تقرير/ أكرم اللوح
- الطفل محمد الحلو أنا أعمل لأن أبي ممنوع من دخول إسرائيل بعد إصابته بالانتفاضة"
- عودة: "لا يمكن للطفل استيعاب دروسه وإتمام واجباته وانخفاض مستواه التعليمي لإرهاقه في العمل:"
- د. الطهراوي: "في مرحلة الطفولة مهمة لتكوين الشخصية الاجتماعية السلبية أو الإيجابية للطفل:"
أبناؤنا فلذات أكبادنا، نعيش من أجلهم، ونموت لأجل حياتهم، أبناؤنا وأطفالنا سعادة الحاضر،وصناع المستقبل، ليس بالسهولة واليسر، أن يودي الإنسان بابنه للهلاك أو الضياع، فالأسرة تحتاج إلى هذا الطفل لإكمال ما بدأته، والمجتمع بأمس الحاجة للطفل وكذلك الدولة والإنسانية فلا يمكن الاستغناء عن الطفل، إذا فقدنا أطفالنا ضاع حاضرنا ومستقبلنا، لكن قد تفرض علينا الظروف، لتقهر القلوب،وتضيع الآمال فبالإصرار والعزيمة نستطيع التغلب على كل صعب.
ومع حرصنا على الرقي بالمجتمع إلى أسمى المراتب ومواجهة كل الظواهر السلبية التي تشكل خطراً على مستقبلنا، كان لنا هذه اللفتة الضرورية إلى إحدى الظواهر الشائعة في مجتمعنا الفلسطيني في الآونة الأخيرة بشكل يهدد مستقبلنا تمثل في عمالة الأطفال وانتشارهم بشكل مخيف للبيع في الشوراع والحواجز والأماكن المزدحمة بالمارة.
الطفل محمد
كان لنا هذا اللقاء مع الطفل محمد الحلو الذي يبلغ الثالثة عشرة من العمر، بائع مكسرات على إحدى بوابات الجامعة الإسلامية، من بين كثير من الأطفال كان أول ما سألناه وملامح البؤس واضحة على وجهه عن حاله فأجاب بأن حالي مش حلو لأن وضعي صعب كثير، فأنا ادرس بالمدرسة في الفترة الصباحية، وبعد نهاية الدوام الدراسي، اعمل مكان أخي الذي يصغرني سناً لأبقى واقفاً لبيع المكسرات أمام بوابات الجامعة الإسلامية حتى نهاية دوام الجامعة، فأذهب بعد ذلك للبيت، وأخرج للعب ما تبقى من النهار مع باقي الأطفال أحياناً، إذا لم أكن متعباً من العمل طوال النهار، ومن الدوام المدرسي،وادرس بعض دقائق لأذهب للنوم بعد تعب يوم كامل،وأنا أعمل بدلاً من أبي، وأحياناً يأتي ليحل محلي، لكنه لا يستطيع الوقوف كثيراً على قدميه لكبر سنه، وجراء إصابته خلال الانتفاضة بعيار ناري في قدمه.
لأصحو في اليوم التالي لأذهب للمدرسة والتحق بالعمل، وعائلتي تتكون من ثمانية أفراد أكبرهم يبلغ 22 عاماً من العمر، لكنه يعيش في الضفة الغربية قبل بداية الانتفاضة وكما هو معروف المعيشة في الضفة الغربية تفوق ما يأخذ ويحصله.
وعن الذي زج بهذا الطفل واجبره على العمل قال الطفل محمد "إن ظروفنا صعبة ونريد ان نأكل ونشرب في هذا الوضع الصعب وأبي لا يستطيع العمل والوقوف طويلاً، إن أبي كان يعمل سابقاً بإسرائيل،وخلال الانتفاضة سعى للحصول على تصريح عمل وتمكن من ذلك بعد دفع ما يقارب 1000 شيكل، وفي أول يوم عمل له لكسب رزقه، تفاجأ بسحب الجيش الإسرائيلي لتصريح عمله، على معبر بيت حانون وتم طرده ليعود إلى بيته فارغ اليدين لأطفال تنتظر عودته بما يلبي حاجياتها، وذلك بحجة تهديد الأمن الإسرائيلي وأردف الطفل محمد ندخل يومياً من 10 – 20 شيكل مصروف يومي وعن مستواه الدراسي قال مستواي بالمدرسة مقبول.
موقف المدرسة من الظاهرة:
وللتعرف على موقف المدرسة من ذلك تحاورنا مع المدرسة وفاء عودة مدرسة في المدرسة الابتدائية للاجئين بدير البلح، وبما يخص مدى تأثير عمل الأطفال على التحصيل الدراسي والقدرات العقلية للطفل أكدت وفاء أن لعمالة الأطفال تأثير سلبياً ومباشراً على مدى تحصيلهم الدراسي، لأن التلميذ الذي يقوم بأي عمل من أجل تحصيل الرزق يأتي في نهاية اليوم ليشعر بالتعب الشديد على جسمه وعقله لأن العقل السليم في الجسم السليم، وهنا يعني التسليم للتعب والجهد وعدم القدرة على التفكير وأيضاً للعمل تأثير على الأطفال من ناحية حضورهم العقلي والجسدي وإتمام الواجبات بشكل سلبي، بحيث لا يستطيع الطفل أن يستوعب دروسه سواء في الفصل أو البيت وهو يشعر بعناء العمل المثقل على أكتافه، والمسؤوليات الملحقة به،وذلك يؤثر على قدرته في الانتباه والسرحان وكذلك الإرهاق الذي يظهر على وجه الطفل، وبالتالي لا يمتلك القدرة على المواظبة أو مواصلة مرحلته الدراسية،وإهماله لواجباته المدرسية وقد يؤثر الطفل على زملائه بتشجيعهم على السير معه في طريق العمل، واختصار طريق التعليم إلى العمل الذي لا يكاد إلا أن يسد رمق القليل من أفراد العائلة بالإضافة إلى الاستهتار والاستخفاف بأهمية العلم والتعليم لدى الطفل.
وأردفت قائلة إن المسئولية جماعية، كل فرد في المجتمع تقع عليه المسؤولية، لا يمكن التهرب منها، وقد يأخذ الاحتلال وما ينجم عنه من ظروف صعبة النصيب الأكبر في هذه الظاهرة، ولكي لا ننسى الأسرة في البيت وخاصة الأب الذي حمل ابنه مسئولية كبيرة قبل الوصول للسن المناسب للعمل.
وأكدت لنا لإيجاد حل لأي ظاهرة لابد من تكاتف الأيدي والجهود وذلك بالوقوف مع الطالب العامل لمعرفة أسباب قيامه بالعمل، والعمل على توجيهه وإرشاده إلى مواصلة حياته التعليمية، والوصول إلى ولي الأمر وشرح عواقب عمل الطالب ومساعدة الطالب مادياً من المدرسة والمسئولين والمهتمين بدعاية الطفل وتوفير حاجياته، ونحن نعمل على الاهتمام بالتلاميذ وتوجيههم والتعرف على مشاكلهم ومحاولة حلها ومساعدتهم مادياً،وتعريفهم بأهمية التعليم وقيمة العلم وأثره في رفعة المجتمعات ورقيها، وأن العلم هو المستقبل وهو هدفنا في الحياة ونحن نتعلم لكي نصنع المستقبل بالعمل النافع، كما نوضح لهم حقوقهم على آبائهم، وحقهم في التعليم الذي تحرص كل الدول لتوفيره لأبنائها.
"نظرة الأخصائيين الاجتماعيين"
وللتعرف على نظرة العلم والأخصائيين الاجتماعيين لهذه الظاهرة، تحاورنا مع الدكتور جميل حسن الطهراوي رئيس قسم الخدمة الاجتماعية بالجامعة الإسلامية، كان أول ما بدأنا به هو توضيح الأسباب الحقيقية التي تدفع الأطفال للعمل، حيث أشار الطهراوي إلى أن أي ظاهرة في المجتمع تكون محصلة لعدة عوامل مترابطة، وهذه الظاهرة يلعب البعد الاقتصادي الدور المهم، وليس للتقليل بالبعد الاجتماعي والثقافي، القصد أن تعليم الأسرة وثقافتها وترابطها وعلاقتها الاجتماعية يؤثر في هذه الظاهرة، أما بالنسبة للاحتلال، إن كل الظواهر تؤثر على بعضها، فلاحتلال أثر على حياة الفلسطيني من الناحية الاقتصادية والاجتماعية وسهل في انتشار هذه الظاهرة، لكن بطريقة غير مباشرة، لأن الاحتلال لم يطلب مني أن اشغل الأطفال، وأكد ان للعامل الاجتماعي أهمية كبيرة إذ ان قلة من الناس لايرضون لأبنائهم العمل لأنه عمل غير سليم وكل إنسان له دور في الحياة، وهذا الطفل لم تنم عضلاته وقدراته العقلية، وهنا دور المدرسة لتأهيله، والعمل السليم له أسس وقواعد يجب الأخذ بها وتعلمها حتى لو كانت الأسرة متعلمة ومثقفة وفقيرة قد لا ترضى لأطفالها العمل لإيمانها بخطورة هذا العمل.
وبين لنا أن هناك آثاراً خطيرة لهذه الظاهرة على الطفل، لأن الطفل لم يعش ما يوازي الفئة العمرية التي ينتمي إليها فهو بحاجة للعب والاختلاط بلاطفال والترفية والشعور بالطفولة السعيدة لكن هذا الطفل محروم ومرحلة الطفولة اجمع علماء النفس والاجتماع على أهميتها في تكون الشخصية الاجتماعية، وان الطفل في عمر خمس سنوات، يجب أن يذهب للمدرسة واللعب مع زملائه لا للعمل في ورشة اثنى عشر ساعة ناهيك عن المعاملة السيئة التي يلقاها الطفل بالعمل، في المقابل قد يكون هذا الطفل ذكياً جداً لكن ظروفه صعبة.
ويؤثر كل ذلك على نمو الطفل النفسي والاجتماعي والناحية الجسدية، وكذلك يؤثر على تكوين العلاقات الاجتماعية للطفل، فالفرق واضح بين طفل اخذ حقه في التربية والتعليم وبين طفل حرم من كليهما ونحن لا نهاجم نوعية العمل، لأن العمل ليس عيباً لكن من الخطأ أخذ الطفل وهو في سن 8 و9سنوات للعمل، وأيضاً يؤثر هذا على مستقبل المجتمع أي إذا أهملتك وأهملت نفسي لم يبق احد في المجتمع، وهؤلاء الأطفال سوف يكبرون ويصبحون شباباً بالمجتمع إما سلبيون أو ايجابيون.
وأشار الطهراوي أن الحلول المقترحة للتخفيف من حدة هذه الظاهرة متشابكة كما الأسباب، ولا توجد عصا سحرية لتقضي على هذه الظاهرة، وحتى الناحية المادية لا تكفي للقضاء عليها، فقد يتحسن الوضع المادي، ولكن هناك أناساً ثقافتهم هكذا ويرجع السبب للجهل، فهنا يجب أن نجتمع للعمل في إطار واحد، ونحو هدف واحد، بحيث يكون لوزارة التربية والتعليم دور مهم، والشؤون الاجتماعية ووزارة الأوقاف وخطيب الجمعة بتوضيح حقوق الطفل بحيث لا يجوز ان نوجه هذا الطفل للعمل، وكذلك يجب أن توجد رقابة على الذين يستغلون الاطفال للعمل، ويأتي دور الإعلام بإعداد البرامج التلفزيونية ونحن كأخصائيين دورنا ينبثق من المؤسسة التي نعمل بها إما إعداد أخصائيين اجتماعين لمساعدة في حل مشاكل المجتمع، وتقليص الظواهر السلبية به، ونحن بمجال الخدمة الاجتماعية مازلنا مبتدئين ولكننا نسير بخطى جيدة تجاه هذه الظروف الصعبة، فهذا نداء لكل المؤسسات الاجتماعية المهتمة برعاية الطفل ولكل المسؤليين ان يهتموا بهذه الظاهرة التي تشكل خطراً على مستقبل مجتمعنا فلابد من السعي للإيجاد الحلول والتقليص من المخاطرة هذه الظاهرة بتكاثف الجهود والعمل الجاد.