أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - باقر جاسم محمد - الدولة و السلطة والعشائر العراقية















المزيد.....

الدولة و السلطة والعشائر العراقية


باقر جاسم محمد

الحوار المتمدن-العدد: 779 - 2004 / 3 / 20 - 07:21
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


يحظى البحث عن سبل الخلاص من المتاهة السياسية التي ينزلق إليها العراق أهمية خاصة ، وذلك نتيجة عقابيل الممارسات السياسية المغلوطة التي سادت البلد منذ أكثر منذ خمسة وثلاثين عاما ، و ما خلفته الحروب الصدامية من دمار شامل ، و ما آلت إليه من احتلال بغيض . ويسهم كثير من أبناء العراق في حوار دائم للوصول الى صوغ رؤيا سياسية شاملة تمكن البلد من النهوض مرة ثانية و ترسم مباديْ وأسس صالحة لقيام دولة عصرية خلفت وراءها توا مرحلة من أصعب المراحل و هي تنهض من رمادها كما نهضت بلدان أخرى مثل اليابان و ألمانيا . و ليس ذلك بالمستحيل إذا كانت هذه الممارسة الفكرية تلتزم أصول الحوار المعرفي و أخلاقياته . ولسوف نناقش هنا الأطروحات التي تريد للدولة العراقية المأمولة أن تستند على أسس عشائرية و قبلية . و هي رؤيا تستمد أهميتها ليس من عمقها أو من أرجحيتها بل من الواقع الموضوعي الذي نتفق جميعا على أنه واقع كارثي معروفة أسبابه، وقد أخترنا للمحاورة أحد البرامج التي ناقشت هذا الموضوع .
عرضت قناة الجزيرة حلقة من برنامج "الاتجاه المعاكس" بتأريخ 2/3/2004 و استضافت فيه كلا من الشيخ حميدى الجربة الذي يتولى الدعوة الى تولي القبائل و فروعها من العشائر سدة الحكم وكان الضيف الثاني هو الأستاذ علي الذي دافع عن أطروحة تولي الأحزاب السياسية السلطة. و لست هنا في مقام الحكم على قناة الجزيرة أو نواياها من طرح هذا الموضوع و بالطريقة التي طرح فيها أو الحكم على السيد فيصل قاسم ولكنني أردت أن أجلو بعض أوجه الحقيقة التي غابت عن البرنامج .
لقد ذهب الشيخ حميدي إلى أن حل المسالة العراقية بكل ما تنطوي عليه من تعقيدات إنما يكمن في إعطاء الحكم للقبائل أو العشائر العراقية. كما زعم أن الحل السياسي لهذه المسألة عبر مجلس الحكم أو عبر الأحزاب السياسية لا يمثل منطلقا سليما لنظام حكم سياسي جديد في العراق. , أضاف إلى ذلك بأن الكثير من المشكلات التي تدخل فيها عشائريا قد حلّت بأيسر السبل. و أود هنا أن أناقش هذه الأطروحة مع تقديري لحسن نية الشيخ حميدي و لجهوده في سبيل خدمة القضية العراقية.فأقول:
أولا: المعروف أن الفلسفة السياسية تطرح عدة نماذج للحكم مستخلصة من التجارب السياسية للبشرية جمعاء مثل الحكم الملكي الدستوري و الحكم الملكي المطلق و الحكم الجمهوري الرئاسي و الحكم الجمهوري البرلماني. و لا أعتقد أن أحدا قد قال بالحكم الملكي القبلي خصوصا إذا ما أخذنا طبيعة المجتمع العراقي و المراحل الحضارية التي قطعها عبر آلاف السنين إذ لا يعقل أن نختار لحكم العراق نظاما لدولة قد خرجت توا من مرحلة التكوين القبلي وهي مرحلة جنينية من أشكال التنظيم السياسي للدولة و نطبقها على الدولة العراقية المنشودة. فكيف نواجه بدايات القرن الحادي و العشرين بنمط سياسي متخلف مثل الدولة القبائلية؟ أننا نؤمن أن البدايات الصحيحة تؤدي إلى نهايات صحيحة.و لذلك نرى أن نظاما سياسيا يستند على قواعد فقهية قانونية و سياسية سليمة و يعتمد على دستور دائم و أحزاب سياسية و برلمان ذي سلطات تشريعية حقيقية و صحافة حرة و مؤسسات مجتمع مدني في إطار من مبدأ التداولية في السلطة و عبر صناديق الاقتراع , كل ذلك يمثل البداية الصحيحة المرجوة .
ثانيا : إن العشائر هيئات اجتماعية و ليست سياسية و هي هيئات تتجاوز حدود الدولة . و هي يمكن أن تلعب أدوارا اجتماعية حين تضعف الدولة فالناس تلجأ إلى القبائل بحثا عن الحماية حين تعجز الدولة عن حمايتهم . و لكن القبائل و العشائر ليست بديلا للدولة . لذلك كله فأننا نحترم القبائل و نعتقد بأن لها أدوارا اجتماعية تقوم بها و لكنها أي القبائل لا تصلح قطعا لإقامة نظام سياسي حديث.
إن فحص سياق العلاقة التاريخية بين القبائل العراقية و السلطة تظهر الآتي : كانت بعض القبائل معروفة بموالاة السلطة سواء أكانت هذه السلطة عثمانية أو بريطانية محتلة أو ملكية أو عفلقية صدامية .
لكن بعضا من القبائل عرفت بتصديها للظلم و السلطات الجائرة مهما كان نوعها سواء أكانت هذه القبائل عربية أم كردية . و مثل هذه الأمور موثقة تاريخيا و لسنا بصدد إثارتها . و لعل الفترة الأخيرة من حكم الطاغية قد شهدت انزلاق الكثير من القبائل إلى الوقوع في شرك النظام البائد و تحولت هذه الى ذراع أمني للنظام البائد لقاء مغانم معينة ولقد شهد العراقيون جميعا أعدادا غفيرة من شيوخ القبائل و هي تقسم يمين الولاء لصدام و لعلنا لا ننسى اللافتات التي تقول " عشائر آل …… سيوف بتارة بيد القائد المنصور بالله( ولكن الله سلط عليه من يهزمه و لو كره المنافقون ) .
ثالثا : لقد عرض الشيخ حميدي لتجربته الشخصية في حل المنازعات من خلال الوساطات العشائرية. و أمر محمود له . و لقد قام كثير من الناس بجهود مماثلة و لكن هل يصح أن نشتق من تجربة الشيخ حميدي نظاما سياسيا؟ إن القبائل قد لعبت دورا في حل المنازعات لغياب القانون و دولة المؤسسات . و كان ذلك في زمن الطاغية الذي عمل على تفعيل دور القبيلة و عطل عمل القوانين لكي يتيح دورا للعشائر. و لقد أدى ذلك إلى تفشي الجريمة نظرا لإمكان التهرب من العقوبة القانونية بدفع الدية أو العوض المادي .و كانت القبائل الكبيرة هي المستفيد الأكبر من هذا الوضع. إذ كان أمر الدية هينا عليها . كما أن عدم القبول بالدية كان يقترن بالتهديد الضمني بأن عدم قبولها سيؤدي إلى ما لا تحمد عقباه من أمور و كانت الضحية في هذه الحالة من القبائل الصغيرة التي لا تستطيع الوقوف بوجه القبائل الكبيرة و المتنفذة في الدولة. و فضلا عن ذلك فأن القبائل كانت تحتكم إلى ما يسمى بالسانية . والسانية مجموعة أعراف قبلية غير مدونة و تخضع لمرونة عالية في التفسير حسب الوقائع و حسب قدرات المتحاورين. و هكذا صار لدينا ازدواجا تنفيذيا و قضائيا و قانونيا.
و من بديهيات علم الاجتماع السياسي أن تفعيل القانون هو أحد معايير تقدم و رقي الدول.
رابعا: لقد أشار الشيخ حميدي إلى تجارب الخليج في إنشاء الدولة على أساس قبلي و لا سيما في المملكة العربية السعودية. ونود أن نقول أن السياق التاريخي لتشكل النظام السياسي في السعودية قد شهد صراعا دمويا أدى ؛ و بعد عقود من الحروب الطاحنة؛ إلى أن يؤول الأمر إلى الأسرة الحاكمة
الحالية. كما أن النظام السعودي الحالي يشهد حالة عدم رضا و نقدا داخليا يأتي من أطراف كثيرة لعل من بينها أعضاء بارزين من الأسرة الحاكمة كما يتجسد ذلك في آراء الأمير طلال بن عبد العزيز. فكيف نطبق أنموذجا لا يرضى عنه أصحابه؟ و يمكن أن نضيف مثلا آخر من الدول التي تلعب القبائل فيها دورا أكبر مما ينبغي و ذلك في اليمن التي تعاني كثيرا من دور القبائل الذي يعيق عملية تطور الدولة بشكل جوهري . فهل لنا أن نطمح و نتطلع إلى نظام سياسي أكثر رقيا و استجابة لتطلعات الشعب العراقي من تلك الأنظمة ؟
خامسا : قال أحد المتداخلين هاتفيا أن القبائل قد تطورت فقد صار من أبنائها أطباء و مهندسون و محامون و قضاة ( و هنا أوافقه على ذلك . بل و أضيف إلى ذلك الضباط و السفراء و الوزراء والفقهاء ) و لكن ذلك هو تطور لأبناء الشعب و أبناء الدولة و ليس تطورا للقبيلة التي تمثل نظاما سكونيا مغلقا.. كما يفترض أن تؤول قدرات هؤلاء إلى الدولة التي علمتهم و وأرسلتهم في بعثات علمية و ليست القبيلة هي من فعل ذلك.و من الحقائق التي لا ينكرها أحد أن أبناء العراق ينتمون إلى قبائل مختلفة . فكيف يتم تجيير هذه الحقيقة للقول بأن ذلك يمثل تطورا للقبيلة ؟
سادسا: إن التنوع العرقي للشعب العراقي كبير جدا . وهو تنوع يدل على الخصوبة . فهنالك عرب و أكراد و تركمان و شيشان و أتراك( وهم غير التركمان ) و فرس و أرمن و أفغان وسواهم . و لقد أكتسب هؤلاء حق المواطنة بالعيش المتواصل في العراق لقرون عديدة و بعضهم لعقود مثل الأرمن و الشيشان الذين هم بقايا الجيش القيصري في الحرب العالمية الأولى. إن النظام المبني على دور جوهري للعشائر لا يضمن مثل هذه الحقوق . بل أن نظاما قائما على المواطنة بوصفها حقا لا منحة وبوصفها و لوحدها ضامنة لكل حقوق المواطن هو ما يمكن أن يصلح لحكم العراق .
سابعا : إن المسعى لإعادة القبائل إلى واجهة العمل السياسي سيؤدي الى " ترييف " ( و الترييف يعني تحكم العقلية الريفية بالبنية السياسية للدولة) الدولة الجديدة. و إذا كنا قد عانينا الأمرين من الترييف الذي مارسه صدام سابقا ؛ فهل نخدع مرتين؟
ثامنا : إن العلاقة بين دور الدولة و دور القبائل هي علاقة عكسية . فكلما زاد دور الدولة تقلص دور القبيلة و العكس صحيح أيضا. و إذا كان دور الدولة قد تلاشى نتيجة انهيارها في الحرب الأخيرة فإن ذلك لا يعني العودة النهائية إلى دور القبيلة . أما الجهود الطيبة لشيوخ القبائل فأنها مهمة و مطلوبة و لكنها ليست بديلا للدولة الحديثة المبنية على أسس سليمة من دستور دائم يضمن المشاركة السياسية للجميع وبرلمان حقيقي و محكمة دستورية عليا و أحزاب سياسية و صحافة حرة
و مؤسسات مجتمع مدني و تداولية للسلطة عبر صناديق الاقتراع . فهذه المؤسسات هي الضامن لنهضة حقيقية للبلد.
أخير أود القول أنني لا أشك مطلقا بنبل مقاصد الشيخ حميدي؛ لذلك أرجو أن يتقبل مني هذه المناقشة العلمية فكلنا نريد الخير لعراقنا الحبيب.



#باقر_جاسم_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراقيون وحقوقهم بين الأمس و اليوم
- أخلاقيات الحوار و شروطه المعرفية


المزيد.....




- آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد ...
- الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي ...
- فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
- آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
- حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن ...
- مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
- رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار ...
- وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع ...
- -أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - باقر جاسم محمد - الدولة و السلطة والعشائر العراقية