حمزة رستناوي
الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 00:43
المحور:
القضية الفلسطينية
تجبرنا المجازر الصهيونية التي ارتكبت في غزة مؤخراً على إعادة طرح كثير من الأسئلة تتعلق بآفاق وحلول الصراع العربي الإسرائيلي
و في هذه الدراسة : سوف نحاول مقايسة صلاحيات الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية."القومية الصهيونية"
و بداية أنوِّه بأنه سوف تتم مقاربة "الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية " في هذه الدراسة من منظور المنطق الحيوي , و يمكن اعتبار هذا العمل من ضمن نتاجات مدرسة دمشق للمنطق الحيوي"1"
A: الأسس النظرية للمنهج المستخدم
سوف أعرض الأسس النظرية –باختصار- للمنهج المستخدم قبل الدخول في مقايسة الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية "2"
A1 : يمكن النظر إلى الكائنات كرموز ذات معاني و دلالات يتم توظيفها في سياقات و تشكيلات, و يمكن قراءتها بوصفها مصالح , و بدل من التركيز على المعاني و الدلالات و لكونها ملتبسة, يمكن مقايسة المصالح المرتبطة بهذه الدلالات / الأشكال التعبيرية.
A2 : المصلحة و الصلاحية لا تتجسدان في الفراغ, و لا هما تعبيرين مجردين و لكن الصلاحية تتجسد في الحياة و عبر لغة التواصل البشري , و بالتالي يتم مقايسة و تقييم المصالح بناء على صلاحيتها لمعايشة الكائن/ الإنسان لأبعاد وجوده , و تحسينها باتجاه الأكثر حيوية.
A3: "لا يوجد فكر حيوي أو فكر غير حيوي,بل يوجد فكر أكثر أو أقل حيوية , بحسب معايير نظرية و عملية, و لهذا فان وحدة الفكر الحيوي عبر التاريخ لا تظهر بأحادية أشكال التعبير عنه..بل بتنوع صيغ التعبير, بتنوع الظروف و الضرورات الحيوية الموجهة و المعاشة ..و التنوع –هنا- يؤكد وحدة القانون الذي يوجهها فتعبر عنه و من خلاله""3".
A4: كل كينونة هي شكل/ طريقة تشكل , و هي صيرورة حركية احتمالية نسبية, و كل كينونة تملك طرائق تشكل متعددة, منها ما هو أكثر أو أقل صلاحية من بعضها البعض.
A5 : التطابق بين الكائنات مجرد وهم , و الاختلاف هو بداهة وجودها كأشكال , لا نقصد بالشكل هنا نقيض المضمون أو الجوهر أو المادة, بل نقصد مفهوم الشكل
فحتى الجوهر أو المضمون أو المادة هي شكل بمعنى شكل/ طريقة تشكل .
انتهى.
B - عرض موجز لتطبيق المنطق الحيوي على الفئوية القومية الصهيونية
قبل مقايسة حيوية" الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية", سأثبت عرض موجز في الهامش لمبادئ المنطق الحيوي في مقايسة "الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية" و التي يمكن تعرفها بشكل واضح في كتاب الدكتور رائق النقري حول الموضوع , حيث عالج مسألة الهوية القومية العربية والصهيونية بوصف كل منها بمثابة شكل حركي في صيرورة حيوية احتمالية و نسبية "4"
و سأنتقل الآن لعرض المقايسة الحيوية للظاهرة الفئوية القومية الصهيونية
B1: الفئوية القومية الصهيونية هي شكل وليست جوهر, وكل كينونة هي شكل/طريقة تشكّل .
الفئوية القومية الصهيونية هي طريقة تشكل,للفكر اليهودي, و لكنها طريقة تشكل تقوم على ادعاء مصالح جوهرانية ثابتة, تدعي حق لليهود في إقامة وطن قومي خاص بهم في فلسطين , و تمنع الفلسطيني من إقامة وطن قومي خاص به في أرضه التي عاش و يعيش عليها, تدعي حق أي يهودي في العالم أن يصبح مواطنا إسرائيليا بمجرد أن يدخل بوابة العبور في المطار و تمنع الإنسان الفلسطيني من أن يصبح مواطنا في دولة, بل و تصادر حقه في إقامة دولته و ممارسة حقوقه السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في أرضه.
فالفئوية القومية الصهيونية تقوم على منطق جوهراني ثابت تبرر بناء عليه ازدواجية المعايير و الممارسات العنصرية تجاه الفلسطينيين و العرب و كل من يختلف من لا يشاركها أو يوالي هذا مصالح هذا المنطق الجوهراني العنصري.
B2: الفئوية القومية الصهيونية صيرورة حركية ,مرت بعدة مراحل ابتدءا من المشروع الفكرة و ظهور الصهيونية الحديثة في القرن السابع عشر الميلادي وظهرت الصهيونية علنا إلى العالم كحركة سياسية تدعو إلى تجميع اليهود في وطن واحد خاص بهم وظهر هيرتزل كزعيم لهذه الحركة وبقيادته عقد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة بال بسويسرا سنة 1897م"5". و في مراحل مبكرة البحث عن خيارات جغرافية لتحقيق مقولة الوطن القومي من ضمنها فلسطين , و من ثم وعد بلفور و حركات الهجرة و التحالف مع المشروع الاستعماري البريطاني و من ثم إعلان قيام دولة إسرائيل 1948 و من ثم احتلال الضفة الغربية و سيناء و الجولان 1967 و من ثم حرب تشرين 1973و تحرير جزء من الجولان و ثم استعادة سيناء للمصريين عبر اتفاقية كامب دبفد 1978 و ثم اجتياح جنوب لبنان 1982 و القضاء على المقاومة المسلحة في لبنان, و من ثم الانتفاضة الأولى و اتفاقيات أوسلو و رجوع عرفات إلى الأراضي الفلسطينية 1994 ..من ثم اضطرار إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان و من ثم انسحاب الاسرائليين من عزة و تفكيك المستوطنات منها ..الخ
ما قصدته من هذا العرض المعروف من قبل الجميع هو أن الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية صيرورة حركية وجدت في التاريخ البشري ابتداء من زمن معين و تعرضت في تاريخها إلى العديد من الانجازات و الإخفاقات إلى ما وصلت إليه الآن
فلا يجوز أن نجمد الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية في لحظة معينة أو قول معين أو وثيقة معينة أو تصور تاريخي معين هي صيرورة حركية .
B3: الفئوية القومية الصهيونية صيرورة احتمالية
ما قصدته هنا هو أن القومية الصهيونية هي احتمال و إمكانية من إمكانيات الفكر القومي بشكل عام فكرة الدولة الأمة , و ظروف نشأت الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية في أوربا كانت مواكبة لازدهار الفكر القومي .
و إن طرائق تشكل الفكر السياسي اليهودي كان مفتوحة على احتمالات متعددة ضمن المجتمع اليهودي منها الفئوية القومية الصهيونية و منها تيارات ترى ضرورة الاندماج في سكان المجتمعات الأصلية ""6, و هذا يتعلق بطرائق تشكلها في الواقع و اللحظة التاريخية ؟
فلو انتصر العرب مع حرب تشرين مثلا ً لكان مصير الحركة الصهيونية مختلف و كذلك لو كان الأداء السياسي للفلسطينيين أفضل و ضمن إطار المصلحة الوطنية الموحدة بعيدا عن الحرب الأهلية الفلسطينية لكان ذلك مؤثرا في طرائق تشكل الفئوية القومية الصهيونية على سبيل المثال, و كذلك لو تدخل العرب بشكل فاعل و في مفاصل تاريخية كثيرة لصالح الشعب الفلسطيني لأثر ذلك في احتمالات طرائق تشكل الفئوية القومية الصهيونية و كبح من جماح عنصريتها.
فطرائق تشكل الفئوية القومية الصهيونية يتأثر بالوضع الدولي و العربي و الفلسطيني , و يتأثر بالعوامل الاقتصادية و السكانية و الجغرافية القيادية و الإدارية و العقائدية بل إن الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية هي نتاج تفاعل هذه العوامل المختلفة , و أي تغير في أي واحد من هذه العوامل سيؤثر على الفئوية القومية الصهيونية و طرائق تشكلها و من ثم تعبيراتها . فليست الفئوية القومية الصهيونية استثناء للقانون الحيوي ,بل هي مثل غيرها كأي قومية , بل و أي كينونة
B4: القومية الصهيونية صيرورة نسبية
حيث يمكن النظر إليها عبر مناظير متعددة, بعضها أكثر أو أقل موضوعية من بعض, فالمواطن الإسرائيلي الذي قدم من الحبشة من بلاد الفقر و الجوع و أصبح الآن يملك منزلا فارها ً في إحدى المستوطنات و مستوى حياة و مكاسب معين سوف يتبنى تصور مختلف كثيرا حول الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية عن الفلسطيني الذي قتلت عائلته في غارة للطيران الإسرائيلي على منزلة.
و القومية الصهيونية تعني أشياء مختلفة لكل من اليهودي الصهيوني ,و اليهودي غير الصهيوني , و كذلك تعني أشياء مختلفة لكل من المسلم و المسيحي و غير المتدين؟
و تعني أمر مختلف للفلسطيني الذي يعيش تحت الاحتلال في غزة و يتعرض للإبادة الآن , عن الفلسطيني الذي يعيش في الضفة الغربية و لا يتعرض للقصف و النار, عن الفلسطيني الذي يشارك في مظاهرات سلمية منددة في ستوكهولم و عن الفلسطيني في مخيم اليرموك في دمشق..الخ
و المسلم الذي ينظر إلى الفئوية القومية الصهيونية كامتداد ليهود يثرب و يتبنى وجهة نظر اعتمادا على النصوص المقدسة, يختلف عن المسيحي الذي ليس لديه –على الأقل في الذاكرة الجمعية التاريخية – مثل هذه النصوص المقدسة و التجربة التاريخية؟ و يختلف عن الذين ينظرون إلى القضية الفلسطينية من منظور سياسي و قضية شعب تعرض للظلم و الاضطهاد ..الخ
C: دعونا الآن نتقدم خطوة إضافية في مقاربة صلاحيات الفئوية القومية الصهيونية من خلال الأمثلة
كل كينونة تملك طرائق تشكل متعددة, منها ما هو أكثر أو أقل صلاحية من بعضها البعض
و لنأخذ الفئوية القومية الصهيونية و طرائق تشكلها ضمن المجتمعات اليهودية مثلا ً.
لتصبح العبارة على الشكل التالي:الظاهرة الفئوية القومية الصهيونية تملك طرائق تشكل متعددة منها ما هو أكثر أو أقل صلاحية من بعضها البعض؟
و الأكثر أو الأقل صلاحية هي بدلالة الواقع و معيارهُ الصلاحية في الحياة و ليس الصلاحية النظرية المجردة
فهل يمكن الحديث عن صلاحيات للفئوية القومية الصهيونية ؟ أم أن السؤال منذ البداية يحمل مغالطة كبير؟؟!
أتفهم الاعتراض التالي : إن القومية الصهيونية تستند في دعاواها إلى مرجعية منافية للبرهان تلزم الآخرين و تمارس ازدواجية المعايير, و بالتالي هذه القومية الصهيونية غير صالحة . و هنا تنتهي القضية؟!
: C1المرجعية المنافية للبرهان: كون دعواها إلى تجميع اليهود في العالم في فلسطين تستند إلى مرجعية عقد فئوي يهودي مستوحاة من الكتاب المقدس لديهم "أسفار العهد القديم و التلمود" و هذه المرجعية تنافي مرجعية البداهة الكلية و المنطق البرهاني؟ فوجود مجموعة من البشر في تاريخ معين في بقعة من الأرض لا يمنحهم الحق في ملكية هذه الأرض و إقامة وطن قومي لهم عليها
و كذلك لو سلَّمنا جدلا ً بنصوص العقد الفئوي اليهودي, و نظرنا إليها من زاوية التعاطف الايجابي ,تبقى هذه النصوص محكومة بتاريخية معيَّنة, و لا يجوز استحضارها إلى تاريخ آخر , فهل اليهودي اليوم هو المَعني بحوادث تاريخية تعود إلى آلاف السنين فيما مضى ؟ و هل اليهود اليوم هم نفسهم بني إسرائيل كما ظهروا في التاريخ, و هل يحاسبون بجريرتهم ؟! و هل نحن معنيين بتبعات حوادث جرت منذ أكثر من ألف عام ,فلا تزر وازرة وزر أخرى؟!
فأجداد العرب الذين سكنوا الأندلس لعدة قرون هم غير العرب الآن ,و لا يجوز للعرب المطالبة بحقهم في الأندلس لمجرد أن أجدادهم سكنوا في تاريخ معيين الأندلس؟
C2 : مرجعية تعميمية ملزمة الآخرين : الصهيونية تلزم الآخرين بمصالحها , فتقوم بتهجير أصحاب الأرض و تمارس تجاههم سياسات تميزية ,ترفض أن تُمارس على اليهود الصهاينة؟!
فلو فرضنا يهودي ألماني عاش في زمن ألمانيا النازية : و فرضت عليه السلطات الألمانية مغادرة منزله أو تهديده بالقتل فهل سيكون سعيدا بهذا؟
فمن يرفض أن تمارس عليه ازدواجية المعايير ,عليه أن لا يمارس أو يبر ر ازدواجية المعايير ؟
..............
......
"1" مدرسة أسسها الدكتور رائق النقري عام 1967 عقب الهزيمة العربية الشاملة في نكسة حزيران, تقوم على مفهوم الشكل الحيوي كطريقة لتفهم الوجود , و تؤمن بإمكانية تطوير صلاحيات الكائن بالاستناد إلى منطق البداهة الكلية للمصالح المشتركة.
"2" راجع مقال بعنوان "العقيدة شكل العقيدة مصلحة "كلنا شركاء 5/7/2008" و دراسات أخرى على رابط مدرسة دمشق للمنطق الحيوي
http://www.damascusschool.com/page/hamza.htm
"3" المنطق الحيوي :عقل العقل" أطروحة دكتوراه " 1987 – د رائق النقري –ج1 باريس ص69
"4" : راجع كتاب " هوية القومية العربية "و" هوية القومية الصهيونية" – د رائق النقري- اصدر عام 1971و 1972 على التوالي عن مطبعة العلم – دمشق , حيث يعرض المؤلف وجهة نظر مدرسة دمشق المنطق الحيوي التي تقوم على أن القومية لا تشكل جوهرا ثابتا بل هي حالة متغيرة, و هي كهوية فئوية ليس لها قيمة ايجابية أو سلبية بحد ذاتها , بل تقترن قيمتها بقيمة حيويتها التوحيدية والاحتوائية إنسانيا .. وذلك لكون الهوية القومية كغيرها من الظواهر الاجتماعية والكونية ليست شكلا جوهرانيا ثابتا, بل هي شكل حركي بدلالة الصيرورة الحيوية لأبعاد تشكلها الثمانية : (الأرض -الزمان – المكان- السكان- العمل- العقيدة- الإدارة- القائد...) وبدلالة احتمالية تفاعل الظواهر المشاركة في الصيرورة الحيوية و بدلالة نسبية المجال الاجتماعي التي تتحوَّى قيمه ما في مجتمع محدد ..
ويحاول الكتاب البرهنة على وجود الأبعاد الثمانية في شتى الظواهر الاجتماعية . .. ومنها الهوية الفئوية القومية بوصفها محصلة الأبعاد الثمانية وظواهر أنساقها ... ولكن وزن كل منها ليس متساويا .. بل متفاوتا بحسب ظروف التحوِّي الفئوي ومعطياته المحددة..
"5" افتتح هذا المؤتمر هر تزل سنة 1897م ويمكن أن نلخص قرارات المؤتمر فيما يلي
- وضع هذا المؤتمر برنامج الحركة الصهيونية التي تتمثل في استعادة (مملكة إسرائيل) لحدودها التاريخية وإعادة تكوين الشعب اليهودي وطنه القديم.
- وضع أسس المنظمة الصهيونية العالمية .
- أوصى المؤتمر بالتدبير التالية لتحقيق الهداف الصهيونية:-
- تنمية حركة الاستعمار اليهودي في فلسطين بطريقة عملية منظمة.
- إيقاظ الوعي القومي بين يهود العالم .
- القيام بالسعي لدى الحكومات المختلفة لتأييد كفاح اليهود لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية .
- تنظيم العناصر اليهودية وتوثيق الروابط بينها بإنشاء المؤسسات المحلية والدولية وفقا للقوانين المرعية في الدول المختلفة .وفي هذا المؤتمر وضع شعار العلم اليهودي والنشيد القومي وتأسست الهيئات الصهيونية العالمية., يقول هيرزل :- لو طلب إلي تلخيص أعمال المؤتمر فأني أقول بل انادي على مسمع الجميع إنني قد أسست الدولة اليهودية.
"6": مثل حركة ماندلسون اليهودية الاصلاحية القائمة على تذويب الفورق و الترسبات الخلافية بين اليهود و محيطهم بهدف تأمين استمراريتهم, و قد تحدث سيغمون فرويد في كتاباته عن هذه الحركة منذ القرن التاسع عشر .
#حمزة_رستناوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟