفترة التي تلتها. وكان من نتائج ذلك الصراع سلسلة من الاقصاءات التي طالت رموز الحزب، ورافقها ايضاً تسريحات واسعة في الجيش، كثيراً ما اخذت طابعاً طائفياً او عشائرياً او مناطقياً.
من الناحية الاجتماعية أذكر بقليل من الايجابية توسيع دائرة التأميم التي شملت معامل متوسطة وصغيرة وبإيجابية تجذير قانون الاصلاح الزراعي وسواهما. هذه التدابير كانت ايضاً موضع خلاف داخل اجنحة البعث الأمر الذي أدي الي خروج البعث اليساري ثم ازاحة البعث القومي بانقلاب شباط (فبراير) سنة 1966.
اما من الناحية السياسية فالصراع استمر مع التيارات الناصرية المشكلة منذ الانفاصل، والتي اهمها كان الاتحاد الاشتراكي العربي الذي أسسه المناضل الكبير جمال الأتاسي عام 1964. ان اهمية هذا الحزب تأتي في سعيه لتطعيم المفاهيم الناصرية القومية بمفهوم الديموقراطية وبخاصة شعار الوحدة العربية.
وجاءت تطورات الصراع العربي الاسرائيلي الكبري في تلك الفترة، لتؤثر في شكل عميق وجذري علي الاوضاع وتهزها بعنف.
فقد تمددت اسرائيل بعدوانها وسيطرتها في حزيران (يونيو) 1967، ووجهت ضربة قاصمة الي مفهوم الأنظمة الوطنية التقدمية وظهرت المقاومة الفلسطينية وجهاً ايجابياً تزامن مع اعادة النظر وترتيب المواقف ضمن جميع القوي والأنظمة المعنية بالصراع.
ولم تستطع حرب تشرين (المجيدة حقاً) ايقاف الانحدار الذي اصبح سمة الوضع العربي بمجمله، هذه السمة التي لم تستطع الانتفاضة الاولي محوها وعكس مسارها في شروط غياب الحرية عند الشعوب العربية، ولن تستطيع الانتفاضة الحالية - التي نحييها ونقف امامها بإجلال - ان تفعل ذلك ما لم تتغير هذه الشروط، التي عاشتها الاوضاع العربية منذ ذلك الحين.
مع استلام الرئيس الراحل حافظ الاسد السلطة، تحول النظام من حيث الشكل الي نظام رئاسي وفق ما نص عليـه الدستور الذي فصّل علي قياسه. وفي الممارسة العملية تمت شخصنة النظام وفق مقولة القائد الفذّ والملهم التي اصبحت بديلاً لمقولة الحزب القائد للدولة والمجتمع . عملت تلك المقولة كناظم رئيس لآلية عمل واشتغال رجال السلطة والحزب والجبهة الوطنية التقدمية من حول القائد الفرد. بحيث ان الأهمية والوزن السياسي لأي طرف من اطرافها تتحدد بمدي قربه او بعده من الرئيس، لا بما يحمله من افكار او بما يمثله من وزن شعبي او ما يتبوأه من مناصب. وأصبح كل نشاط سياسي لا يخضع لهذه القاعدة خارجاً علي القانون. وهكذا اصبحت هناك قواعد جديدة تختلف عما سلكه رفاقه العسكريون او المدنيون، حيث كانت السلطة السياسية العليا سلطة جماعية او شبه جماعية.
من جهة اخري، كان للنصف الاول من السبعينات ملامح مختلفة عما سبقها. حيث اريد لها ان تظهر كخروج من العزلة في الداخل والخارج، مع انشغال بتأسيس الجبهة الوطنية التقدمية والادارة المحلة ومجلس الشعب والدستور الئام، ومع تركيز علي متابعة بناء الجيش وتحديثه بالتوازي مع مصر وبمساعدة من الاتحاد السوفياتي للبلدين. ثم جاءت حرب تشرين المختلفة عما سبقها في شكل من الاشكال، وتدفقت الاموال النفطية، وابتداء البناء في بعض البنية التحتية والكثير من المشاريع الاقتصادية، في فورة كبيرة انعكست علي التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للبلد، وعلي مجمل التاريخ اللاحق لها. من خلال تلك الفورة ازدادت الثروات وتركزت أسس الفساد، وانتهت المرحلة الأولي بتبلور النظام حول الفرد والأجهزة الأمنية من دون اي حاجة الي الآخرين، او الي الشعب بعد تجميده وتحديده في أطره الجديدة، في الحزب المتضخم او المنظمات المبنية علي الشكل القابل للمراقبة والحجز تحت مستوي ممارسة السياسة.
في تلك الفترة ذاتها، ومع تلمس الاصرار علي شكلانية الخطوات، وتطوير النمط الشمولي للنظام، وتعميق مضمونه المتركز حول الفرد، ابتدأت خطي قوي سياسية واجتماعية وشخصيات ديموقراطية مستقلة بالابتعاد عن النظام تدريجاً، وبخاصة من خلال احساسها بالتوجه نحو تهميشها، وتهمي السياسة عموماً.
لكن، بما ان اي شعب من الشعوب لا يمكن اختصاره بشخص واحد، وأي خطاب سياسي لا يمكن ان يختزل كل السياسات الممكنة والخلاقة من خلال تنوعها وحسب، كان لا بد ان يفرض الاذعان والطاعة علي الناس عن طريق الترهيب والترغيب، نظراً الي ان السلطة في هذه الحالات - كما يقول فاتسلاف هافيل - لا تسعي الي التوافق مع الحياة، وإنما تسعي لتطويع الحياة بما يوافق حاجتها هي. اما السلاح الأمضي في تحقيق ذلك، فهو كفاف العيش للمواطنين، والمكاسب والمغانم للموالين، والأجهزة القمعية والسجون والمنافي والمقابر للمعارضين.
هذه الحال ابتدأت منذ منتصف السبعينات وبلغت أوجها في عامي 1980 و1982، حين طرح مشروعان للبلاد، احدهما يقابل عنف السلطة بالارهاب، والآخر يطرح المخرج عن طريق الديموقراطية. في حين عجز النظام عن اي مخرج، إلا بالمواجهة الأمنية الشاملة، وربما كان لنجاحه في استثمار حال الحرب البادرة، واستناده الي رضا طرفيها معاص، وتمدد نفوذه الي خارج البلاد - بدخول الجيش السوري الخاطئ الي لبنان وفرض الهيمنة عليه - دور في عناده علي خطه وتمسكه باحتكار السلطة مهما كان الثمن. كان هنالك ايضاً ضغط مكتوم مورس علي الرئيس الراحل من الوسط العربي والدولي.
لقد كان عنف السلطة المتوحش والعنف المضاد الذي اخذ طابعاً طائفياً كارثة وطنية لم تشهدها سورية في تاريخها الحديث. وما زالت عشرات الآلاف من الأسر تئن تحت وطأتها. وما زالت آثارها قائمة، ولم يسع النظام للأم جراحاتها حتي الآن، علي رغم حسمه الصراع لمصلحته إلا انه خلق هوة سحيقة بينه وبين الشعب من الصعب جسرها.
في مثل هذه الاوضاع، تمت حال من النفاق الجماعي والخوف المعمم، اصبح فيها السلوك الخارجي للمواطنين محكوماً بما يريد النظام منهم ان يحترموه في اقوالهم وأفعالهم. اما دواخل الناس وقناعاتهم الحقيقية فلا وزن لها ما داموا يستبطنونها، ويتصرفون في الحيز العام وفق رغبات وضوابط وطقوس السلطة. (تنقل ليزا ويدن عن فريريك الكبير انه لا يعبأ بما يظنه الناس ما داموا يقومون بما يأمرهم به ، وقنل مؤرخونا عن زياد بن أبيه ما يشبه ذلك في احدي خطبه). هذا بالضبط ما كان عليه المجتمع السوري وهو يخرج افراداً وجماعات في مسيرات التأييد والولاء. فاليأس كما قيل يقود الي الاستكانة، والاستكانة الي الامتثال، والامتثال الي هذه الممارسات الرتيبة التي تقام دليلاً الي نشاط الجماهير السياسي.
في العقدين الأخيرين من القرن الماضي ساد الركود كل الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وغدا اسمه الاستقرار . في الأول منه كان الاستناد الي التخويف في الداخل، وعلي توازنات الحرب الباردة في الخارج، كافيين حتي لا تواجه الأزمة بأي تعقيدات. اما في الثاني، فقد انهار الاتحاد السوفياتي وانتهت تلك الحرب وقامت حرب الخليج الثانية، فابتدأ الاحساس الفعلي بالحاجة الي تغيير شيء ما، ولكن بعد ان افتقدت السلطة ذاتها الأدوات القادرة علي الفعل وتخشّبت في المصالح الأنانية لأفرادها وغدا استبعاد الشعب وقمعه ونهبه طريقها المعتاد الأسهل. وربما اضيف عامل جديد في السنوات الأخيرة هو مرض الرئيس الراحل الذي لم يعتد احد علي المبادرة خلال مرضه. وكان هذا الركود الشامل نتيجة لذلك الاستبداد وتلك الشمولية. ونتائجهما التي ابرزها الفرز الاجتماعي الحاد القائم علي تنامي الثروات في ايدي قلة قليلة والافقار الواسع لطبقات الشعب الذي يكاد ينحدر الي مستوي الجوع. كذلك الازمة العميقة والمعقدة في مختلف مجالات حياتنا.
لقد انقطعت التدفقات السياسية والمالية من الخارج، وجاءت لحظة الحقيقة التي يواجه بها الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الداخلي انطلاقاً من الطاقات الذاتية، وهنا مصدر آخر للأزمة، لم يعد من الممكن مواجهته إلا بالتغيير.




#رياض_الترك (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من غير الممكن أن تظل سورية مملكة الصمت


المزيد.....




- مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
- السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون- ...
- مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله ...
- اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب ...
- محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
- مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
- من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
- خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال ...
- هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
- قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - رياض الترك - مسار الديموقراطية وآفاقها في سورية . الصراع علي السلطة وضوابط صندوق الانتخاب وحق العمل السياسي