|
تداعيات أحداث 16 ماي الدامي تلقي بظلالها على المؤتمر مر الوطني الخامس لحزب العدالة والتنمية المغربي
مصطفى عنترة
الحوار المتمدن-العدد: 779 - 2004 / 3 / 20 - 07:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مما لاشك فيه أن نتائج المؤتمرالوطني الخامس لحزب العدالة والتنمية ستكون متأثرة بتداعيات الأحداث المؤلمة التي عرفتها بلادنا في 16ماي من السنة الماضية، وهي التداعيات التي أثرت في ما قبل مباشرة بعد وقوع تلك الأحداث على موقع هذا الحزب، وذلك نتيجة تحميل قطاع واسع داخل المجتمعين المدني والسياسي قسطا من المسؤولية للحزب المذكور عما حدث من خلال التأطير المعنوي الذي قامت به أسماء محسوبة على هذا الحزب. وتؤشر الأخبار المتداولة داخل الأوساط المهتمة بشأن هذا الحزب والتي عكستها بعض التصريحات الصحفية، على سخونة أجواء التحضير المادي والأدبي للمؤتمر القادم الذي سينبثق عنه، دون شك، حزب جديد قد يكون محفزا له على الدخول سياسيا في مرحلة جديدة قد تتوج على المدى القريب أوالمتوسط بمشاركته في الحكومة. أكيد أن أصدقاء سعد الدين العثماني، نائب الأمين العام للحزب، قد استوعبوا جيدا دروس أحداث 16 ماي الدامي، ذلك أن المحنة التي تجرعوا مرارتها سواء من طرف وزارة الداخلية ( مصطفى الساهل وفؤاد عالي الهمة) في اللقاءات التي جمعتهم بمسؤوليها أو من طرف قسم هام داخل المجتمعين المدني والسياسي، والكل يتذكر في هذا السياق الحملة السياسية والإعلامية القوية التي استهدفتهم ابتداء من منعهم من المشاركة في المسيرة الشعبية الحاشدة التي نظمت في العاصمة الاقتصادية للمملكة للتنديد بالأعمال الوحشية ليوم الجمعة الأسود ومرورا بالمطالبة في مرحلة أولى بحل الحزب وبالدعوة في مرحلة ثانية إلى تطهير صفوفه من كل العناصر التي تشتم فيها رائحة النزوع نحو ممارسة العنف سواء منه اللفظي أو المادي، مع تقديم اعتذار إلى الشعب المغربي بسبب مشاركته (أي الحزب) المعنوية في هذه الأحداث المأساوية. فالحزب مقبل على مواجهة مرحلة جديدة، ينبغي عليه فيها التخلص من بعض أفكاره هذه وشعاراته السياسية والتخلي عن بعض سلوكاته التنظيمية إن هو أراد فعلا ربح رهان هذه المرحلة الجديدة، وهي مرحلة تشبه، في ملابساتها إلى حد ما بما المرحلة الانتقالية التي عرفه أصدقاء المرحوم الإتحادي عبد الرحيم بوعبيد والتي تجسدت في تأسيسهم لكيان بديل عن الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة عبد الله ابراهيم ألا وهو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المتبني لاستراتيجية النضال الديمقراطي ضمن ما سمي بالمسلسل الديمقراطي الذي انطلق في أواسط عقد السبعينات من القرن الماضي والذي أوصلهم إلى الحكومة عام 1998 . ومن هذا المنطلق قد يتحسن موقع حزب الدكتور عبد الكريم الخطيب سياسيا وتنمحي صورته السلبية جماهيريا، وهي تلك الصورة التي ترسخت قبيل وبعيد الأحداث الإرهابية على اعتبار أن الدولة في حاجة إلى حزب سياسي له قاعدة اجتماعية عريضة حتى تستعين به مستقبلا في حالة نجاحه في ملء الفراغ السياسي القاتل لتمرير سياستها الاجتماعية الأكثر تقشفا نظرا إلى حدة الأزمة الهيكلية، كما حصل بالأمس القريب مع الاتحاديين( الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية) بعد أن تمت المناداة على عبد الرحمان اليوسفي الكاتب العام السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في أواسط سنوات التسعينات لتدبير الشأن الحكومي. وتفيد الأخبار الواردة عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر برئاسة السيد لحسن الداودي أحداث عدة تغييرات على الورقتين المتعلقتين بمشروعي القانون الأساسي والأطروحة المذهبية للحزب، مما يعني أن حزب العدالة والتنمية قد يعرف ولادة جديدة. فأول هذه التغييرات احتفاظ الحزب بالدكتور عبد الكريم الخطيب على رأس الحزب رفقة صديقه عبد الله الوكوتي على رأس المجلس الوطني. وبالرغم من كون هذا الاحتفاظ لازال موضوع جدال بين من يريد لهذه الرئاسة أن تكون شرفية وبين من يريد الإبقاء عليها كما كانت في السابق، فإن دلالته السياسية تكتسي أهمية لاعتبارات متعددة يتداخل فيها الذاتي والموضوعي، وتتمثل هذه الدلالة: أولا في كون مهمة الخطيب لازالت لم تستنفذ بعد نظرا إلى أزمة الثقة التي يعانيها هذا الحزب في علاقته بالنظام السياسي ولعل الانزلاقات التي ميزت سلوك بعض كوادر هذا التنظيم قبيل الأحداث الإرهابية التي كانت الدار البيضاء مسرحا لها تؤكد صحة هذا الطرح، هذا رغم طبيعة التصرحات والسلوكات التي تصدر عن الدكتور الخطيب بين الفينة والأخرى كقوله مثلا إن المغرب مهدد بانقلاب عسكري..أو إخفائه بمنزله السيد حسن الكتاني... والأمثلة في هذا الباب عديدة. ثانيا في كون وجود الخطيب، رجل المخزن، قد يزيل عن أصدقاء سعد الدين العثماني العديد من المتاعب في علاقتهم بأجهزة السلطة نظرا إلى قوة هذا الرجل الذي باستطاعته قول كلمة "لا" في زمن مطبوع بـ "نعم"!! وثالثا في كون استمرار الخطيب اعتبارا لرمزيته التاريخية والكاريزمية.. ضروريا للحفاظ على التوازنات المطلوبة داخل الحزب خاصة وأن إلحاحه على سبيل المثال على حضور حركة اليقظة والفضيلة في المؤتمر الخامس إلى جانب نظيرتها حركة التوحيد والإصلاح، وهما كما هو معلوم حركتان قريبتان من الحزب، يفيد الرغبة في ضمان استمرار هذا التوازن اللهم إذا شرع الحزب أبوابه لتنظيم وتقنين التيارات الداخلية كآلية عقلانية لتدبير الخلافات والاختلافات الحزبية بشكل ديمقراطي. وثاني هذه التغييرات حذف كلمة المرجعية الإسلامية وتعويضها بثوابت الأمة، وهذا الأمر الذي كان لنا السبق في إثارته قد يجعل القانون الأساسي لحزب العدالة والتنمية ـ في حالة تحققه( وهذا أكيد) ـ شبيها بباقي القوانين الأساسية للأحزاب المشكلة لفسيفساء المشهد السياسي المغربي. ومن شأن ذلك أن يساعد على إعادة تنظيم وترسيم الحدود بين السياسي والديني تفاديا للأخطاء التي وقع فيها هذا الحزب إثر تحوله إلى واجهة حزبية لحركة التوحيد والإصلاح التي استطاعت أن تفرغه من محتوياته خدمة لأهدافها.. ولعل إحداث حركة اليقظة والفضيلة بقيادة السيد محمد خليدي المحسوب على الدكتورالخطيب كان بخلفية خلق توازن داخل تنظيماته . وكانت عدة أصوات قد ارتفعت محملة مسؤولية هذا الوضع للجهات الرسمية التي رخصت لدخول أصدقاء عبد الإله بن كيران بعد توحيد كل من جماعة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي وظهور حركة التوحيد والإصلاح بقيادة السيد أحمد الريسوني (المرغم على التخلي عن رئاسة الحركة بعد أحداث 16 ماي الدامي) في تسوية توجت بالتحاقهم بالحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية بقيادة السيد عبد الكريم الخطيب ضمن خيار الاندماج الذي تبنته الإدارة اتجاه الحركة الإسلامية. ومعلوم بأن هذه التسوية أشرف عليها إدريس البصري وزير الدولة في الداخلية الأسبق وحظيت من لدنه برعاية إلى درجة أن الاسم الذي سيعطى لهذا الحزب بعد ذلك تم اختياره باستشارته والاتفاق معه ..!! لكن التطورات التي طرأت على تنظيمات هذا الحزب جعلت الحدود بين الديني والسياسي تتجاوز في مستوياتها ما هو معقول..، مما أنتج مواقف فيها من الغلو ماجعلها تثير ردود فعل ساخطة بعيد الأعمال الإرهابية التي كانت الدار البيضاء مسرحا لها في النصف الثاني من شهر ماي المنصرم. وثالث هذه التغييرات تشبث الحزب في تدبيره لقضاياه التنظيمية والسياسية بالمسطرة الديمقراطية، ذلك أن احترام الموعد القانوني للمؤتمر يفيد هذا المنحى خلافا لغالبية التنظيمات التي تعقد مؤتمراتها خارج أي احترام لمقتضيات قوانينها الداخلية، وتبنيه لطروحات سياسية واقعية تتماشى مع تطورات العصر.. تؤهله للتحول إلى حزب سياسي ينحو في اتجاه الأحزاب المسيحية بأوربا الغربية.. وهذا المنحى الديمقراطي يجعل الحزب منسجما مع الاختيارات الكبرى للأمة والتي يوجد ضمنها الخيار الديمقراطي، فالحزب لن يكون في كل الأحوال إلا مدنيا، كما أن الصراع لا يمكن أن يكون أساسه دينيا أوعرقيا بل برنامجيا نسبيا خاضعا لمنطق الخطأ والصواب. لقد أظهر حزب العدالة والتنمية انصياعا لمخططات النظام ونال بالتالي شهادة اعتراف بحسن السلوك، فعلاقته بالدوائر الرسمية المسؤولة تبدو الآن في صحة جيدة على العموم، وقد تم التعبيرعن ذلك في عدة حلقات ضمن مسلسل تنازلاته من أجل القبول به كشريك سياسي يستطيع الانخراط في لعبة تسيير الشأن العام كالتصويت بإجماع أعضاء فريقه النيابي على مشروع قانون مكافحة الإرهاب، مشاركته المحدودة كما ونوعا في الإنتخابات الأخيرة، تصريحات بعض قادته (عبدالإله بنكيران..) المطمئنة للدوائر المسؤولة بعدم تجاوز الحدود المرسومة، رضوخه لمطلب إبعاد السيد الرميد عن رئاسة الفريق النيابي للحزب..ألخ. ولعل هذا الانضباط لقوانين اللعبة السياسية والرجوع إلى حظيرة الأحزاب السياسية بعد شرود عنها وتنكب عن خطها المستقيم من شأنه أن يساعد الحزب على تجاوز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة. وهكذا من المؤكد أن المحطة الخامسة ستكون ساخنة تماشيا مع سخونة الساحة السياسية، ذلك أن قضايا كبرى ستكون حاضرة في برنامج المؤتمر من قبيل: علاقة الحزب بالسلطة بعد التدخل الذي قامت به في شؤونه الداخلية( إبعاد مصطفى الرميد عن رئاسة الفريق النيابي..)، الحدود بين الديني والسياسي بعد أحداث 16ماي ، الهوية السياسية، الوضوح الايديولوجي، وضع الحركتان االقريبتان من الحزب( التوحيد والاصلاح واليقظة والفضيلة) في استراتيجيته المرتقبة، الإختيار الديمقراطي، موقع الخطيب ومن معه خصوصا هؤلاء المنحذرين من الحزب الأم( الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية) خاصة بعد الرغبة القوية التي مافتىء يعبر عنها أصدقاء بنكيران... كذلك من المؤكد أن تستأثر هذه المحطة بإهتمام مختلف المهتمين والمراقبين لهذا الحزب اعتبار للموقع الهام الذي يحتله داخل الخارطة السياسية بالمغرب وخاصة من طرف الدوائر المسؤولة التي تنتظر ولادة حزب جديد قد تستعين به إذا اقتضت الحاجة إلى ذلك في مشاريعها السياسية المستقبلية.
#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المفكر التونسي عبد المجيد الشرفي يتحدث عن الفكر الديني، الإس
...
-
أبعاد ومخاطر تكريس سياسة اللهجات الأمازيغية بالمغرب
-
مثقفون وباحثون وجامعيون يتحدثون عن تجديد الفكر الديني
-
جهادي الحسين الباعمراني ينجز ترجمة لمعاني القرآن باللغة الأم
...
-
تأملات حول المخزن الثقافي في مغرب القرن الواحد والعشرين
-
الملك محمد السادس يقوم بإصلاحات كبرى تروم تطوير الحقل الديني
...
-
قراءة في تفاعلات تصريحات الصحراوي علي سالم التامك المناصر لج
...
-
تأملات في واقع الحركة الأمازيغية بالمغرب بعد ميثاق أكادير
-
الحركة الثقافية الأمازيغية المغربية وسؤال ما العمل ؟
-
الحركيـــــون( ذوو التوجه الأمازيغي الرسمي) بالمغرب يبٍحثون
...
-
المجتمع المدني -ينتفض-ضد اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وال
...
-
الباحث علي صدقي ازايكو،عضو المجلس الاداري للمعهد الملكي للثق
...
-
المــــوت البطيء للأحــزاب السياسية بالمغرب!؟
-
الباحث والناشط الأمازيغي خالد المنصوري يتحدث عن واقع الحركة
...
-
المغرب الحقوقي في طريقه نحو المصالحة مع نفسه
-
وهم القضاء على الرشوة بالمغرب!!
-
اليسار المغربي في رحلة جديدة لبحث عن جمع شتاته
-
الباحث أحمد بوكوس يتحدث عن تأهيل و دسترة الأمازيغية، المعهد
...
-
الصحافي والمحلل السياسي خالد الجامعي يتحدث عن التغييرات التي
...
-
مستشارو الملك محمد السادس وسؤال حدود الاختصاص
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|