|
الحكومة تستعجل الانفجار الاجتماعي .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 08:42
المحور:
الادارة و الاقتصاد
آفة المغرب الحقيقية تكمن في غياب الحساب والعقاب عن كل إخلال أو جرم أو فساد ارتكبه كل مسئول مباشر عن المصلحة أو القطاع الذي يشرف عليه . وإذا ما قُدّر لآلة الحساب أن تشتغل ولآلة العقاب أن تتحرك فحتما لا يتجاوز مداها البسطاء ممن أوكلت لهم مهمة التنفيذ ، أما المتنفذون الحقيقيون فهم في مأمن ومنأى عن كل حساب أو عقاب . يضاف إلى هذه الآفة الخطيرة التي تتطلب إرادة سياسية قوية لدى جميع الفاعلين السياسيين لقطع دابرها والتأسيس بالفعل وبالملموس لدولة الحق والقانون ، يضاف عنصر مشجع على استمرار وضعية اللاعقاب والمتمثل في ضعف الدولة وتراخي أجهزتها المكلفة بالمراقبة والتتبع اليومي لمشاكل المواطنين . إن ضعف الدولة ، في هذه الحالة ، هو من ضعف الحكومة وليس العكس . ومتى كانت الحكومة جادة في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة حالة الترهل والتراخي داخل قطاعاتها وهياكلها ، فسيكون من اليسير تفعيل تدابير الزجر والحساب ضد كل من ثبت في حقهم الإخلال بالواجب أو فساد الذمة . وإذا ما قُدر لمساطر المحاسبة أن تشتغل بالشكل السليم فإن الحكومة ، بمختلف قطاعاتها ، هي أول من يجب أن يُساءل عن مدى الوفاء بما أعلنته من التزامات ، وفي مقدمتها : تخليق الحياة العامة ، تحسين الأوضاع المعيشية لعموم المواطنين وفي مقدمتهم محدودي الدخل وعديميه . وإلى الآن لا يظهر في الأفق أي مؤشر على كون الكومة عازم فعلا على التخفيف من أعباء المعيشة التي أثقلت كاهل معظم الأسر المغربية ، بدليل الإحصائيات التي تقدمها المندوبية السامية للتخطيط والتي تفيد ارتفاع الرقم الاستدلالي لتكلفة المعيشة للمواد الغذائية بنسبة 6.8 في المائة خلال 2008،مما يساهم في رفع التضخم إلى 3.9 في المائة، بدل المعدل السنوي الذي يعادل 2 في المائة خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 2006 . ومعنى هذا أن سنة 2008 هي الأسوأ إذا قورنت بالسنوات 2000 إلى 2006 . أي أن الأوضاع المعيشية تزداد تدهورا وسوءا في ظل هذه الحكومة التي وعدت بتحسين الأوضاع المعيشية فأخلفت وعدها . وما يزيد المشاكل الاجتماعية حدة وتوترا هو إصرار الحكومة على مواصلة الضغط على القدرة الشرائية للمواطنين رغم الاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات القطاعية التي تخوضها المركزيات النقابية أو التي تهدد باللجوء إليها في قادم الأيام . ويمكن رصد الإصرار والتعنت الحكوميين في الحالات التالية على سبيل الذكر : 1 ـ الارتفاع المتواتر في أسعار المواد الغذائية الأكثر استهلاكا من طرف الأسر المغربية ، حيث بلغت نسبة الارتفاع خلال 11 شهرا من 2008، باعتراف من المندوبية السامية للتخطيط ، في العجائن الغذائية (27 في المائة)، والكسكس (34.9 في المائة)، والزيوت(41.4 في المائة)، والسميد (41.7 في المائة)، والزبدة الصناعية(25.4 في المائة). بل إن البحوث الدائمة التي قامت بها مندوبية التخطيط حول الأثمان" مكنت من التتبع المنتظم لآثار الأزمة على الأسعار عند الاستهلاك لـ285 منتوجا و768 نوعية مستهلكة من طرف الأسر المغربية، وتحتل المواد الغذائية مكانة الصدارة بـ136 منتوجا و243 نوعية." فضلا عن الزيادات التي مست ، ابتداء من فاتح يناير الجاري ، الكثير من المواد الاستهلاكية كالحليب ومعلبات الطماطم وحفاظات الأطفال ومساحيق التنظيف فضلا عن الزيادة في تسعيرة تذاكر النقل العمومي وتعريفة استعمال الطرق السيارة وعدد من الخدمات . علما أن كثيرا من المواد الاستهلاكية انخفضت أثمانها في السوق العالمية دون أن يستفيد المستهل المغربي من هذا الانخفاض . 2 ـ رفض الحكومة تخفيض أسعار المحروقات رغم سلسلة الانخفاضات التي عرفتها أثمان هذه المادة بعد أن وصلت إلى 147 دولار للبرميل لتنزل على ما دون الأربعين . علما أن الصحافة نقلت عن مسئول حكومي عزم الحكومة على تخفيض سعر المحروقات إذا تراوحت ما بين 50 و 60 دولار . وها هي تنخفض إلى أدنى دون أن تكون للحكومة نية في التخفيض ، بل إن العكس هو الحاصل لما قررت الحكومة تزويد السوق بمنتوج جديد ب 10،13 درهما . الأمر الذي سينعكس مباشرة على أسعار كل المواد والخدمات في اتجاه رفعها إلى معدلات قياسية . علما أن حكومات دول العالم خفضت أسعار المحروقات بما يتناسب مع انخفاضها في السوق العالمية ، بحيث نجد مثلا حكومة الأردن خفضت ثمن المحروقات 8 مرات متتالية ، بينما حكومتنا "الموقرة" كان لها رأي وقرار يتناقضان مع رغبة المواطنين ومطالبهم . 3 ـ عجز الحكومة عن التدخل لفرض تخفيض أسعار كثير من المواد الاستهلاكية التي انخفضت أثمانها في السوق العالمية بسبب الأزمة المالية والركود الاقتصادي الدولي . وكيف للحكومة أن تتدخل وهي نفسها أول من يخرق تعهداتها . ليظل المغرب البلد الاستثنائي الوحيد الذي ترتفع فيه الأسعار ولا تنخفض . 4 ـ إصرار الحكومة على ترك الفلاحين الصغار عرضة لكل أشكال الاستغلال البشع دون أدنى حماية . وكمثال على هذا الاستغلال الممنهج للفلاح والكساب فإن ثمن شراء الحليب من الفلاح لا يتجاوز 2،80 درهم للتر الواحد ( درهمان و80 سنتم) فيما المستهلك يقتنيه ب 6،60 درهم للتر . وكذلك الشأن بالنسبة للشمندر وقصب السكر ونوار الشمس . بالتأكيد أن السياسة التي تنهجها الحكومة ستعجل من تفجير الأوضاع الاجتماعية بسبب تفشي الفقر وإضعاف القدر الشرائية لغالبية المواطنين . إذ بدلا من العمل على خلق تنمية حقيقية عبر تخفيض الأسعار وتشجيع الاستهلاك وفتح فرص أكثر للعمل والاستثمار ، تفضل الحكومة الخيارات التقنية السهلة التي تقود حتما إلى زعزعة الاستقرار والأمن الداخليين . فهل ستدرك الحكومة أنها هي المسئول المباشر عن تردي الأوضاع الاجتماعية وحالة الاحتقان الشعبية بسبب الغلاء والفساد والفقر والبطالة ؟
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثقافة تبضيع المرأة ونخاستها .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الثورة الهادئة وجرأة التغيير السلس .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
المرأة أولى ضحايا ثقافة الأزمة والبدونة(2) .
-
المرأة أولى ضحايا ثقافة الأزمة والبدونة (1).
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الحوار مع شيوخ السلفية الجهادية والرهانات الممكنة .
-
هل بتنا بحاجة إلى حكومة أجنبية لتدبير شأننا العام ؟
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
هل تتقاطع رهانات الأحزاب مع إستراتيجية الملك ؟
-
إستراتيجية الملك ورهانات الأحزاب .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
الأحزاب السياسية ورهان المرحلة .
-
ما أبعد الحركة عن الإصلاح والتوحيد (3)
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
ما أبعد الحركة عن التوحيد والإصلاح (2)
المزيد.....
-
ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين في تركيا أكثر من 5%
-
ترامب: سنفرض رسوما جمركية على أوروبا
-
مساع حكومية لحماية العملة الوطنية في العراق وتعزيز أمنها الا
...
-
هل تترجم مذكرات التفاهم العراقية المصرية إلى منافع اقتصادية؟
...
-
هل يجب إرغام الاقتصاد السويسري على احترام حدود الطبيعة؟
-
رئيس مؤسسة النفط الليبية: نركز على تعزيز الإنتاج والشفافية
-
الاقتصاد السوري بين متطلبات بناء الدولة وطموح المطالب الشعبي
...
-
الهند تلغي الضرائب على واردات العديد من المكونات الإلكترونية
...
-
ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي تفشل لأول مرة في تحقيق أهداف مل
...
-
ضمن حربه على التزوير.. العراق يعزز أمن عملته
المزيد.....
-
دولة المستثمرين ورجال الأعمال في مصر
/ إلهامي الميرغني
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ د. جاسم الفارس
-
الاقتصاد الاسلامي في ضوء القران والعقل
/ دجاسم الفارس
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|