|
عملية «الرصاص المنصهر»: غزة و«الثأر المبرر»!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2535 - 2009 / 1 / 23 - 08:56
المحور:
القضية الفلسطينية
حسب المصادر الإسرائيلية فإن وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك أمر قوات من جيش الدفاع الإسرائيلي بتحضير عملية الاجتياح منذ ستة أشهر، رغم أن إسرائيل كانت بصدد مفاوضات جديدة للاتفاق على وقف إطلاق النار مع حماس (بعد عملية التهدئة). جدير بالذكر أن إسرائيل قامت بخرق الهدنة ليلة الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت يوم 4 نوفمبر 2008، وقد استغلت إسرائيل هذا الظرف لتقوم بقصف غزة، مدعية أن حماس تباشر حفر أنفاق داخل الأراضي الإسرائيلية، فأقدمت على حصار مُحكم وشامل لغزة بمنع الطعام والطاقة والإمدادات الطبية الضرورية بهدف إجبار الفلسطينيين على الاستسلام، لاسيما بالتلويح بالاجتياح الشامل بعد قيامها بتوغل عسكري جزئي. وقد شملت عملية الحصار إغلاق المعابر وإقفال الحدود وقطع صلة قطاع غزة بالعالم الخارجي، الأمر الذي جعل نحو مليون ونصف مليون فلسطيني في حالة اختناق كامل، كأنهم يعيشون في سجن كبير أو قفص، يمكن اصطيادهم في أية لحظة! ثم شرعت إسرائيل بعد يومين من عيد ميلاد السيد المسيح وبالتحديد يوم 27/12/2008 بحملة عسكرية شاملة مصحوبة بسلسلة منظمة من وسائل الدعاية والعلاقات الدولية، وتحت إدارة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني التي قدّمت فيضاً من المزاعم والمبررات لاجتياح غزة وإلقاء اللوم على حماس وصواريخها، أما الهدف الحقيقي لهذه الحملة فقد كان يتجلى في الإبادة الجماعية بحيث تنعدم سبل الحياة الطبيعية، خصوصاً بتدمير البنية التحتية وتخريب الآثار الثقافية والجوامع والمستشفيات ودور العلم. إن هدف عملية «الرصاص المنصهر» هو إحداث أكبر ضرر في صفوف السكان المدنيين عن سبق إصرار لدرجة تصبح معها الحياة في غزة مستعصية، الأمر الذي قد يمهّد، بنظر الإسرائيليين بعد حصول الكارثة الإنسانية، إلى تمردات ضد حماس والانقلاب عليها وتحميلها مسؤولية ما حدث من جانب السكان المدنيين، لاسيما بعد انتهاء المعارك، أما الهدف الأبعد فهو إجبار الفلسطينيين على ترك الأراضي الفلسطينية والرحيل إلى المنافي البعيدة بعد استعصاء وجودهم جراء الهجوم العسكري المستمر عليهم. وتعتقد إسرائيل أن تخريب الممتلكات والأماكن الثقافية ودور العبادة والعلم والحياة المدنية اليومية بشكل عام، سيمهّد لها لتحقيق مآربها. لاسيما بعد حصار المدن والقرى وجعل ممارسة الحياة الاقتصادية العادية أمراً غير ممكن، بحيث يصبح الوصول إلى أماكن العمل والمدارس والمستشفيات من الأمور المضنية، مما سيشجع الهجرة ويضعف نزعات مقاومة الذهاب إلى المنافي في المستقبل. إن عملية «الرصاص المنصهر» نضجت هذه الأيام، وكانت إسرائيل قد تعكّزت عليها لانطلاق ما أطلقت عليه اسم «الثأر المبرر»، الذي هو ردّ فعل لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت في 28 سبتمبر عام 2000 بعد وصول اتفاقيات أوسلو عام 1993 إلى طريق مسدود، خصوصاً ببقاء القضايا الأساسية دون أي أفق للحل، وهي تتعلق بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وحق العودة للاجئين وتفكيك المستوطنات ومسألة الحدود وغيرها. وكان وصول أرييل شارون إلى سدة الحكم عام 2001 قد حرك هذا الملف العسكري المخابراتي واستعمل الموساد الإسرائيلي لأول مرة في عهده خطة «الثأر المبرر» بقصف طائرات «أف 16» المدن الفلسطينية، كما أن رئيس الأركان شاؤول موفاز قد تقدّم في شهر يوليو 2001 بخطة إلى حكومة شارون لتحطيم السلطة الفلسطينية ونزع سلاح كل التنظيمات المسلحة، وكان الاسم الرمزي لها «الثأر المبرر»، وكانت الخطة في حينها تعني إعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، وقد كانت «واشنطن تايمز» قد نشرت خبراً عنها في مارس 2002، لكن سبب تأجيلها هو الخوف من سقوط مئات من الإسرائيليين. هكذا بدأت الخطة للتحطيم الشامل وسارت عبر مراحل، الأولى محاصرة عرفات وصولاً إلى إنهائه، أما الثانية فتتعلق بدق الأسافين بين فتح وحماس وتغذية الخلافات بينهما وفصل المجموعات عن بعضها البعض، والثالثة إبقاء قيادات المقاومة لاسيما مروان البرغوثي في السجن وعزله عن التأثير المباشر، والرابعة محاصرة غزة بعد قيام سلطتين في الضفة والقطاع تحت باب التطرف الإسلامي وصواريخ حماس، أما الخامسة فقد استندت إلى تبرير سفك الدماء وقتل المدنيين طالما هم تحت سلطة حماس. وقد سُميّت عملية الثأر المبرر بـ «خطة مائير دوغان» على اسم الجنرال مائير دوغان رئيس الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد)، وهو حسب المصادر الإسرائيلية استهدف تحطيم السلطة الفلسطينية ووضع ياسر عرفات خارج اللعبة، وعمل دوغان على تقسيم السلطة الفلسطينية إلى كانتونات ومناطق عزل وتفتيت الأراضي الفلسطينية مبتدئاً ببناء جدار الفصل العنصري وعزل الضفة عن القطاع وقيام حكومتين. بحيث تتذرع إسرائيل أنها تتفاوض مع الطرف المعتدل، لاسيما في القضايا الأمنية والمخابراتية ولا تعترف بالطرف المتطرف والحكومة المُقالة، رغم أنها جاءت عن طريق الانتخابات الشرعية. وقد صمم مائير دوغان خطته تلك بالتنسيق مع بعض الأميركيين، والجدير بالذكر أن دوغان عمل مع شارون جنباً إلى جنب عام 1982 عند غزو لبنان وصولاً إلى العاصمة بيروت، واجتياح المخيمات الفلسطينية، ولعل عملية «الثأر المبرر» تشبه في بعض جوانبها غزو بيروت برياً، الأمر الذي وضع سياقاً لتنفيذ الخطة القديمة الجديدة، فقد كانت العمليات البرية مسبوقة بقصف مدفعي ثقيل، مشعلة النار مع تصاعد اللهب في السماء، وهو ما سمي بالقنابل الفسفورية، تمهيداً للقيام بمجازر كبيرة بحق السكان المدنيين وقتل أكبر عدد منهم، لاسيما باستخدام أسلحة غير معروفة تجرّب لأول مرة، الأمر الذي أحدث ردود فعل عالمية شديدة ضد الممارسات الإسرائيلية في غزة، لم يضاهها رد الفعل العربي في حجمه وكثافته وتأثيره. ومع تقدم الآلة العسكرية الإسرائيلية فإن صمود أهالي غزة ومقاومتهم للاحتلال، رغم انقضاء ثلاثة أسابيع على عملية الرصاص المنصهر، قد أحبط الأهداف التي أعلنتها إسرائيل واستهدفتها من وراء هذه العملية. لقد كانت خطة دوغان عام 2001 تقوم على ما يلي: غزو أراضي السلطة الفلسطينية بـ 30 ألف جندي إسرائيلي والهدف هو تحطيم البنية التحتية ومصادرة السلاح من جميع القوى الفلسطينية وقتل أو طرد القيادات العسكرية، وفي خطوة لاحقة سيتم تهجير مكثف لسكان القطاع، لاسيما بعد اتساع الغزو البري وفتح الحدود لنزوح السكان، استرشاداً بنموذج الترانسفير الفلسطيني الذي نفذته إسرائيل عام 1948 وقد كان شارون يردد أنه من الضروري إيجاد دولة أخرى للفلسطينيين بإشارة إلى أن الأردن هو فلسطين!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الانتخابات العراقية: الدستور والطائفية!!
-
غوانتانامو والعدّ العكسي!
-
غزة: أمتان ... بل عالمان!
-
مواطنة بلا ضفاف!!
-
الإعلامي والحقوقي ومن يعتمر القبعتين
-
مغزى كلام بوش
-
العراق وشرنقة الفصل السابع
-
سريالية عراقية!
-
حقوق الإنسان.. إشكاليات أم معايير؟
-
ماذا يريد سانتا كلوز من أوباما؟
-
حكم القانون ... من أين نبدأ؟!
-
هل يتمكن أوباما من إغلاق جوانتانامو؟
-
حقوق الإنسان بين التقديس والتدنيس!!
-
«نفاق» حقوق الإنسان.. وقفة تأمل!
-
جائزة التسامح
-
المواطنة «المفترضة»!
-
شرق أوسط ممكن شرق أوسط مستحيل
-
الاتفاقية الامنية رهن للعراق وشعبه
-
الاتفاقية العراقية- الامريكية من الاحتلال العسكري الى الإحتل
...
-
المعاهدة العراقية-الأميركية: من الاحتلال إلى الاحتلال! (2-3)
المزيد.....
-
الجيش الإسرائيلي يوسع عملياته في الضفة الغربية و-يجبر- عائلا
...
-
-ديب سيك- تطبيق صيني يغير معادلة الذكاء الاصطناعي العالمي..
...
-
الأزهر يعلن رفضه القاطع لمخططات تهجير الفلسطينيين
-
إقالة 12 مدعيا شاركوا بمحاكمة ترامب
-
أميركا تواصل ترحيل مهاجرين إلى غواتيمالا وتتجاوز الأزمة مع ك
...
-
سوريا.. ضبط شحنة كبيرة من الحبوب المخدرة على معبر نصيب الحدو
...
-
حرصا على كرامتهم.. كولومبيا تخصص طائرات لإعادة مواطنيها المر
...
-
مجلس الشيوخ يصوت على تعيين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة
-
تاكر كارلسون: بلينكن بذل كل ما بوسعه لتسريع الحرب بين الولاي
...
-
دراسة تتوقع ارتفاع الوفيات في أوروبا بسبب شدة الحر بنسبة 50%
...
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|