|
صيف سوري ساخن وكوميديا العمالة
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 777 - 2004 / 3 / 18 - 11:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
أصبح واضحاً اليوم – لا بل في غاية الوضوح- أنَّ التراكم الكمي لمعاناة الشعب السوري، التي بدأت اثر انقلاب الثامن من آذار عام /1963/ ، وتحول حزب البعث إلى وضعية الحزب الحاكم المطلق، وإلى يوم رحيل الأسد الأب، قد وصل إلى اللحظة النوعية، التي تفسح المجال لتوقع مجيء صيف ساخن تعتريه أحداثٍ، وتحولات، في غير سياقها الوطني الطبيعي..! بما يعني انتفاء دور قوى الداخل على اختلافها، ونلخِّص ذلك بالعامل الداخلي، الذي يفترض أن يكون هو الناظم الأساسي في العملية السياسية داخل البلاد.. غير أنَّ ذلك يتطلب وجود قوى سياسية فاعلة بما يكفي، لتقليص، والحد من دور العامل الخارجي، وهذا لا يتعارض مع أهمية أن تستثمر هذه القوى و إلى أقصى الحدود، ما تتمخض عنه علاقات الداخل كسلطة مع الدول الكبرى.. لكن،هذا الاستثمار السياسي يتطلب أولاً: التخلص من عقدة الأخر بما يعني شبهة التبعية..! وثانياً: الارتكاز إلى وعي أنَّ الطرفين [ السلطة ودول الخارج ] تحكمهما مصالحهما كلٌ على حدة فقط لاغير..! مصلحة السلطة هنا، لاتزيد عن تأمين ديمومتها ، وتسمَّي هذه الديمومة في خطابها السياسي: [[ مصلحة وطنية عليا..! ]].. وهذا مالم تفعله القوى السياسية مدار بحثنا، لا بل فعلت العكس حين واجهت هذه القضية الحساسة بموقفٍ سياسيٍ، سطحيٍ.. كشف بوضوح عن سكونية، وثبات في الخطاب السياسي، وعن استمرار هيمنة الثوابت، والمطلقات الأيديولوجية، في زمنٍ دينامي متجدد على مدار الساعة .. وقد تجلَّى موقفها السياسي السطحي، بتحويلها القضية إلى مسألة خيار بين الطرفين، وكان من الطبيعي وهي تحمل مثل هذا العقل السياسي، أن تجد نفسها في خندق السلطة التي تلاحقها بالقمع والتنكيل.. ومؤخراً بالسخرية من ضآلتها، وانعدام وزنها..! وأن تجد نفسها أيضاً أمام الناس، حليفاً لسلطة لم تقِّر يوماً بشرعية غيرها ما لم تركبه سياسياً. إنَّ الحراك السياسي الذي شهدته - سورية - بدءاً من اليوم الأول في مرحلة الدكتور بشار الأسد، الذي دشَّن عملية تحول سورية إلى جمهورية وراثية، خمد بسرعة قياسية بعد تمهيدٍ حزبيٍ، بعثيٍ.. عكس خوفاً حقيقياً من المجتمع ..وهكذا، لم تتح الفرصة الزمنية الكافية، لامتداد هذا الحراك النخبوي أفقياً.. حيث يأخذ شكله الاجتماعي المعتاد، الأمر الذي كان يعني بالضبط : عودة الروح إلى المجتمع السوري، وبالرغم من أنَّ السلطة بسبعة أرواح – على طريقة القطط -، ولديها أجهزة أمنية تتكاثر [ قططياً ]، فإنها تخاف، وترتعش أوصالها من استعادة المجتمع لروحه المطفأة، وذلك لأنها تدرك أنَّ ذلك يعني وبشكلٍ موازٍ: فقدانها التدريجي لروحها الجبروتية الكلية.. وهي محقة في ذلك، لأنَّ عودة الروح، والحيوية للمجتمع، عبر تنامي مفاهيم الديموقراطية الاجتماعية، وحقوق الإنسان، سيؤدي لا محالة إلى رفع الوصاية، والمصادرة الحزبية عن الهيئات المدنية، والمنظمات الاجتماعية،التي تعمل على تعزيز فكرة انعقاد مؤتمر وطني لا يستثني أحداً من السوريين، في داخل سورية.. أو المتواجدين خارجها لأيِّ سبب كان، وذلك من واقع أنَّ سورية وطنٌ لكلِّ السوريين، فهي ليست لحزبٍ.. ولا لطائفة ..ولا لأكثرية أو أقلية.. ولا لزعيم أو راعٍ..! ولا بدَّ أن يكون الهدف الجوهري للمؤتمر، هو الاتفاق على دستورٍ جديدٍ مدنيٍ، متحضر.. يليق بسورية والسوريين.. ولأنَّ كلَّ الدلائل تشير إلى تشبث كلٍّ من السلطة، وحزبها، وجبهتها، بمواقعهم، ومكتسبا تهم التي يتوارثونها في ظلِّ قانون الطوارئ، والأحكام العرفية، والمحاكم الاستثنائية ..ولأنَّ التطور المدهش الذي شهده ميدان الاتصالات بكلِّ أشكالها، كسر قوقعة العزلة المعلوماتية التي وجدت سورية نفسها داخلها.. وذلك، بفعل التسلط الاحتكاري،والهيمنة المطلقة على كلِّ الصعد السياسية، والإعلامية، ولأنَّ كل ما سبق وغيره الكثير جعل من سورية حالة شاذة في عالمٍ سمته الحريات، وحقوق الإنسان، وعولمة مفاهيم الديموقراطية ، فإننا نستطيع القول: إنَّ حزب البعث حوَّل البلاد بنجاحٍ منقطع النظير، إلى بلدٍ تابعٍ لا علاقة له بالحضارة والتمدن..! بقيت مسألة حساسة لم تبادر القوى السياسية إلى إثارتها إطلاقاً، وهي تتحدد بالكيفية التالية: كيف، ولماذا تعطي السلطة لنفسها الحق، والشرعية في أن تلتقي، وتتفاوض، وتقيم علاقات مع الآخرين بما فيهم التفاوض مع الأعداء الذين يحتلون جزءاً من البلاد منذ ثلاثة عقود..! وهي، أي السلطة، تتسول بكلِّ الطرق، رضى الولايات المتحدة الأمريكية، وتستبسل من أجل علاقات حسنة معها.. لكنها في الوقت نفسه، تستغفل ليس القوى السياسية فقط، بل المواطنين جملةً وتفصيلاً وذلك حين ترفع بوجههم تهمةً جاهزة تبيح اعتقال ومحاكمة، وسجن أيِّ مواطنٍ.. والتهمة التي هي وحدها تلبسها علناً، هي الاتصال، أو العلاقة، مع الأمريكان وغيرهم..! لماذا حزب البعث يفوِّض نفسه ويعطيها الحق، والصلاحية المطلقان، في أن يقيم علاقات حتى مع الشيطان.. وأن يقوم في الوقت نفسه بملاحقة غيره بتهمة العلاقة مع الغرباء.. ومع السفارات وبالعمالة وغير ذلك حتى وإن كان الذي توجه له مثل هذه الاتهامات لا تسمح مرجعيته الفكرية، أو الدينية في أن يتقبل هكذا علاقة.. ولا هو يسعى إليها بالأساس.. !؟ أليست ذروة الكوميديا أن يلاحق البعثي شيوعياً، أو اخوانيياً مثلاً بتهمة العلاقة مع الأمريكان.. لابل العمالة لهم !؟ 16/3/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليلٌ ودماء في المملكة
-
حزب (الفلوجة) مرة أخرى
-
فانتازيا برلمانية سورية
-
الديك وعلوش والخطاب الأحمر
-
إلى الجحيم
-
تساؤلات مشروعة –4 – هل يوجد في سوري بديل..؟ - الأخير
-
تساؤلات مشروعة –3-
-
برامج للتشهير بالمجانين العرب فضائياً
-
تساؤلات مشروعة - ( 2 )- هل يوجد بديل في سورية..!؟
-
تساؤلات مشروعة
-
تعقيب لا بدَّ منه على مقال كريم عبد عن الإعلام السوري
-
الإصلاح السوري والضفادع وأشياء أخرى
-
أما اليوم
-
أما وبعد 2-2
-
أما وبعد - 1-1
-
الكياسة في تعامل أجهزة الرئاسة
-
بؤس الفكر..بؤس السياسة
-
خيارات الرئيس الضائعة
-
حزب (الفّلوجة) السوري المعارض
-
الوطن وخيارات النظام
المزيد.....
-
جنرال أمريكي متقاعد يوضح لـCNN سبب استخدام روسيا لصاروخ -MIR
...
-
تحليل: خطاب بوتين ومعنى إطلاق روسيا صاروخ MIRV لأول مرة
-
جزيرة ميكونوس..ما سر جاذبية هذه الوجهة السياحية باليونان؟
-
أكثر الدول العربية ابتعاثا لطلابها لتلقي التعليم بأمريكا.. إ
...
-
-نيويورك بوست-: ألمانيا تستعد للحرب مع روسيا
-
-غينيس- تجمع أطول وأقصر امرأتين في العالم
-
لبنان- عشرات القتلى في قصف إسرائيلي على معاقل لحزب الله في ل
...
-
ضابط أمريكي: -أوريشنيك- جزء من التهديد النووي وبوتين يريد به
...
-
غيتس يشيد بجهود الإمارات في تحسين حياة الفئات الأكثر ضعفا حو
...
-
مصر.. حادث دهس مروع بسبب شيف شهير
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|