|
لا عزاء للسيدات
محمد أبو زيد
الحوار المتمدن-العدد: 2532 - 2009 / 1 / 20 - 08:51
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أن كادت الحرب أن تضع أوزارها ، بعد أن ظهر الرابح والخاسر في لعبة الحرب بنوعيها : السياسية والعسكرية ، ظهر من الخاسر ومن الرابح ، خسر الجميع ، جميع الاطراف العربية والدولية ، ولم تربح إلا إسرائيل ـ للأسف ـ لأنها كانت هي التي تحرك الحرب ، بدأتها ، ووضعت نهايتها ، فيما كنا نحن نتصارع أينا يشتم الآخر أكثر . خسرت الدول العربية جميعا ، فانقسمت أكثر مما كانت منقسمة قبلا ، انصرف الجيمع عن الحديث عن العدوان على غزة ، عن جثث الأطفال والنساء والشيوخ ، للحديث عن دور كل دولة ، و تأثيرها ، و بدءوا حربا جديدة اسمها " حرب القمم " ، من يسبق الآخر ويصنع قمة يربح شيكل ، وعقدت القمم وانتهت ، ولم يربح أحد شيئا . خسرت مصر ، مع هذا الجدل حول دورها القومي الذي تراجع ، عن قوتها الناعمة في المنطقة التي تراخت ، فلأول مرة يتم حرق علمها أمام سفاراتها في دول عربية شقيقية ، وتنظم مظاهرات ضدها ، ويتم التشكيك في الدور الذي تلعبه ، ويتخبط وزير خارجيتها في الدفاع عنها ، مع الانقسام حول دورها ، والانقسام بالتوازي في العالم العربي ، كل دولة تريد أن تلعب دورا تريد أن تسحب البساط من تحت قدميها . خسر حزب الله والسيد حسن نصرالله ، فالرجل الفاضل الذي نعزه ونقدره جميعا ، عندما هاجم مصر ، هوجم بشدة ، وشتم في الصحف القومية ، وفقد تعاطف الكثير الذين كانوا يحبونه منذ حرب لبنان 2006 ، ولم يخرج ما فعله أيضا عن الحرب الكلامية ، فلم يطلق صاروخا على إسرائيل خسرت حماس التي وعدت برد مزلزل فلم تفعل شيئا ، وكان الجميع يعتقد أنها ستخرج بنصر سياسي وكيان يقبله ويتعامل معه المجتمع الدولي بعد الحرب مثلما فعل حزب الله حرب لبنان 2006 ، إلا أنها لم تفعل شيئا ففي حين أعلنت عن انتصارها نجد أن الأرقام على أرض الواقع تقول شيئا آخر، فقد استشهد اكثر من 1200 فلسطيني ، من بينهم 410 طفلا، واصابة نحو 5300 بجراح، وذلك حسبما اعلنت مصادر طبية فلسطينية في غزة ، فضلا عن تدمير البنية التحتية ، وزيادة وطأة الحصار ، وفي المقابل اعلنت اسرائيل ان العمليات في غزة اسفرت عن مقتل عشرة جنود وثلاثة مدنيين ، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن مفهوم استراتيجية المنتصر والهزوم وإنما عن أن حماس لم تفز حتى بالتعاطف الشعبي ، لأنها مسئولة في النهاية عن أرواح الناس في غزة على اعتبار أنها الحكومة الموجودة هناك سواء كانت مقالة أو غير مقالة . خسرت فتح بالطبع ، فأبو مازن الذي تحول إلى رئيس زائر ، حسب تعبير الكاتب الساخر جلال عامر ، لم يعرف مع من يقف ، ولا رئيس أي شعب هو ، وهل هو رئيس رام الله فقط ، وغزة في كوكب آخر أم لا ، ولم يستغل الاعتداء الإسرائيلي ويوحد شعبه ويقف مع حماس في خندق واحد ضد عدو واحد ، بل استمرت حروب التخوين الكلامية بين الطرفين كأفضل ما تكون الحروب . خسرت سوريا ، وخسرت إيران ، فتهييج المشاعر و الخطب الرنانة ليست مقياسا ، ولا تكفي للتعاطف . خسرت قطر ، مع إصرارها على عقد قمة معظم من حضروها ليس لهم علاقة بالموضوع " جزر القمر ، وجيبوتي ، والصومال " ، خسرت والجميع يعرف أن أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط تقع في أرض ، خسرت وهي تعمل على شق الصف العربي ، خسرت بالقمة التي انتهت مثلما بدأت ، خسرت وهي تحاول أن تلعب دورا ليس دورها . خسرت القنوات الفضائية الإخبارية ، فعرف الجميع أن الجزيرة هي لسان حال قطر ، وأن قناة العربية هي لسان حال السعودية ، تبين هذا في الحرب الباردة التي أعلنتها القناتان يوم الجمعة الماضي إبان انعقاد المؤتمرين الموازيين ، ولا وجود للحديث عن المعايير المهنية ، بالنسبة لي كنت أتنقل بين القناتين ثم تستقر يدي عند قناة البي بي سي ، التي كانت تقدم تغطية متوازنة . خسرت الصحف القومية المصرية مع كم الشتائم الذي كانت تطلقه بلا حساب على من يتحدث ولو كان ناصحا معاتبا ، مع أنك تستطيع أن تفحم شاتمك بدون شتائم . خسر الذين راهنوا على أوباما ، كما خسر أوباما تعاطف الشارع العربي معه ، فلم يقم بأي رد فعل إيجابي تجاه القضية الفلسطينية ، بل فعل املتوقع بالضبط ، وقف في صف إسرائيل ، ليقول المحللون أنها استراتيجية دولة ، وليست استراتيجية شخص خسر كل هؤلاء وكسبت إسرائيل ، كسبت إسرائيل منذ البداية حين قررت إعلان الحرب في الوقت الذي يناسبها هي ، قبل انتخاباتها حتى تستغل جثث أطفال غزة كورقة انتخابية ، وقبل شهر من انتهاء ولاية الإدارة الأمريكية الراحلة ، كسبت حين روج إعلامها الخارجي لها أنها تدافع عن نفسها ضد صواريخ حماس ن وهو ما لم نستطع فعله نحن مع كم القنوات التي نملكها ، لا بارك الله فيها ولا زادها ، على كل الأقمار العربي والأجنبي منها ، واستغللناها فقط في تقطيع ملابس بعضنا ، وكشف سوءاتنا على الهواء ، كسبت حين نجحت في شق الصف العربي ، أكثر مما كان مشقوقا ، وبدلا من الهجوم عليها أصبحنا نهاجم أنفسنا ، كسبت حين ضحكت من القمم التي عقدت والمبادرات التي أطلقت وقرارات الأمم المتحدة الفارغة ، وقررت في النهاية وقف إطلاق النار من جانب واحد ، فهي التي وضعت قرار بدء الحرب ، وهي التي تنهيه ، ربما يكون هذا صادما ، وقاسيا ، لكن علاج الجرح أفضل من تركه ينزف حتى النهاية . خسر العرب جميعا ، وكسبت إسرائيل ، أما الأطفال والنساء والشيوخ الذين استشهدوا ، فدمهم معلق في رقبة الجميع ، حكاما ومحكومين ، ولا عزاء للسيدات .
#محمد_أبو_زيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سأقابل الله وأشكوكم له
-
وثائق طه حسين السرية .. ليست سرية
-
يوتوبيا الشعر
-
الكتابة بأسماء مستعارة في الصحافة المصرية بين الحاجة و تصفية
...
-
هل تنتظر الصحافة القومية في مصر رصاصة الرحمة ؟
-
نعمان جمعة اتهزم يا رجالة
-
الغمة العربية
-
البوسطجي .. ملك الشوارع
-
الأخطاء المطبعية في الصحف.. يوم لك ويوم عليك
-
مملكة السماء لا تزال صالحة لإثارة الدهشة
-
حنا السكران
-
الشبابيك: عيون البيوت التي تكشف الشوارع
-
قبلات السياسيين.. بين العادات والفضائح والمصالح
-
لماذا كلما رأى مريد البرغوثي قتيلا مسجى ظنه شخصا يفكر؟
-
كل شيء جائز إلا الرصاص الحي
-
الهتيف : الحياة فوق الأعناق
-
ارتد جميع ملابسك فالسماء تمطر بالخارج
-
الحياة في مصر ثلاث درجات.. أشهرها الدرجة الثالثة
-
هل يضحك العالم العربي علي خيبته؟
-
الانقلاب : الطريقة المثلى للحكم في العالم العربي
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|