|
خطاب القاعدة
سعد الكناني
كاتب سياسي
(Saad Al-kinani)
الحوار المتمدن-العدد: 2533 - 2009 / 1 / 21 - 00:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ظهر خطاب " القاعدة " للمرة الأولى عبر الشرائط التي تبثها قناة " الجزيرة "( لأسامة بن لادن وأيمن الظواهري ) في قلب أزمة دولية كبرى وفي مستهل حرب ضاربة . ولذلك نركز الاهتمام على بضع عبارات أو حتى كلمات لا يمكن فهم مغزاها ودلالاتها دون قراءتها في السياق العام لهذا الخطاب . والعنصر الأول في تحليل مثل هذا الخطاب هو وضعه في موقعه على خريطة الاتجاهات الأصولية التي تؤمن باستخدام القوة والعنف سبيلاً إلى التغيير . فقد شاع عن " القاعدة " أنها تنطلق من ركائز ( جهادية ) وخصوصاً بعد أن التحق بها قادة التنظيمات التي تستند على هذه الركائز . غير أن قراءة خطابها تدل على أنها تنطلق من أفكار أقرب ما تكون إلى ما أفرزته جماعات التكفير والاعتزال التي كانت أولها " جماعة المسلمين " التي عرفت إعلامياً باسم " التكفير والهجرة " في مصر في منتصف السبعينات. وفضلاً عن أن جانباً من سلوك قادة " القاعدة " يدعم هذا الاستنتاج ، ففي خطابها ما يدل عليه بشكل مباشر عند الحديث عن ( الفئة التي خرجت تفر بدينها إلى الله سبحانه وتعالى تأبى أن تعطى المدنية في دينها ) ، وكذلك في هذه إشارة : ( اجتمعت أمم الكفر على فئة المسلمين المجاهدين المرابطين ) . فقد تم استخدام كلمة " أمم " قصداً لتشمل الأمة الإسلامية المحكوم هنا بكفرها مثل غيرها إلا فئة صغيرة منها هي " الفئة الناجية " التي تمثل جوهر معتقد أهل التكفير والاعتزال. ولذلك يصبح طبيعياً أن يتجه خطاب " القاعدة " إلى توسيع نطاق دار الكفر لتشمل العالم كله تقريباً، كما يتضح من أي قراءة متأملة لهذا الخطاب، ولا يقود ذلك إلا إلى نزعة انتحارية لا صلة لها بالاستشهاد في سبيل الله. فعندما يعتزل الإنسان في موقع قصى معتقداً في أنه هو وحده على الحق وأن الجميع على باطل ، لابد أن يزداد انحراف تفكيره ، وهو الانحراف الذي يبدأ عند الاعتقاد في امتلاك الحق والحقيقة . وهذا الاعتزال يدعم أيضاً الميل إلى الانتحار الذي يبتعد في هذه الحال عن المعنى الديني المتضمن في الاستشهاد. كما أن الانتحار هنا ليس ذاتياً فقط بهدف نيل الشهادة، بل عاماً للأمة كلها ومؤدياً إلى نحرها كما يتضح من القول: ( أهون علينا أن تفنى هذه الأمة عن بكرة أبيها.. أهون علينا من أن نرى المسجد الأقصى يهدم أو نرى فلسطين تهود ويطرد منها أهلها ). ولا يحتاج الأمر إلا إلى قدر يسير من المنطق لإدراك أن أصحاب هذا الخطاب يصنعون المقدمات التي تؤدي إلى النتيجة التي يحذرون منها . فإفناء الأمة لن يحمى المسجد الأقصى ، بل يجعل هدما أكيداً . فعندما تفنى الأمة ، إذا تبنت هذا الخطاب ، لن يبقى من يدافع عن مقدساتها . كما أن إفناء الفلسطينيين لن يحقق نصراً ، بل سينصر الصهاينة الذين لن يبقى أحد يقاومهم . وهذه النظرة تنطبق على العراق فأهون على ( ابو حمزة المهاجر) ان يفنى العراق من بكرة أبيه ، أهون عليه أن يرى العراق محتلاً من أمريكا .. كأن العراق لوحده محتلاً من جميع دول العالم . وبدلاً من الاحتكام إلى العقل والحكمة والجدوى في إخراج المحتل بأقل الخسائر وبما يبقى العراق على وحدته وكرامته لمحو هذا الخطأ التاريخي الذي حصل في احتلاله عام 2003. ولذلك فإن طرد الفلسطينيين والعراقيين أقل سوءاً من نصيحة " القاعدة " لهما بالفناء. فالمطرود سيجاهد من أجل العودة . وهذا هو ما يحدث منذ أكثر من نصف قرن في فلسطين وما يحدث في العراق منذ احتلاله عام 2003. وهذا مثال واحد لما يمكن ان تقود " القاعدة " الشعوب إليه من جنون لا يمكن أن نطمح في ظله للارتقاء إلى مستوى مواكبة التقدم في العالم وكثيرة هي أوجه الشبه بين خطاب " القاعدة " هذا والاتجاه الذي يكفر الدولة والمجتمع معاً ويوجب الاعتزال في الجبال والكهوف والصحاري تمهيداً لمرحلة " التمكين " ولكن ربما لم تكن إلا مصادقة تلك التي جعلت قادة " القاعدة " يعتزلون في جبال وكهوف مثلما دعا رواد فكر التكفير والاعتزال . ولكنها مصادفة ذات مغزى لأنه في أيامنا المعاصرة لا يمكن الاعتزال إلا خارج الكرة الأرضية . وعندما عبر خطاب " القاعدة " حدود الفكر ( الجهادي ) واستقر في كهوف الاعتزال ، فقد غادر في الوقت نفسه دار الإسلام مخالفاً الأمر الإلهي بعدم قتل النفس بغير الحق . بل أكثر من ذلك يتضمن هذا الخطاب اشمئزاز شديد من أي تحسر على قتلى أحداث 11 أيلول 2001 حتى ولو من الناحية الإنسانية فأعتبرهم " قتلة " دون وجه حق ، لأنه لا يجوز تحميل مواطن في أي بلد سوء حكومته مهما كانت , ورأى الخطاب المذكور في من يأخذون بتعاليم الإسلام التي تحرم القتل بغير الحق منافقين يتحسرون على "قتلة " لا على قتلى لم يقترفوا ذنباً ، وقال ( إشراب النفاق برأسه يتحسر على هؤلاء القتلة الذين عبثوا بدماء وأعراض ومقدسات المسلمين ) . فما أبعد خطابهم عن الفكر الإسلامي ، بما في ذلك الاتجاه ( الجهادي ) الأكثر تشدداً فيه ، وما أقربه إلى الاتجاه التكفيري الذي لا يتورع أتباعه عن ذبح بسطاء المسلمين المتدنيين بفطرتهم كما فعلت " الجماعة الإسلامية المسلحة مثلاً في الجزائر وكما فعل( أبو حمزة المهاجر ) في العراق . وقد بدأ ( أسامة بن لادن ) في المقابلة مع صحيفة " داون " الباكستانية في أوائل شهر تشرين أول 2001 معبراً عن هذا الاتجاه عندما أفتى بجواز قتل الصبية أو الأطفال الذين تجاوزوا الثالثة عشرة من عمرهم . فما قاله في هذه المقابلة هو امتداد لفتوى مفتي الجماعة الإسلامية المسلمة في الجزائر عندما أجاز قتل النساء والأطفال في الوقت الذي كان مجرمو جماعته يذبحون الجزائريين المسلمين كل يوم بمن فيهم أطفال ونساء وكذلك ما فعله ( ابو حمزة المهاجر ) بأطفال ونساء وشيوخ العراق . وقد استفزت هذه الفتوى محمد مصطفى المقرئ أحد قادة " الجماعة الإسلامية " المصرية فكتب بحثاً عميقاً في الرد عليها ونشره في كتاب بالغ الأهمية صدر في لندن تحت عنوان " حكم قتل المدنيين في الشريعة الإسلامية " . وأثبت المقرئ أن هذه الفتوى لا أساس لها في الإسلام، وأنها تنطلق بالتالي من موقف غير إسلامي. وعندما يكون هذا هو رأى أحد أكثر الإسلاميين ( الجهاديين ) تشدداً يصبح من الصعب المزايدة عليه . فهو يعبر عن الاتجاه ( الجهادي ) الذي يجوز اعتباره الحد الأقصى في فكر الإسلام السياسي ، والذي لا مزايد عليه . ويعنى ذلك بالتالي ، ان من زاد عليه فقد تجاوز هذا الفكر وأصبح خارج نطاق الإسلام السياسي . وهذا هو حال ( أسامة بن لادن ) ومن معه الآن . أما علاقتهم بالإسلام كعقيدة فهذا أمر بينهم وبين خالقهم الذي يعرف وحده حقيقة نواياهم. ولكن ما نعرفه نحن هو أنهم أساءوا إلى الإسلام بأفعالهم وأقوالهم وعلى سبيل القصد ومع سبق الإصرار خذ مثلاً دفاع ( أسامة بن لادن ) في المقابلة نفسها عن قتل المسلمين في أحداث 11 أيلول 2001 وتبريره ذلك بأنه ( حسب الشريعة يجب ألا يعيش المسلمون فترة طويلة في بلاد الكفار وسبعة ملايين مسلم في أمريكا وضعفه في بلاد الغرب ) . وبالقطع ليست هذه شريعة الإسلام لأن رب العالمين يخبرنا أنه خلق الناس شعوباً مختلفة ليتعارفوا. ومن الطبيعي أن يترتب على ذلك أن يعيش مسلمون في بلاد غير المسلمين، ليس فقط لهذا السبب، ولا لطلب العلم كما أوصاهم نبيهم عليه الصلاة والسلام ولكن أيضاً من أجل الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن قضايا ومصالح المسلمين. وفي البلاد التي تتيح نظمها تكوين جماعات ضغط للتأثير على صنع القرار يستطيع المسلمون أن ينشطوا سعياً إلى هذا
#سعد_الكناني (هاشتاغ)
Saad_Al-kinani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصراع الشيعي في ظل حكومة شيعية؟؟
-
الاصلاح السياسي وفق التجربة الاردنية
-
الانتخابات والاختيار الانتقائي
-
الحذاء والزمن الاغبر
-
رأي في المشهد السياسي العراقي بعد توقيع الاتفاقية
-
كيف ستكون العلاقة الايرانية الامريكية بعد فوز اوباما
-
المطلوب امريكيا في العراق بعد فوز اوباما
-
الأمن الوطني والديمقراطية بين التوافق والتناقض
-
الديمقراطية في زمن المالكي
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|