|
نظرة نحو الخلف...
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2529 - 2009 / 1 / 17 - 07:49
المحور:
المجتمع المدني
لا أحد يحسد العرب اليوم على ما حقّـقـوه من رفعة وسيادة ومكانة لائقة بين أمم الأرض وقواها العظمى، وذلك بعد قرن من التضحيات والخطط السديدة والسياسات الرشيدة وإرساء قواعد دولة القانون وأسس المجتمع المدني التي تضمن لكل انسان حقه في الحياة الحرة الكريمة التي تؤكدها جميع المواثيق العربية الرسمية والحزبية دون استثناء، وبالشكل الذي يجعل من حقوق الحياة والاعتقاد والرأي والتعبير والعمل والسفر بديهيات يومية مملة!.. ان معيار أي حضارة أو مدنية أو تطور انما هو الانسان. الانسان بكيانه ومصالحه ومعتقداته ومدى تصالحه مع نفسه ومجتمعه والعالم. وفي هذا الصدد لا يمكن التغافل عن وضع الانسان العربي وما بلغه من مديات خارقة تتيح له الدخول في مسابقات الأرقام القياسية والخروج منها مثل الجمل في سم الخياط؛ فعلى صعيد التأريخ والجغرافيا يحتل العرب اليوم أوسع بقعة من مساحة الأرض التي تشمل الماء واليابسة، بدءاً من أصغر جزيرة لا ترى بالعين المجردة في الأطراف الجنوبية من المحيط الهادي عبر مثيلاتها في المحيط الهندي الى الجنوب من جزيرة سيلان ولاوس عبر مجاهل أفريقيا وأميركا الجنوبية وصولاً الى مجاهل أميركا الشمالية وأوربا وآسيا. وهي المرة الأولى التي ينجح فيها العرب في توسيع حدود امبرطوريتهم العالمية التي تبدو معها امبراطورية الروم أو العباسيين أو الكومنولث مثل فأرة بجانب جبل. وما يزال أولاد قحطان وعدنان يبذلون جهودهم الايمانية الحثيثة في البر والبحر للوصول الى أبعد نقطة عن وطنهم الأم ممثلاً في شبه جزيرة العرب وما يحاددها من أجل تحقيق ذاتهم والتحرر من ربقة اليأس والرتابة والاحباط والقتل العمد غير المخطط والقتل المخطط غير المقصود دون الفوز بنعمة الجهاد التي وردت في القرآن الكريم في باب جهاد النفس وجهاد العيش باعتباره أعلى رتب الجهاد التي تقتضي من المرء السعي في مناكب الأرض واستحصال الرزق ولو كره الكارهون!. وإذا كان الاقتصاد دعامة كل أمة وضمانة أية حضارة ومستقبل؛ فان أثر العرب في حياة الأمم والدول السائدة منذ القرن المنصرم مما لا يمكن تجاهله بالبصر أو بالبصيرة، سواء بالمنظور الاستراتيجي للتغيرات والأحداث السياسية الأرضية أو المنظور الانساني للحياة اليومية للبشر في مختلف القارات، سيما في قلب أوربا وأميركا، ويكفي أن يعطس مسؤول عربي أو يتنحنح حتى يتأثر الاستقرار الغربي بفعل حركة الأسعار والعملة اليومية المستندة الى تموجات أسعار النفط. والحقيقة ان الفعل العربي الراهن في الحياة الدولية والغربية خصوصاً يتم على ثلاثة أصعدة متساوقة: ضخ المواد الأولية الاستراتيجية ممثلة بالنفط أساساً؛ تأمين الغطاء النقدي للاقتصادات الغربية عبر تراكم وتنامي المليارات العربية في البنوك الغربية تحت حسابات مشفرة؛ مدّ الاقتصادات العالمية والغربية على سبيل التخصيص والودّ بالأيدي العاملة الاختصاصية وشبه المتعلمة، وبالشكل الذي يضمن عدم استفادة الاقتصادات العربية من الامكانيات البشرية والمادية التي لديها. وبالمقابل تستقبل البلدان العربية أعداداً لا حصر لها من العمالة الغربية "الجنس الراقي" ولأغراض ومهمات لا يعلم بها غيرالله، وذلك لتأمين موارد دخل اضافية باذخة استناداً الى قيم الكرم والمروءة والأخلاق العربية السامية التي تتعدى المرتب الى بدلات ومخصصات وهدايا ومكافآت، يقف الاقتصاد المالي التقليدي عاجزاً أمام تبويب فقراتها. وما ذلك إلا في خطوة ذكية من الحكام العرب لتنبيه الاصدقاء الستراتيجيين لضرورة التعامل بالمقابل مع الرعايا العرب المهاجرين لديهم. وللحق فان الاصدقاء الستراتيجيين قد تجاوزا كرم العرب في معاملة رعاياهم سواء في أنواع الأعمال ومناسيب الدخل المجزية أو تجاوز مواثيق التمييز العنصري والديني وخروقات حقوق الانسان. وكان من علائم الارتياح المتبادل اختزال دور القناصل المعتمدين في متابعة مصالح المغتربين وعدم الحاجة لتعكير الأجواء بسب فلان وعلان. أما على الصعيد الثقافي والذي لابدّ ينسجم ويتأثر بحركة التطور الاقتصادي والمدني، يفوق عدد المؤلفين والكتاب العرب اليوم ما لدى نصف بلدان العالم مجتمعة، كما يتفوق العرب على غيرهم في عدد المتحدثين بلغات أجنبية بعد أن كانت الأمية-وما تزال- هي الصفة البارزة للعالم العربي قبل قرن من الزمان. وكان لابدّ أزاء هذا الانفجار الثقافي أن تعجز وسائل الاعلام العربية عن استيعاب هذه الأعداد فتدفع موجات منهم الى المقاهي أو الهجرة، ناهيك عن صعوبة مراقبتهم أو شمولهم بالتوجيه والدعم المؤسساتي النظيف؛ أو تأمين وسائل الحماية الكافية لهم من المشعوذين والمتطرفين والجهال الذين يغيظهم ما عليه الأديب العربي من رفاهية وكرامة وحرية لا حدود لها.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من داود بن يسي
-
المريض العراقي
-
أنا الخطاب.. أنا الآخر - في آلية الحوار-
-
مات إله الشياطين
-
رسالة لم تصل إلى جلجامش
-
ابحث عن رصيف يحتمل موتي..
-
أنسى..
-
مدينة الحوار المتمدن
-
الموت.. دورة المطلق الحميمة
-
سيرة و مكان
-
قراءة في مجموعة [إمرأة سيئة السمعة]
-
الطائر الذي يغني من داخل القفص
-
العنف.. ثمرة ثقافة سيئة
-
الاشتراكية..تحرير الفكرة من العصبية والدولة
-
وأذكر أني عراقيُّ.. فأبكي!..
-
العنف الاجتماعي بين الهمجية والمرض النفسي
-
(غداً..!)
-
أشعياء بن آموص
-
(حجيّة غُرْبَتْ)
-
إلى وسام هاشم
المزيد.....
-
مسئول بحماس: إسرائيل تريد اتفاقا بدون توقيع.. ولم توافق على
...
-
دراسة: إعادة اللاجئين السوريين قد يؤثر سلبا على اقتصاد ألمان
...
-
إيران تُسرع تخصيب اليورانيوم والأمم المتحدة تدعو لإحياء الات
...
-
اعتقال أوزبكستاني يشتبه بتورطه في -اغتيال جنرال روسي بتعليما
...
-
مسئول أمريكي سابق: 100 ألف شخص تعرضوا للإخفاء والتعذيب حتى ا
...
-
تواصل عمليات الإغاثة في مايوت التي دمرها الإعصار -شيدو- وماك
...
-
تسنيم: اعتقال ايرانيين اثنين في اميركا وايطاليا بتهمة نقل تق
...
-
زاخاروفا: رد فعل الأمم المتحدة على مقتل كيريلوف دليل على الف
...
-
بالأرقام.. حجم خسارة ألمانيا حال إعادة اللاجئين السوريين لبل
...
-
الدفاع الأمريكية تعلن إطلاق سراح سجين كيني من معتقل غوانتانا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|