|
البديل الثالث هو القادر على حل القضية الفلسطينية
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 2531 - 2009 / 1 / 19 - 09:21
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
أغرق العدوان الإسرائيلي غزة في بحيرة من الدماء، و حول أهلها إلى حقل اختبار القنابل الخبيثة والفسفورية. كانت غزة تكرارا لجنين ودير ياسين و المجازر الأخرى التي ارتكبتها العصابات الأرغنية وورثتها. أعلنت إسرائيل أمس وقفا لإطلاق النار ، ولكن سيف ديمقليس لا يزال يخيم على رقاب أهالي غزة ، طالما تتربص الحكومة العنصرية الإسرائيلية لاقتناص فرصة لإدامة العدوان ، بذريعة رمية ، أو ما شابه ، من غزة على إسرائيل. وتتجلى البربرية البرجوازية ، واستلاب عالم اليوم، و تهمش النزعة الإنسانية في غزة. هذا العالم الديمقراطي الذي اكتفى بإبداء أسفه لهذه الجرائم، و يقوم صحفيوه المرتزقة بتبرير نفاق البرجوازية وأخلاقياتها وقيمها اللا إنسانية. واليوم بعد اعلان اسرائيل وقفا لاطلاق النار من جانب واحد ، يدعي طرفا الحرب الرسميان بكسب الحرب لجانبه ، و تحقيق الانتصار الحاسم على الطرف المقابل . وحقا ، إنه انتصار للطرفين ، و خسارة مرّة للجماهير ، الضحية . وقد كشف العدوان الإسرائيلي على أهالي غزة مواقف التيارات السياسية المختلفة في المنطقة والعالم من هذه الحرب القذرة، ومن حكومة إسرائيل، والقضية الفلسطينية... الخ. وقد رفعت المجزرة الستارة عن لا إنسانية كثير من القوى السياسية البرجوازية وعنصريتها، حين كشفت بعضها عن تأييدها لإسرائيل في مجزرتها بحق الفلسطينيين الأبرياء. فهذه الحرب كشفت الروح العدوانية للامبريالية الأمريكية و الغربية ، و بينت المواقف الأحادية كقانون يتحكم بمواقف القوى اليمينية واليسار القومي وما بينهما ، إما مع إسرائيل وعدوانها ، إما مع الإسلام وإرهابه. وهنا لا بد لي من التأكيد على صواريخ حماس المقذوفات على إسرائيل ليست إلا ذريعة اتخذتها إسرائيل لشن عدوانها وارتكاب مجزرتها في غزة. فأنني لم أقل قط في مقالات وتعليقات سابقة إن حماس هي السبب الذي دفع إسرائيل لشن العدوان ، الرأي الذي يتبناه اليمين البرو غربي.
هذه الحرب العدوانية فضحت عنصرية الحركات القومية البرو غربية و لا إنسانيتها ورجعيتها في المنطقة . هذه الحركات القومية البرو غربية تيار منحاز لإرهاب الدولة ، لا يختلف من حيث الجوهر عن التيار الإرهابي الاسلاموي. فهذا الاختلاف شكلي وظاهري، والفررق هو أن رجال الحركات القومية غير الدينية يلبسون ربطات عنق ، ونساؤهم غالبا غير محجبات ويلبسن ثيابا عصرية غربية ، بينما الإسلاميون يطلقون لحاهم ، ونساؤهم محجبات. فهذا الاختلاف هو ما يفرز أساسا بين الجماعتين الرجعيتين. فالحركتان يلتقيان تماما في الرجعية، والعنصرية، و الاستبداد والإرهاب.
وإن إلقاء نظرة على الخريطة الطبقية للعدوان الإسرائيلي يدفعنا إلى أن نرى أن اولمرت وشركاءه يمثلون طليعة المعسكر البرجوازي الإرهابي الساكت على الجرائم التي ترتكب أمام مرأى ومسمع زعمائه، أو يشترون الوقت لكي يصل يكمل القاتل جريمته... فليست ثمة صلة تربط الحكومة الإسرائيلية الفاشية بجماهير إسرائيل وطبقتها العاملة و كادحيها . فالحكومة القومية الدينية الفاشستية الإسرائيلية تقف على نقيض من الطبقة العاملة في إسرائيل وجماهيرها المحبة للسلام . فالحكومات الإسرائيلية وحكومات البرجوازية في العالم، مثلها مثل سلطات الإسلام السياسي، رغم وصلها للحكم في انتخابات " نزيهة"، لا تمثل الطبقة العاملة والكادحين و الجماهير المحرومة المسالمة. إنها تمثل طبقاتها عبر آليات تداول السلطة ضمن الطبقة الحاكمة المهيمنة على مقدرات الشعب . الانتخابات بصورة عامة، ربما تضفي شرعية على النظام البرلماني، لكنها لا تعمل كآلية واضحة لتمثيل دائم لجماهير الشعب، و لا تعطي ضمانات لمصالح الطبقة العاملة في اللعبة السياسية.
وإن حماس حركة رجعية، و كانت ربيبة إسرائيل و البرجوازية العربية والعالمية، وهي معادية للشيوعية والتقدمية، و للنزعة اللبرالية العربية في الحركة القومية التقليدية. وكانت حماس في أول نشأتها برزت كاحدى مخارج تشابك معادلات معاداة الشيوعية في فترة الحرب الباردة، واليوم باتت ركنا من أركان الإسلام السياسي وإرهابه، وتحظى بدعم النظام الاسلاموي في إيران ، و الحكومات الرجعية والدكتاتورية في المنطقة. لا صلات عضوية بين حماس و الشعب الفلسطيني. ولا يمكن أن تمثل حماس والإرهاب الإسلامي الجماهير الكادحة والطبقة العاملة في فلسطين، بل هي أخذتها رهينة الفقر والجوع و الحصار الاقتصادي والسياسي والقمعي من قبل أمريكا وإسرائيل و دول الغرب. فبقدر ما تمثل حكومة المالكي وحزبه الشعب العراقي، تمثل حماس الشعب الفلسطيني. وقد بينت في تعليق لي على مقال لزميل في الحوار المتمدن بأنني" اعتقد أن الفلسطينيين لم ينتخبوا حماس لقناعة بخطها السلفي الإرهابي ، وأن تصويتهم لها لم يكن تصويتا لصالح مشروعها الرجعي المعادي للسامية واليهود ووجود إسرائيل ، ولا تصويتا لصالح موقفها من المرأة والعدل والمساواة ، الخ. بل كان انتقاما من فتح وتصويتا من أجل تغيير الشروط المعيشية. الشيء الذي يجعلنا كيسار ماركسي أكثر وعيا بملحاحية وراهنية البديل الماركسي الثوري من أجل إنقاذ الجماهير من الاستيلاب. و في فترات مظلمة وخانقة تتسم بانعدام البدائل الإنسانية، ويصعب تصور مستقبل أكثر قتامة من الواقع المعاش، يمكن للجماهير أن تدعم حركات جد رجعية وظلامية ، عندما تجد نفسها أمام الباب المسدود في ظل شروط معيشية غير محتملة، وغياب بديل ثوري وعندما يتصرف قادة المنظمات الجماهيرية كخونة. في ظل أوضاع كهذه، وبما أن الطبيعة لا تقبل الفراغ، من الممكن أن يستغل حزب فاشستي، أو ما شابهه، الموقف ويستولي على السلطة.
لذلك فبرأيي أن ممثل الشعب الحقيقي ليس بالضرورة من ينتخبونه في غفلة بل هو من يمثل مصالحهم، أي مصالح الأكثرية التي هي جموع المحرومين والكادحين والمظلومين. وإن كلامي هذا لا يعني إطلاقا أن إسرائيل متمثلة بأغلب زعمائها و قواها اليمينية العنصرية وحكومتها ليست معتدية ومجرمة." أما منظمة فتح بقيادة أبو مازن فهي تيار رجعي من فلول الحركة القومية المهزومة ينخره الفساد، وإن حكومتها في الضفة الغربية حكومة هزيلة مهزوزة في المعادلات السياسية الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة. ويمكن مقارنتها، وتشبيهها، في أحسن الأحوال بالأنظمة الحاكمة في الأردن واليمن وسورية. إنها أيضا حكومة مافياوية رجعية معادية لمصالح العمال والكادحين و مساواة المرأة وحريتها. إنها من نتاج التحولات التي طرأت على منظمة التحرير , فسادها ، و بتعبير أدق و أشمل، إنها نتاج هزيمة القومية العربية و وصلها الطريق المسدود. فكلا حماس وفتح ، يمثلان البرجوازية الفلسطينية بمختلف تجلياتها التجارية والكومبرادورية و اللصوصية...
وبغض النظر عن الاصطفاف الطبقي للقوى السياسية في فلسطين، فهناك القضية الفلسطينية على أرض الواقع منذ ستة عقود في انتظار الحل. لقد تحولت هذه القضية إلى ارض خصبة سياسية تستغلها أمريكا وإسرائيل و الأنظمة الرجعية العربية في المنطقة. و أصبحت قوى الإسلام السياسي تتبناها في العقود الأخيرة. وقد أصبحت السياسات القمعية التي تمارسها حكومات إسرائيل ، والمجازر التي ترتكبها بحق الشعب الفلسطينيين، بدعم أمريكا و دول الغرب ، أرضية خصبة لنمو التيارات الإسلامية و الإرهابية والاسلاموية ، لهذا أضحى تأسيس دولة فلسطينية مستقلة و ذات سيادة ، تعترف بها إسرائيل و المجتمع الدولي ، أساسا مهما لمواجهة الإسلام السياسي والإرهاب القومو- اسلاموي، و تهميشه. فحل القضية الفلسطينية القومية ( قومية لا بمفهوم العروبيين) و النضال في سبيل رفع الحيف والظلم القوميين واجب وحق مشروع للفلسطينيين و القوى التقدمية والإنسانية في العالم. وموقف الشيوعيين و اليسار الماركسي يكمن في العمل والكفاح على رفع الغبن التاريخي الواقع على الشعب الفلسطيني، والإنهاء الفوري للحرب و المجازر وسياسة العقوبات الجماعية الإجرامية ، والحصار الاقتصادي ، وشروع كل الأطراف والمجتمع الدولي بالعمل على تشكيل دولة فلسطينية مستقلة ولاعتراف بها رسميا، و إنهاء الاحتلال و إزالة آثاره وفقا المعايير التي تتفق مع حقوق الإنسان والقيم الإنسانية.
فالنضال في سبيل رفع الظلم القومي والوطني، وحل القضية القومية لا يعني أبدا، في نظرة اليسار الماركسي، الدفاع عن الحركات القومية والطائفية و الاعتراف بها كممثلة الشعب المظلوم، مهما ادعت تمثيلها للشعب الواقع تحت الاضطهاد القومي، وتاجرت بالمسألة القومية، ودماء الأبرياء. فالحركات القومية و الإسلام السياسي هي من أكبر المستفيدين بقاء القضية الفلسطينية بدون حل، إذ أن حل أية قضية قومية حلا حقيقيا وعادلا سوف يؤدي إلى إغلاق متاجرهم السياسية.
وعلى هذا الأساس، إن الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة و وضع حد لمعاناته، لا يعني، بالضرورة، الاعتراف رسميا بفتح أو حماس كممثل شرعي ووحيد للجماهير الفلسطينية الكادحة. ففي نظر اليسار الماركسي ليست ثمة صلة حتمية تربط النضال في سبيل رفع الظلم الواقع على الشعب و الحركات الرجعية التي قامت في المجتمع باسم الكفاح ضد الاحتلال و " الأجانب".
واليوم لم يعد قطبا الإرهاب يتحكمان بالعالم لوحدهما ، بل أخذ القطب الثالث، قطب القوى اليسارية الماركسية والاشتراكية بالصعود و التمترس لمواجهتهما. لا يخفي اليمين البرو غربي في الشرق الأوسط والعالم انحيازه إلى جانب إسرائيل في المجزرة التي ترتكبها بحق أهالي غزة ، بذريعة قطع جذور الإرهاب الإسلامي، فأن اليسار الإسرائيلي خرج إلى الميدان يتصدر المواقف الاحتجاجية على حكومة إسرائيل المجرمة. ورغم التعتيم الإعلامي و عرقلة عمل وسائل الإعلام، أعلن الآلاف من سكان إسرائيل، و الضفة الغربية وقوفهم بوجه العدوان الإسرائيلي. لقد أصبح صوت اليسار مسموعا في العالم مطالبا بالوقف الفوري للمجزرة. وقد عجزت الحكومة الإسرائيلية كبح صوت الجماهير . و إلى جانب جماهير إسرائيل وفلسطين، خرجت البشرية التقدمية والإنسانية إلى الشارع متضامنة مع أهالي فلسطين، متحدية قطبي الحرب والإرهاب.
وإن صعود القوى التقدمية واليسار الماركسي في إسرائيل و فلسطين والمنطقة ، وارتفاع إمكاناتها في إلحاق الهزيمة باليمين العنصري الإسرائيلي والصهيونية ، والرجعية العنصرية العربية الإسلامية في المنطقة ، كفيل بإيجاد الحل العادل و الراسخ للقضية الفلسطينية على أساس فلسطين علمانية تحترم حقوق الإنسان و حقوق المواطنة المتساوية للجميع .
إسرائيل قومية دينية، على عكس إسرائيل علمانية واشتراكية، لا تستطيع أن تكون طرفا للسلام العادل في المنطقة. استقلال فلسطين يضمن حياة الطفل الفلسطيني والطفل الإسرائيلي. وحركة سياسية فلسطينية تحارب العنصرية بالعنصرية والحقد بأحقاد مضاعفة لم ولن تأتي بالنصر للجماهير الفلسطينية، بل تكون نعمة الهية للعنصرية الصهيونية واليمين الاسرائيلي و حلفائهم الامبرياليين. söndag den 18 januari 2009
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اله الموت يجول من اشويتس ، إلى العراق ، فغزة
-
من يذبح أهالي غزة؟
-
هل على اليسار الماركسي التحالف مع، أو دعم كل من عارض أمريكا
...
-
أغنية تشي غيفارا
-
في الذكرى الثامنة والعشرين لاغتيال المغني الإنسان والمناضل ج
...
-
من فرسان صلاح الدين إلى مجالس الإسناد ، فموت الفدرالية
-
مريم العذراء- قصيدة للشاعر السويدي أريك آكسل كارلفيلدت
-
رحلة إيليّا السماوية للشاعر السويدي اريك اكسل كارلفيلدت
-
ثمة مبررات للفرح ، ولا مبرر للتفاؤل بإدارة أوباما لأمريكا
-
اوباما ، كان لا بد منه
-
فلم - الحياة رائعة - لروبرتو بنيني
-
نهاية التاريخ ، أم نهاية الريغانية والتاتشرية؟
-
أغنية - بطل الطبقة العاملة- لجون لينون
-
عشرة أيام هزت العالم
-
تأملات في ثورة أكتوبرالاشتراكية العظمى
-
The end of the American dream
-
حديث التغيير في الانتخابات الأمريكية
-
أين اليسار الاشتراكي في كُردستان العراق؟
-
قصيدتان للشاعر السويدي أيريك آكسل كارلفيلدت
-
عطش في خانقين وتناطح على الثروة والنفوذ
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|