|
ما بعد أحداث غزة: في الحاجة إلى استلهام روح فكر التحرر الوطني الفلسطيني
إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي
(Driss Jandari)
الحوار المتمدن-العدد: 2535 - 2009 / 1 / 23 - 08:56
المحور:
القضية الفلسطينية
ارتبطت القضية الفلسطينية؛ منذ ظهور الكيان الصهيوني بفكر التحرر؛ الذي ساد العالم خلال مرحلة خاضت خلالها الشعوب المستعمرة نضالا مستميتا في استرجاع حقوقها المسلوبة. و قد استفاد العالم العربي من هذه الحركة و حصلت الكثير من الدول العربية التي كانت خاضعة للاستعمار الغربي على استقلالها. و في نفس السياق التاريخي استفادت القضية الفلسطينية كذلك من هذه الحركية ؛ بحيث حصل النضال ضد الكيان الصهيوني على مشروعيته في استعادة الحقوق المسلوبة إلى أصحابها ؛ و هكذا ترسخت فكرة الدولة الفلسطينية ككيان مستقل يناضل لاسترجاع حقوق شعب ؛ تم طرده من أرضه . و قد كانت منظمة التحرير الفلسطينية من أهم نتائج هذه الحركية ؛ فهي التي قادت منذ تأسيسها نضالا سياسيا مستميتا من أجل ترسيخ فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة ؛ و لا أحد اليوم يمكنه أن يشكك في المجهودات التي بذلت من طرف ياسر عرفات و من رافقه في الدفاع عن الحقوق الفلسطينية المشروعة . قد يستنقص البعض من الإنجازات التي تحققت عبر النضال السياسي ؛ و لعل من أهمها فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي كقضية تحرر وطني ؛ لكن مسار النضال ضد الكيان الصهيوني يؤكد اليوم و أكثر من أي وقت مضى أن المسار الذي سارت عليه منظمة التحرير هو المسار الوحيد القادر على استرجاع حقوق الفلسطينيين المسلوبة . و ذلك يمر عبر محاولة فرض القضية الفلسطينية على أجندة المجتمع الدولي؛ كحركة تحرر وطني؛ تسعى إلى استعادة حقوق شعب مهضومة من طرف الكيان الصهيوني الغاصب. و هذا وحده هو السبيل الذي قاد القضية الفلسطينية في بداياتها إلى فرض نفسها كقضية مركزية استقطبت اهتمام الرأي العام الدولي بقوة؛ و فرضت على الكيان الصهيوني أن يجلس إلى طاولة المفاوضات في أوسلو ؛ حيث نجح ياسر عرفات بحنكته السياسية في فرض فكرة الدولة الفلسطينية بقوة على اهتمامات المجتمع الدولي . لقد كان الكيان الصهيوني يدرك منذ البداية بأن النضال الفلسطيني يفرض عليه تنازلات مستمرة ؛ تضرب في جوهر مشروعه الاستعماري ؛ و لذلك كان منشغلا بالبحث عن الوسائل الممكنة لتغيير استراتيجية التعامل مع الفلسطينيين . و قد جلبت له المرحلة الجديدة التي يعيشها الفكر العربي و العالم أجمع - حيث صيغ مفهوم الإرهاب - الحل المنتظر؛ الذي يمكنه من القضاء على إرث نضالي عظيم صاغه فكر التحرر الوطني؛ و تحولت مقاربة القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى قضية إرهاب ؛ حيث أصبح الإجرام الصهيوني يمارس على الفلسطينيين باسم محاربة الإرهاب ؛ الذي تقوده حماس و الفصائل الجهادية ؛ و أصبح الإعلام الصهيوني يسوق لفكرة التهديد الإرهابي الذي تمثله الحركات الجهادية عبر العالم . هكذا نجحت الآلة السياسية و الإعلامية الصهيونية في تصفية الإرث النضالي للحركة الوطنية الفلسطينية؛ و هو إرث ارتبط منذ البداية بفكر التحرر؛ و بتصفيته تمت تصفية مرحلة كاملة من النضال من أجل تأسيس الدولة الفلسطينية ؛ و دخل الفلسطينيون في مرحلة متاه يقودها فكر أصولي لا يتقن طاكتيك المعركة ؛ و لا يمتلك إستراتيجية واضحة تمكنه من مواجهة عدو متمرس ؛ يمتلك دعما لا محدودا من طرف القوى الكبرى في العالم ؛ و الذي يرتبط بها عبر مصالح مشتركة ؛ تحفظ له استمرارية الدعم . و لنؤكد بشكل صريح أن القضية الفلسطينية اليوم في أمس الحاجة ؛ ليس لمن يطلق (صواريخ) بدائية و يعرض شعبا بأكمله لدمار شامل ؛ كما أن القضية الفلسطينية اليوم لا تحتاج فكرا جهاديا يقود المعركة بثقافة الاستشهاد و الجهاد ؛ بل تحتاج إلى استعادة إرث الحركة الوطنية الفلسطينية المرتبط بفكر التحرر و التنوير الحديث ؛ الذي يمكنه لوحده رد الاعتبار إلى قضية العرب الأولى في المحافل الدولية ؛ باعتبارها قضية تصفية استعمار ؛ تفرض على إسرائيل تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي طيلة عقود ؛ و كلها قرارات تنتصر للحق الفلسطيني في الاستقلال و بناء الدولة . و هذا ما لا يمكنه أن يتحقق في ظل هيمنة الفكر الأصولي على العالم العربي ؛ و هو الآن الوحيد الذي يهيج الجماهير ضد اليهود باعتبارهم كفارا يجب الجهاد ضدهم ؛ و ليس باعتبارهم كيانا استعماريا ؛ يجب أن يواجه بحس استراتيجي لاستعادة الحقوق المسلوبة . و لعل هذا الفكر هو الذي يمزق أوصال القضية الفلسطينية ؛ و يحولها إلى حركات تطرف ديني ؛ مما يسهل الأمر على الكيان الصهيوني ليستفيد من الدعم اللامحدود من ضرائب الشعب الأمريكي ؛ باعتباره شريكا في محاربة الإرهاب ؛ قضية أمريكا الأولى خلال هذا العقد . و في جلبة هذه الضوضاء و الفوضى العارمة التي تسود المشهد العربي و منه الفلسطيني؛ لا يجد العقلاء فرصة لقول كلمتهم ؛ و إذا قالوها فإنها تجلب لهم جميع التهم الجاهزة ؛ لعل أقلها خيانة قضايا الأمة و مساندة العدو الصهيوني – الأمريكي للتنكيل بها ؛ و يبقى البديل أمام الجماهير الهائجة هو العويل و الاستنكار؛ و الدعاء على إسرائيل و أمريكا بالويل و الثبور ؛ و تهديدهما بعودة جيش محمد ؛ و كأن الزمان و المكان جامدان ؛ و إسرائيل هي خيبر الماضي .
#إدريس_جنداري (هاشتاغ)
Driss_Jandari#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من نتائج أحداث غزة : حماس قوية داخليا ضعيفة خارجيا
-
الانفتاح الروائي كخطة لمساءلة الراهن السياسي المغربي : رواية
...
-
الأدب وسؤال المؤسسة في الممارسة الأدبية العربية المعاصرة
-
شركة ماكنزي للتنافسية ترسم مستقبلا سوداويا للمصارف (الإسلامي
...
-
إيديولوجيا الاقتصاد الإسلامي : محاربة الفكر الاقتصادي الحديث
...
-
إيديولوجيا الإعجاز العلمي في القرآن و السنة : نشر الخرافات ل
...
-
من دروس أحداث غزة : العلاقات الدولية تقوم على المصالح لا على
...
-
أحداث غزة : صراع الأصوليات الدينية لنشر الدمار و الموت .
-
في حاجة النشر الإلكتروني إلى الأقلام العربية المتنورة
-
نموذج التدين المغربي سلاح لمواجهة التطرف الديني الوهابي
-
أحداث غزة و فشل استراتيجية الإعجاز و الجهاد المقدس
-
في مساءلة التراجع الحضاري للأمتنا العربية : هل سببه تخليها ع
...
-
في حاجة الفكر العربي المعاصر إلى استلهام روح التنوير النهضوي
...
-
من الشورى إلى المستبد العادل : الفكر الديني و تكريس دولة الا
...
-
الحلاج .. في صلبه المباغت
-
الديمقراطية بناء ثقافي و ليست فقط صناديق اقتراع .
-
العلمانية و الدولة المدنية في الثقافة العربية : المشروعية ال
...
-
تأويل النص الديني و تكريس الرجعية في الثقافة العربية
المزيد.....
-
-لم يكن من النوع الذي يجب أن أقلق بشأنه-.. تفاصيل جديدة عن م
...
-
نجيب ساويرس يمازح وزيرة التعليم الجديدة بالإمارات: -ممكن تمس
...
-
كسرت عادات وتقاليد مدينتها في مصر لترسم طريقها الخاص.. هبة ر
...
-
من هو جيه دي فانس الذي اختاره ترامب نائباً له في رحلة ترشحه
...
-
حرب غزة: قصف لا يهدأ على وسط القطاع وجنوبه وإصابة جنود ومستو
...
-
ألمانيا تحظر مجلة -كومباكت- اليمينية المتطرفة
-
مكتب نتنياهو ينفي تلقي إسرائيل رفضا من -حماس- بخصوص مواصلة ا
...
-
-حماس- تنفي وجود خطط لعقد اجتماع ثنائي مع -فتح- في بكين
-
-روسكومنادزور- تطالب Google برفع الحظر عن أكثر من 200 حساب ع
...
-
علاج واعد يوقف الشخير نهائيا
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق
...
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية
/ جوزيف ظاهر
-
الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية-
/ ماهر الشريف
-
اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا
/ طلال الربيعي
-
المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين
/ عادل العمري
-
«طوفان الأقصى»، وما بعده..
/ فهد سليمان
المزيد.....
|