محسن صياح غزال
الحوار المتمدن-العدد: 780 - 2004 / 3 / 21 - 07:27
المحور:
ملف - اذار/ نيسان 2004 - مرور عام على الغزو/ الاحتلال الأمريكي للعراق وانهيار النظام البعثي الدكتاتوري
* تعاطفاً مع وجهة نظر عراقية *
وفي التأريخ دروس وعبر .. لمن يستفيد !
وهاهو العراق يفيق من جديد.. ينهض من كبوته مكابراً ومعانداً جور السنين وطغيان البشروالكوارث, يكسر قيداً
كبّله نصف قرنٍ .. ويتحرر! ولكن , هذه المرة أيظاً على ظهر دبابةٍ أجنبية .. قبطانها أميركي !!
هاهي أربعة عقود من الذبح الهمجي والبشاعات , لحكمِ الأنقلابيين الأوباش, يوم تسلّقت " عاهرة الأنقلابات" غفلة
الزمن , تندحر نحو الظلام ومزبلة التأريخ تلاحقها لعنة الملايين من العظام والأشلاء , الثكالى والأيتام والمشوهين,
ليتحرر العراق - ثانية- من أبشع وأعتى وأقذر أستعمار فاشي دموي , طائفي وعنصري مقيت .
عجيبٌ تأريخ هذا الوطن , المكتوب بالدم والعظام والأشلاء !
وغريبٌ نصيب هذا الشعب من العذابات والقهر والويلات ... والمفارقات !
غريبٌ وعجيبٌ أن يرزح هذا الشعب تحت نير أبشع وأقذر أستعمارَينْ , تخلفاً وهمجية ودموية عرفتها البشرية :
عثماني .. وتكريتي !! وعجيبٌ وغريبٌ أيظاً أن يتحرر هذا الشعب- في المرتين- بذات الوسيلة , بشراً وسلاحاً وآيديولوجيا .. غريبة وأجنبية !!
فالأستعمار العثماني الباشوي البغيض الذي تسلّط على رقاب العراقيين قروناً , وعاملهم كقطيع الغنم , حكماً دينياً
طائفياً متخلفاً , مارس القتل والأبادة والتفرقة العنصرية والأذلال, حكماً لصوصياً جاهلاً وبربرياً لايفهم غير الغنائم
والجنس ... والزكاة ! . وكان أكتشاف النفط في العراق, ما أسال لعاب التاج الأمبراطوري , الهدف المقصود لأحتلال العراق و "تحريره" من براثن الرجل المريض الذي كبت على أنفاس العراقيين قروناً أذاقهم فيها مرّ
الويلات والمآسي والشناعات . وجاء الرفض مبكراً لهذا – المحرر.. المحتل- فكانت ثورة العشرين وما تلاها من
تمردات وهبّات وأنتفاضات شملت أغلب مناطق الجنوب والوسط وبتحالف شيوخ العشائر ورجال الدين وأحزاب
وطنية وبرجوازية ناشئة , وما أفرزته تلك الأحداث من صناعة حكومة تابعة ومقيدة تأتمربأمر التاج البريطاني ,
هكذا ولدت أول حكومة ملكية في العراق .. على ظهر دبابة بريطانية !
وحيث لم تفِ هذه الحكومة بمتطلبات الأستقلال والتحرر الوطني, وحيث تم تكبيلها بمعاهدات وبروتوكولات ظالمة
وجائرة ولصوصية , وتنفيذاً وتماشياً مع اوامر التاج في لندن , مارست الأعتقالات والسجن والتعذيب والمطاردات
والأعدامات وقمع التظاهرات وكبح الحريات الأساسية للعراقيين , ورغم كل ذلك فقد كان يُنظر لهذه الحكومة على
أنها أرحم ألف مرة , ومنقذاً من حكم الباشوات الظلامي الطائفي السلفي الجاهل المتخلف !!
قُبِرَتْ تلك التجربة الأولى ل" التحرير " وقضي على حكم التاج وصنائعه العراقيين, بولادة حكم جمهوري وطني
ببذلة عسكرية وعلى ظهر دبابة وطنية عراقية . ولم تتوفرلهذا الحكم سبل الأستقرار والدوام , حيث باشرت فلول
الفاشية واليمين الرجعي العربي وكارتلات النفط الأمبريالي الخاسرة النفوذ والسطوة على نفط العراق, بنسج خيوط
المؤامرة والأنقضاض على الثورة الفتيّة بعد عمر قصير من عدم الأستقرار والدسائس والمؤامرات .
وهكذا تسلّقت الفاشية القومية- البعثية ظهر الصراعات والأخطاء والأنحرافات , ليكتم على أنفاسنا وأرواحنا أستعمار أكثر بشاعة وسادّية ودموية من حكم الباشوات العثماني !! نظام فاشي طائفي وعنصري , مارس قانون
الموت وشريعة الذبح وفرمانات الأبادة منذ اللحظة الأولى لليلة 8 شباط 63 المظلمة المقيتة , بحق الشيوعيين واليسار وأهل الدين والقوميات والأعراق العراقية بلا حساب ولا وازع من ضمير أو أخلاق . ذبحوا النهر والشجر والنخيل , حرقوا الزرع والضرع , صلبوا الشيخ واليافع والجنين !!
فهل أضعنا – كما يتساءل البعض- فرصة ذهبية لم نحافظ عليها ونطورها ونُديمها ونرتقي بها , فرصة " تحريرنا"
من حكم الجندرمة القرقوشي السلفي الطائفي المتخلف على يدِ أبو ناجي ؟
اليوم وبعد أن ولّى نظام الجريمة والدم والمقابر الى غير رجعة , دبّت فلول الفاشست الخاسرين من جحورها وتحالفت بيادق الأرتزاق , الأبواق وفضائيات السحت والكوبونات, وهاجت قطعان السلف من كهوفها المظلمة
العفنة , وتململت كراسٍ وعروش طالها النخر والعفن , تتنادى للثأر من " المحتلين " الذين بادروا- للمرة الثانية-
لتخليص وأنقاذ شعب غرق في بحيرات الدم وظلمة القبورومتاهات المنافي , على يدِ نظام البداوة والجهل والعنصرية الفاشي التكريتي المقبور !
وبأستثناء شعبنا الكردي , الذي ذاق الأمرّين من بطش وتنكيل وأبادة على يدِ النظام الأعوج المقيت , فقد وقف
الضحايا مذهولين مترددين , قلقين وحائرين بين فرصة التحرر من نظام المسالخ البشرية والقبور والمجازر ..
وبين رؤية جيش أجنبي يحتل الشوارع والأزقة والمدن – لكنه كان المنقذ والمحرر !! بين أناس رأوا في الحرية والأنعتاق من ربقة الأوباش والمعتوهين , حياة كريمة وكرامة .. ووجود , وبين آخرين فضلوا الأنزواء والأنضواء
خلف الأسوار والحرس الشخصي ... والفتاوى ! ليستعيظوا عن الحرية والخلاص والأنعتاق , بمراسم الدروشة
واللطم والتطبير !!
فهل نعيد الكرّة ونقف رافضين ومعترضين أم متفرجين وحائرين أم عائقاً وحجر عثرة في طريق أعادة بناء وطن
من الأطلال , بلا أمتنان وعرفان بالجميل !! لمن أزاح عنا كابوساً مرعباً وطاغوتاً شيطاني , وبذا نعيد الأعتبار
لنظام الجريمة والثاليوم والغازات السامة والقتل الجماعي ! وهل شعورنا بالخجل لكون " محررنا " أجنبي يدفعنا
لقتل البشر بلا تمييز, كما يفعل الأوباش والحثالات السلفية والبعثية والعربوية في مدننا وعتباتنا ومساجدنا ؟؟
يقيناً أن موقفاً أنعزالياً متردداً وأنتهازياً تجاه حالة التحرر والخلاص من الكابوس العفلقي المقيت وعدم ضبط وتوجيه حركة الشارع الأسلامي والشعبي, الديني والعلماني , والأكتفاء ببيانات الأدانة والشجب والأعتراض
والخطب والفتاوى , سوف يتيح المجال واسعاً لفلول القتلة والمرتزقة والظلاميين , للحركة والتسلل وتنفيذ أجرامهم ومجازرهم الدموية بحق شعبنا , قيادات سياسية ودينية, جماهير ومؤسسات, أسواق وشوارع .
لابد – من وجهة نظري – الألتفاف حول الحكومة الناشئة المؤقتة وحماية أجراءآتها وخطواتها وأنجازاتها ,وتعميق
وتوثيق وحدة الجماهير العراقية وتوعيتها وتوجيهها بما يخدم حماية الأنجازات التي تحققت وأجتثاث كل بؤر الأرهاب والتخريب والجريمة, حتى لايعود عصر الظلام والأذلال , ولابد من التعاون مع " المحررين" لتأمين
حريتنا وكرامتنا وأدامتها وبناء وتطويربلدنا وتمهيد الطريق لقيام حكومة ديموقراطية قوية وقادرة على حماية الوطن والمواطن وقطع دابر الأرهاب والجريمة , حكومة تعيد الأمن والأمان والطمأنينة وتسرع بتعمير وطننا
وتحسين حياة شعبنا . لم يكن بمقدور شعب مذبوح ومستباح مقيد ومكبل , ينوء تحت وطأة الأبادة والتقتيل والقبور,
الأقبية والسجون والمنافي , أن يحطم ويقتلع أعتى ديكتاتورية فاشية همجية عرفها التأريخ بدون آلة حربية جهنمية
خارجية , وهذه حقيقة لا تحجبها مشاعر الكره للأحتلال , فهل نضيّع فرصة ذهبية قد لاتتكرر أبداً , ويضيع الخيط والعصفور, بدلاً من أستغلالها لمصلحة وطننا وشعبنا ومن ثم بعدها يكون لشعبنا وسلطتنا المنتخبة , حديث آخرمع
الأحتلال بطرق سلمية تكفلها الأعراف والمواثيق الدولية ؟
#محسن_صياح_غزال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟