|
قراءة في ورقة المباديء والمهام لجبهة اليسار الفلسطيني ...
محمد ابو علان
الحوار المتمدن-العدد: 2536 - 2009 / 1 / 24 - 09:05
المحور:
القضية الفلسطينية
من يقرأ ويتمعن في بنود وثيقة المباديء والمهام لجبهة اليسار الفلسطيني يرى فيها المُخلص والمنقذ لنا كشعب فلسطيني من واقع التشتت والفرقة والاقتتال، وستكون هذه الوثيقة التأسيسية إن قُدر لها الخروج من إطارها النظري والتنظيري أن تكون بمثابة الضربة القاضية لحالة الاستقطاب بين طرفي الصراع على الساحة الفلسطينية. فكما يرى كل فلسطيني منا أن الحالة الفلسطينية لن تستقيم دون عودة حركتي فتح وحماس لجادة الصواب، يرى في الوقت نفسه توحد اليسار في جبهة واحدة خطوة أخرى في طريق تعزيز وحدة الصف والعودة بالقضية الوطنية لنضارتها وحيويتها على الساحتين الإقليمية والدولية، والصورة الوحدوية هذه تعيد تفعيل التضامن الشعبي العربي والدولي مع حقوقنا الوطنية. ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن هو هل إمكانية توحيد جبهات وقوى اليسار الفلسطيني في إطار وحدوي واحد أمر ممكن؟، والجواب لا يمكن أن يكون قطعي بنعم أولا ولكن مجريات الأحداث وطبيعة العلاقة بين هذه التنظيمات على مدى تاريخها النضالي لا تبشر بإمكانية ذلك، وما التوجهات الوحدوية الحالية لدى قوى اليسار إلا تعبير عن عمق الأزمة وحالة التراجع على المستوى الشعبي التي باتت هذه التنظيمات اليسارية تعيشها وخاصة بعد توقيع اتفاقيات أوسلو بشكل عام وفي أعقاب استفحال حالة الاستقطاب على الساحة الفلسطينية. فقوى اليسار الفلسطيني بمجملها رفضت اتفاقيات أوسلو على اعتبار إنها لا تلبي الحد الأدنى من طموحات الشعب الفلسطيني المتمثلة في دولة فلسطينية مستقلة في الأراضي المحتلة في العام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، ورفض اتفاقيات أوسلو يعني عدم التعامل مع نتائجها على الأرض، والعمل في الاتجاه المعاكس وهو إسقاط هذه الاتفاقية بالطرق النضالية المشروعة دولياً وإقليمياً ومحلياً، مما يعني تكثيف المقاومة ضد الاحتلال والعمل شعبياً على تعزيز توجه الرفض لها على الساحة الفلسطينية وفي مواقع الشتات الفلسطيني. ولكن الأمور لم تسر بهذا الاتجاه فبعد توقيع اتفاقيات أوسلو بحثت قوى اليسار للانتفاع من نتائجه على الأرض، فعاد جزء ليس بقليل من قياداتها السياسية لأرض الوطن بموجب هذه الاتفاقيات والتي تطلبت موافقة الاحتلال الإسرائيلي قبل كل شيء، كما اندمجت عناصر وبعض كوادر اليسار الفلسطيني في مؤسسات السلطة الوطنية الفلسطينية الأمنية منها والمدنية مما جعل هذه القوى جزء من نسيج السلطة ومؤسساتها التي هي نتاج لاتفاقيات يرفضها هذا اليسار في وقت بات له مصلحة في بقائها كون بات مستفيد منها. وكان لعودة القيادات السياسية لتنظيمات اليسار دور في إضعاف مقاومة هذه التنظيمات للاحتلال وخاصة في جانب المقاومة المُسلحة، فباتت هذه القيادات في المجال الأمني لأجهزة الاحتلال الأمنية سواء في الاعتقال أو الاغتيال مما أضعف مقاومتها للاحتلال إن لم نقل أنهت مقاومتها المُسلحة للاحتلال، وأبرز شواهد على هذا الواقع هو اغتيال الأمين العام السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أبو علي مصطفى، وقبول قوى اليسار التي تعتبر نفسها لا زالت تؤمن بالكفاح المسلح ضد الاحتلال بكافة مشاريع التهدئة مع الاحتلال بغض النظر عمن كان الداعي لها فلسطينياً يعتبر عامل ومؤشر على ضعف هذه الفصائل ذات الصبغة اليسارية، وبات موقف قوى اليسار من التهدئة معروف سلفاً ويثمثل في "إننا نرفض وقف المقاومة ضد الاحتلال، ولكن قبولنا للتهدئة جاء رغبةً في تحقيق الوحدة الداخلية"، وهذا النهج مستمر منذ سنوات وكانت النتيجة لا أوسلو أسقط رسمياً ولا المقاومة استمرت فعلياً. كما أن الآليات في التوجهات الوحدوية لقوى اليسار لا تتم بفعل توجه وضغط قوي للقواعد الشعبية لهذه التنظيمات اليسارية بقدر ما هي طروحات في الهيئات والمؤسسات التنظيمية العليا مما يجعل فرص نجاح هذه الجبهة ضئيلة جداً، فلو نظرنا لواقع الأطر النقابية لتنظيمات اليسار في المؤسسات الفلسطينية وخاصة الجامعات نرى عامل الفرقة والاختلاف هو عنوان العلاقة بينها، فتجد الأطر النقابية لقوى اليسار موزعة في تحالفاتها مع القوى الإسلامية من جهة ومع حركة فتح من جهة أخرى، مما يعني عامل المصلحة هو الذي يحكم تحالفات قوى اليسار وليس البرامج السياسية والتوجهات الفكرية لهذه التنظيمات، كما يشير هذا الواقع للهوة الكبيرة بين توجهات قيادة اليسار وقاعدته الشعبية، هذا إن لم نرد القول إن هذه القيادات فقد شعبيتها حتى لدى قاعدة تنظيماتهم السياسية ولسبب رئيسي واحد غياب الروح الديمقراطية في الهيئات القيادية لمعظم هذه التنظيمات. ونهج ومواقف قوى اليسار الفلسطيني تجاه الأزمة الداخلية الفلسطينية لا توحي ولا بأمل بسيط لإمكانية توحدها وسيرها على خطى برنامج سياسي موحد، فعجزت هذه القوى عن تشكيل قوة مانعة لهدر الدم الفلسطيني ووقف الاقتتال الداخلي، وحاولت الظهور بمظهر الحيادية في مرحلة الاقتتال والانقسام مما جعل الجميع يفقد الأمل وحتى الثقة بها، ففي واقع مثل واقعنا الحالي الحيادية فيه عنوان عجز وفشل كون الحديث يدور عن مسألة قوضت قضيتنا وحقوقنا الوطنية، أما بقاء الانتظار على الجدار للقفز فيما بعد لساحة من ستكون له الغلبة في هذا الصراع المرفوض فيه الكثير من الانتهازية البحتة. هذا ناهيك عن الحساسية التاريخية التي تسود علاقات قوى اليسار بين بعضها البعض، فالقوى الحالية لليسار بمعظمها هي نتاج انشقاقات وخلافات داخل فصيل أو أكثر من هذه الفصائل مما يجعل لهذه الحساسية دور في أن تكون مانع من موانع الوحدة خاصة عندما يبدأ الحديث عن من سيحتل الصفوف الأولى والمواقع القيادية في هذه الجبهة اليسارية العتيدة، ولو عدنا للوراء ثلاثة أعوام ونيف واستذكرنا سوياً الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية وكيف كانت العلاقة بين قوى اليسار لأدركنا إن الحديث عن جبهة يسار فلسطيني ما هي إلا حلم جميل وشطحات فكرية دون توجهات جدية. أما عن الخطوات وأسس تشكيل وبناء هذه الجبهة فعليها الكثير من الملاحظات أولها " لا تشترط الجبهة التطابق في المواقف السياسية مع كل الأطراف المشكلة لها"، فماذا تعني هذه العبارة؟، وإذا لم يكن هناك توافق على برنامج سياسي موحد ما لزوم تشكيل مثل هذا الإطار؟، وأهمية وجود مثل البرنامج السياسي المتوافق عليه أمر أساسي وخاصة أن الحديث يدور عن واقع سياسي واجتماعي واقتصادي يعاني من الاحتلال، إلا إذا اعتبرت جبهة اليسار الفلسطيني نفسها إطار نقابي لا أكثر ولا أقل. ثاني المآخذ على آلية التشكيل حصر اتخاذ قرار التشكيل بأيدي الهيئات القيادية للأطر المشكلة، وهذه الهيئات القيادية الجزء الأكبر منها لم تجدد الثقة فيها منذ عدة سنوات إن لم تكن عقود، وإن جددت كانت بإجراءات شكلية لا تعبر عن روح ديمقراطية في هذه الهيئات، وخاصة أنهم حصروا الهيئة القيادية للجبهة بالأمناء العامين للفصائل الذي تجاوز بعضهم الثلاثة عقود في رئاسة الأمانة العامة للتنظيم، كما أن سرعة التدوير لمنصب أمين سر الجبهة فيه ما يكفي من المؤشرات عن كيفية نظر كل طرف من أطراف الجبهة لموضوع من يكون في مركز وموقع القيادة، وإن أهمية هذه المسألة قد تغلب على قضايا جوهرية وأساسية، فقد نصت الوثيقة المُعلنة أن أمين سر دوري للجبهة كل ثلاثة شهور. والحديث عن مبادئ ومهام الجبهة يجب أن لا يصرفنا عن التوقيت لبدء الحديث والعمل على تشكيل هذا الإطار، فالواقع الفلسطيني فيه الكثير من المشاكل الداخلية التي تتطلب تركيز كافة الجهود لرأب الصدع الداخلي وضمان عدم العودة للاقتتال الداخلي وما نجم عنه من نتائج على الأرض، فبقاء اليسار الفلسطيني خارج إطار موحد لعدة شهور أو أكثر لن يضيره كثيراً من أجل تكريس جهود فصائلة لدعم الوحدة الداخلية، إلا أن هامشية اليسار الفلسطيني وفشله في أخذ دور في معالجة الوضع الداخلي الفلسطيني قد يكون دافعه للعمل على موضوع توحيد صفوفه لإخراج نفسه من حالة البطالة السياسية التي يعيشها في السنوات الأخيرة . في النهاية مع كل ما تم عرضه لن نستطيع شمول نقاش الموضوع من كافة جوانبه، ويمكن اعتبار هذا جزء من الحوار والنقاش الدائر حول الموضوع، وهذه الملاحظات والانتقادات تأتي بهدف السعي لتصحيح المسار، ولم تكن عملية النقد هدف بحد ذاتها على اعتبار أن توحيد في الصف الفلسطيني هو مكسب لكل فلسطيني ولكن شريطة أن يكون مبني على أسس سليمة وفي التوقيت المناسب، فخطوة السعي لتشكيل جبهة اليسار الفلسطيني جاءت متأخرة عشرات السنيين، وعندما تقرر أن تكون تم اختيار الظرف غير المناسب.
#محمد_ابو_علان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طفل بعمر 3 سنوات يطلق النار على أخته بمسدس شبح.. والشرطة تعت
...
-
مخلوق غامض.. ما قصة -بيغ فوت- ولِمَ يرتبط اسمه ببلدة أسترالي
...
-
-نيويورك تايمز-: إسرائيل اعتمدت أساليب معيبة لتحديد الأهداف
...
-
خمسة صحفيين من بين القتلى في غارات إسرائيلية على قطاع غزة
-
كازاخستان: ارتفاع حصيلة ضحايا تحطم الطائرة الأذربيجانية إلى
...
-
تسونامي 2004.. عشرون عاماً على الذكرى
-
إسرائيل تعلن انتهاء عملية اقتحام مدينة طولكرم بعد مقتل ثماني
...
-
الولايات المتحدة.. سحب قطرات عين بعد شكاوى من تلوث فطري في ا
...
-
روسيا.. تطوير -مساعد ذكي- للطبيب يكشف أمراض القلب المحتملة
-
وفد استخباراتي عراقي يزور دمشق للقاء الشرع
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|