ادورد ميرزا
الحوار المتمدن-العدد: 2541 - 2009 / 1 / 29 - 09:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بات البعض من الذين جرفهم التيار الذي ضرب العراق واحدث شرخاً في عمقه الحضاري والتأريخي والقومي , يطلون علينا اليوم عبر الفضائيات مموهين المشاهدين بمظهرهم الإيماني والروحاني المتميز , ويدّعون باعلى صوتهم شجاعتهم وحرصهم الشديد على العراق والعراقيين ! في حين انهم ليسوا كذلك قبلا ولا بعد توليهم مناصبهم لحكم العراق وصولا الى ما قبل ايام من انتخابات مجالس المحافظات , مناصبهم تلك كان يجب ان تكون لعراقيين اُصلاء ممن يمتلكون ضميرا ايمانيا حقيقيا وطنيا حيا يقف يدا بيد مع العراقيين لمساعدتهم في مآسيهم دون تمييز طائفي او مذهبي او قومي , وليس غريبا اذا قلنا ان الغالبية من الذين يدعون مسؤوليتهم عن ادارة شؤون العراقيين اليوم لا هم لهم ولاغم سوى ملئ جيوبهم وتثبيت مصالحهم المرتبطة بايدلوجيتهم والتي لا تتلاقى مع الايدلوجيات الوطنية اطلاقا, وهذا ما يؤكده العراقيون من داخل الوطن وتشير اليه دائما وسائل الإعلام .
وقبل ان نعطي رأينا في الانتخابات التي اعلنتها الحكومة العراقية والتي يدعي فيها جميع المرشحين احتمال تزوير نتائجها وهذا ما يمكننا اعتباره لعبة خبيثة خاصة اذا ما علمنا بان غالبية المرشحين غير مؤهلين لنيل شرف المساهمة في مجالس المحافظات , اما اللعبة فتكمن كالأتي ..ففي حالة فشل احدهم بالفوز لعضوية احدى المحافظات سيعود نفسه ليعلن ...{ بانه كان عارفا حين صرح بان الانتخابات سيشوبها التزوير } ...الله يكون بعون العراقيين المساكين , وهنا لا بد ان اقول بان التغيير المفاجئ الذي حدث في بنية العراق السياسية والاجتماعية لم يكن ناجحاً ولا منصفاً للعراقيين , لأنه فسح المجال لبعض من ضعاف النفوس ان يتمكنوا من الوصول الى سدة الحكم , اوليس الذين جاءوا واحتلوا سلطة الحكم لم يظهروا لنا ما يدل على حرصهم على الشعب الذي انتخبهم في اول انتخابات اعترفوا بها هم انفسهم على انها كانت انتخابات شابها التزوير وغير نظيفة, اوليس انقسام العراقيين الى طوائف ومذاهب متناحرة وبروز الحقد والثأر ليحل محل الألفة والمحبة كانت بسببهم وتوجههم الطائفي والفئوي , لكن الأغرب والعجيب في الأمر ان المسؤولين الجدد وهم قابعين في القبو الأخضر يطلّون علينا اليوم وقبل الانتخابات وبالتناوب وعبر وسائل الإعلام معلنين اخلاصهم وتألمهم وحزنهم على ما حصل ويحصل في العراق وكأنهم غريبون على ما حصل لشعبه, اما الأعجب فهو ذلك يصدر من الذي يدعي الايمان زورا بتبنيه الديمقراطية , فيعلن اليوم وقبل الانتخابات ان الجرائم والعنف الطائفي والقتل على الهوية وسرقة الأموال كلها جرائم من تدبير جاءنا من خارج الحدود , غاضاً النظر عما قامت به الميليشيات التي في غالبيتها تابعة لأحزابهم الحاكمة , اما تهجير العراقيين وجرائم الخطف والابتزاز كما يدعي هذا المؤمن فهي من تدبير الملحدين والكافرين من ازلام النظام السابق المتعاونين مع تنظيم القاعدة وهي كليشة مشروخة لطالما سمعناها , كل هذا الدمار والخراب حصل وهو ما زال يعلن جهارا انه في حالة انتخابه سيجعل العراق جنة وشعبه اغنى وارفه شعوب الأرض .
نقول ان العراق وشعبه وقبل استحواذ صدام حسين على السلطة سنة 1979 كان يعيش حياة مستقرة وآمنة تحت سلطة القانون ويملك اقتصادا متطورا وقويا وجهازا تربويا وتعليميا عال المستوى وجهاز أمن وشرطة وجيشا مدربا وطنيا وشجاعا شهد له العالم باسره حتى ان منظمة اليونيسيف اثنت على جهود العراق ونشاطه في مجال التربية والتعليم ورعاية الأسرة والطفولة ومحو الأمية ...فقد كان العراق منذ 1968 لغاية 1979 ناشطا ضمن المجتمع الدولي ومساهما في بناء وتطوير مؤسساته وعلى كل الأصعدة , كما لا يخفى على احد ان الدينار العراقي قبل استحواذ صدام على السلطة كان يعادل اكثر من ثلاث دولات , بمعنى ان القدرة الشرائية للمواطن العراقي كانت جيدة وفي مسيرة تصاعدية !
كما نشير بامانة ان ما تحقق في العراق من أمن وتطور كان سببه التنوع والتحابب المذهبي والطائفي حيث كان سمة يتميز بها المجتمع العراقي ,كما كان يوصف بشعب الحضارات , ان الدولة العراقية لم تؤسس على اساس ديني او قومي طيلة مسيرتها بل على العكس فقد كان يتواجد في كل مفاصلها الوظيفية المدنية والعسكرية المسلم والمسيحي والصابئي واليزيدي بمختلف مذاهبهم وقومياتهم , وكانوا يعملون بجد واخلاص كخلية النحل يتقاسمون العيش بالتساوي ومشاركين في السراء والضراء , ولا يتميز احدهم على الأخر سوى بمدى أمانته وحسن أداءه , كما ان العراق كدولة وشعب وفي تلك الفترة كان اكثر أمانا وانضباطا من كثير من الدول وخاصة المجاورة والسبب لكونه يمتلك قضاء وقانونا عادلين ومستقلين , وقد بقي الشعب محافظا على حماية هذا التنوع الى ان حلة الكارثة في 2003 .
لكننا وما زلنا نقول الحقيقة ...ان ادارة دولة العراق انحرفت عن مسارها الطبيعي بعد استلام صدام زمام الزعامة في العراق سنة 1979 حيث تعمقت في عهده ألعشائرية والمحسوبية والحزبية وبات العراقيين مرغمين على الانتماء لحزب البعث فزاد الرعب وانحسر الاطمئنان بين ابناء الشعب , كما ان ازمة المشاكل مع جيرانه ازدادت فكان من الممكن حلها بالطرق السياسية والدبلوماسية وبروح المسؤولية في سبيل ابعاد الشعب عن المآسي , فلو كان صدام ذا عقلية سياسية متطورة تضع مصلحة العراق وشعبه وصيانة منجزاته ومكتسباته فوق اي اعتبار لما اقحم العراق في حروب طاحنة راح ضحيتها مئات الالاف , لكنه تبين انه غير ذلك ولم يستطع التخلي عن بدويته وعصبيته القبلية مما اضعف قدرته على تحليل لعبة اميركا السياسية في المنطقة ... فسرعته في اتخاذ قرار الوقوف بوجه مشروع الخميني لتصدير ثورته الإسلامية الى المنطقة العربية من خلال بوابة العراق كان خطأ فادحاً , فاشتعلت الحرب مع ايران والتي حصدت مئات الالوف من القتلى والجرحى والمعاقين من كلا الطرفين ...وبعد انتهاء الحرب لم يتعظ صدام من اخطائه , فقد اعتقد انه انتصر على قبيلة ايران فاقام الإحتفال { بهلهلة البنادق } كما كانوا الأقدمين يحتفلون اثناء غزواتهم , فبالرغم من معرفة الكثيرين انه تلقى دعما امريكيا مباشرا في هذه الحرب , لكنه توجه لغزو الكويت ضاربا بذلك كل الاعراف والقوانين التي تنظم العلاقات الدولية, { وسيبقى سر تورطه واسباب غزوه للكويت غامضا } .
لقد دفع بالعراقيين في حروب لا هدف لها سوى الهلاك فبدل ان يقاد العراق الى حياة هادئة ينعم فيها العراقيون بالأمان والخيرات ,قاده الى محرقة الموت , وهنا نؤكد ان مسؤولية ما لحق بالعراقيين يتحملها صدام شخصيا والبعض ممن عمل حوله فقط وفقط لا غير !
وهنا يجب القول .... هل يعقل ان يُستبدل زعيم دكتاتوري ليحل محله زعماء اكثر اخطاءا وفسادا وعنفا وطائفية وتزويرا للحقائق , والطامة الكبرى انهم هم يعترفون بذلك , وهل يعقل بان الديمقراطية التي وعدنا بها الأمريكان هي تقسيم الشعب الى قوميات وطوائف متناحرة تتقاتل فيما بينها للحصول على مكاسب آنية .
خلاصة ما نقول ان الانتخابات وكل ما يتعلق بسياسة الحاكمين الجدد فانها لا تعبر عن منهج ديمقراطي شفاف وعليه فان كل ما يبنى او يؤسس في ظل هؤلاء فهو ضحك على الشعب المسكين وعليه فاني اعتقد بان الحل الذي سيعيد العراق وشعبه الى الاستقرار لا يمر من خلال هؤلاء الحاكمين ولا من خلال نمط انتخاباتهم التي لا تجدي نفعا انما الحل يكمن في ...
اولا ..حل الحكومة وايقاف العمل بالدستور وبالقوانين التي استحدثت وبضمنها الغاء كل الهيئات والمؤسسات التي اسست بعد اسقاط النظام , وتشكيل حكومة طوارئ مؤقتة لتسيير شؤون البلد لحين الدعوة لعقد مؤتمر تحضره شخصيات معروفة مستقلة ومن اصحاب الكفاءات للتحضير لإجراء انتخاب برلمان عراقي جديد على اساس ترشيح فردي وليس على اساس قوائم تقدمها الأحزاب السياسية والدينية كما حصل في السابق , على ان يكون المرشحين من اصول عراقية ومن سكنة العراق حصريا , ومعروفين بتوجهاتهم الديمقراطية الرافضة للتغليب الطائفي او العنصري .
ثانيا .. سن قانون تشكيل الاحزاب ووضع شروط حظارية متمدنة لتشكيلها تتناسب مع التطور البشري نحو السلام والديمقراطية بعيدا عن التحزب الطائفي او الأثني .
ثالثا..تقوم حكومة الطوارئ بتسخير وسائل الإعلام العراقية الرسمية والشعبية وكافة تجمعات المجتمع المدني لنشر ثقافة التسامح ومد يد الأخوة والمحبة وصفاء النية ونسيان الماضي لكل من لم تتلطخ يداه بدماء العراقيين وفتح صفحة جديدة من الأمل والعمل الصادق لخدمة كل الشعب العراقي , والغاء كل المظاهر الإعلامية ذات التوجه الطائفي والمذهبي والتوجه لإشاعة ثقافة جديدة مبنية على اساس لا اكراه في الدين وان { الدين لله والوطن للجميع } .
واذا ما ارادت القوى السياسية الوطنية الفاعلة في العراق التوجه لإحلال السلام والإستقرار من خلال حكومة وطنية وبرلمان منتخبان بكل نزاهة وشفافية وكفاءة فالحل ليس بصعب انه يكمن في ما ورد في اعلاه.... والله من وراء القصد !
#ادورد_ميرزا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟